أرى الأرض قد مادت لأمر يهولها

أرى الأرض قد مادتْ لأمرٍ يهولهُا

​أرى الأرض قد مادتْ لأمرٍ يهولهُا​ المؤلف حيدر بن سليمان الحلي


أرى الأرض قد مادتْ لأمرٍ يهولهُا
فهل طرقَ الدنيا فناءٌ يزيلُها؟
وأسمع رعداً قد تقصف في السما
لمن زمرُ الأملاك قام عويلها؟
تأمَّل فأما الساعةُ اليوم فاجأت
وأما التي في العالمين عديلها
وإلا فما الدهر راع حشا الورى
بتقطيبه منها عراها ذهولها؟
بلى طرقتْ أختُ القيامة بغتةً
وتلك التي للحشر يبقى غليلها
لها صعدتْ بالحزن للعرش رنّةٌ
بأعلى بيوت الوحي كان نزولها
نحت في رواق المجد صدراً من العُلى
يروع ملوكَ الأرض فيه مئولها
ومالت بأرسى هضبةٍ ما تصوَّرت
جحاجحُ فهرٍ أن ترى ما يميلها
فدىً لعميد الغالبين كلّها
وأي فريدٍ لو فداه قبيلها
إذاً لافتدت طوداً لها ما تعلقت
بقنته للكاشحين وعولها
فإن "معز الدين" مَن سُلَّ دونه
صوارمُ لا يخشى عليها فلولها
وقارع حتى كلُّ مضاء فكرةٍ
ثناه بحدِّ القول وهو كليلها
وراش نبالاً لم تفت مقتل العدى
وأقتلُ سهمٍ ما يريش نبيلها
وسدَّد من أقلامه السمر صعدةً
بصعداتها للسمر قصِّر طولها
فأدرك ما لا تدرك الشوسُ بالقنا
ونال بها ما لم تنله نصولها
أكالئ ثغر الدين قد عثر الردى
بيومك لكن عثرةً لا نقيلها
لأرخى يميناً منك شدَّ قوى الهدى
وغمض عيناً بالحفاظ تجيلها
فمن مخبري كيف انتحتك منيةٌ
بطرفك لو ترمى لعزِّ وصولها؟
أأنحلها خوفُ التقحيم إذ مشت
إليك فأخفاها عليك نحولها؟
أم اقتادك التسليمُ لله طائعاً
وهل طاعةٌ إلا وأنت فعولها؟
ورزئك ما هذي الدموع وإن جرت
بماءٍ ولا هذي السيولُ سيولها
ولكن حشاشات على الشوق لم تزل
تذوب إلى أن جاءها ما يسيلها
ستبكيك ما ناح ابنُ ورقاء أعينٌ
بفضلك من حيث التفتنا نجيلها
نرى لك آثار الغمامة لاطفت
ثرى الأرض حتى روَّضته هطولها
"أبا صالحٍ" ما العيش بعدك صالحاً
لنفسٍ هواها عنك لا يستميلها
عفاءً على "الفيحاء" بعدك وحدها
وإن غال كلَّ الأرض بعدك غولها
لقد لبست فيك الجمال وإنما
عليك تعرّى اليوم عنها جميلها
غدت ثاكلاً تشجى بنيها وطالما
زهت فاجتلتها كالعروس بعولها
نعاك لها ناعٍ إليك أطارها
بدهياء راعَ الخافقين حلولها
أتت لك تشكو اليتم فيك بأدمعٍ
لها صنتها دهراً فأضحت تذيلها
وشرفتها ميتاً بحملك ضعف ما
رأتك من التشريف حياً تنيلها
إصاحِ إلى جنبي قف اليوم ممسكاً
عليَّ حشاً حان الغداة رحيلها
فقد كنتُ قبل اليوم أعهد لي يداً
هي اليوم لا منّي فأنت بديلها
أزل بالنعيّ الراسيات فقد سرى
يخفُّ على أيدي الرجال ثقيلها
وما خفَّ لمّا أن تساوى بحمله
حقيرٌ الورى فوق الثرى وجليلها
ولكن سرى الأملاك فيه يؤمهم
بتكبيره فوق السما جبرئيلها
وغبراء من حثو التراب قد احتبى
بقاتمها حزنُ الفلا وسهولها
مرت ماءها الأنفاسُ في صعداتها
فسالت وأسرابُ الدموع سيولها
تدانى بها منا ابنُ نعيٍ يلوثها
على وجهه طوراً وطوراً يذيلها
فقمنا له نخفي الذي منه هالنا
وهل طلعةٌ للشر يخفي مهولها؟
وقلنا زعيم الطالبيين أحدقت
بجنب علاه شيبها وكهولها
قضى حجةً واستأنف السير فانبرت
تعطّف منه حول فحلٍ فحولها
وهذا بشيرٌ لو وهبنا نفوسنا
لقلت له والفضلُ منه قبولها
فلما ألمَّ استلَّها من لسانه
صفيحة نعيٍ كلُّ قلبٍ قتيلها
شكت عندها الأسماعُ وقراً أصمَّها
وما وقر الأسماع إلا صليلها
وقال امسحوها اليوم عمياء من جوىً
بشلاّء فيها لم يُككفْ همولها
فذاك على الأعواد سيدُ هاشمٍ
بجنب العُلى منه مسجى كفيلها
وذي هاشمٌ جاءت بأثقال همِّها
ومهديّها محمولة لا حمولها
نضتها السرى أسيافَ مجدٍ صقيلةً
وعادت وفي قلب المعالي فلولها
مضت بأبٍ للمكرمات يؤمُها
وكان بأمِّ النائبات قفولها
أما وسريرٍ تحته قد تزاحمت
فطاشت كما طاشت خطاها عقولها
لقد هالها الإقدام فيه لتربةٍ
على روحها بالراحتين تهيلها
فقد قبرت في اللحد واحد عصرها
وأقسم ما المقبورُ إلا قبيلها
تجللتها يا دهرُ سوداء فانطوت
عليك ليوم النشر تضفو ذيولها
خطمت بها قسراً عرانينَ هاشمٍ
فقدها تساوى صعبُها وذلولها
فما جولة عند الردى فوق هذه
فنخشاه يوماً في كريم يجولها
ويا رافعيه في الأكف نصبتمُ
بها علماً يشأى العُلى ويطولها
قفوا وانظروا كيف الورى لو تحاشدت
وضاق بأبناء السبيل سبيلها
تشيِّع نعشاً ليس تدري إمامها
إلى القبر محمولٌ به أم رسولها؟
فتىً طبَّق الدنيا علاءً وعمَّها
سخاءً وأبقى بعده من يعولها
كفى خلفاً منه بأشبال مجده
وهل تخلف الآساد إلا شبولها؟
مصابيحُ رشدٍ والمصابيح في الورى
يكون إليها ليس عنها عدولها
فشمسُ الهدى والأمر لله إنْ تغبْ
وراع الورى شرقاً وغرباً أفولها
فدونكها موروثةً نبويَّةً
وخلفَك باغيها فللأُسد غيلها
إمامة حقٍ إن تكن أمس ودعت
أباها فعند اليوم ناب سليلها
ستعلم روادُ الشريعة إذ جرت
بسلسلٍ علمٍ فيك ما سلسبيلها
لقد سمعت بالوحيِ تنزيلَ آيها
وسوف ترى من فيك كيف نزولها
ألا إنما العليا قواعدُ سؤددٍ
لك اللهُ أرساها فمن ذا يزيلها
ومجد قدامى الفخر مدَّ على الورى
سماءً لها عرض السماء وطولها
عفاةَ الورى لا يقعد اليأسُ فيكم
فأثقال أهل الأرض قام حمولها
أبلِّ بني فهرٍ لواشجةٍ حشاً
إذا الشتوةُ الغبراء هبَّ بليلها
أتى باليد البيضاء تقطر نعمةً
وبالطلعة الغرّاء يبهى جميلها
لقد جاء في عصر به عقر الندى
سوى مذقةٍ يعي الرجاءَ حصولها
فما هو إلا "صالحٌ" و"ثمودهُ"
وبالجود إلا ناقةٌ وفصيلها
أنر يا "أبا الهادي" دجى كلِّ مشكل
فما شبهةٌ إلا وأنت مزيلها
وأمطر بناناً يا "محمدُ" في الورى
وقد روَّضوا حالاً توالت محولها
فاقسمُ لو لم ترو عاطشة المنى
لدبّ بأغصان الرجاء ذبولها
صنايع من عرفٍ لنا بك فخرها
وللناس مشكوراً لديك جزيلها
قد اكتست الدنيا فتاهت بزهوها
خلائقَ أخلاقُ الرجال سمولها
إذا استبقت فهرٌ بفخرك في مدىً
غدت غررُ العليا لها وحجولها
وليس الخطاب الفصلُ إلا مقالة
لسانُ قريشٍ وهو أنت قؤولها
بك ارتاش عافيها وقرَّ مروعها
وأدُنى قاصيها وعزَّ ذليلها
وما قصرتْ باعُ العُلى عن رزيّةٍ
رغت كرغاء المثقلات نكولها
وذا "صالحُ" الدنيا وأنت كلاكما
تمدان منها و"الحسينُ" مطيلها
فتىً لا أقول الغيثُ يحكي بنانه
سماحاً لأن الغيثَ فيه عذولها
شمائله تحكى النسيمَ لطافةً
وأخلاقه الصهباء رقَّت شمولها
بنى الغالبيين الذين أكفُّهم
تريك الغوادي الغرَّ كيف مخيلها
ألستم لقومٍ تملأ الأرض رجفةً
إذا هي للهيجاء سار رعيلها؟
ضراغمُ تخشى رقدة الموت من غفا
إذا استيقظتْ للضرب يوماً نصولها
يطول نعيُّ الثاكلات لقومها
إذا صهلت للطعن شوقاً خيولها
بها ليلُ أمّا هجرت يوم معركٍ
فتحت ظبات المشرفيِّ مقيلها
لها الحربُ لم تبرح تقلِّل عدَّها
ويكثر في عين العدوِّ قليلها
لكم صبرُها تحت السيوف وحلمها
إذا نوبُ الدهر ارجحنَّ جليلها
فما شيمةُ الحسَّاد فيكم وليتها
عفت كعفوِّ المجد منها طلولها
وقدركم في الموت يعلو نباهةً
وما الموت كلُّ الموت إلا خمولها
ألا أنتم القوم الذين قبابُهم
على شهب الخضراء ترخي سدولها
فروعُ علىً لا يدرك الوهم طائراً
سوى إنها فوق السماء أصولها
لها فوق أهل الأرض مجدٌ تكافأت
عمومتها في فخره وخؤولها
خذوها بني العلياء "خنساء" عصرها
وإلا فبنت الدوح مر غليلها
لها قربُ عهدٍ بالولادة لا تخل
أتى قبلُ أو من بعدُ يأتي مثيلها
تطول قوافي الشعر منها قصيدةٌ
«زهيرٌ» بحوليّاته لا يطولها
ألا إنما يبقى الهدى ببقائكم
فسؤلُ المعالي أن تدوم سؤولها