جار هذا الدهر أو آبا

جارَ هذا الدّهرُ أو آبا

​جارَ هذا الدّهرُ أو آبا​ المؤلف ابن المعتز


جارَ هذا الدّهرُ، أو آبا،
و قراكَ الهمُّ أوصابا
و وفودُ النجم واقفةٌ،
لا ترى في الغربِ أبوابا
وكأنّ الفجرَ، حينَ رأى
ليلةً قاسيةً، هابا
غَضَبُ الإدلال مِن رشَإٍ،
لابسٍ للحُسنِ جِلبابا
سحرتْ عيني، فلستُ أرى
غيرَه في النّاس أحبابا
و لحيني، إذ بليتُ به،
وأرى للحَين أسْبابا
غُصُنٌ يَهتَزُّ في قمرٍ،
راكضاً للوشيِ سحابا
أثمَرت أغصانُ راحتِه،
لجناةِ الحسنِ عنابا
لامهُ فيالوشاةُ، وكم
ذامني منهم، وكم عابا
عَذّبوا صَبّاً بعَذلِهمُ،
متعباً في الحبِّ إتعابا
فتبرا من محبتنا،
وأُراه كان كَذّابا
لا ترى عيني له شبهاً،
غَزِلٌ في الحبِّ ما حابَى
وحديثٍ قد جعلتُ له،
دونَ عِلمِ النّاس حُجّابا
لا يملُّ النثرَ لافظه،
مفتنٌ يعجبُ إعجابا
قد أبحناهُ فطابَ لنا،
وحَوَيْنا منه إنهابا
و شبابٍ كان يعجبني،
وبهِ قد كنْتُ لَعّابا
جاه حُسنٍ ما رُدِدْتُ به،
وشفيعٌ قطُّ ما خابا
ثمّ أدينا إلى شمطٍ،
مُسبِلٍ في الرّأس أهدابا
فأمامي المرُّم عمري،
وورائي منه ما طابا
خضبتْ رأسي، فقلتُ لها:
اخضبي قلبي، فقد شابا
شرطُ دهري كلّه غِيَرٌ،
حبنَ عاديناهُ إسحابا
و لقد غاديتُ مترعةً،
لم تشم في خلقي عابا
و حلبتُ الدهرَ أشطره،
و قضتهُ النفسُ أطرابا
و خميسُ الأرضِ مالكهُ،
يملأ الأرضَ به غابا
مثلُ لُجِّ البحرِ مُصطخَباً،
يَزجُرُ الليلَ، إذا غابا
ولقد أغزو بسَلهَبةٍ،
تُعطِبُ الأحقافَ إعطابا
قد حَذاها الدّهرُ جِلدتَه،
وكَساها اللّيلُ أثوابا
جاس فيها الشكُّ حينَ رأتْ
بجنوبِ الحزنِ أسرابا
فرجمناها بغرتها،
فقَضت للحِرصِ آرابا
وَرَدَدنا الرّمحَ مُختضِباً،
لِدماءِ الوَحشِ شرّابا