البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها



فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها


قال إسماعيل ابن أبي خالد عن الشعبي، عن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب أن رسول الله خطبها فذكرت أن لها صبية صغارا فتركها.

وقال: «خير نساء ركبن الإبل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده».

وقال عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني قد كبرت ولي عيال.

وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل عن السدي، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله فاعتذرت إليه فعذرني.

ثم أنزل الله: { إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك } [الأحزاب: 50] .

قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء.

ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث السدي، فهذا يقتضي أن من تكن من المهاجرات لا تحل له .

وقد نقل هذا المذهب مطلقا القاضي الماوردي في تفسيره عن بعض العلماء.

وقيل: المراد بقوله: { اللاتي هاجرن معك } أي: من القرابات المذكورات.

وقال قتادة: { اللاتي هاجرن معك } أي: أسلمن معك.

فعلى هذا لا يحرم عليه إلا الكفار وتحل له جميع المسلمات، فلا ينافي تزويجه من نساء الأنصار إن ثبت ذلك، ولكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا.

وأما حكاية الماوردي عن الشعبي أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية فليس بجيد.

فإنها هلالية بلا خلاف كما تقدم بيانه، والله أعلم.

وروى محمد بن سعد عن هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى رسول الله وهو مول ظهره إلى الشمس، فضربت على منكبه فقال: «من هذا؟».

فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني؟

قال: «قد فعلت».

فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجت النبي .

فقالوا: بئس ما صنعت أنت امرأة غيرى، ورسول الله صاحب نساء تغارين عليه، فيدعو الله عليك فاستقيليه.

فرجعت فقالت: أقلني يا رسول الله، فأقالها، فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له.

وبه عن ابن عباس أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبد الله بن جدعان فطلقها، فتزوجها بعده هشام بن المغيرة، فولدت له سلمة، وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها، فخطبها رسول الله من ابنها سلمة فقال: حتى استأمرها؟

فاستأذنها.

فقالت: يا بني أفي رسول الله تستأذن.

فرجع ابنها فسكت ولم يرد جوابا، وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن، وسكت النبي عنها.

وبه عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري، وكان أصابها سبي فخيرها رسول الله : «إن شئت أنا، وإن شئت زوجك».

فقالت: بل زوجي.

فأرسلها فلعنتها بنو تميم.

وقال محمد بن سعد: أنبأنا الواقدي، ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي قد وهبت نفسها لرسول الله فلم يقبلها، فلم تتزوج حتى ماتت.

قال محمد بن سعد: وأنبأنا وكيع عن شريك، عن جابر، عن الحكم، عن علي بن الحسين أن رسول الله تزوج أم شريك الدوسية.

قال الواقدي: الثبت عندنا أنها من دوس من الأزد.

قال محمد بن سعد: واسمها: غزية بنت جابر بن حكيم.

وقال الليث بن سعد عن هشام بن محمد، عن أبيه قال متحدث: أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي وكانت امرأة صالحة.

وممن خطبها ولم يعقد عليها: حمزة بنت الحارث بن عون ابن أبي حارثة المري.

فقال أبوها: إن بها سوءا - ولم يكن بها - فرجع إليها، وقد تبرصت وهي: أم شبيب بن البرصاء الشاعر.

هكذا ذكره سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال: وخطب حبيبة بنت العباس بن عبد المطلب، فوجد أباها أخوه من الرضاعة أرضعتهما: ثويبة مولاة أبي لهب.

فهؤلاء نساؤه وهن ثلاثة أصناف:

صنف دخل بهن ومات عنهن وهن التسع المبدأ بذكرهن، وهن حرام على الناس بعد موته عليه السلام بالإجماع المحقق المعلوم من الدين ضرورة، وعدتهن بانقضاء أعمارهن.

قال الله تعالى: { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما } [الأحزاب: 53] .

وصنف دخل بهن وطلقهن في حياته فهل يحل لأحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه السلام؟

فيه قولان للعلماء:

أحدهما: لا، لعموم الآية التي ذكرناها.

والثاني: نعم، بدليل آية التخيير وهي قوله: { ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } [الأحزاب: 28 - 29] .

قالوا: فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة، إذ لو كان فراقه لها لا يبحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها، وهذا قوي، والله تعالى أعلم.

وأما الصنف الثالث: وهي من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها، فهذه تحل لغيره أن يتزوجها، ولا أعلم في هذا القسم نزاعا، وأما من خطبها ولم يعقد عليها، فأولى لها أن تتزوج، وأولى.

وسيجيء فصل في كتاب (الخصائص) يتعلق بهذا المقام، والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الخامس
ذكر غزوة تبوك في رجب 9 هجرية | فصل فيمن تخلف معذورا من البكائين وغيرهم | فصل تخلف عبد الله ابن أبي وأهل الريب عام تبوك | مروره صلى الله عليه وسلم بمساكن ثمود | ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إلى نخلة هناك | الصلاة على معاوية ابن أبي معاوية | قدوم رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك | مصالحته عليه السلام ملك أيلة وأهل جرباء وأذرح قبل رجوعه من تبوك | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة | فصل | قصة مسجد الضرار | ذكر أقوام تخلفوا من العصاة غير هؤلاء | ما كان من الحوادث بعد منصرفه من تبوك | قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من سنة تسع | موت عبد الله بن أبي قبحه الله | فصل غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله عليه السلام | أبو بكر الصديق أميرا على الحج | موت النجاشي سنة تسع وموت أم كلثوم بنت رسول الله | كتاب الوفود الواردين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | حديث في فضل بني تميم | وفد بني عبد القيس | قصة ثمامة ووفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب | وفد أهل نجران | وفد بني عامر وقصة عامر بن الطفيل وأربد بن مقيس | قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا على قومه | فصل إسلام ضماد الأزدي وقومه | وفد طيء مع زيد الخيل رضي الله عنه | قصة عدي بن حاتم الطائي | قصة دوس والطفيل بن عمرو | قدوم الأشعريين وأهل اليمن | قصة عمان والبحرين | وفود فروة بن مسيك المرادي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | قدوم عمرو بن معد يكرب في أناس من زبيد | قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة | قدوم أعشى بن مازن على النبي صلى الله عليه وسلم | قدوم صرد بن عبد الله الأزدي في نفر من قومه ثم وفود أهل جرش بعدهم | قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | قدوم جرير بن عبد الله البجلي وإسلامه | وفادة وائل بن حجر أحد ملوك اليمن | وفادة لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفادة زياد بن الحارث رضي الله عنه | وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفادة عبد الرحمن ابن أبي عقيل مع قومه | قدوم طارق بن عبيد الله وأصحابه | قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان | قدوم تميم الداري على رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفد بني أسد | وفد بني عبس | وفد بني فزارة | وفد بني مرة | وفد بني ثعلبة | وفد بني محارب | وفد بني كلاب | وفد بني رؤاس من كلاب | وفد بني عقيل بن كعب | وفد بني قشير بن كعب | وفد بني البكاء | وفد كنانة | وفد أشجع | وفد باهلة | وفد بني سليم | وفد بني هلال بن عامر | وفد بني بكر بن وائل | وفد بني تغلب | وفادات أهل اليمن: وفد تجيب | وفد خولان | وفد جعفي | فصل في قدوم الأزد على رسول الله صلى الله عليه وسلم | وفد كندة | وفد الصدف | وفد خشين | وفد بني سعد | وفد السباع | فصل ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة | سنة عشر من الهجرة باب بعث رسول الله خالد بن الوليد | بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء إلى أهل اليمن | بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وخالد إلى اليمن | كتاب حجة الوداع في سنة عشر | باب بيان أنه عليه السلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة | باب خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع | باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة للحج | باب بيان الموضع الذي أهل منه عليه السلام | باب بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه | ذكر ما قاله أنه صلى الله عليه وسلم حج متمتعا | ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه السلام كان قارنا | اختلاف جماعة من الصحابة في صفة حج رسول الله | فصل عدم نهي النبي عليه السلام عن حج التمتع والقران | ذكر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل في التلبية | ذكرالأماكن التي صلى فيها صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب من المدينة إلى مكة في عمرته وحجته | باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة شرفها الله عز وجل | صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه | ذكر رمله عليه السلام في طوافه واضطباعه | ذكر طوافه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة | فصل من لم يسق معه هدي فليحل ويجعلها عمرة | فصل قول بعض الصحابة فيمن لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة | فصل نزول النبي عليه السلام بالأبطح شرقي مكة | فصل قدوم رسول الله منيخ بالبطحاء خارج مكة | فصل صلاته صلى الله عليه وسلم بالأبطح الصبح وهو يوم التروية | فصل دعاؤه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة | ذكر ما نزل على رسول الله من الوحي في هذا الموقف | ذكر إفاضته عليه السلام من عرفات إلى المشعر الحرام | فصل تقديم رسول الله ضعفة أهله بالليل ليقفوا بالمزدلفة | ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة | وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس | ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر | فصل انصراف رسول الله إلى المنحر واشراكه سيدنا علي بالهدي | صفة حلقه رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم | فصل تحلله صلى الله عليه وسلم بعد رمي جمرة العقبة | ذكر إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق | فصل اكتفاء رسول الله عليه السلام بطوافه الأول | فصل رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى منى | فصل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر | فصل نزوله عليه الصلاة والسلام في منى | فصل خطبة النبي عليه الصلاة والسلام في ثاني أيام التشريق | حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى | فصل يوم الزينة | فصل خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة | فائدة عزيزة | فصل خطبته صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة | سنة إحدى عشرة من الهجرة | فصل في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم | ذكر أمره عليه السلام أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالصحابة أجمعين | احتضاره ووفاته عليه السلام | فصل في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه | قصة سقيفة بني ساعدة | فصل خلافة أبي بكر | فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة غسله عليه السلام | صفة كفنه عليه الصلاة والسلام | كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم | صفة دفنه عليه السلام وأين دفن | آخر الناس به عهدا عليه الصلاة والسلام | متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام | صفة قبره عليه الصلاة والسلام | ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم | ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام | فصل فيما روي من معرفة أهل الكتاب بيوم وفاته عليه السلام | فصل ارتداد العرب بوفاته صلى الله عليه وسلم | فصل قصائد حسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب بيان أنه عليه السلام قال لا نورث | بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك | فصل النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث | باب زوجاته وأولاده صلى الله عليه وسلم | فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها | فصل في ذكر سراريه عليه السلام | فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام | باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه | إماؤه عليه السلام | فصل وأما خدامه عليه السلام الذين خدموه من الصحابة | فصل أما كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه | فصل أمناء الرسول صلى الله عليه وسلم