سير أعلام النبلاء/عمر بن عبد العزيز


عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب

الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد أمير المؤمنين حقا أبو حفص القرشي الأموي المدني ثم المصري الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب والسائب بن يزيد وسهل ابن سعد واستوهب منه قدحا شرب منه النبي وأم بأنس بن مالك فقال ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى وحدث أيضا عن سعيد بن المسيب وعروة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن عبد الرحمن وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ وعامر بن سعد ويوسف بن عبد الله بن سلام وطائفة وأرسل عن عقبة بن عامر وخولة بنت حكيم وغيرهم وكان من أئمة الاجتهاد ومن الخلفاء الراشدين رحمة الله عليه حدث عنه أبو سلمة أحد شيوخه وأبو بكر بن حزم ورجاء بن حيوة وابن المنكدر والزهري وعنبسة بن سعيد وأيوب السختياني وإبراهيم بن عبلة وتوبة العنبري وحميد الطويل وصالح بن محمد بن زائدة الليثي وابنه عبد العزيز بن عمر وأخوه زبان وصخر بن عبد الله بن حرملة وابنه عبد الله بن عمر وعثمان بن داود الخولاني وأخوه سليمان بن داود وعمر ابن عبد الملك وعمر بن عامر البجلي وعمرو بن مهاجر وعمير بن هانىء العنسي وعيسى بن أبي عطاء الكاتب وغيلان بن أنس وكاتبه ليث بن أبي رقية وأبو هاشم مالك بن زياد ومحمد بن أبي سويد الثقفي ومحمد بن قيس القاص ومروان بن جناح ومسلمة بن عبد الملك الأمير والنضر بن عربي وكاتبه نعيم بن عبد الله القيني ومولاه هلال أبو طعمة والوليد بن هشام المعيطي ويحيى بن سعيد الأنصاري ويعقوب بن عتبة بن المغيرة وخلق سواهم قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة فقال أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قالوا ولد سنة ثلاث وستين قال وكان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع وروى حديثا كثيرا وكان إمام عدل رحمه الله ورضي عنه وقال الزبير بن بكار وإخوته من أبويه عاصم وأبو بكر ومحمد وقال الفلاس سمعت الخريبي يقول الأعمش وهشام بن عروة وعمر بن عبد العزيز وطلحة بن يحيى ولدوا سنة مقتل الحسين يعني سنة إحدى وستين وكذلك قال خليفة بن خياط وغير واحد في مولده وذكر صفته سعيد بن عفير أنه كان أسمر رقيق الوجه حسنه نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر نفحة دابة قد وخطه الشيب وقال إسماعيل الخطبي رأيت صفته في بعض الكتب أبيض رقيق الوجه جميلا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر حافر دابة فلذلك سمي أشج بني أمية وقد وخطه الشيب قال ضمرة بن ربيعة دخل عمر بن عبد العزيز إلى إصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فشجه فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد وروى ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير فأرسلت إليه أمه وقالت ما يبكيك قال ذكرت الموت قال وكان يومئذ قد جمع القرآن فبكت أمه حين بلغها ذلك أبو خيثمة حدثنا المفضل بن عبد الله عن داود بن أبي هند قال دخل علينا عمر بن عبد العزيز من هذا الباب يعني بابا من أبواب المسجد بالمدينة فقال رجل من القوم بعث إلينا هذا الفاسق بابنه هذا يتعلم الفرائض والسنن وزعم أنه يكون خليفة بعده ويسير بسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فقال لنا داود فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه قيل إن عمر بن الخطاب قال إن من ولدي رجلا بوجهه شتر يملأ الأرض عدلا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمرو عن نافع قال قال ابن عمر يا ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجورا سعيد بن عفير حدثنا يعقوب عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده وكان يلزمه الصلوات فأبطأ يوما عن الصلاة فقال ما حبسك قال كانت مرجلتي تسكن شعري فقال بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة وكتب بذلك إلى والده فبعث عبد العزيز رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره

وكان عمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليا فأقبل عليه فقال متى بلغك أن الله تعالى سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم قال فعرف ما أراد فقال معذرة إلى الله وإليك لا أعود فما سمع عمر بعدها ذاكرا عليا رضي الله عنه إلا بخير نقل الزبير بن بكار عن العتبي أن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز أن أباه ولي مصر وهو حديث السن يشك في بلوغه فأراد إخراجه فقال يا أبت أو غير ذلك لعله أن يكون أنفع لي ولك ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدب بآدابهم فوجهه إلى المدينة فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه قال ثم بعث إليه عبد الملك بن مروان عند وفاة أبيه وخلطه بولده وقدمه على كثير منهم وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها

بنت الخليفة والخليفة جدها * أخت الخلائف والخليفة زوجها

وكان الذين يعيبون عمر ممن يحسده بإفراطه في النعمة واختياله في المشية

وقال أبو مسهر ولي عمر المدينة في إمرة الوليد من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين قلت ليس له آثار سنة ثنتين وسبعين بالمدينة ولا سماع من جابر بن عبد الله ولو كان بها وهو حدث لأخذ عن جابر وقال أبو بكر بن عياش حج بالناس عمر بن عبد العزيز غير مرة أولها سنة تسع وثمانين

ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه قال لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا فصلى الظهر دعا بعشرة عروة وعبيد الله وسليمان بن يسار والقاسم وسالما وخارجة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة وعبد الله بن عامر بن ربيعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه ونكون فيه اعوانا على الحق ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل ظلامة فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني فجزوه خيرا وافترقوا الليث بن سعد حدثني قادم البربري أنه ذاكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة فقال ربيعة كأنك تقول أخطأ والذي نفسي بيده ما أخطأ قط قال أبو زرعة عبد الأحد بن أبي زرارة القتباني سمعت مالكا يقول أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز وقالوا إن أبانا توفي وترك مالا عند عمنا حميد الأمجي فأحضره عمر فلما دخل قال أنت القائل

حميد الذي أمج داره * أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع

أتاه المشيب على شربها * وكان كريما فلم ينزع

قال نعم قال ما أراني إلا سوف أحدك إنك أقررت بشرب الخمر وأنك لم تنزع عنها قال أيهات أين يذهب بك ألم تسمع الله يقول " والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى قوله " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " ( الشعراء 224 226 ) فقال أولى لك يا حميد ما أراك إلا قد أفلت ويحك يا حميد كان أبوك رجلا صالحا وأنت رجل سوء قال أصلحك الله وأينا يشبه أباه كان أبوك رجل سوء وأنت رجل صالح قال إن هؤلاء زعموا أن أباهم توفي وترك مالا عندك قال صدقوا وأحضره بختم أبيهم وقال أنفقت عليهم من مالي وهذا مالهم قال ما أحد أحق أن يكون هذا عنده منك فقال أيعود إلي وقد خرج مني العطاف بن خالد حدثنا زيد بن أسلم قال لنا أنس ما صليت وراء إمام بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من إمامكم هذا يعني عمر بن عبد العزيز قال زيد فكان عمر يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود قال سهيل بن أبي صالح كنت مع أبي غداة عرفة فوقفنا لننظر لعمر ابن عبد العزيز وهو أمير الحاج فقلت يا أبتاه والله إني لأرى الله يحب عمر قال لم قلت لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة وأنت سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إن الله قد أحب فلانا فأحبوه الحديث

وعن أبي جعفر الباقر قال لكل قوم نجيبة وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز إنه يبعث أمه وحده روى الثوري عن عمرو بن ميمون قال كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة معمر عن أخي الزهري قال كتب الوليد إلى عمر وهو على المدينة أن يضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير فضربه اسواطا وأقامه في البرد فمات قلت كان عمر إذا أثنوا عليه قال فمن لي بخبيب رحمهما الله قلت قد كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق كامل العقل حسن السمت جيد السياسة حريصا على العدل بكل ممكن وافر العلم فقيه النفس ظاهر الذكاء والفهم أواها منيبا قانتا لله حنيفا زاهدا مع الخلافة ناطقا بالحق مع قلة المعين وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملوه وكرهوا محاققته لهم ونقصه أعطياتهم وأخذه كثيرا مما في أيديهم ( مما ) أخذوه بغير حق فما زالوا به حتى سقوه السم فحصلت له الشهادة والسعادة وعد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين والعلماء العاملين مبشر بن إسماعيل عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال أتينا عمر بن عبد العزيز ونحن نرى أنه يحتاج إلينا فما كنا معه إلا تلامذة وكذلك جاء عن مجاهد وغيره وفي الموطأ بلغني أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى ثم قال يا مزاحم أتخشى أن نكون ممن نفته المدينة ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم سمعت عمر بن عبد العزيز يقول خرجت من المدينة وما من رجل أعلم مني فلما قدمت الشام نسيت معمر عن الزهري قال سمرت مع عمر بن عبد العزيز ليلة فحدثته فقال كل ما حدثته الليلة فقد سمعته ولكنك حفظت ونسينا عقيل عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن الوليد أرسل إليه بالظهيرة فوجده قاطبا بين عينيه قال فجلست وليس عنده إلا ابن الريان قائم بسيفه فقال ما تقول فيمن يسب الخلفاء أترى أن يقتل فسكت فانتهرني وقال مالك فسكت فعاد لمثلها فقلت أقتل يا أمير المؤمنين قال لا ولكنه سب الخلفاء قلت فإني أرى أن ينكل فرفع رأسه إلى ابن الريان فقال إنه فيهم لنابه عن عبد العزيز بن يزيد الأيلي قال حج سليمان ومعه عمر بن عبد العزيز فأصابهم برق ورعد حتى كادت تنخلع قلوبهم فقال سليمان يا أبا حفص هل رأيت مثل هذه الليلة قط أو سمعت بها قال يا أمير المؤمنين هذا صوت رحمة الله فكيف لو سمعت صوت عذاب الله وروى ابن عيينة عن رجل قال عمر بن عبد العزيز ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله عبد العزيز بن الماجشون حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال عمر إنا كنا نتحدث وفي لفظ يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر قال فكان بلال ولد عبد الله بن عمر بوجهه شامة وكانوا يرون أنه هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز أمه هي ابنة عاصم بن عمر رواه جماعة عنه جويرية عن نافع بلغنا أن عمر قال إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلا قال نافع فلا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز وروى عبيد الله بن عمر عن نافع قال كان ابن عمر يقول ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا تفرد به مبارك بن فضالة عنه وهو صدوق ضمرة بن ربيعة عن السري بن يحيى عن رياح بن عبيدة قال خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ متوكىء على يده فقلت في نفسي هذا شيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان يتكىء على يدك فقال يا رياح رأيته قلت نعم قال ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر الأمة وإني سأعدل فيها

المدائني عن جرير بن حازم عن هزان بن سعيد حدثني رجاء بن حيوة قال لما ثقل سليمان بن عبد الملك رآني عمر بن عبد العزيز في الدار أخرج وأدخل وأتردد فقال يا رجاء أذكرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين أو تشير بي فوالله ما أقوى على هذا الأمر فانتهرته وقلت إنك لحريص على الخلافة فاستحيى ودخلت فقال لي سليمان من ترى لهذا الأمر فقلت اتق الله فإنك قادم على الله تعالى وسائلك عن هذا الأمر وما صنعت فيه قال فمن ترى قلت عمر بن عبد العزيز قال كيف أصنع بعهد عبد الملك إلى الوليد وإلي في ابني عاتكة أيهما بقي قلت تجعله من بعده قال أصبت جئني بصحيفة فأتيته بصحيفة فكتب عهد عمر ويزيد ابن عبد الملك من بعد ثم دعوت رجالا فدخلوا فقال عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء اشهدوا واختموا الصحيفة قال فلم يلبث أن مات فكففت النساء عن الصياح وخرجت إلى الناس فقالوا كيف أمير المؤمنين قلت لم يكن منذ اشتكى أسكن منه الساعة قالوا لله الحمد قال ابن عيينة حدثني من شهد دابق وكان مجتمع غزو الناس فمات سليمان بدابق ورجاء بن حيوة صاحب امره ومشورته خرج إلى الناس فأعلمهم بموته وصعد المنبر فقال إن أمير المؤمنين كتب كتابا وعهد عهدا وأعلمهم بموته أفسامعون أنتم مطيعون قالوا نعم وقال هشام نسمع ونطيع إن كان فيه استخلاف رجل من بني عبد الملك قال ويجذبه الناس حتى سقط إلى الأرض وقالوا سمعنا وأطعنا فقال رجاء قم يا عمر وهو على المنبر فقال عمر والله إن هذا لأمر ما سألته الله قط

الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن حسان الكناني قال لما مرض سليمان بدابق قال يا رجاء أستخلف ابني قال ابنك غائب قال فالآخر قال هو صغير قال فمن ترى قال عمر بن عبد العزيز قال أتخوف بني عبد الملك أن لا يرضوا قال فوله ومن بعده يزيد بن عبد الملك وتكتب كتابا وتختمه وتدعوهم إلى بيعة مختوم عليها قال فكتب العهد وختمه فخرج رجاء وقال إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب قالوا ومن فيه قال مختوم ولا تخبرون بمن فيه حتى يموت فامتنعوا فقال سليمان انطلق إلى أصحاب الشرط وناد الصلاة جامعة ومرهم بالبيعة فمن أبى فاضرب عنقه ففعل فبايعوا قال رجاء فلما خرجوا أتاني هشام في موكبه فقال قد علمت موقفك منا وأنا أتخوف أن يكون أمير المؤمنين أزالها عني فأعلمني ما دام في الأمر نفس قلت سبحان الله يستكتمني أمير المؤمنين وأطلعك لا يكون ذاك أبدا فأدارني وألاصني فأبيت عليه فانصرف فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي فإذا عمر بن عبد العزيز فقال يا رجاء قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل أتخوف أن يكون جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص قلت سبحان الله يستكتمني امرا أطلعك عليه روى نحوها الواقدي حدثنا داود بن خالد عن سهيل بن أبي سهيل سمع رجاء بن حيوة يقول وزاد فصلى على سليمان عمر بن عبد العزيز فلما فرغ من دفنه أتي بمراكب الخلافة فقال دابتي أرفق لي فركب بغلته ثم قيل تنزل منزل الخلافة قال فيه عيال أبي أيوب وفي فسطاطي كفاية فلما كان مساء تلك الليلة قال يا رجاء ادع لي كاتبا فدعوته فأملى عليه كتابا أحسن إملاء وأوجزه وأمر به فنسخ إلى كل بلد وقد كان سليمان بن عبد الملك من أمثل الخلفاء نشر علم الجهاد وجهز مئة ألف برا وبحرا فنازلوا القسطنطينية واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة قال سعيد بن عبد العزيز ولي سليمان فقال لعمر بن عبد العزيز يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى ولم يكن لنا بتدبيره علم فما رأيت من مصلحة العامة فمر به فكان من ذلك عزل عمال الحجاج وأقيمت الصلوات في أوقاتها بعد ما كانت أميتت عن وقتها مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها فقيل إن سليمان حج فرأى الخلائق بالموقف فقال لعمر أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله قال هؤلاء اليوم رعيتك وهم غدا خصماؤك فبكى بكاء شديدا قلت كان عمر له وزير صدق ومرض بدابق أسبوعا وتوفي وكان ابنه داود غائبا في غزو القسطنطينية وعن رجاء بن حيوة قال ثقل سليمان ولما مات أجلسته وسندته وهيأته ثم خرجت إلى الناس فقالوا كيف أصبح أمير المؤمنين قلت أصبح ساكنا فادخلوا سلموا عليه وبايعوا بين يديه على ما في العهد فدخلوا وقمت عنده وقلت إنه يأمركم بالوقوف ثم أخذت الكتاب من جيبه وقلت إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب فبايعوا وبسطوا أيديهم فلما فرغوا قلت آجركم الله في أمير المؤمنين قالوا فمن ففتحت الكتاب فإذا فيه عمر بن عبد العزيز فتغيرت وجوه بني عبد الملك فلما سمعوا وبعده يزيد تراجعوا وطلب عمر فإذا هو في المسجد فأتوه وسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه المنبر فجلس طويلا لا يتكلم فقال رجاء ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه فنهضوا إليه ومد يده إليهم فلما مد هشام بن عبد الملك يده إليه قال إنا لله وإنا إليه راجعون فقال عمر نعم إنا لله حين صار يلي هذه الأمة أنا وأنت ثم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إني لست بفارض ولكني منفذ ولست بمبتدع ولكني متبع وإن من حولكم من الأمصار إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم وإن هم أبوا فلست لكم بوال ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال لا ائتوني بدابتي ثم كتب إلى عمال الأمصار قال رجاء كنت أظن أنه سيضعف فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى قال عمرو بن مهاجر صلى عمر المغرب ثم صلى على سليمان قال ابن إسحاق مات سليمان يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين قال خالد بن مرداس حدثنا الحكم بن عمر شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب مراكب الخلافة يسألونه العلوفة ورزق خدمها قال ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها واجعل أثمانها في مال الله تكفيني بغلتي هذه الشهباء وعن الضحاك بن عثمان قال لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان قدموا له مراكب سليمان فقال

فلولا التقى ثم النهى خشية الردى * لعاصيت في حب الصبى كل زاجر

قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى * له صبوة أخرى الليالي الغوابر

لا قوة إلا بالله

سفيان بن وكيع حدثنا ابن عيينة عن عمر بن ذر أن مولى لعمر بن عبد العزيز قال له بعد جنازة سليمان مالي أراك مغتما قال لمثل ما أنا فيه فليغتم ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني قال عبيد الله بن عمر خطبهم عمر فقال لست بخير أحد منكم ولكني أثقلكم حملا أيوب بن سويد حدثنا يونس عن الزهري قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم ليكتب إليه بسيرة عمر في الصدقات فكتب إليه بذلك وكتب إليه إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله في مثل زمانك ورجالك كنت عند الله خيرا من عمر قلت هذا كلام عجيب أنى يكون خيرا من عمر حاشى وكلا ولكن هذا القول محمول على المبالغة وأين عز الدين بإسلام عمر وأين شهوده بدرا وأين فرق الشيطان من عمر وأين فتوحات عمر شرقا وغربا وقد جعل الله لكل شيء قدرا حماد بن زيد عن أبي هاشم أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال رأيت النبي في النوم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه فقال لك يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين فاستحلفه بالله لرأيت فحلف له فبكى قال ميمون بن مهران إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز

قال حماد بن أبي سليمان لما ولي عمر بن عبد العزيز بكى فقال له رجل كيف حبك للدنيا والدرهم قال لا أحبه قال لا تخف فإن الله سيعينك يعقوب الفسوي حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى حدثني أبي عن جدي قال كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز فسمعنا بكاء فقيل خير أمير المؤمنين امرأته بين أن تقيم في منزلها وعلى حالها وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النساء وبين أن تلحق بمنزل أبيها فبكت فبكت جواريها جرير عن مغيرة قال كان لعمر بن عبد العزيز سمار يستشيرهم فكان علامة ما بينهم إذا أحب أن يقوموا قال إذا شئتم وعنه أنه خطب وقال والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات لمعرق له في الموت جرير عن مغيرة قال جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف فقال إن رسول الله كانت له فدك ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهم وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى فكانت كذلك حياة أبي بكر وعمر عملا فيها عمله ثم أقطعها مروان ثم صارت لي فرأيت أمرا منعه رسول الله بنته ليس لي بحق

وإني اشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله قال الليث بدأ عمر بن عبد العزيز بأهل بيته فأخذ ما بأيديهم وسمى أموالهم مظالم ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان فأرسلت إليه إني قد عناني أمر فأتته ليلا فأنزلها عن دابتها فلما أخذت مجلسها قال يا عمة أنت أولى بالكلام قالت تكلم يا أمير المؤمنين قال إن الله بعث محمدا رحمة ولم يبعثه عذابا واختار له ما عنده فترك لهم نهرا شربهم سواء ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ثم عمر فعمل عمل صاحبه ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان حتى أفضى الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم ولن يروي اهله حتى يعود إلى ما كان عليه فقالت حسبك فلست بذاكرة لك شيئا ورجعت فأبلغتهم كلامه وعن ميمون بن مهران سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل إني لأريد الأمر من أمر العامة فأخاف ألا تحمله قلوبهم فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قلت لطاووس هو المهدي يعني عمر بن عبد العزيز قال هو المهدي وليس به إنه لم يستكمل العدل كله قال ابن عون كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال نهى عنه إمام هدى يعني عمر بن عبد العزيز قال حرملة سمعت الشافعي يقول الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وفي رواية الخلفاء الراشدون وورد عن أبي بكر بن عياش نحوه وروى عباد ( بن ) السماك عن الثوري مثله أبو المليح عن خصيف قال رأيت في المنام رجلا وعن يمينه وشماله رجلان إذ أقبل عمر بن عبد العزيز فأراد أن يجلس بين الذي عن يمينه وبينه فلصق صاحبه فجذبه الأوسط فأقعده في حجره فقلت من هذا قالوا هذا رسول الله وهذا أبو بكر وهذا عمر عبد الرحمن بن زيد عن عمر بن أسيد قال والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون فما يبرح يرجع بماله كله قد أغنى عمر الناس قال جويرية بن أسماء دخلنا على فاطمة بنت الإمام علي فأثنت على عمر بن عبد العزيز وقالت فلو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد وعن ضمرة قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله تعالى عليك ونفاد ما تأتي إليهم وبقاء ما يأتون إليك عمر بن ذر حدثني عطاء بن أبي رباح قال حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه يده على خده سائلة دموعه فقلت يا أمير المؤمنين ألشيء حدث قال يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور والكبير وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم وأن خصمهم دونهم محمد فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت وروى حماد بن النضر عن محمد بن المنكدر عن عطاء عنها نحوه وقال حدثتني بعد وفاة عمر قال الفريابي حدثنا الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته وعنده أشراف بني أمية فقال أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندا من هذه الأجناد فقال له رجل منهم لم تعرض علينا ما لا تفعله قال ترون بساطي هذا إني لأعلم أنه يصير إلى بلى وإني أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم فكيف أوليكم ديني وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيهم هيهات هيهات قالوا لم أما لنا قرابة أما لنا حق قال ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء إلا رجل حبسه عني طول شقة يحيى بن أبي غنية عن حفص بن عمر بن أبي الزبير قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن أدق قلمك وقارب بين أسطرك فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به قال ميمون بن مهران أقمت عند عمر بن عبد العزيز ستة أشهر ما رأيته غير رداءه كان يغسل من الجمعة إلى الجمعة ويبين بشيء من زعفران

الثوري عن عمر بن سعيد بن أبي حسين قال كان مؤذن لعمر بن عبد العزيز إذا أذن رعد فبعث إليه أذن أذانا سمحا ولا تغنه وإلا فاجلس في بيتك وروى عمر بن ميمون عن أبيه ما زلت ألطف في أمر الأمة أنا وعمر بن عبد العزيز حتى قلت له ما شأن هذه الطوامير التي تكتب فيها بالقلم الجليل وهي من بيت المال فكتب إلى الآفاق بتركه فكانت كتبه نحو شبر قال حميد الطويل أمل علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز فأبلغ ثم شكى الحاجة والعيال فقلت يا أبا سعيد لا تهجن الكتاب بالمسألة ( اكتب هذا في غير ذا ) قال دعنا منك فأمر بعطائه قال قلت يا أبا سعيد اكتب إليه في المشورة فإن أبا قلابة قال كان جبريل ينزل بالوحي فما منعه عليه السلام ذلك أن أمره الله بالمشورة فقال نعم فكتب بالمشورة فأبلغ رواه حماد بن سلمة عنه خلف بن تميم حدثنا عبد الله بن محمد عن الأوزاعي قال كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة لم يحفظها غيري وغير مكحول أما بعد فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه والسلام وقال الأوزاعي كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثا ثم عاقبه كراهية أن يعجل في أول غضبه معاوية بن صالح حدثنا سعيد بن سويد أن عمر بن عبد العزيز صلى بهم الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك فلو لبست فقال أفضل القصد عند الجدة وأفضل العفو عند المقدرة قال جويرية بن أسماء قال عمر بن عبد العزيز إن نفسي تواقة وإنها لم تعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا تاقت إلى ما هو أفضل منه يعني الجنة قال حماد بن واقد سمعت مالك بن دينار يقول الناس يقولون عني زاهد إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها الفسوي حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى حدثني أبي عن عبد العزيز ( بن ) عمر بن عبد العزيز قال دعاني المنصور فقال كم كانت غلة عمر ابن عبد العزيز حين استخلف قلت خمسون ألف دينار قال كم كانت يوم موته قلت مئتا دينار وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على عمر وقميصه وسخ فقلت لامرأته وهي أخت مسلمة اغسلوه قالت نفعل ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت لها فقالت والله ماله قميص غيره وروى إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين وروى سعيد بن عامر الضبعي عن عون بن المعتمر أن عمر بن عبد العزيز قال لإمرأته عندك درهم أشتري به عنبا قالت لا قال فعندك فلوس قالت لا أنت أمير المؤمنين ولا تقدر على درهم قال هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم مروان بن معاوية عن رجل قال كان سراج بيت عمر بن عبد العزيز على ثلاث قصبات ( فوقهن طين ) عبد الله بن إدريس عن أبيه عن أزهر صاحب له قال رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة وقميصه مرقوع قال مروان بن محمد حدثنا محمد بن مهاجر حدثني أخي عمرو أن عمر بن عبد العزيز كان يلبس برد رسول الله ويأخذ قضيبه في يده يوم العيد وقال معرف بن واصل رأيت عمر بن عبد العزيز قدم مكة وعليه ثوبان أخضران وقال الوليد بن أبي السائب كان لعمر بن عبد العزيز جبة خز غبراء وجبة خز صفراء وكساء خز ثم ترك ذلك قال الواقدي حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عمرو بن مهاجر رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الأولى جالسا وبيده عصا قد عرضها على فخذه يزعمون أنها عصا رسول الله فإذا فرغ من خطبته سكت ثم قام فخطب الثانية متوكئا عليها فإذا مل لم يتوكأ ( وحملها حملا ) فإذا دخل في الصلاة وضعها إلى جنبه وفي الزهد لابن المبارك أخبرنا إبراهيم بن نشيط حدثنا سليمان بن حميد عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع أنه دخل على فاطمة بنت عبد الملك فقال ألا تخبريني عن عمر قالت ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا احتلام منذ استخلف قال يحيى بن حمزة حدثنا عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز كان تسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين فإذا فرغ أطفأها وأسرج عليه سراجه وقال مالك أتي عمر بن عبد العزيز بعنبرة فأمسك على أنفه مخافة أن يجد ريحها وعنه أنه سد أنفه وقد أحضر مسك من الخزائن خالد بن مرداس حدثنا الحكم بن عمر قال كان لعمر ثلاث مئة حرسي وثلاث مئة شرطي فشهدته يقول لحرسه إن لي عنكم بالقدر حاجزا وبالأجل حارسا من أقام منكم فله عشرة دنانير ومن شاء فليلحق بأهله عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا خالد بن يزيد عن جعونة قال دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال يا أمير المؤمنين إن من قبلك كانت الخلافة لهم زينا وأنت زين الخلافة فأعرض عنه وعن عبد العزيز بن عمر قال لي رجاء بن حيوة ما أكمل مروءة أبيك سمرت عنده فغشي السراج وإلى جانبه وصيف نام قلت ألا أنبهه قال لا دعه قلت أنا أقوم قال لا ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه فقام إلى بطة الزيت وأصلح السراج ثم رجع وقال قمت وأنا عمر بن عبدالعزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز وكان رحمه الله فصيحا مفوها فروى حماد بن سلمة عن رجاء

الرملي عن نعيم بن عبد الله كاتب عمر بن عبد العزيز أن عمر قال إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة جرير بن حازم عن مغيرة بن حكيم قالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز حدثنا مغيرة أنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر بن عبد العزيز وما رأيت أحدا أشد فرقا من ربه منه كان إذا صلى العشاء قعد في مسجده ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه ثم يتنبه فلا يزال يدعو رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه يفعل ذلك ليله أجمع ابن المبارك عن هشام بن الغاز عن مكحول لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز قال النفيلي حدثنا النضر بن عربي قال دخلت على عمر بن عبد العزيز فكان ينتفض أبدا كأن عليه حزن الخلق الفسوي حدثنا إبراهيم بن هشام الغساني حدثنا أبي عن جدي عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز حدثني فحدثته فبكى بكاء شديدا فقلت لو علمت لحدثتك ألين منه فقال إنا نأكل العدس وهي ما علمت مرقة للقلب مغزرة للدمعة مذلة للجسد حكام بن سلم عن أبي حاتم قال لما مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب فقال به داء ليس له دواء غلب الخوف على قلبه

وعن عطاء قال كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون وقيل كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل إنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بغض إليك كل فان وحبب إليك كل باق والسلام ومن شعره

من كان حين تصيب الشمس جبهته * أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي تبقى بشاشته * فسوف يسكن يوما راغما جدثا

في قعر مظلمة غبراء موحشة * يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به * يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

قال سعيد ين أبي عروبة كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله ومما روي له

ولا خير في عيش امرىء لم يكن له * من الله في دار القرار نصيب

فإن تعجب الدنيا أناسا فإنها * متاع قليل والزوال قريب

ومما روي له

أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم * وكيف يطيق النوم حيران هائم

فلو كنت يقظان الغداة لخرقت * مدامع عينيك الدموع السواجم

تسر بما يبلى وتفرح بالمنى * كما اغتر باللذات في اليوم حالم

نهارك يا مغرور سهو وغفلة * وليلك نوم والردى لك لازم

وسعيك فيما سوف تكره غبه * كذلك في الدنيا تعيش البهائم

وعن وهيب بن الورد قال كان عمر بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بهذه

يرى مستكينا وهو للهو ماقت * به عن حديث القوم ما هو شاغله

وأزعجه علم عن الجهل كله * وما عالم شيئا كمن هو جاهله

عبوس عن الجهال حين يراهم * فليس له منهم خدين يهازله

تذكر ما يبقى من العيش آجلا * فأشغله عن عاجل العيش آجله

عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمع عمير بن هانىء يقول دخلت على عمر بن عيد العزيز فقال لي كيف تقول في رجل رأى سلسلة دليت من السماء فجاء رسول الله فتعلق بها فصعد ثم جاء أبو بكر فتعلق بها فصعد ثم جاء عمر فتعلق بها فصعد ثم جاء عثمان فتعلق بها فانقطعت فلم يزل حتى وصل ثم صعد ثم جاء الذي رأى هذه الرؤيا فتعلق بها فصعد فكان خامسهم قال عمير فقلت في نفسي هو هو ولكنه كنى عن نفسه قلت يحتمل أن يكون الرجل عليا وما أمكن الرأي يفصح به لظهور النصب إذ ذاك قال معاوية بن يحيى حدثنا أرطاة قال قيل لعمر بن عبد العزيز لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال وحرسيا إذا صليت وتنح عن الطاعون قال اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي قال علي بن أبي حملة عن الوليد بن هشام قال لقيني يهودي فقال إن عمر بن عبد العزيز سيلي ثم لقيني آخر ولاية عمر فقال إن صاحبك قد سقي فمره فليتدارك نفسه فأعلمت عمر فقال قاتله الله ما أعلمه لقد علمت الساعة التي سقيت فيها ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني ما فعلت وقد رواها أبو عمير بن النحاس عن ضمرة عنه فقال عن عمرو بن مهاجر بدل الوليد مروان بن معاوية عن معروف بن مشكان عن مجاهد قال لي عمر بن عبد العزيز ما يقول في الناس قلت يقولون مسحور قال ما أنا بمسحور ثم دعا غلاما له فقال ويحك ما حملك على أن سقيتني السم قال ألف دينار اعطيتها وعلى أن أعتق قال هاتها فجاء بها فألقاها في بيت المال وقال اذهب حيث لا يراك أحد إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا فقال ما أطيب ريحه وأحسنه وقال ارفعه يا غلام للذي أتى به وأقر مولاك السلام وقل له إن هديتك وقعت عندنا بحيث تحب فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن رسول الله كان يأكل الهدية قال ويحك إن الهدية كانت له هدية وهي اليوم لنا رشوة قال ابن عيينة قلت لعبد العزيز بن عمر ما آخر ما تكلم به أبوك فقال كان له من الولد أنا وعبد الله وعاصم وإبراهيم وكنا أغيلمة فجئنا كالمسلمين عليه والمودعين له فقيل له تركت ولدك ليس له مال ولم تؤوهم إلى أحد فقال ما كنت لأعطيهم ما ليس لهم وما كنت لآخذ منهم حقا هو لهم وإن وليي الله فيهم الذي يتولى الصالحين إنما هم أحد رجلين صالح أو فاسق وقيل إن الذي كلمه فيهم خالهم مسلمة وروى حماد بن زيد عن أيوب قال قيل لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة فإن قضى الله موتا دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله قال والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا وروى ابن شوذب عن مطر مثله وعن ليث بن أبي رقية أن عمر بن عبد العزيز قال أجلسوني فأجلسوه فقال أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ثلاثا ولكن لا إله إلا الله ثم أحد النظر وقال إني لأرى خضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض وروى نحوها أبو يعقوب الخطابي عن السري بن عبيد الله وقال المغيرة بن حكيم قلت لفاطمة بنت عبد الملك كنت أسمع عمر بن عبد العزيز في مرضه يقول اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة قالت قلت له ألا أخرج عنك فإنك لم تنم فخرجت فجعلت أسمعه يقول " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " ( القصص 83 ) مرارا ثم أطرق فلبثت طويلا لا يسمع له حس فقلت لوصيف ويحك انظر فلما دخل صاح فدخلت فوجدته ميتا قد أقبل بوجهه على القبلة ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه سمعها جرير بن حازم منه

عن عبيد بن حسان قال لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال اخرجوا عني فقعد مسلمة وفاطمة على الباب فسمعوه يقول مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان ثم تلا " تلك الدار الآخرة نجعلها " الآية ثم هدأ الصوت فقال مسلمة ( لفاطمة ) قد قبض صاحبك فدخلوا فوجدوه قد قبض هشام بن حسان عن خالد الربعي قال إنا نجد في التوراة أن السماوات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا وقال هشام لما جاء نعيه إلى الحسن قال مات خير الناس قال أبو إسحاق الجوزجاني حدثنا محمد بن سعيد القرشي حدثنا محمد بن مروان العقيلي حدثنا يزيد أن الوفد الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام قال فلما بلغه قدومنا تهيأ لنا وأقام البطارقة على رأسه والنسطورية واليعقوبية إلى أن قال فأتاني رسوله أن أجب فركبت ومضيت فإذا أولئك قد تفرقوا عنه وإذا البطارقة قد ذهبوا ووضع التاج ونزل عن السرير فقال أتدري لم بعثت إليك قلت لا قال إن صاحب مسلحتي كتب إلي أن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز مات قال فبكيت واشتد بكائي وارتفع صوتي فقال لي ما يبكيك ألنفسك تبكي أم له أم لأهل دينك قلت لكل أبكي قال فابك لنفسك ولأهل دينك فأما عمر فلا تبك له فإن الله لم يكن ليجمع عليه خوف الدنيا وخوف الآخرة ثم قال ما عجبت لهذا الراهب الذي تعبد في صومعته وترك الدنيا ولكن عجبت لمن أتته الدنيا منقادة حتى صارت في يده ثم خلى عنها ابن وهب عن مالك أن صالح بن علي الأمير سأل عن قبر عمر بن عبد العزيز فلم يجد من يخبره حتى دل على راهب فسأله فقال قبر الصديق تريدون هو في تلك المزرعة ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن مسلم بن جماز عن عبد الرحمن بن محمد قال أوصى عمر بن عبد العزيز عند الموت فدعا بشعر من شعر النبي وأظفار من أظفار فقال اجعلوه في كفني وعن رجاء بن حيوة قال ( لي ) عمر بن عبد العزيز كن فيمن يغسلني وتدخل قبري فإذا وضعتموني في لحدي فحل العقد ثم انظر إلى وجهي فإني قد دفنت ثلاثة من الخلفاء كلهم إذا أنا وضعته ( في لحده ) حللت العقد ثم نظرت إليه فإذا وجهه مسودا إلى غير القبلة قال رجاء فدخلت القبر وحللت العقد فإذا وجهه كالقراطيس في القبلة إسنادها مظلم وهي في طبقات ابن سعد وروى ابن سعد وإسحاق بن سيار عن عباد بن عمر الواشحي المؤذن حدثنا مخلد بن يزيد وكان فاضلا خيرا عن يوسف بن ماهك قال بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذاسقط علينا كتاب رق من السماء فيه بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار

قلت مثل هذه الآية لو تمت لنقلها أهل ذاك الجمع ولما انفرد بنقلها مجهول مع أن قلبي منشرح للشهادة لعمر أنه من أهل الجنة

قال ابن المبارك أخبرني ابن لهيعة قال وجدوا في بعض الكتب تقتله خشية الله يعني عمر بن عبد العزيز محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضع قبره قبل أن يموت بعشرة دنانير ولكثير عزة يرثيه

عمت صنائعه فعم هلاكه * فالناس فيه كلهم مأجور

والناس مأتمهم عليه واحد * في كل دار رنة وزفير

يثني عليك لسان من لم توله * خيرا لأنك بالثناء جدير

ردت صنائعه عليه حياته * فكأنه من نشرها منشور

روى خليفة بن خياط وغيره أن عمر بن عبد العزيز مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومئة بدير سمعان من أرض حمص قال وإنما هو من أرض المعرة ولكن المعرة كانت من أعمال حمص هي وحماة وعاش تسعا وثلاثين سنة ونصفا وقال جعفر الصادق عن سفيان بن عاصم إنه مات لخمس مضين من رجب يوم الخميس ودفن بدير سمعان وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك قال وكان أسمر دقيق الوجه حسنه نحيف الجسم حسن اللحية بجبهته شجة

وقال أبو عمر الضرير مات بدير سمعان من أرض حمص يوم الجمعة لعشر بقين من رجب وله تسع وثلاثون سنة ونصف وقال طائفة في رجب لم يذكروا اليوم وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأياما قال سليمان بن عمير الرقي حدثنا أبو أمية الخصي غلام عمر بن عبد العزيز قال بعثني عمر بدينارين إلى أهل الدير فقال إن بعتموني موضع قبري وإلا تحولت عنكم قال هشام بن الغاز نزلنا منزلا مرجعنا من دابق فلما ارتحلنا مضى مكحول ولم نعلم أين يذهب فسرنا كثيرا حتى جاء فقلنا أين ذهبت قال أتيت قبر عمر بن عبد العزيز وهو على خمسة أميال من المنزل فدعوت له ثم قال لو حلفت ما استثنيت ما كان في زمانه أحد أخوف لله ولا أزهد في الدنيا منه قال الحكم بن عمر الرعيني رأيت عمر بن عبد العزيز يصلي في نعلين وسراويل وكان لايحفي شاربه ورأيته يبدأ بالخطبة قبل العيدين ثم ينزل فيصلي وشهدت عمر بن عبد العزيز كتب إلى أصحاب الطرز لا تجعلوا سدى الخز إلا ( من ) قطن ولا تجعلوا فيه إبريسم وصليت معه فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة يقرؤها وصليت خلفه الفجر فقنت قبل الركوع ورأيته يأتي العيدين ماشيا ويرجع ماشيا ورأيت خاتمه من فضة وفصه من فضة مربع فهذه الفوائد من نسخة خالد بن مرداس سمعها من الحكم أخبرنا أحمد بن هبة الله عن المؤيد الطوسي أخبرنا محمد بن المفضل أخبرنا عبد الغافر الفارسي أخبرنا محمد بن عمرويه أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن سهيل بن أبي صالح قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت لأبي يا أبة إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز قال وما ذاك قلت لما له من الحب في قلوب الناس قال سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله فذكر مثل حديث جرير عن سهيل وهو إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض سعيد بن بن منصور حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه أن حيان بن شريح عامل مصر كتب إلى عمر بن عبد العزيز أن أهل الذمة قد أشرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فكتب إليه إن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا فإذا أتاك كتابي فإن كان أهل الذمة أشرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فاطو كتابك وأقبل ابن وهب حدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز ذكر بعض ما مضى من العدل والجور فقال هشام بن عبد الملك إنا والله لا نعيب أبانا ولا نضع شرفنا فقال عمر أي عيب أعيب ممن عابه القرآن قال ابن عيينة قال رجل لعمر بن عبد العزيز جزاك الله عن الإسلام خيرا قال بل جزى الله الإسلام عني خيرا ابن سعد أخبرنا علي بن محمد عن لوط بن يحيى قال كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلا رضي الله عنه فلما ولي هو أمسك عن ذلك فقال كثير عزة الخزاعي

وليت فلم تشتم عليا ولم تخف * بريا ولم تتبع مقالة مجرم

تكلمت بالحق المبين وإنما * تبين آيات الهدى بالتكلم

فصدقت معروف الذي قلت بالذي * فعلت فأضحى راضيا كل مسلم

لجرير

لو كنت أملك والأقدار غالبة * تأتي رواحا وتبيانا وتبتكر

رددت عن عمر الخيرات مصرعه * بدير سمعان لكن يغلب القدر

ولعمر بن عبد العزيز من الولد ابنه عبد الملك الذي توفي قبله وعبد الله الذي ولي العراق وعبد العزيز الذي ولي الحرمين وعاصم وحفص وإسماعيل وعبيد الله وإسحاق ويعقوب ويزيد وإصبغ والوليد وزبان وآدم وإبراهيم فأم إبراهيم كلبية وسائرهم لعلات ومات معه في سنة إحدى ومئة


سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي
الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس | الجزء السادس | الجزء السابع | الجزء الثامن | الجزء التاسع | الجزء العاشر