هو جمال الدين محمد بن عبدالله بن عبدالله بن مالك الإمام العلامة الأوحد الطائي الجيّاني الأندلسي، المالكي حين كان بالمغرب الشافعيّ حين انتقل إلى المشرق، النحوي نزيل دمشق. ولد رحمه الله بجيّان الأندلس سنة 600 هـ أو في التي بعدها، وسمع بدمشق من مكرم، وأبي صادق الحسن بن صبّاح، وأبي الحسن السخاوي وغيرهم. وأخذ العربية عن غير واحد فممّن أخذ عنه بجيّان أبو المظفر ثابت بن محمد بن يوسف بن الخيّار الكلاعي من أهل لبلة، وأخذ القراءات عن أبي العبّاس أحمد بن نوار؛ وقرأ كتاب سيبويه على أبي عبدالله بن مالك المرشاني، وجالس ابن يعيش وتلميذه ابن عمرون وغيره بحلب، وتصدّر بها لإقراء العربية، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيها الغاية، وأربى على المتقدمين. وكان إماما في القراءات وعالما بها، وصنّف فيها قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية. وأما اللغة فكان إليه المنتهى؛ قال الصفديّ: أخبرني أبو الثناء محمود قال: ذكر ابن مالك يوما ما انفرد به صاحب المحكم عن الأزهريّ في اللغة؛ قال الصفديّ: وهذا أمر يعجز، لأنه يحتاج إلى جميع معرفة ما في الكتابين، وأخبرني عنه أنه كان إذا صلى في العادلية ـ لأنه كان إمام المدرسة ـ يشيّعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له. ومع هذا لم ندر لأي سبب أغفل ابن خلكان ترجمته. وقد روى عنه الألفية شهاب الدين محمود المذكور، ورواها الصفديّ خليل عن شهاب الدين محمود قراءة، ورواها إجازة عن ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر، وعن شهاب الدين بن غانم بالإجازة عنهما عنه. وأما النحو والتصريف فكان فيهما ابن مالك بحرا لا يجارى، وحبرا لا يبارى. وأما اطّلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو واللغة فكان أمرا عجيبا وكان الأئمة الأعلام يتحيّرون في أمره. وأما الاطلاع على الحديث فكان فيه آية، لأن أكثر ما يستشهد بالقرآن، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث، وإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى أشعار العرب؛ هذا مع ما هو عليه من الدين المتين والعبارة وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السّمت وكمال العقل. وأقام بدمشق مدة يصنّف ويشتغل بالجامع وبالتربة العادلية، وتخرج عليه جماعة، وكان نظم الشعر عليه سهلا رجزه وطويله وبسيطه. ومن تصانيف ابن مالك " الموصّل في نظم المفصّل" وقد حلّ هذا النظم فسماه: سبك المنظوم، وفك المختوم، ومن قال: ان اسمه فك المنظوم وسبك المختوم فقد خالف النقل والعقل. ومن كتب ابن مالك "لكافية الشافية" ثلاثة آلاف بيت وشرحها، و"الخلاصة" وهي مختصر الشافية و" إكمال الأعلام بمثلث الكلام" وهو مجلّد كبير كثير الفوائد يدل على اطلاع عظيم و"لامية الأفعال وشرحها" و" فعل وأفعل" و"المقدمة الأسديّة" وضعها باسم ولده الأسد و" عدّة اللافظ وعمدة الحافظ" و" النظم الأوجز فيما يهمز" و"الاعتضاد في الظاء والضاد" مجلد و" إعراب مشكل البخاري" و" تحفة المودود في المقصور والدود" وغير ذلك كشرح التسهيل. وروى عنه ولده بدر الدين محمد، وشمس الدين بن جعوان وشمس الدين بن أبي الفتح، وابن العطّار، وزين الدين أبو بكر المزّي، والشيخ أبو الحسين اليوتيني (شيخ المؤرخ الذهبي)، وأبو عبدالله الصيرفيّ، وقاضي القضاة بدرالدين بن جماعة، وشهاب الدين بن غانم، وناصر الدين بن شافع، وخلق سواهم. ومن رسوخ قدمه في علم النحو أنه كان يقول عن ابن الحاجب: إنه أخذ نحوه من صاحب المفصّل، وصاحب المفصّل نحويّ صغير، وناهيك بمن يقول هذا في حق الزمخشري. وكان الشيخ ركن الدين بن القوبع يقول: إن ابن مالك ما خلّى للنحو حرمة. وقدم رحمه الله القاهرة ثم رحل إلى دمشق وبها مات ثاني عشر شعبان سنة 672 هـ. وكان ذا عقل راجح حسن الأخلاق مهذبا ذا رزانة وحياء ووقار وانتصاب لللإفادة، وصبر على المطالعة الكثيرة، تخرّج به أئمة ذلك الزمان كابن المنجي وغيره، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لها العلماء الأعيان، وكان حريصا على العلم حتى انه حفظ يوم موته ثمانية شواهد. وحكى أنه توجه يوما مع أصحابه للفرجة بدمشق فلما بلغوا الموضع الذي أرادوه غفلوا عنه بسويعة فلم يجدوه ثم بحثوا عنه فوجدوه منكبّا على أوراق، وأغرب من هذا ـ في اعتنائه بالعلم ـ ما مرّ أنه حفظ يوم موته عدّة أبيات؛ حدّها بعضهم بثمانية؛ لقنه ابنه إياها، وهذا مما يصدق ما قيل:" بقدر ما تتعنّى تنال ما تتمنّى" فجزاه الله خيرا عن هذه الهمّة العليّة.

ورحم الله ابن مالك فقد أحيا من العلم رسوما دارسة، وبيّن معالم طامسة، وجمع من ذلك ما تفرّق، وحقق ما لم يكن تبيّن منه ولا تحقق، ورحم شيخه ثابت بن الخيار، فإنه كان من الثقات الأخيار.

وذكر الصفدي عن الدهبي: أن ابن مالك صنّف الألفية لولده تقيّ الدين المدعوّ بالأسد، واعترضه العلامة العجيسي بأن الذي صنّفه له عن تحقيق المقدمة الأسدية، قال: واما هذه الألفية فذكر لي من أثق بقوله: إنه صنّفها برسم القاضي شرف الدين هبة الله بن نجم الدين عبدالرحيم بن شمس بن إبراهيم بن عفيف الدين بن هبة الله بن مسلم ابن هبة الله بن حسّان الجهني الحموي الشافعي الشهير بابن البارزي.

وقد قال بعض المغاربة يمدح ابن مالك وألفيته:

لقد مزّقت قلبي سهام جفونها

كما مزّق اللخميّ مذهب مالك

وصال على الأوصال بالقدّ قدّها

رفأضحت كأبيات بتقطيع مالك

وقلدت إذ ذاك الهوى لمرادها

كتقليد أعلام النجاة ابن مالك

وملّكتها رقّى لرقّة لفظها

وإن كنت لا أرضاه ملكا لمالك

وناديتها يا منيتي بذل مهجتي

ومالي قليل في بديع جمالك

شرّاحُ الألفيةِ

وقد شرح ألفية ابن مالك كثيرون من أئمة علماء النحو، نخص بالذكر منهم: المؤلف وابنه بدرالدين محمد، وبرهان الدين إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي الشافعي الهاشمي، وبهاء الدين عبدالله بن عبدالرحمن ابن عبدالله بن عقيل القرشيّ العقيلي، والشيخ عبدالله بن حسين الأدكاوي، وبدر الدين بن قاسم بن عبدالله بن علي المراديّ المصريّ المعروف بابن أم قاسم، ونور الدين أبا الحسن علي بن محمد الأشموني، والمختار بن بون الشنقيطي الجكني، والأمين بن الغزالي الشنقيطي الشقروي، وزين الدين عبدالرحمن بن أبي بكر المعروف بابن العينيّ، وأبا زيد عبدالرحمن بن علي بن صالح المكوّدي، وأبا محمد القاسم بن فيزة بن خلف بن أحمد الرعيني الأندلسي، وشمس الدين أبا عبدالله محمد بن أحمد بن عليّ بن جابر الهوّاريّ الأندلسي، وغيرهم. وجميع هذه الشروح ـ المطبوع منها والمخطوط ـ محفوظ بدار الكتب المصرية.

مقّدمةُ المُولّفِ

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم

قال محمد هو ابن مالك
أحمد ربي الله خير مالك
مصلّيا على النبي المصطفى
وآله المستكملين الشّرفا
وأستعين الله في ألفيّه
مقاصد النّحو بها محويّه
تقرّب الأقصى بلفظ موجز
وتبسط البذل بوعد منجز
وتقتضي رضا بغير سخط
فائقة ألفيّة ابن معطي
وهو بسبق حائز تفضيلا
مستوجب ثنائي الجميلا
والله يقضي بهبات وافرة
لي وله في درجات الآخرة

الكلام وما يتألف منه

كلامنا لفظ مفيد كاستقم
واسم وفعل ثم حرف الكلم
واحده كلمه والقول عـم
وكلمة بها كـلام قـد يـؤم
بالجر والتنوين والمد وأل
ومسند للاسم تمييز حصل
بتا فعلت وأنت ويا افعلي
ونون أقبـلن فعـل ينجلي
سواهما الحرف كهل وفي ولم
فعل مضارع يلي لم كيشم
وماضي الأفعال بتامز وسم
بالنون فعل الأمر إن أمر فهم
والأمر إن لم يك للنون محل
فيه هو اسم نحو صه وحيهل

أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين

كفاعلٍ صغ اسم فاعلٍ إذا
من ذي ثلاثةٍ يكون كغذا
وهو قليل ّ في فعلت وفعل
غير معدّى بل قياسه فعل
وأفعل ّ فعلان نحو أشر
ونحو صديان ونحو الأجهر
وفعل ّ اولى وفعيل ّ بفعل
كالضّخم والجميل والفعل جمل
وأفعل ّ فيه قليل ّ وفعل
وبسوى الفاعل قد يغنى فعل
وزنة المضارع اسم فاعل
من غير ذي الثلاث كالمواصل
مع كسر متلوّ الأخير مطلقا
وضمّ ميم زائدٍ قد سبقا
وإن فتحت منه ما كان انكسر
صار اسم مفعولٍ كمثل المنتظر
وفي اسم مفعول الثلاثيّ اطّرد
زنة مفعولٍ كآتٍ من قصد
وناب نقلاً عنه ذو فعيل
نحو فتاة أو فتى كحيل

أبنية المصادر

فعل ّ قياس مصدر المعدّى
من ذي ثلاثةٍ كردّ ردّا
وفعل اللازم بابه فعل
كفرحٍ وكجوىً وكشلل
وفعل اللازم مثل قعدا
له فعولّ باطرّادٍ كغدا
ما لم يكن مستوجباً فعالاً
أو فعلاناً فادر أو فعالا
فأولّ لذي امتناعٍ كأبى
والثان للذي اقتضى تقلّبا
للدّا فعالّ أو لصوتٍ وشمل
سيراً وصوتاً الفعيل كصهل
فعولة ّ فعالة ّ لفعلا
كسهل الأمرُ وزيدّ جزلا
وما أتى محالفا لما مصى
فنابه النقل كسخطٍ ورضا
وغير ذي ثلاثةٍ مقيس
مصدره كقدّس التقديس
وزكّه تزكية وأجملا
إجمال من تجمّلاً تجمّلا
واستعذ استعاذةً ثمّ أقم
إقامة وغالباً ذا التا التزم
وما يلي الآخر مدّ وافتحا
مع كسر تلو الثان ممّا افتتحا
بهمز وصلٍ كاصطفى وضمّ ما
يربع في أمثال قد تلملما
فعلالّ او فعللة ّ لفعللا
واجعل مقيساً ثانياً لا أوّلا
لفاعل الفعال والمفاعله
وغير ما مرّ السّماع عادلة
وفعلة ّ لمرّةٍ كجلسه
وفعلة ّ لهيئةٍ كجلسه
في غير ذي الثلاث بالتا المرّه
وشذّ فيه هيئة ّ كالخمرة

أسماء الأفعال والأصوات

ما ناب عن فعلٍ كشتّان وصه
هو اسم فعلٍٍ وكذا أوّه ومَه
وما بمعنى افعل كآمين كثر
وغيرُهُ كوي وهيهات نزر
والفعل من أسمائه عليكما
وهكذا دونك مع إليكما
كذا رويد بله ناصبين
ويعملان الخفض مصدرين
وما لما تنوب عنه عن عمل
لها وأخّر مالذي فيه العمل
واحكم بتنكير الذي ينوّن
منها وتعربف سواه بيّن
وما به خوطب ما لا يعقل
من مُشبِهِ اسم الفعل صوتا يجعل
كذا الذي أجدى حكايةً كقب
والزم بنا النّوعين فهو قد وجب

أسماء لازمت النداء

"وفل" بعض ما يخصّ بالندا
لؤمان نومان كذا واطّردا
في سبّ الانثى وزن يا خباث
والأمر هكذا من الثلاثي
وشاع في سبّ الذكور فعل
ولا تقس وجرّ في الشعر فل

أعلم وأرى

الى ثلاثةٍ رأى وعلما
عدوّا إذا صار أرى وأعلما
وما لمفعولي علمت مطلقا
للثان والثالث أيضا حققا
وإن تعديّا لواحدٍ بلا
همز فلا ثنين به توصّلا
والثان منهما كثاني اثني كسا
فهو به في كلّ حكمٍ ذو ائتسا
وكأرى السابق نبّا أخبرا
حدّث أنبأ كذاك خبّراً

أفعال المقاربة

ككان كاد وعسى لكن ندر
غير مضارعٍ لهذين خبر
وكونه بدون أن بعد عسى
نزر ّ وكاد الأمر فيه عكسا
وكعسى حرى ولكن جعلا
خبرها حتما بأن متصلا
وألزموا اخلولق أن مثل حرى
وبعد أوشك انتفا أن نزرا
ومثل كاد في الأصحّ كربا
وترك أن مع ذي الشروع وجبا
كأنشأ السائق يحدو وطفق
كذا جعلت وأخذت وعلق
واستعملوا مضارعاً لأوشكا
وكاد لا غير وزادوا موشكا
بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد
غنىً بأن يفعل عن ثانٍ فقد
وجرّدن عسى أو ارفع مضمرا
بها إذا اسمّ قبلها قد ذكرا
والفتح والكسر أجز في السين من
نحو عسيت وانتفا الفتح زكن

أفْعَلّ التفضيل

صغ من مصوغٍ منه للتعجب
أفعل للتفضيل وأب اللذ أبي
وما به إلى تعجّبٍ وصل
لمانعٍ به إلى التفضيل صل
وأفعل التفضيل صله أبدا
تقديراً أو لفظاً بمن إن جرّدا
وإن لمنكورٍ يضف أو جرّدا
ألزم تذكيراً وأن يوحّدا
وتلوُ أل طبقّ وما لمعرفه
أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه
هذا إذا نويت معنى من وإن
لم تنو فهو طبق ما به قرن
وإن تكن بتلو من مستفهما
فلهما كن أبداً مقدّما
كمثل ممّن أنت خيرّ ولدى
إخبار التقديم نزرا وردا
ورفعه الظاهر نزرّ ومتى
عاقب فعلاً فكثيراً ثبتا
كلن ترى في النّاس من رفيق
أولى به الفضل من الصّدّيق

أمّا ولولا ولوما

أمّا كمهما يك من شيءٍ وفا
لتلو تلوها وجوباً ألفا
وحذف ذي الفا قلَّ في نثرٍ إذا
لم يك قول ّ معها قد نُبِذا
لولا ولوما يلزمان الابتدا
إذا امتناعاً بوجودٍ عقدا
وبهما التحضيض مز وهلا
ألاّ ألا وأولينها الفعلا
وقد يليها اسم ّ بفعلٍ مُضمَر
علّق أو بظاهرٍ مؤخّر

اسم الإشارة

بذا لمفردٍ مذكّر أشر
بذي وذه تا على الأنثى اقتصر
وذان تان للمثنّى المرتفع
وفي سواه ذين تين اذكر تطع
وبأولى أشر لجمعٍ مطلقا
والمدّ أولى ولدى البعد انطقا
بالكاف حرفاً دون لامٍ أو معه
واللام إن قدّمت هاممتنعة
وبهنا أو ههنا أشر إلى
داني المكان وبه الكاف صلا
في البعد أو بثمّ فه أو هنّا
أو بهنالك انطقن أو هنّا
  اقرأ عن ألفية ابن مالك في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة