عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقدمة الثانية



المقدمة الثانية
في تقسيم المخلوقات


المخلوق كل ما هو غير الله سبحانه وتعالى، وهو إما أن يكون قائماً بالذات أو قائماً بالغير، والقائم بالذات إما أن يكون متحيزاً أو لم يكن، فإن كان متحيّزاً فهو الجسم، وإن لم يكن فهو الجوهر الروحاني، وهو إما أن يكون متعلقاً بالأجسام تعلق التدبير، وهو النفس، أو لا يكون، وهو إمًا أن يكون سليماً عن الشهوة والغضب وهو الملك أو لا يكون وهو الجن. والقائم بالغير، إن كان قائماً بالمتحيّزات فهو الأعراض الجسمانية، وإن كان قائماً بالمفارقات فهو الأعراض الروحانية كالعلم والقدرة، والأعراض الجسمانية إما أن يلزم من صدقها حصول صدق النسبة، أو صدق قبول النسبة أولا هذا ولا ذاك، فإن كان الأول، فالنسبة إِما حصول في المكان وهو الأين أو في الزمان وهو الشيء أو نسبة متكرّرة وهو الإضافة أو تأثير الشيء في الشيء وهو الفعل، أو تأثر الشيء عن الشيء وهو الانفعال وكون الشيء محيطاً بالشيء يجب أن ينتقل المحيط بانتقال المحاط به وهو الملك أو هيئة حاصلة بمجموع الجسم يسبب حصول النسب بين أجزاء بعضها إلى بعض، وبين أجزائه والأمور الخارجية وهو الوضع. وإن كان يلزم من حصولها صدق قبول النسبة، فهو إما أن يكون بحيث لا يحصل بين أجزائه حدود مشتركة وهو العدد، أو يحصل وهو المقدار، وإن كان لا يلزم من حصولها صدق قبول النسبة، فِإمًا أن يكون مشروطاً بالحياة أو لم يكن، فإن كان فإِمًا أن يتوقف على الشهوة والنقرة وهو التحريك أو لا يتوقف، وهو الإدراك، ثم الإدراك إِما إدراك الكليّات وهو العلوم والظنون والجهالات أو إدراك الجزئيات، وهو الحواس الخمس، وإن لم يكن مشروطاً بالحياة فهو الأعراض المحسوسة بالحواس الخمس، أمّا المحسوسات بالقوة الباصرة فكالأضواء والألوان، وأمًا المحسوسات بالقوة الشامة فكالطيب والنتن، وأما المحوسات بالقوة السامعة فالأصوات والحروف، وأمًا المحسوسات بالقَوّة اللامسة فكالحرارة والبرودة والرطوية واليبوسة والثقل والخفة والصلابة واللين والخشونة والملاسة، فهذه جملة أقسام الممكنات، وسيأتي الكلام في كل قسم منها إن شاء الله تعالى.


فصل


ذكر أهل السير أنه وجد في السفر الأوّل من التوراة أن الله تعالى خلق جوهراً، ثم نظر إليها نظر الهيبة فذاب الجوهر وصعد منه دخان ورسب منه رسوب، فخلق سبحانه من الدخان السمـٰوات، ومن الرسوب الأرض.

ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾. وأحكم جلت قدرته خلق المجموع في سّتة أيام. قال بعض العلماء إن اليوم في اللغة الكون الحادث والأيام ههنا مراتب مصنوعاته لأنّ قبل الزمان لا يمكن تجدد الزمان، فمن الأيام الستة يوم لمادة الأرض، ويوم لصورتها، ويوم لمادة السماء، ويوم لصورتها، ويوم لمكملاتها من الجبال والكواكب والنفوس وغيرها. وقال أيضاً كل ما فوق الأرض فهو سماء في طريق اللغة يقولون: ما علاك فهو سماؤك، وما دون فلك القمر فهو بالنسبة إلى الأفلاك أرض، قال تعالى: ﴿ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ يعني سبعاً، فالأوّل كرة النار، والثانية كرة الهواء، والثالثة كرة الماء، والرابعة كرة الأرض، وثلاث طبقات ممتزجات بين الأربعة الأولى من النار والهواء، والثانية من الهواء والماء، والثالثة من الماء والأرض، ثم دبر بعنايته بعد الجماد أمر المعادن الداخلة في الجماد ثم النبات ثم الحيوان، فهذا هو القول الكلي في المخلوقات، وسيأتي القول في جزئياتها في مقالتين إن شاء الله تعالى. والله الموفق للصواب.