تفسير ابن كثير/سورة القيامة

قالب:رأسيةما مفهوم

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ

قَدْ تَقَدَّمَ غَيْر مَرَّة أَنَّ الْمُقْسَم عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُنْتَفِيًا جَازَ الْإِتْيَان بِلَا قَبْل الْقَسَم لِتَأْكِيدِ النَّفْي وَالْمُقْسَم عَلَيْهِ هَهُنَا هُوَ إِثْبَات الْمَعَاد وَالرَّدّ عَلَى مَا يَزْعُمهُ الْجَهَلَة مِنْ الْعِبَاد وَمِنْ عَدَم بَعْث الْأَجْسَاد وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " لَا أُقْسِم بِيَوْمِ الْقِيَامَة وَلَا أُقْسِم بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة " قَالَ الْحَسَن أُقْسِم بِيَوْمِ الْقِيَامَة وَلَمْ يُقْسِم بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة وَقَالَ قَتَادَة بَلْ أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا هَكَذَا حَكَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَدْ حَكَى اِبْن جَرِير عَنْ الْحَسَن وَالْأَعْرَج أَنَّهُمَا قَرَآ " لَأُقْسِم بِيَوْمِ الْقِيَامَة" وَهَذَا يُوَجِّه قَوْل الْحَسَن لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْقَسَم بِيَوْمِ الْقِيَامَة وَنَفَى الْقَسَم بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة وَالصَّحِيح أَنَّهُ أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا مَعًا كَمَا قَالَهُ قَتَادَة رَحِمَهُ اللَّه وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير فَأَمَّا يَوْم الْقِيَامَة فَمَعْرُوف وَأَمَّا النَّفْس اللَّوَّامَة فَقَالَ قُرَّة بْن خَالِد عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة إِنَّ الْمُؤْمِن وَاَللَّه مَا نَرَاهُ إِلَّا يَلُوم نَفْسه : مَا أَرَدْت بِكَلِمَتِي مَا أَرَدْت بِأَكْلَتِي مَا أَرَدْت بِحَدِيثِ نَفْسِي . وَإِنَّ الْفَاجِر يَمْضِي قُدُمًا مَا يُعَاتِب نَفْسه .

وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)

وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ

وَقَالَ جُوَيْبِر بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله " وَلَا أُقْسِم بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة " قَالَ لَيْسَ أَحَد مِنْ أَهْل السَّمَوَات وَالْأَرَضِينَ إِلَّا يَلُوم نَفْسه يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح بْن مُسْلِم عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك أَنَّهُ سَأَلَ عِكْرِمَة عَنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَا أُقْسِم بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة" قَالَ يَلُوم عَلَى الْخَيْر وَالشَّرّ لَوْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ أَبِي كُرَيْب عَنْ وَكِيع عَنْ إِسْرَائِيل بِهِ . وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ الْحَسَن بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله " وَلَا أُقْسِم بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة " قَالَ تَلُوم عَلَى الْخَيْر وَالشَّرّ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سَعِيد أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هِيَ النَّفْس اللَّئُوم وَقَالَ عَلِيّ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد تَنْدَم عَلَى مَا فَاتَ وَتَلُوم عَلَيْهِ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس اللَّوَّامَة الْمَذْمُومَة وَقَالَ قَتَادَة" اللَّوَّامَة " الْفَاجِرَة قَالَ اِبْن جَرِير وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى الْأَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل أَنَّهَا الَّتِي تَلُوم صَاحِبهَا عَلَى الْخَيْر وَالشَّرّ وَتَنْدَم عَلَى مَا فَاتَ .

أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)

أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ

أَيْ يَوْم الْقِيَامَة أَيَظُنُّ أَنَّا لَا نَقْدِر عَلَى إِعَادَة عِظَامه وَجَمْعهَا مِنْ أَمَاكِنهَا الْمُتَفَرِّقَة .

بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)

بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ

قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنْ نَجْعَلهُ خُفًّا أَوْ حَافِرًا وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَابْن جَرِير وَوَجَّهَهُ اِبْن جَرِير بِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالظَّاهِر مِنْ الْآيَة أَنَّ قَوْله تَعَالَى " قَادِرِينَ " حَال مِنْ قَوْله تَعَالَى " نَجْمَع" أَيْ أَيَظُنُّ الْإِنْسَان أَنَّا لَا نَجْمَع عِظَامه ؟ بَلَى سَنَجْمَعُهَا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانه أَيْ قُدْرَتنَا صَالِحَة لِجَمْعِهَا وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَاهُ أَزْيَد مِمَّا كَانَ فَتُجْعَل بَنَانه وَهِيَ أَطْرَاف أَصَابِعه مُسْتَوِيَة وَهَذَا مَعْنَى قَوْل اِبْن قُتَيْبَة وَالزَّجَّاج .

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ

قَالَ سَعِيد عَنْ اِبْن عَبَّاس يَعْنِي يَمْضِي قُدُمًا وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس" لِيَفْجُر أَمَامه " يَعْنِي الْأَمَل يَقُول الْإِنْسَان أَعْمَل ثُمَّ أَتُوب قَبْل يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال هُوَ الْكُفْر بِالْحَقِّ بَيْن يَدَيْ الْقِيَامَة . وَقَالَ مُجَاهِد " لِيَفْجُر أَمَامه " لِيَمْضِيَ أَمَامه رَاكِبًا رَأْسه . وَقَالَ الْحَسَن لَا يَلْقَى اِبْن آدَم إِلَّا تَنْزِع نَفْسه إِلَى مَعْصِيَة اللَّه قُدُمًا قُدُمًا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّه تَعَالَى وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف هُوَ الَّذِي يُعَجِّل الذُّنُوب وَيُسَوِّف التَّوْبَة وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس هُوَ الْكَافِر يُكَذِّب بِيَوْمِ الْحِسَاب .

يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)

يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ

أَيْ يَقُول مَتَى يَكُون يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّمَا سُؤَاله سُؤَال اِسْتِبْعَاد لِوُقُوعِهِ وَتَكْذِيب لِوُجُودِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَاد يَوْم لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَة وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ " .

فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)

فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ

قَرَأَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء بَرِقَ بِكَسْرِ الرَّاء أَيْ حَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَبِيه بِقَوْلِهِ تَعَالَى " لَا يَرْتَدّ إِلَيْهِمْ طَرْفهمْ " أَيْ بَلْ يَنْظُرُونَ مِنْ الْفَزَع هَكَذَا وَهَكَذَا لَا يَسْتَقِرّ لَهُمْ بَصَر عَلَى شَيْء مِنْ شِدَّة الرُّعْب وَقَرَأَ آخَرُونَ بَرَقَ بِالْفَتْحِ وَهُوَ قَرِيب فِي الْمَعْنَى مِنْ الْأَوَّل . وَالْمَقْصُود أَنَّ الْأَبْصَار تَنْبَهِر يَوْم الْقِيَامَة وَتَخْشَع وَتَحَار وَتَذِلّ مِنْ شِدَّة الْأَهْوَال وَمِنْ عِظَم مَا تُشَاهِدهُ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْأُمُور.

وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)

وَخَسَفَ الْقَمَرُ

أَيْ ذَهَبَ ضَوْءُهُ .

وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)

وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ

قَالَ مُجَاهِد كُوِّرَا وَقَرَأَ اِبْن زَيْد عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة " إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُوم اِنْكَدَرَتْ " وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ " وَجُمِعَ بَيْن الشَّمْس وَالْقَمَر " .

يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)

يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ

أَيْ إِذَا عَايَنَ اِبْن آدَم هَذِهِ الْأَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة حِينَئِذٍ يُرِيد أَنْ يَفِرّ وَيَقُول أَيْنَ الْمَفَرّ أَيْ هَلْ مِنْ مَلْجَإٍ أَوْ مَوْئِل.

كَلَّا لَا وَزَرَ (11)

كَلَّا لَا وَزَرَ

قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف أَيْ لَا نَجَاة وَهَذِهِ الْآيَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأ يَوْمئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير " أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَكَان تَتَنَكَّرُونَ فِيهِ وَكَذَا قَالَ هَهُنَا " لَا وَزَرَ " أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَكَان تَعْتَصِمُونَ فِيهِ .

إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)

إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ

أَيْ الْمَرْجِع وَالْمَصِير.

يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)

يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ

أَيْ يُخْبَر بِجَمِيعِ أَعْمَاله قَدِيمهَا وَحَدِيثهَا أَوَّلهَا وَآخِرهَا صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِم رَبّك أَحَدًا " .

بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)

بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

" بَلْ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه بَصِيرَة وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره " أَيْ هُوَ شَهِيد عَلَى نَفْسه عَالِم بِمَا فَعَلَهُ وَلَوْ اِعْتَذَرَ وَأَنْكَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " اِقْرَأْ كِتَابك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا" وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " بَلْ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه بَصِيرَة " يَقُول سَمْعه وَبَصَره وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَجَوَارِحه وَقَالَ قَتَادَة شَاهِد عَلَى نَفْسه وَفِي رِوَايَة قَالَ إِذَا شِئْت وَاَللَّه رَأَيْته بَصِيرًا بِعُيُوبِ النَّاس وَذُنُوبهمْ غَافِلًا عَنْ ذُنُوبه وَكَانَ يُقَال إِنَّ فِي الْإِنْجِيل مَكْتُوبًا يَا اِبْن آدَم تُبْصِر الْقَذَاة فِي عَيْن أَخِيك وَتَتْرُك الْجَذَع فِي عَيْنك لَا تُبْصِرهُ ؟ .

وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)

وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ

وَقَالَ مُجَاهِد " وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره" وَلَوْ جَادَلَ عَنْهَا فَهُوَ بَصِير عَلَيْهَا وَقَالَ قَتَادَة" وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره " وَلَوْ اِعْتَذَرَ يَوْمئِذٍ بِبَاطِلٍ لَا يُقْبَل مِنْهُ وَقَالَ السُّدِّيّ " وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره" حُجَّته وَكَذَا قَالَ اِبْن زَيْد وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَغَيْرهمْ وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ قَتَادَة عَنْ زُرَارَةَ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره " يَقُول لَوْ أَلْقَى بُهْتَانه وَقَالَ الضَّحَّاك وَلَوْ أَلْقَى سُتُوره وَأَهْل الْيَمَن يُسَمُّونَ السِّتْر الْعِذَار وَالصَّحِيح قَوْل مُجَاهِد وَأَصْحَابه كَقَوْلِهِ تَعَالَى " ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ " وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره " هِيَ الِاعْتِذَار أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ قَالَ " لَا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتهمْ " وَقَالَ " وَأَلْقُوا إِلَى اللَّه يَوْمئِذٍ السَّلَم مَا كُنَّا نَعْمَل مِنْ سُوء " وَقَوْلهمْ " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " .

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

هَذَا تَعْلِيم مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَيْفِيَّة تَلَقِّيه الْوَحْي مِنْ الْمَلَك فَإِنَّهُ كَانَ يُبَادِر إِلَى أَخْذه وَيُسَابِق الْمَلَك فِي قِرَاءَته فَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِذَا جَاءَهُ الْمَلَك بِالْوَحْيِ أَنْ يَسْتَمِع لَهُ وَتَكَفَّلَ اللَّه لَهُ أَنْ يَجْمَعهُ فِي صَدْره وَأَنْ يُيَسِّرهُ لِأَدَائِهِ عَلَى الْوَجْه الَّذِي أَلْقَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْ يُبَيِّنهُ لَهُ وَيُفَسِّرهُ وَيُوَضِّحهُ فَالْحَالَة الْأُولَى جَمْعه فِي صَدْره وَالثَّانِيَة تِلَاوَته وَالثَّالِثَة تَفْسِيره وَإِيضَاح مَعْنَاهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانك لِتَعْجَل بِهِ " أَيْ بِالْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَلَا تَعْجَل بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى إِلَيْك وَحْيه وَقُلْ رَبّ زِدْنِي عِلْمًا " .

إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)

إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ

أَيْ فِي صَدْرك وَقُرْآنه أَيْ أَنْ تَقْرَأهُ .

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18)

فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

" فَإِذَا قَرَأْنَاهُ " أَيْ إِذَا تَلَاهُ عَلَيْك الْمَلَك عَنْ اللَّه تَعَالَى " فَاتَّبِعْ قُرْآنه " أَيْ فَاسْتَمِعْ لَهُ ثُمَّ اِقْرَأْهُ كَمَا أَقْرَأَك .

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ

أَيْ بَعْد حِفْظه وَتِلَاوَته نُبَيِّنهُ لَك وَنُوَضِّحهُ وَنُلْهِمك مَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَدْنَا وَشَرَعْنَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي عَوَانَة عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِج مِنْ التَّنْزِيل شِدَّة فَكَانَ يُحَرِّك شَفَتَيْهِ قَالَ فَقَالَ لِي اِبْن عَبَّاس أَنَا أُحَرِّك شَفَتَيَّ كَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّك شَفَتَيْهِ وَقَالَ لِي سَيَعُدُّ وَأَنَا أُحَرِّك شَفَتَيَّ كَمَا رَأَيْت اِبْن عَبَّاس يُحَرِّك شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانك لِتَعْجَل بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعه وَقُرْآنه " قَالَ جَمْعه فِي صَدْرك ثُمَّ تَقْرَأهُ " فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنه " أَيْ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانه " فَكَانَ بَعْد ذَلِكَ إِذَا اِنْطَلَقَ جِبْرِيل قَرَأَهُ كَمَا أَقْرَأهُ . وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة بِهِ وَلَفْظ الْبُخَارِيّ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيل أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى التَّيْمِيّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْي يَلْقَى مِنْهُ شِدَّة وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عُرِفَ فِي تَحْرِيكه شَفَتَيْهِ يَتَلَقَّى أَوَّله وَيُحَرِّك بِهِ شَفَتَيْهِ خَشْيَة أَنْ يَنْسَى أَوَّله قَبْل أَنْ يَفْرُغ مِنْ آخِره فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانك لِتَعْجَل بِهِ" وَهَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَغَيْر وَاحِد إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى اِبْن جَرِير مِنْ طَرِيق الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس" لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانك لِتَعْجَل بِهِ " قَالَ كَانَ لَا يَفْتُر مِنْ الْقِرَاءَة مَخَافَة أَنْ يَنْسَاهُ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى " لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانك لِتَعْجَل بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعه " أَنْ نَجْمَعهُ لَك " وَقُرْآنه " أَنْ نُقْرِئك فَلَا تَنْسَى وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانه" تَبْيِين حَلَاله وَحَرَامه وَكَذَا قَالَ قَتَادَة .

كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)

كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ

أَيْ إِنَّمَا يَحْمِلهُمْ عَلَى التَّكْذِيب بِيَوْمِ الْقِيَامَة وَمُخَالَفَة مَا أَنْزَلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْي الْحَقّ وَالْقُرْآن الْعَظِيم .

وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21)

وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ

إِنَّهُمْ إِنَّمَا هِمَّتهمْ إِلَى الدَّار الدُّنْيَا الْعَاجِلَة وَهُمْ لَاهُونَ مُتَشَاغِلُونَ عَنْ الْآخِرَة.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ

مِنْ النَّضَارَة أَيْ حَسَنَة بَهِيَّة مُشْرِقَة مَسْرُورَة .

إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)

إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ

أَيْ تَرَاهُ عِيَانًا كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي صَحِيحه " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ عِيَانًا " وَقَدْ ثَبَتَتْ رُؤْيَة الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّار الْآخِرَة فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح مِنْ طُرُق مُتَوَاتِرَة عِنْد أَئِمَّة الْحَدِيث لَا يُمْكِن دَفْعهَا وَلَا مَنْعهَا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد وَأَبِي هُرَيْرَة وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ نَاسًا قَالُوا يَا رَسُول اللَّه هَلْ نَرَى رَبّنَا يَوْم الْقِيَامَة ؟ فَقَالَ" هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر لَيْسَ دُونهمَا سَحَاب ؟ " قَالُوا لَا قَالَ " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبّكُمْ كَذَلِكَ" . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِير قَالَ نَظَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر فَقَالَ" إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَلَا قَبْل غُرُوبهَا فَافْعَلُوا " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَب آنِيَتهمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّة آنِيَتهمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْن الْقَوْم وَبَيْن أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء عَلَى وَجْهه فِي جَنَّة عَدْن " . وَفِي أَفْرَاد مُسْلِم عَنْ صُهَيْب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة قَالَ : يَقُول اللَّه تَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّض وُجُوهنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلنَا الْجَنَّة وَتُنْجِينَا مِنْ النَّار ؟ قَالَ فَيَكْشِف الْحِجَاب فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَر إِلَى رَبّهمْ وَهِيَ الزِّيَادَة " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " .

وَفِي أَفْرَاد مُسْلِم عَنْ جَابِر فِي حَدِيثه" إِنَّ اللَّه يَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ يَضْحَك " يَعْنِي فِي عَرَصَات الْقِيَامَة فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعَرَصَات وَفِي رَوْضَات الْجَنَّات وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبْجَر حَدَّثَنَا يَزِيد بْن أَبِي فَاخِتَة عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّ أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة لَيَنْظُر فِي مُلْكه أَلْفَيْ سَنَة يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ يَنْظُر إِلَى أَزْوَاجه وَخَدَمه وَإِنَّ أَفْضَلهمْ مَنْزِلَة لَيَنْظُر إِلَى وَجْه اللَّه كُلّ يَوْم مَرَّتَيْنِ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد بْن حُمَيْد عَنْ شَبَابَة عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ نُوَيْر قَالَ سَمِعْت اِبْن عُمَر فَذَكَرَهُ قَالَ : وَرَوَاهُ عَبْد الْمَلِك بْن أَبْجَر عَنْ نُوَيْر عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النُّورِيّ عَنْ نُوَيْر عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَمْرو لَمْ يَرْفَعهُ وَلَوْلَا خَشْيَة الْإِطَالَة لَأَوْرَدْنَا الْأَحَادِيث بِطُرُقِهَا وَأَلْفَاظهَا مِنْ الصِّحَاح وَالْحِسَان وَالْمَسَانِيد وَالسُّنَن وَلَكِنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِع مِنْ هَذَا التَّفْسِير وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّه مُجْمَع عَلَيْهِ بَيْن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَسَلَف هَذِهِ الْأُمَّة كَمَا هُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ بَيْن أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُدَاة الْأَنَام وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَاد بِإِلَى مُفْرَد الْآلَاء وَهِيَ النِّعَم كَمَا قَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد " إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة " قَالَ تَنْتَظِر الثَّوَاب مِنْ رَبّهَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ مُجَاهِد وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِح أَيْضًا فَقَدْ أَبْعَد هَذَا النَّاظِر النُّجْعَة وَأَبْطَلَ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْله تَعَالَى " كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبّهمْ يَوْمئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : مَا حَجَبَ الْفُجَّار إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْأَبْرَار يَرَوْنَهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاق الْآيَة الْكَرِيمَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى " إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة " قَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا آدَم حَدَّثَنَا الْمُبَارَك عَنْ الْحَسَن " وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة" قَالَ حَسَنَة " إِلَى رَبّهَا نَاظِرَة " قَالَ تَنْظُر إِلَى الْخَالِق وَحُقّ لَهَا أَنْ تَنْضُر وَهِيَ تَنْظُر إِلَى الْخَالِق .

وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)

وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ

هَذِهِ وُجُوه الْفُجَّار تَكُون يَوْم الْقِيَامَة بَاسِرَة قَالَ قَتَادَة كَالِحَة وَقَالَ السُّدِّيّ تُغَيَّر أَلْوَانهَا وَقَالَ اِبْن زَيْد " بَاسِرَة " أَيْ عَابِسَة .

تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)

تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ

" تَظُنّ " أَيْ تَسْتَيْقِن" أَنْ يُفْعَل بِهَا فَاقِرَة " قَالَ مُجَاهِد دَاهِيَة وَقَالَ قَتَادَة شَرّ وَقَالَ السُّدِّيّ تَسْتَيْقِن أَنَّهَا هَالِكَة وَقَالَ اِبْن زَيْد تَظُنّ أَنْ سَتَدْخُل النَّار وَهَذَا الْمَقَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى" يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه " وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى" وُجُوه يَوْمئِذٍ مُسْفِرَة ضَاحِكَة مُسْتَبْشِرَة وَوُجُوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَة تَرْهَقهَا قَتَرَة أُولَئِكَ هُمْ الْكَفَرَة الْفَجَرَة" وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " وُجُوه يَوْمئِذٍ خَاشِعَة عَامِلَة نَاصِبَة تَصْلَى نَارًا حَامِيَة - إِلَى قَوْله - وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاعِمَة لِسَعْيِهَا رَاضِيَة فِي جَنَّة عَالِيَة " فِي أَشْبَاه ذَلِكَ مِنْ الْآيَات وَالسِّيَاقَات .

كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)

كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ

يُخْبِر تَعَالَى عَنْ حَالَة الِاحْتِضَار وَمَا عِنْدهَا مِنْ الْأَهْوَال - ثَبَّتَنَا اللَّه هُنَالِكَ بِالْقَوْلِ الثَّابِت - فَقَالَ تَعَالَى " كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ" إِنْ جَعَلْنَا كَلَّا رَدَّاعَة فَمَعْنَاهَا لَسْت يَا اِبْن آدَم هُنَاكَ تَكْذِب بِمَا أَخْبَرْت بِهِ بَلْ صَارَ ذَلِكَ عِنْدك عِيَانًا وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بِمَعْنَى حَقًّا فَظَاهِر أَيْ حَقًّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ أَيْ اُنْتُزِعَتْ رُوحك مِنْ جَسَدك وَبَلَغَتْ تَرَاقِيك وَالتَّرَاقِي جَمْع تَرْقُوَة وَهِيَ الْعِظَام الَّتِي بَيْن ثُغْرَة النَّحْر وَالْعَاتِق كَقَوْلِهِ تَعَالَى " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " وَهَكَذَا قَالَ هَهُنَا" كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ " وَيُذْكَر هَهُنَا حَدِيث بِشْر بْن حَجَّاج الَّذِي تَقَدَّمَ فِي سُورَة يس وَالتَّرَاقِي جَمْع تَرْقُوَة وَهِيَ قَرِيبَة مِنْ الْحُلْقُوم .

وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)

وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ

" وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " قَالَ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْ مَنْ رَاقٍ يَرْقِي وَكَذَا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ" وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " أَيْ مِنْ طَبِيب شَافٍ وَكَذَا قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَابْن زَيْد . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ حَدَّثَنَا رَوْح بْن الْمُسَيِّب أَبُو رَجَاء الْكَلْبِيّ حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مَالِك عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " قَالَ : قِيلَ مَنْ يَرْقَى بِرُوحِهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة أَمْ مَلَائِكَة الْعَذَاب ؟ فَعَلَى هَذَا يَكُون مِنْ كَلَام الْمَلَائِكَة .

وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)

قوله تعالى : ( وظن أنه الفراق ) قال المفسرون : المراد أنه أيقن بمفارقته الدنيا ، ولعله إنما سمي اليقين ههنا بالظن لأن الإنسان ما دام يبقى روحه متعلقا ببدنه ، فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة على ما قال : ( كلا بل تحبون العاجلة ) ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت ، بل الظن [ ص: 205 ] الغالب مع رجاء الحياة ، أو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم .

وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)

وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ

وعَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله" وَالْتَفَّتْ السَّاق بِالسَّاقِ " قَالَ اِلْتَفَّتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكَذَا قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس" وَالْتَفَّتْ السَّاق بِالسَّاقِ " يَقُول آخِر يَوْم فِي الدُّنْيَا أَوَّل يَوْم مِنْ أَيَّام الْآخِرَة فَتَلْتَقِي الشِّدَّة بِالشِّدَّةِ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّه وَقَالَ عِكْرِمَة " وَالْتَفَّتْ السَّاق بِالسَّاقِ " الْأَمْر الْعَظِيم بِالْأَمْرِ الْعَظِيم وَقَالَ مُجَاهِد بَلَاء بِبَلَاءٍ وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى" وَالْتَفَّتْ السَّاق بِالسَّاقِ " هُمَا سَاقَاك إِذَا اِلْتَفَّتَا وَفِي رِوَايَة عَنْهُ مَاتَتْ رِجْلَاهُ فَلَمْ تَحْمِلَاهُ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهَا جَوَّالًا وَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَفِي رِوَايَة عَنْ الْحَسَن : هُوَ لَفّهمَا فِي الْكَفَن وَقَالَ الضَّحَّاك " وَالْتَفَّتْ السَّاق بِالسَّاقِ " اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ : النَّاس يُجَهِّزُونَ جَسَده وَالْمَلَائِكَة يُجَهِّزُونَ رُوحه .

إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)

إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ

أَيْ الْمَرْجِع وَالْمَآب وَذَلِكَ أَنَّ الرُّوح تُرْفَع إِلَى السَّمَوَات فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رُدُّوا عَبْدِي إِلَى الْأَرْض فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتهمْ وَفِيهَا أُعِيدهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجهُمْ تَارَة أُخْرَى كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث الْبَرَاء الطَّوِيل وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَهُوَ الْقَاهِر فَوْق عِبَاده وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ الْحَقّ أَلَا لَهُ الْحُكْم وَهُوَ أَسْرَع الْحَاسِبِينَ " .

فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)

فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى

هَذَا إِخْبَار عَنْ الْكَافِر الَّذِي كَانَ فِي الدَّار الدُّنْيَا مُكَذِّبًا لِلْحَقِّ بِقَلْبِهِ مُتَوَلِّيًا عَنْ الْعَمَل بِقَالِبِهِ فَلَا خَيْر فِيهِ بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى " .

وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)

وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى

هَذَا إِخْبَار عَنْ الْكَافِر الَّذِي كَانَ فِي الدَّار الدُّنْيَا مُكَذِّبًا لِلْحَقِّ بِقَلْبِهِ مُتَوَلِّيًا عَنْ الْعَمَل بِقَالِبِهِ فَلَا خَيْر فِيهِ بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى " .

ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)

ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى

أَيْ جَذْلَانًا أَشِرًا بَطِرًا كَسْلَانًا لَا هِمَّة لَهُ وَلَا عَمَل كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَإِذَا اِنْقَلَبُوا إِلَى أَهْلهمْ اِنْقَلَبُوا فَكِهِينَ " وَقَالَ تَعَالَى" إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْله مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُور - أَيْ يَرْجِع - بَلَى إِنَّ رَبّه كَانَ بِهِ بَصِيرًا " قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس " ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْله يَتَمَطَّى " أَيْ يَخْتَال وَقَالَ قَتَادَة وَزَيْد بْن أَسْلَم يَتَبَخْتَر .

أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)

أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى

وَهَذَا تَهْدِيد وَوَعِيد أَكِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْكَافِرِ بِهِ الْمُتَبَخْتِر فِي مَشْيه أَيْ يَحِقّ لَك أَنْ تَمْشِي هَكَذَا وَقَدْ كَفَرْت بِخَالِقِك وَبَارِئِك كَمَا يُقَال فِي الْمِثْل هَذَا عَلَى سَبِيل التَّهَكُّم وَالتَّهْدِيد كَقَوْلِهِ تَعَالَى " ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم " وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سِنَان الْوَاسِطِيّ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن يَعْنِي اِبْن مَهْدِيّ عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة قَالَ سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر قُلْت " أَوْلَى لَك فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى " قَالَ : قَالَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْل ثُمَّ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآن.

ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)

ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى

وَهَذَا تَهْدِيد وَوَعِيد أَكِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْكَافِرِ بِهِ الْمُتَبَخْتِر فِي مَشْيه أَيْ يَحِقّ لَك أَنْ تَمْشِي هَكَذَا وَقَدْ كَفَرْت بِخَالِقِك وَبَارِئِك كَمَا يُقَال فِي الْمِثْل هَذَا عَلَى سَبِيل التَّهَكُّم وَالتَّهْدِيد كَقَوْلِهِ تَعَالَى " ذُقْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْكَرِيم " وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى" كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ " وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونه " وَكَقَوْلِهِ جَلَّ جَلَاله " اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ " إِلَى غَيْر ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سِنَان الْوَاسِطِيّ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن يَعْنِي اِبْن مَهْدِيّ عَنْ إِسْرَائِيل عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة قَالَ سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر قُلْت " أَوْلَى لَك فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى " قَالَ : قَالَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْل ثُمَّ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَان حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة وَحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس " أَوْلَى لَك فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى " ؟ قَالَ : قَالَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَهْل ثُمَّ أَنْزَلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا هِشَام بْن خَالِد حَدَّثَنَا شُعَيْب عَنْ إِسْحَاق حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله" أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى " وَعِيد عَلَى أَثَر وَعِيد كَمَا تَسْمَعُونَ وَزَعَمُوا أَنَّ عَدُوّ اللَّه أَبَا جَهْل أَخَذَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجَامِع ثِيَابه ثُمَّ قَالَ " أَوْلَى لَك فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى" فَقَالَ عَدُوّ اللَّه أَبُو جَهْل أَتُوعِدُنِي يَا مُحَمَّد ؟ وَاَللَّه لَا تَسْتَطِيع أَنْتَ وَلَا رَبّك شَيْئًا وَإِنِّي لَأَعَزّ مَنْ مَشَى بَيْن جَبَلَيْهَا .

أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)

أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى

قَالَ السُّدِّيّ يَعْنِي لَا يُبْعَث وَقَالَ مُجَاهِد وَالشَّافِعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم يَعْنِي لَا يُؤْمَر وَلَا يَنْهَى وَالظَّاهِر أَنَّ الْآيَة تَعُمّ الْحَالَيْنِ أَيْ لَيْسَ يُتْرَك فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُهْمَلًا لَا يُؤْمَر وَلَا يَنْهَى وَلَا يُتْرَك فِي قَبْره سُدًى لَا يُبْعَث بَلْ هُوَ مَأْمُور مَنْهِيّ فِي الدُّنْيَا مَحْشُور إِلَى اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة وَالْمَقْصُود هُنَا إِثْبَات الْمَعَاد وَالرَّدّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْل الزَّيْغ وَالْجَهْل وَالْعِنَاد.

أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)

أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُسْتَدِلًّا عَلَى الْإِعَادَة بِالْبُدَاءَةِ " أَلَمْ يَكُ نُطْفَة مِنْ مَنِيّ يُمْنَى " أَيْ أَمَا كَانَ الْإِنْسَان نُطْفَة ضَعِيفَة مِنْ مَاء مَهِين يُمْنَى : يُرَاق مِنْ الْأَصْلَاب فِي الْأَرْحَام ؟ .

ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)

ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى

أَيْ فَصَارَ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ شُكِّلَ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوح فَصَارَ خَلْقًا آخَر سَوِيًّا سَلِيم الْأَعْضَاء ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّه وَتَقْدِيره ؟ .

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى

فَصَارَ خَلْقًا آخَر سَوِيًّا سَلِيم الْأَعْضَاء ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّه وَتَقْدِيره وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى " .

أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)

أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى

قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح حَدَّثَنَا شَبَابَة عَنْ شُعْبَة عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة عَنْ آخَر أَنَّهُ كَانَ فَوْق سَطْح يَقْرَأ وَيَرْفَع صَوْته بِالْقُرْآنِ فَإِذَا قَرَأَ " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" قَالَ سُبْحَانك اللَّهُمَّ فَبَلَى فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة قَالَ كَانَ رَجُل يُصَلِّي فَوْق بَيْته فَكَانَ إِذَا قَرَأَ " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" قَالَ سُبْحَانك فَبَلَى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُسَمِّ هَذَا الصَّحَابِيّ وَلَا يَضُرّ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدَّثَنَا سُفْيَان حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة سَمِعْت أَعْرَابِيًّا يَقُول سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون فَانْتَهَى إِلَى آخِرهَا " أَلَيْسَ اللَّه بِأَحْكَم الْحَاكِمِينَ " فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ " لَا أُقْسِم بِيَوْمِ الْقِيَامَة " فَانْتَهَى إِلَى قَوْله " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ " وَالْمُرْسَلَات " فَبَلَغَ " فَبِأَيِّ حَدِيث بَعْده يُؤْمِنُونَ " فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاَللَّهِ " وَرَوَاهُ أَحْمَد عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة قَالَ : قُلْت لَهُ مَنْ حَدَّثَك ؟ قَالَ رَجُل صِدْق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا بِشْر حَدَّثَنَا يَزِيد حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله تَعَالَى" أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ " سُبْحَانك وَبَلَى " ثُمَّ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سِنَان الْوَاسِطِيّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ مُسْلِم الْبَطِين عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" قَالَ سُبْحَانك فَبَلَى . آخِر تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّة.


تفسير القرآن العظيم
سورة الفاتحة | سورة البقرة | سورة آل عمران | سورة النساء | سورة المائدة | سورة الأنعام | سورة الأعراف | سورة الأنفال | سورة التوبة | سورة يونس | سورة هود | سورة يوسف | سورة الرعد | سورة إبراهيم | سورة الحجر | سورة النحل | سورة الإسراء | سورة الكهف | سورة مريم | سورة طه | سورة الأنبياء | سورة الحج | سورة المؤمنون | سورة النور | سورة الفرقان | سورة الشعراء | سورة النمل | سورة القصص | سورة العنكبوت | سورة الروم | سورة لقمان | سورة السجدة | سورة الأحزاب | سورة سبأ | سورة فاطر | سورة يس | سورة الصافات | سورة ص | سورة الزمر | سورة غافر | سورة فصلت | سورة الشورى | سورة الزخرف | سورة الدخان | سورة الجاثية | سورة الأحقاف | سورة محمد | سورة الفتح | سورة الحجرات | سورة ق | سورة الذاريات | سورة الطور | سورة النجم | سورة القمر | سورة الرحمن | سورة الواقعة | سورة الحديد | سورة المجادلة | سورة الحشر | سورة الممتحنة | سورة المعارج | سورة الصف | سورة الجمعة | سورة المنافقون | سورة التغابن | سورة الطلاق | سورة التحريم | سورة الملك | سورة القلم | سورة الحاقة | سورة نوح | سورة الجن | سورة المزمل | سورة المدثر | سورة القيامة | سورة الإنسان | سورة المرسلات | سورة النبأ | سورة النازعات | سورة عبس | سورة التكوير | سورة الانفطار | سورة المطففين | سورة الانشقاق | سورة البروج | سورة الطارق | سورة الأعلى | سورة الغاشية | سورة الفجر | سورة البلد | سورة الشمس | سورة الليل | سورة الضحى | سورة الشرح | سورة التين | سورة العلق | سورة القدر | سورة البينة | سورة الزلزلة | سورة العاديات | سورة القارعة | سورة التكاثر | سورة العصر | سورة الهمزة | سورة الفيل | سورة قريش | سورة الماعون | سورة الكوثر | سورة الكافرون | سورة النصر | سورة المسد | سورة الإخلاص | سورة الفلق | سورة الناس