عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الأولى/النظر الأول



النظر الأول
في حقيقة الأفلاك وأشكالها وأوضاع حركتها بطريق الإجمال


ذهب العلماء إلى أنّ الفلك جسم بسيط كروي مشتمل على الوسط متحرك عليه ليس بخفيف ولا ثقيل ولا بارد ولا حار ولا رطب ولا يابس ولا قابل للخرق ولا للالتئام، ولهم على ذلك أدلة مذكورة في الكتب الحكمية، وكتابنا هذا ليس بصددها،

والأفلاك كرات محيطة بعضها ببعض حتى حصلت من جملتها كرة واحدة يقال لها العالم، وأدناه إلى العناصر فلك القمر، ثم فلك عطارد، ثم فلك الزهرة، ثم فلك الشمس، ثم فلك المريخ، ثم فلك المشتري، ثم فلك زُحل، ثم فلك الثوابت، ثم فلك الأفلاك، واعلم أن لكل فلك مكاناً لا ينتقل عنه، لكنه متحرك فيه بأجرامه لا يقف طرفة عين، وسرعة حركاتها أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أنْ الفَرَس في حالة الركض الشديد من الوقت الذي يرفع يديه إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف فرسخ، ثم إن الأفلاك منها ما يتحرك من المشرق إلى المغرب كالفلك الأعظم، ومنها ما يتحرك من المغرب إلى المشرق كفلك الثوابت وأفلاك السيارات، ومنها ما بتحرك بالنسبة إلينا دولابية، ومنها ما يتحرك حمائلية، ومنها رحوية، ومنها ما يشتمل على الوسط ولكن ليس مركزه مركز العالم كالأفلاك التسعة، ومنها ما يشتمل على الوسط، لكن مركزه مركز العالم كخارج المراكز، ومنها ما ليس مشتملاً على الوسط كأفلاك التداوير، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

من الأفلاك ما لم يعرف له إلا كوكب واحد كأفلاك السيارات، ومنها ما لم يعلم عدد كواكبها إلا الله تعالى كفلك الثوابت، ومنها ما ليس له كوكب أصلاً كالفلك الأعظم ويقال له الفلك الأطلس.

وجميع الحركات الموجودة في العالم بحسب ما عرف من آراء المتقدمين وأصحاب الأرصاد سيما بطليموس فإِنْ اعتماد القوم على رصده خمسة وأربعون حركة للفلك الأعظم، وحركة لفلك الثوابت، وثمان عشرة لأفلاك الكواكب العلوية لكل واحد منها ست حركات، وحركتان لفلك الشمس، وست حركات لفلك الزهرة، وتسع حركات لفلك عطارد، وست حركات لفلك القمر، وحركتان لما دون كفلك القمر، وهما حركتا الثقل والخفة، هذا ما بلغ إليه فهم العقلاء، وذهن الأذكياء، والله الموفق.

شكل يوضح الأجرام السماوية - شكل توضيحي يظهر نظام مركزية الأرض في العصر البطلمي على يد الكوزموغرافي ورسام الخرائط بارتولوميو فيلهو، 1568 (المكتبة الوطنية، باريس)