صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/92

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٨٦
بشير بين السلطان والعزيز

شرقاً باتجاه ميسرة العدو. وقد تولى إبراهيم باشا بنفسه قيادة هذه الحركة لأن عليها المعوّل. وكانت تكتنف هذه الحركة مصاعب جمة لأن المصريين اضطروا أن يسيروا صعداً في طرق وعرة، وما أن لمح الترك تقدمهم حتى صوبوا مدافعهم وأطلقوها عليهم، فأمر إبراهيم بنصب مدافعه وراء الأكمة التي احتشد فيها المشاة وأطلقها على خصمه بين القلب والميسرة. واستمر المصريون في زحفهم شرقاً إلى أن تخطوا ميسرة خصمهم فهاجموه من الأمام ومن الجنب وزحزحوه عن مراكزه فاضطرب واضطر أن يرتد شمالاً وبدأت هزيمته، ووصل المصريون إلى مرتفعات تشرف على مراكز العدو ونصبوا فيها المدافع وصبوا نيرانها على ميسرة الخصم المنسحبة فاشتد اضطرابها وحلت بها خسائر جسيمة. وكان قد تقدم فريق من جنود الألاي الثامن عشر واقتربوا من فرسان الترك أمام قلب الخصم وهاجموهم وقت إحاطة جنود الغارديا والألاي الثامن بالميسرة فسارعوا إلى الارتداد مرتبكين مشتتين. ولما وصل المصريون بميمنتهم إلى طريق بيلان تحرج مركز قلب العدو وأدرك أن خط الرجعة إلى بيلان أصبح مقطوعاً فلم يثبت أمام هجوم المصريين ولاذ بالفرار متشتتاً في الجبال. وكان قد أنفـذ القائد المصري الألاي الثالث عشر من المشاة بقيادة حسن بـك المناستولي تصحبه بطارية من المدافع إلى الطريق الذاهب من أنطاكية إلى بيلان وأردفه بالألاي الخامس احتياطاً، فتقدم هؤلاء ووصلوا إلى أكمة قريبة من أقصى ميمنة عدوهم فلم يصمد الترك هنا بعدما علموا بما أصاب الميسرة. فتخلوا عن مراكزهم وتقهقروا في الجبال. وبذلك انتهت واقعة بيلان بعد قتال دام ثلاث ساعات فقد فيه الترك ألفين وخمس مئة قتيل وجريح وألفين من الأسرى وخمسة وعشرين مدفعاً وكثيراً من الذخيرة1. ولم يعترف المصريون بأكثر من عشرين قتيلاً.

وفرّت فلول الترك إلى الإسكندرونة لتتصل بالأسطول الهمايوني ولكنها لم تدركه، فسار المصريون في أعقابها وأسروا الكثير منها واحتلوا الإسكندرونة وباياس وأنطاكية واللاذقية. واختفى «السردار الأكرم» هائماً على وجهه متنكراً خوفاً من الفضيحة والقصاص، ولكنه لم يتورع عن شرب الشامبانية لدى القنصل مرتينلي في الإسكندرونة ومن جمـع جواهره وإرسالها على ظهر سفينة يونانية إلى طرسوس2.


  1. کادالغان وبارو ص ۲۰۰-۲۱۳ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعي بك ج٣ ص ٢٥٢-٢٥٦
  2. کادالغان وبارو ص ۲۱۳-۲۱۸