صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/114

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٠٨
بشير بين السلطان والعزيز

وبين العريش وعكة1. وكان سليمان باشا الفرنساوي قد اقترح على سامي بك معاون العزيز إنشاء طريق تصل بيروت بدمشق وطريق غيرها تربط قرنايل ومناجمها ببيروت2.

٤ - مكانته في تاريخ بر الشام: هذا هو نظام الحكم في بر الشام في عهد العزيز ومميزاته الكبرى القوة والضبط والعدل. قال إبراهيم في عرض الكلام عن مرعش وأورفة: إنني في خلال المدة التي وليت فيها القيام بخدمة الجناب العالي الخديوي لم أتسبب في أذية أي إنسان ولم أعمد إلى إيقاع الضرر بملك أو مال أي فرد من الناس. وهذا أمر يعرفه جميع أولي الأبصار كما يعرفه جميع أهالي البلدان التي جبتها وأهالي البلدة التي أقيم فيها الآن. ولما كنت أعامل الضباط والعساكر حسب نصوص القوانين ولا أحيد عنها في علاقاتي معهم قيد شعرة فقد اقتفوا هم أيضاً أثري ولم ينحرفوا عن هذه القوانين. إني وإن كنت لم آتِ بعد أورفة فإنني منذ عشرة أشهر أقيم في مرعش. ولقد أعلن وجوه الأهالي في مرعش المرة بعد المرة أنهم لم يتمتعوا طيلة حياتهم بمثل حكمنا العادل. أعلنوا هذا في أسواق البلدة وفي جامعها الكبير وهم يقولون لقد كانوا في العهد السابق يستولون على ما في بيادرنا من غلال وينهبون أثمار بساتيننا. وهب الله سلطاننا العمر الذي لا يفنى وعساه ألا يحرمنا من وزيرنا هذا العادل أي العزيز نفسه ذلك أننا لا نعاملهم كما كانوا يعاملون قبلاً من حيث التجني عليهم واتهامهم بدون حق لفرض ما. والأهالي الآن يودون الويركو على نحو ما هو مسجل في سجلات المحاكم لا أكثر ولا أقل. إنني أدفع أثمان جميع حاجياتي اللهم إلا إيجار المنزل الذي أقيم فيه وثمن الماء الذي أشتريه وأنا متكفل أمر استقامة العساكر وحسن سيرهم3. نفول هو منتهى الإحساس بالعدل ولو صيغ بقالب فصيح بليغ لأصبح نبراس الحكم والأحكام كما صار عهد أبقراط اليمين التي استوثق بها الأطباء.

ومن مميزات هذه الحكومة وهذا النظام أنها كانت تميل إلى المشاورة في الأمور قبـل إبرامها وأنها كانت متنورة تحب العلم وتشجع طلابه، ولعل أبهج هذه الميزات وأقربها إلى نزعة العرب في هذه الأيام أنها سبقت أخواتها في العالم العربي إلى العروبة. فقدمت الوطني على الأجنبي وعنيت بطبع الكتب العربية وقبلت العرب في الوظائف الهامة وقللت الأتراك.


  1. المحفوظات كذلك ج ٤ ص ٤٥٨
  2. المحفوظات ج ۳ ص ۱٦۸
  3. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا أوائل محرم سنة ١٢٥٦ (حوالي منتصف آذار ۱۸٤۰): المحفوظات ج ٤ ص ۳٠٤-٣۰۷