الكبائر للذهبي/الكبيرة الحادية عشرة: اللواط


قد قص الله عز و جل علينا في كتابه العزيز قصة قوم لوط في غير موضع من ذلك قول الله تعالى : { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليها حجارة من سجيل } أي من طين طبخ حتى صار كالآجر { منضود } أي يتلو بعضه بعضا { مسومة } أي معلمة بعلامة تعرف بها بأنها ليست من حجارة أهل الدنيا { عند ربك } أي في خزانته التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه { و ما هي من الظالمين ببعيد } ما هي من ظالمي هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم أن يحل بهم ما حل بأولئك من العذاب

و لهذا قال النبي  : [ أخوف ما أخاف عليكم عمل قوم لوط و لعن من فعل فعلهم ثلاثا فقال: لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط ] و قال عليه الصلاة السلام : [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به]

قال ابن عباس رضي الله عنهما ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط و أجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم الله تعالى : { أتأتون الذكران من العالمين * و تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } أي مجازون من الحلال إلى الحرام

و قال الله تعالى في آية أخرى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام : { و نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين }

و كان اسم قريتهم سدوم و كان أهلها يعملون الخبائث التي ذكرها الله سبحانه في كتابه كانوا يأتون الذكران من العالمين في أدبارهم و يتضارعون في أنديتهم مع أشياء أخرى كانوا يعملونها من المنكرات

و روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : تصف عشر خصال من أعمال قوم لوط يف الشعر و حل الأزرار و رمي البندق و الحذف بالحصى و اللعب بالحمام الطيارة و الصفير بالأصابع و فرقعة الأكعب و إسبال الإزار و حل أزر الأقبية و إدمان شرب الخمر و إتيان الذكور و ستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء النساء و جاء عن النبي أنه قال : [ سحاق النساء بينهن زنا ]

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : [ أربعة يصبحون في غضب الله و يمسون في سخط الله تعالى قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : المتشبهون من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و الذي يأتي البهيمة و الذي يأتي الذكر يعني اللواط ] و روي أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتز عرش الرحمن خوفا من غضب الله تعالى و تكاد السموات أن تقع على الأرض فتمسك الملائكة بأطرافها و تقرأ قل هو الله أحد إلى آخرها حتى يسكن غضب الله عز و جل

و جاء النبي أنه قال : [ سبعة يلعنهم الله تعالى و لا ينظر إليهم يوم القيامة و يقول ادخلوا النار مع الداخلين : الفاعل و المفعول به يعني اللواط و ناكح البهيمة و ناكح الأم و ابنتها و ناكح يده إلا أن يتوبوا ]

و روي أن قوما يحشرون يوم القيامة و أيديهم حبالى من الزنا كانوا يعبثون في الدنيا بمذاكيرهم و روي أن من أعمال قوم لوط : اللعب بالنرد و المسابقة بالحمام و المهارشة بين الكلاب و المناطحة بين الكباش و المناقرة بالديوك و دخول الحمام بلا مئزر و نقص الكيل و الميزان ويل لمن فعلها

و في الأثر من لعب باحمام القلابة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر و قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزيرا و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها ]

و قال أبو سعيد الصعلوكي : سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون و هم على ثلاثة أصناف صنف ينظرون و صنف يصافحون و صنف يعملون ذلك العمل الخبيث و النظر بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا لما صح عن النبي صلى أنه قال : [ زنا العين النظر و زنا اللسان النطق و زنا اليد البطش و زنا الرجل الخطى و زنا الأذن الاستماع و النفس تمني و تشتهي و الفرج يصدق ذلك و يكذبه ] و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم

قال الحسن بن ذكوان : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور العذارى فهم أشد فتنة من النساء و قال بعض التابعين : ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه و كان يقال : لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياسا على المرأة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ]

و في المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم و إنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء و يتسهل في حقه من طريق الريبة و الشر ما لا يتسهل في حق المرأة فهو بالتحريم أولى و أقاويل السلف في التنفير منهم و التحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر و سموهم الإنتان لأنهم مستقذرون شرعا و سواء في كل ما ذكرناه نظر المنسوب إلى الصلاح و غيره و دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه صبي حسن الوجه فقال : أخرجوه عني أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا و أرى مع كل صبي حسن بضعة عشر شيطانا

و جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله و معه صبي حسن فقال الإمام ما هذا منك ؟ قال ابن أختي قال : لا تجيء به إلينا مرة أخرى و لا تمش معه في طريق لئلا يظن بك من لا يعرفك و لا يعرفه سوءا

و روي أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم كان فيهم أمرد حسن فأجلسه النبي صلى الله عليه و سلم خلف ظهره و قال : إنما كانت فتنة داود عليه السلام من النظر و أنشدوا شعرا :

( كل الحوادث مبدؤها من النظر ... و معظم النار من مستصغر الشرر ) ( و المرء ... ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر ) ( كم نظرة فعلت في قلب صاحبها ... فعل السهام بلا قوس و لا وتر ) ( يسر ناظره ما ضر خاطره ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر )

و كان يقال النظر بريد الزنا و في الحديث : النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه لله أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة

فصل : في عقوبة من أمكن من نفسه طائعا : عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وجد في بعض النواحي رجلا ينكح في دبره فاستشار أبو بكر الصحابة رضي الله عنهم في أمره فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن هذا ذنب لم يعمله إلا أمة واحدة قوم لوط و قد أعلمنا الله تعالى بما صنع بهم أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إليه أحرقه بالنار فأحرقه خالد رضي الله عنه

و قال علي رضي الله عنه : من أمكن من نفسه طائعا حتى ينكح ألقى الله عليه شهوة النساء و جعله شيطانا رجيما في قبره إلى يوم القيامة

و أجمعت الأمة أنه من فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم و مما روي أن عيسى ابن مريم عليه السلام مر في سياحته على نار توقد على رجل فأخذ عيسى عليه السلام ماء ليطفىء عنه فانقلبت النار صبيا و انقلب الرجل نارا فتعجب عيسى عليه السلام من ذلك و قال : يا رب ردهما إلى حالهما في الدنيا لأسألهما عن خبرهما فأحياهما الله تعالى فإذا هما رجل و صبي فقال لهما عيسى عليه السلام : ما خبركما ؟ فقال الرجل : يا روح الله إني كنت في الدنيا مبتلي بحب هذا الصبي فحملتني الشهوة إن عملت معه الفاحشة فلما أن مت و مات الصبي صير نارا يحرقني مرة و أصير نارا أحرقه مرة فهذا عذابنا إلى يوم القيامة نعوذ بالله من عذاب الله و نسأل الله العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى

فصل : و يلتحق باللواط إتيان المرأة في دبرها مما حرمه الله تعالى و رسوله و قال الله عز و جل : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } أي كيف شئتم مقبلين و مدبرين في صمام واحد أي موضع واحد و سبب نزول هذه الآية أن اليهود في زمن النبي صلى الله عليه و سلم كانوا يقولون : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } مجيبة أو غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد أخرجه مسلم و في رواية اتقوا الدبر و الحيضة و قوله في صمام واحد أي في موضع واحد و هو الفرج لأنه موضع الحرث أي موضع مزرع الولد و أما الدبر فإنه محل النجو و ذلك خبيث مسقذر و قد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال : [ ملعون من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ]

و روى الترمذي [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد ] فمن جامع امرأته و هي حائض أو جامعها في دبرها فهو ملعون و داخل في هذا الوعيد الشديد و كذا إذا أتى كاهنا و هو المنجم و من يدعي معرفة الشيء المسروق و يتكلم على الأمور المغيبات فسأله عن شيء منها فصدقه

و كثير من الجهال واقعون في هذه المعاصي و ذلك من قلة معرفتهم و سماعهم للعلم و لذلك قال أبو الدرداء : كن عالما أو متعلما أو محبا و لا تكن الخامس فتهلك و هو الذي لا يعلم و لا يتعلم و لا يستمع و لا يحب من يعمل ذلك و يجب على العبد أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب و الخطايا و يسأل الله العفو عما مضى منه في جهله و العافية فيما بقي من عمره اللهم إنا نسألك العفو و العافية في الدين و الدنيا و الآخرة إنك أرحم الراحمين