فضائل القرآن

​فضائل القرآن​ المؤلف ابن كثير



[ الحديث الأول ] عدل

قال البخاري رحمه الله كيف نزل الوحي وأول ما نزل قال ابن عباس: المهيمن الأمين القرآن، أمين على كل كتاب قبله.

حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: [ لبث النبي بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا ]

ذكر البخاري رحمه الله كتاب فضائل القرآن بعد كتاب التفسير لأن التفسير أهم فلهذا بدأ به فجرينا على منواله وسننه مقتضين به وقول ابن عباس في المهيمن: إنما يريد به البخاري قوله تعالى في المائدة بعد ذكر التوراة والإنجيل { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: ثنا المثنى ثنا عبد الله بن صالح حدثني معاويه عن علي يعنى ابن أبى طلحة عن ابن عباس قوله { ومهيمنا عليه } قال: المهيمن الأمين قال: [ القرآن أمين على كل كتاب قبله وفى رواية شهيدا عليه ] وقال سفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن أبى اسحاق السبيعي عن التميمى عن ابن عباس { ومهيمنا عليه } قال: مؤتمنا وبنحو ذلك قال مجاهد والسدى وقتادة وابن جريج والحسن البصرى وغير واحد من أئمة السلف وأصل الهيمنة الحفظ والإرتقاب يقال إذا ارقب الرجل الشىء وحفظه وشهده: قد هيمن فلان عليه فهو مهيمن هيمنة وهو عليه مهيمن وفى أسماء الله تعالى المهيمن وهو الشهيد على كل شىء الرقيب الحفيظ بكل شىء

وأما الحديت الذي أسنده البخاري أنه عليه السلام أقام بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا فهو مما انفرد به البخاري دون مسلم وإنما رواه النسائي من حديث شيبان وهو ابن عبد الرحمن عن يحيى وهو ابن كثير عن أبى سلمة عنهما وقال أبوعبيد القاسم بن سلام: ثنا يزيد عن داود بن أبىهند عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القران جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } هذا إسناد صحيح. أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه وأما إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة لأنه عليه السلام أوحي إليه وهو ابن أربعين سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح ويحتمل أنه حذف ما زاد على العشر اختصارا في الكلام لأن العرب كثيرا ما يحذفون الكسور في كلامهم أو أنهما اعتبرا قرن جبريل عليه السلام فإنه قد روى الإمام أحمد أنه قرن به عليه السلام ميكائيل في ابتداء الأمر يلقى اليه الكلمة وشىء ثم قرن به جبريل ووجه مناسبة هذا الحديث بـ فضائل القرآن أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف وهو البلد الحرام كما أنه في زمن شريف وهو شهر رمضان فاجتمع له شرف الزمان والمكان

ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن في شهر رمضان لأنه ابتدئ بنزوله ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله في كل سنة في شهر رمضان فلما كانت السنة التى توفى فيها عارضه مرتين تأكيدا وتثبيتا وأيضا ففى الحديث بيان أنه من القرآن مكي ومنه مدني فالمكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعد الهجرة سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد كان حتى ولوكان بمكة أو عرفة

وقد أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني واختلفوا في أخر وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط في تقييدها عسر ونظر ولكن قال بعضهم: كل سورة في أولها شىء من الحروف المقطعة فهى مكية إلا البقرة وآل عمران كما أن كل سورة فيها { يا أيها الذين آمنوا } فهى مدنية وما فيه { يا أيها الناس } فيحتمل أن تكون من هذا ومن هذا والغالب أنه مكي وقد يكون مدنيا كما في البقرة: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } - { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين }

قال أبوعبيد: ثنا أبومعاوية ثنا من سمع الأعمش يحدث عن إبراهيم عن علقمة: كل شىء في القرآن { يا أيها الذين آمنوا } فانه أنزل بالمدينة وما كان منها { يا أيها الناس } فانه أنزل بمكة ثم قال: ثنا على بن معبد عن أبى المليح عن ميمون بن مهران قال: ما كان في القرآن { يا أيها الناس } و{ يا بني آدم } فإنه مكي وما كان { يا أيها الذين آمنوا } فإنه مدني

ومنهم من يقول: إن بعض السور نزل مرتين: مرة بالمدينة ومرة بمكة والله أعلم ومنهم من يستثني من المكي آيات يدعى أنها من المدني كما في سورة الحج وغيرها

والحق في ذلك ما دل عليه الدليل الصحيح فالله أعلم

وقال أبوعبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة وال عمران والنساء وا لمائدة والأنفال والتوبة والحج وا لنور والأحزاب والذ ين كفروا والفتح والحد يد والمجادلة والحشر والممتحنة والحواريون والتغابن و{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } و{ يا أيها النبي لم تحرم } و{ الفجر } و{ الليل إذا يغشى } و{ إنا أنزلناه في ليلة القدر } و{ لم يكن } و{ إذا زلزلت } و{ إذا جاء نصر الله والفتح } وسائر ذلك بمكة هذا إسناد صحيح عن ابن أبى طلحة مشهور وهو أحد أصحاب ابن عباس الذين رووا عنه التفسير

وقد ذكر في المدني سورا في كونها مدنية نظر وما به الحجرات المعوذات

الحديث الثاني عدل

وقال البخاري: ثنا موسى بن إسماعيل ثنا معتمر قال: سمعت أبىعن أبى عثمان قال قال: [ أنبئت أن جبريل عليه السلام أتى النبي وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي لأم سلمة: من هذا أو كما قال قالت: هذا دحيه فلما قام قالت: والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي يخبر خبر جبريل أو كما قال ] قال أبى: قلت لأبىعثمان: ممن سمعت هذا ؟ قال: من أسامة بن زيد رضي الله عنه

وهكذا رواه أيضا في علامات النبوة عن عباس بن الوليد النرسى ومسلم في فضائل أم سلمة عن عبدالأعلى بن حماد ومحمد بن عبد الأعلى كلهم عن معتمر بن سليمان به والغرض من ايراده هذا الحديث ههنا أن السفير بين الله وبين محمد جبريل عليه السلام وهو ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانة كما قال تعالى: { نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } وقال تعالى: { إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون } الآيات

فمدح الرب تبارك وتعالى عبديه ورسوليه جبريل ومحمدا صلى الله وسلم عليهما وسنستقصى الكلام على تفسيرهذا المكان في موضعه إذا وصلنا إليه إن شاء الله تعالى وبه الثقة وفى الحديث فضيلة عظيمة لأم سلمة رضي الله عنها - كما بينه مسلم رحمه الله لرؤيتها هذا الملك العظيم وفضيلة أيضا لدحية بن خليفة الكلبي وذلك أن جبريل عليه السلام كان كثيرا ما يأتى إلى رسول الله على صورة دحية وكان جميل الصورة رضي الله عنه وكان من قبيلة أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي وهم من قبيلة قضاعة وقضاعة قيل: إنهم من عدنان وقيل من قحطان كلهم ينسبون إلى كلب بن وبره وقيل بطن مستقل بنفسه والله أعلم

الحديث الثالث عدل

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث ثنا سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة قال قال النبي : [ ما من الانبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ] ورواه أيضا في الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله ومسلم والنسائي عن قتيبة جميعا عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبى سعيد عن أبيه واسمه كيسان المقبرى به

وفى هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها بنى من الأنبياء وعلى كل كتاب أنزله وذلك أن معنى الحديث: ما من نبى إلا أعطى - أي من المعجزات - ما آمن عليه البشر أي ما كان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر ثم لما مات الأنبياء لم تبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهدوه في زمانه

وأما الرسول الخاتم للرسالة محمد فإنما كان معظم

ما آتاه الله وحيا منه إليه منقولا الى الناس بالتواتر ففى كل حين هو كما أنزل فلهذا قال: [ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا ] وكذلك وقع فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها الى قيام الساعة واستمرار معجزته ولهذا قال الله تعالى: { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } وقال تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا }

ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا فقال { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } وقصر التحدي على هذ المقام في السور المكية - كما ذكرنا في المدنية أيضا كما في سورة البقرة حيث قال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } وأخبرهم أنهم عاجزون عن معارضته بمثله وأنهم لا يفعلون ذلك في المستقبل أيضا

هذا وهم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض الكلام وضروبه لكن جاءهم من الله مالا قبل لأحد من البشر به من الكلام الفصيح البليغ الوجيز المحتوى على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة والأخبار الصادقة عن الغيوب الماضية والآتية والأحكام العادلة المحكمة كما قال تعالى: { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا }

وقال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبى ثنا محمد بن اسحاق قال: ذكر محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن عبد الله الأعور قال: قلت لآتين أمير المؤمنين فلأ سألنه عما سمعت العشية قال: فجئته بعد العشاء فدخلت عليه فذكر الحديث قال ثم قال: سمعت رسول الله يقول: [ أتاني جبريل فقال: يامحمد إن أمتك مختلفة بعدك - قال - فقلت له: فأين المخرج يا جبريل ؟ قال: فقال: كتاب الله به يقصم الله كل جبار من اعتصم به نجا ومن تركه هلك - مرتين - قول فصل وليس بالهزل لا تخلقه الألسن ولا تفنى عجائبه فيه نبأ من كان قبلكم وفصل مابينكم وخبرماهو كائن بعدكم ] رواه الإمام أحمد

وقد قال أبوعيسى الترمذي: ثنا عبد بن حميد ثنا حسين بن على الجعفى ثنا حمزة الزيات عن أبى المختار الطائى عن ابن أخى الحارث الأعور عن الحارث الأعور قال: [ مررت إلى المسجد فاذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي فقلت: يا أمير المؤمنين ألا ترى الناس قد خاضو في الأحاديث ؟ قال: أوقد فعلوها ؟ قلت: نعم قال: أما إنى قد سمعت رسول الله يقول: ألا إنها ستكون فتنة فقلت: فما المخرج منها يارسول الله ؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ماقبلكم وخبر مابعدكم وحكم مابينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبارقصمة الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو التى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنه ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضى عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا { إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به } من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها اليك يا أعور ] ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات وإسناده مجهول وفى حديث الحارث مقال

قلت: لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات بل قد رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن الحارث الأعور فبرئ حمزة من عهدته على أنه وإن كان ضعيف الحديث فإنه إمام في القراءة والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور وقد تكلموا فيه بل قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده أما أنه تعمد الكذب في الحديث فلا والله أعلم

وقصارى هذا الحديث أنما يكون من كلام أمير المؤمنين على رضي الله عنه وقد وهم بعضهم في رفعه وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روى له شاهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي

قال الإمام العلم أبوعبيد الله القاسم بن سلام رحمه الله في كتابة فضائل القرآن: ثنا أبو اليقظان عمار بن محمد الثوري أو غيره عن أبى إسحاق الهجري عن أبى الاحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: [ إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضى عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما أنى لا أقول: الم حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر ]

وهذا غريب من هذا الوجه ورواه محمد بن تفضيل عن أبى إسحاق الهجري واسمه إبراهيم بن مسلم وهو أحد التابعين ولكن تكلموا فيه كثيرا وقال أبو حاتم الرازى: لين ليس بالقوى وقال أبو الفتح الأزدى: رفاع كثير الوهم

قلت: فيحتمل - والله أعلم - أن يكون وهم في رفع هذا الحديث وإنما هو من كلام بن مسعود ولكن له شاهد من وجه أخر والله أعلم

وقال أبو عبيد أيضا: ثنا حجاج عن إسرائيل عن أبى اسحاق عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: لا يسأل عبد عن نفسه الا القرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله

الحديث الرابع عدل

قال البخاري: ثنا عمرو بن محمد ثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا أبى عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي ثم توفى رسول الله بعده

وهكذا رواه مسلم عن عمرو بن محمد هكذا وهوالناقد وحسن الحلواني وعبد بن حميد والنسائي عن اسحاق بن منصور الكوسج أربعتهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري به

ومعناه أن الله تعالى تابع نزول الوحي على رسوله شيئا بعد شىء كل وقت بما يحتاج اليه ولم تقع فترة بعد الفترة الاولى التى كانت بعد نزول الملك أول مرة بقوله تعالى { اقرأ باسم ربك } فإنه استلبث الوحي بعدها حينا يقال قريبا من سنتين أو أكثر ثم حمى الوحي وتتابع وكان أول شىء نزل بعد تلك الفترة { يا أيها المدثر * قم فأنذر }

الحديث الخامس عدل

قال البخاري: حدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال سمعت جندبا يقول: [ اشتكى رسول الله فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا تركك ] فأنزل الله تعالى: { والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى }

وقد رواه البخاري في غير موضع ومسلم والترمذي والنسائي من طرق أخر عن سفيان وهو الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن قيس العبدى عن جندب بن عبد الله البجلى به وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في تفسير سورة الضحى

والمناسبة في ذكر هذا الحديث والذي قبله في فضائل القرآن أن الله تعالى له برسوله عناية عظيمة ومحبة شديدة حيث جعل الوحي متابعا عليه ولم يقطعه عنه ولهذا إنما أنزل عليه القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية والإكرام

قال البخاري رحمه الله: نزل القرآن بلسان قريش والعرب قرآنا عربيا بلسان عربى مبين

حدثنا أبواليمان ثنا شعيب عن الزهري أخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام أن ينسخوها من المصاحف وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن نزل بلسانهم ففعلوا

هذا الحديث قطعة من حديث سيأتى قريبا الكلام عليه ومقصود البخاري منه ظاهر وهو أن القرآن الكريم نزل بلغة قريش وقريش خلاصة العرب ولهذا قال أبوبكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد ثنا يزيد أخبرنا شيبان عن عبدالمالك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت عمربن الخطاب يقول: لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف وهذا إسناد صحيح

وقال أيضا: حدثنا إسماعيل بن أسد ثنا هوذة ثنا عوف عن عبد الله ابن فضالة قال: لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال: إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر فإن القرآن نزل بلغة رجل من مصر وقد قال الله تعالى: { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } وقال تعالى: { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين } وقال تعالى: { وهذا لسان عربي مبين } وقال تعالى: { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } الآية إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك

ثم ذكر البخاري رحمه الله حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله حين ينزل عليه الوحي فذكر الحديث في الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة قال: [ فنظر رسول الله ساعة ثم فجأة الوحي فأشار عمر إلى يعلى - أي تعال - فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سرى عنه فقال: أين الذي سألنى عن العمرة آنفا فذكر أمره بنزع الجبة وغسل الطيب ]

وهذا الحديث رواه جماعة من طرق عديدة والكلام عليه في كتاب الحج ولا تظهر مناسبة ما بينه وبين هذه الترجمة ولا يكاد ولو ذكر في الترجمة التى قبلها لكان أظهر وأبين والله أعلم

جمع القرآن عدل

قال البخاري: حدثنا موسى بن اسماعيل عن إبراهيم بن سعد ثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبوبكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر: هذا والله خير ؟ فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد: قال أبوبكر: إنك رجل شاب عاقل لانتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان على أثقل مما أمرنى به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله قال ؟ هو والله خير فلم يزل أبوبكر يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذي شرح له صدرأبى بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبى خزيمة الأنصارى لم أجدها مع غيره { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } حتى خاتمة براءة

فكانت الصحف عند أبى بكرحتى توفاه ألله ثم عند عمرحياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم

وقد روى البخاري هذا فيغير موضع من كتابه ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق رضي الله عنه فإنه أقامه الله تعالى بعد النبي مقاما لا ينبغى لأحد من بعده: قاتل الأعداء من مانعي الزكاة والمرتدين والفرس والروم ونفذ الجيوش وبعث البعوث والسرايا ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارىء من حفظه كله وكان هذا من سر قوله تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }

فجمع الصديق الخير وكف الشرور رضي الله عنه وأرضاه ولهذا روى عن غير واحد من الأئمة منهم وكيع وابن زيد وقبيصة عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير عن عبد خير عن على بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين هذا إسناد صحيح

وقال أبو بكر بن أبى داود في كتاب المصاحف: حدثنا هارون بن إسحاق ثنا عبدة عن هشام عن أبيه أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي جمع القرآن بعد النبي يقول: ختمه صحيح أيضا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي تنبه لذلك لما استحرالقتل بالقراء أي اشتد القتل وكثرفى قراء القرآن يوم اليمامة يعنى يوم قتال مسيلمة الكذاب وأصحابه بنى حنيفة بأرض اليمامة في حديقة الموت

وذلك أن مسيلمة التف معه من المرتدين قريب من مائة ألف فجهز الصديق لقتاله خالد بن الوليد في قريب من ثلاثة عشرألفا فالتقوا معهم فانكشف الجيش الإسلامى لكثرة من فيه من الأعراب فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد خلصنا يقولون ميزنا من هؤلاء الأعراب فتميزوا منهم وانفردوا فكانوا قريبا من ثلاثة آلاف ثم صدقوا الحملة وقاتلوا قتالا شديدا وجعلوا يتنادون: يا أصحاب سورة البقرة فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله عليهم وولى جيش الكفار فارا واتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلا وأسرا وقتل الله مسيلمة وفرق شمل أصحابه ثم رجعوا إلى الإسلام

ولكن قتل من القراء يومئذ قريب من خمسمائة رضي الله عنهم فلهذا أشار عمرعلى الصديق بأن يجمع القرآن لئلا يذهب منه بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال فإذا كتب وحفظ صار محفوظا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته فراجعه الصديق قليلا ليستثبت الأمر ثم وافقه وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صار إلى ما رأياه رضي الله عنهم أجمعين وهذا المقام من أعظم فضائل زيد بن ثابت الأنصارى ولهذا قال أبو بكر بن أبى داود: حدثنا يزيد بن مبارك عن فضالة عن الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال: إنا لله ثم أمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف وهذا منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر ومعناه أنه أشار بجمعه فجمع ولهذا كان مهيمنا على حفظه وجمعه كما رواه ابن أبى داود حيث قال: ثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب ثنا عمر بن طلحة الليثى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر لما جمع القرآن كان لايقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان وذلك عن أمر الصديق له في ذلك كما قال أبو بكر بن أبى داود: ثنا أبو الطاهر أنا ابن وهب [ أخبرني ابن أبى الزناد عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبوبكر رضي الله عنه أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: فمن جاءكما بشاهدين على شىء من كتاب الله فاكتباه ] منقطع حسن

ولهذا قال زيد بن ثابت: ووجدت آخر سورة التوبة - يعنى قوله تعالى: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } إلى آخر الآيتين - مع أبى خزيمة الأنصارى [ وفى رواية مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله شهادته بشهادتين لم أجدها مع غيره ] فكتبوها عنه لأنه جعل رسول الله شهادته بشهادتين في قصة الفرس التى ابتاعها رسول الله من الأعرابي فأنكر الأعرابي البيع فشهد خزيمة هذا بتصديق رسول الله فأمضى شهادته وقبض الفرس من الأعرابي

والحديث رواه أهل السنن وهو مشهور

وروى أبو جعفر الرازى عن الربيع عن أبى العالية أن أبي بن كعب أملاها عليهم مع خزيمة بن ثابت وقد روى ابن وهب عن عمر بن طلحة الليثى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عثمان شهد بذلك أيضا

وأما قول زيد بن ثابت: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال وفى رواية: من العسب والرقاع والاضلاع وفى رواية: من الاكتاف والأقتاب وصدور الرجال أما العسب فجمع عسيب قال أبونصر اسماعيل بن حماد الجوهرى وهو من السعف فويق الكرب لم ينبت عليه الخوص وما نبت عليه الخوص فهو السعف واللخاف جمع لخفة وهى القطعة من الحجارة مستدقة كا نوا يكتبون عليها وعلى العسب وغير ذلك ممايمكنهم الكتابة عليه بما يناسب ما يسمعونه من القرآن من رسول الله

ومنهم من لم يكن يحسن الكتابة أو يثق بحفظه فكان يحفظه فتلقاه زيد هذا من عسبه وهذا من لخافه ومن صدر هذا أي من حفظه وكانوا أحرص شىء على أداء الأمانات وهذا من أعظم الأمانة لأن الرسول أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده كما قال تعالى: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } ففعل صلوات الله وسلامه عليه

ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد والصحابة أوفر ما كانوامجتمعين فقال: [ إنكم مسئولون عني فما أنتم قائلون ] قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت فجعل يشير بأصبعه إلى السماء عليهم ويقول: [ اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ] رواه مسلم بن جابر وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: [ بلغوا عنى ولو آية ] يعنى ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه فبلغوا عنه أمرهم به فأدوا القرآن قرآنا والسنة سنة لم يلبسوا هذا بهذا

ولهذا قال عليه السلام: [ من كتب عنى سوى القرآن فليمحه ] أي لئلا يختلط بالقرآن وليس معناه أن لا يحفظوا السنة ويرووها والله أعلم فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن ما أداه الرسول إليهم - إلا وقد بلغوه إلينا ولله الحمد والمنة

فكان الذي فعله الشيخان أبوبكر وعمر رضي الله عنهما من أكبر المصالح الدينية وأعظمها من حفظهما كتاب الله في الصحف لئلا يذهب منه شىء بموت من تلقاه عن رسول الله ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين حتى أخذها أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه كما سنذكره إن شاء الله

كتابة عثمان رضي الله عنه للمصاحف عدل

قال البخاري رحمه الله: ثنا موسى بن إسماعيل ثنا إبراهيم ثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازى أهل الشام في فتح أرمينيه وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة: أن ارسلى الينا بالصحف فننسخها ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد ابن العاص وعبدالرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحف

وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شىء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أومصحف أن يحرق

قال ابن شهاب الزهري: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت فقال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصارى { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقناها في سورتها بالمصحف وهذا أيضا من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شىء ؟ وهو جمع الناس على قراءة واحدة لئلا يختلفوا في القرآن ووافقه على ذلك جميع الصحابة وانما روى عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمرأصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال على بن أبى طالب: لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا فاتفق الأئمة الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلى على أن ذلك من مصالح الدين وهم الخلفاء الذين قال رسول الله : [ عليكم بسنتى وسنة الخلفاءالراشدين من بعدى ] وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فإنه لما كان غازيا في فتح أرمينية وأذربيجان وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى ورأى منهم اختلافا وافتراقا فلما رجع إلى عثمان أعلمه وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى

وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعاني أيضا وليس في توراة السامرة حروف الهمزة ولا حرف الهاء ولا الياء والنصارى أيضا بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهى مخالفة لنسختي اليهود والسامرة

وأما الأناجيل التى بأيدى النصارى فأربعة: إنجيل مرقس وإنجيل لوقا وإنجيل متى وإنجيل يوحنا وهى مختلفة أيضا اختلافا كثيرا وهذه الأناجيل الأربعة كل منها لطيف الحجم منها ما هو قريب من أربع عشرة ورقة بخط متوسط ومنها ما هو أكثر من ذلك إما بالنصف أو الضعف ومضمونها سيرة عيسى عليه السلام وأيامه وأحكامه وكلامه ومعه شىء قليل مما يدعون أنه كلام الله وهي مع هذا مختلفة كما قلنا وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف والتبديل ثم هما منسوخان بعد ذلك بهذه الشريعة المحمدية المطهرة

فلما قال حذيفة لعثمان أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التى عندها مما جمعه الشيخان ليكتب ذلك في مصحف واحد وينفذه إلى الآفاق ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه ففعلت حفصة

وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الأنصارى أحد كتاب الوحي لرسول الله وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدى أحد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص ابن أمية القرشى الأموى وكان كريما جوادا ممدحا وكان أشبه الناس لهجة برسول الله وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى المخزومي

فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون بالقرآن نسخا وإذا اختلفوا في موضع الكتابة على أي لغة رجعوا إلى عثمان كما اختلفوا في التابوت أيكتبونه بالتاء أو الهاء ؟ فقال زيد بن ثابت: إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون: إنما هو التابوت فتراجعوا إلى عثمان فقال: اكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بلغتهم وكان عثمان رضي الله عنه - والله أعلم - رتب السور في المصحف وقدم السبع الطول وثنى بالمئين

ولهذا روى ابن جرير وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث غير واحد من الأئمة الكتاب: عن عوف الأعرابي عن يزيد الفارسى عن ابن عباس قال: قلت لعثمان ابن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثاني وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر { بسم الله الرحمن الرحيم } ووضعتموها في السبع الطول ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان: [ كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشىء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التى يذكر فيها كذا وكذا ] وكانت الأنفال من أول ما نزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وحسبت أنها منها فقبض رسول الله ولم يتبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم فوضعتها في السبع الطول

ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في الصور أمر توقيفي متلقى عن النبي وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبا آياته فإن نكسه أخطأ كثيرا وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان رضي الله عنه والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليا كما قرأ عليه السلام في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح و{ هل أتاك حديث الغاشية } فإن فرق جاز كما صح أن رسول الله قرأ في العيد بقاف و{ اقتربت الساعة } رواه مسلم عن أبي قتادة وفى الصحيحين عن أبى هريرة [ أن رسول الله كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة { ألم } السجدة و{ هل أتى على الإنسان } ] وإن قدم بعض السور على بعض جازأيضا فقد روى حذيفة أن رسول الله قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران أخرجه مسلم وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف

ثم إن عثمان رضي الله عنه رد الصحف إلى حفصة رضي الله عنها فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شىء يخالف المصاحف الأئمة التى نفذها عثمان إلى الآفاق مصحفا إلى مكة ومصحفا إلى البصرة وآخرإلى الكوفة وآخر إلى الشام وآخر إلى اليمن وآخر إلى البحرين وترك عند أهل المدينة مصحفا رواه أبو بكر بن أبى داود عن أبى حاتم السجستاني سمعه يقوله وصحح القرطبي أنه إنما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف - وهذا غريب - وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراءات الناس في الآفاق وقد وافقه الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم وإنما نقم عليه ذلك الرهط الذين تمالؤا عليه وقتلوه - قاتلهم الله - وذلك في جملة ما أنكروا ممالا أصل له وأما سادات المسلمين من الصحابة ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين فكلهم وافقوه

قال أبو داود الطيالسي وابن مهدي وغندر عن شعبة عن علقمة ابن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة: قال علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته

وقال أبو بكر بن أبى داود: ثنا أحمد بن سنان ثنا عبدالرحمن ثنا شعبة عن أبى إسحق عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منهم أحد وهذا اسناد صحيح

وقال أيضا: حدثنا اسحق بن ابراهيم الصواف ثنا بن كثير ثنا ثابت بن عمارة الحنفى قال: سمعت غنيم بن قيس المازنى قال: قرأت القرآن على الحرفين جميعا والله ما يسرنى أن عثمان لم يكتب المصحف وأنه ولد لكل مسلم كلما أصبح غلام فأصبح له مثل ماله قال: قلنا له يا أبا العنبر لم ؟ قال لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرءون الشعر وحدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا محمدبن عبد الله - حدثني عمران بن حدير عن أبى مجلز قال: لولا أن عثمان كتب القران لألفيت الناس يقرءون الشعر

وحدثنا أحمد بن سنان سمعت ابن مهدى يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر ولا لعمر: صبره نفسه حتى قتل مظلوما وجمعه الناس على المصحف

وأما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد قال إسرائيل عن أبي إسحاق عن حميد بن مالك قال: لما أمر بالمصاحف - يعنى بتحريقها - ساء ذلك عبد الله بن مسعود وقال: من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ثم قال عبد الله: لقد قرأت القرآن من في رسول الله سبعين سورة وزيد صبي أفأترك ما أخذت من في رسول الله وقال أبو بكر: ثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن النضر ثنا سعيد بن سليمان ثنا ابن شهاب عن الأعمش عن أبي وائل قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: من يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت القرآن من في رسول الله بضعا وسبعين سورة وأن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان والله ما نزل من القرآن شىء إلا وأنا أعلم في أي شىء نزل وما أحد أعلم بكتاب الله مني وما أنا بخيركم ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الخلق فما أحد ينكر ما قال. أصل هذا مخرج في الصحيحين وعندهما: ولقد علم أصحاب محمد أني من أعلمهم بكتاب الله

وقول أبى وائل: فما أحد ينكرما قال يعني من فضله وحفظه وعلمه والله أعلم وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها فقد أنكره عليه غير واحد

قال الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الأمراء ؟ وقال أبو بكر بن أبى داود باب رضي عبد الله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف بعد ذلك

حدثنا عبد الله بن سعيد ومحمد بن عثمان بن حسان العامري عن فلفلة الجعفى قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم: انا لم نأتك زائرين ولكننا جئنا حين راعنا هذا الخبر فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف - أو حروف - وإن الكتاب قبلكم كان ينزل - أو نزل - من باب واحد على حرف واحد وهذا الذي استدل به أبو بكر رحمه الله على رجوع ابن مسعود فيه نظرمن جهة أنه لا تظهرمن هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه والله أعلم

وقال أبو بكر أيضا: حدثني عمي ثنا أبو رجاء أنا اسرائيل عن أبى إسحق عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: أيها الناس عهد نبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن وتقولون قراءة أبى وقراءة عبد الله يقول الرجل: والله ما يقيم قراءتك وأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شىء لما جاء به فكان الرجل يجىء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى تجمع من ذلك شىء كثير ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم: لسمعت رسول الله وهو أملاه عليك فيقول نعم فلما فرغ من ذلك عثمان قيل من أكتب الناس قال كاتب رسول الله زيد بن ثابت قال فأي الناس أعرب قالوا: سعيد بن العاص قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد مصاحفا ففرقها في الناس فسمعت بعض أصحاب رسول الله يقولون: قد أحسن. إسناد صحيح

وقال أيضا: ثنا إسحق بن إبراهيم بن زيد ثنا أبو بكر بن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت قال: فبعثوا إلى الربعة التى في بيت عمر فجىء بها قال: وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارءوا في شىء أخروه قال محمد: فقلت لكثير وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يؤخرونه ؟ قال: لا قال محمد: فظننت ظنا كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله صحيح أيضا

قلت: الربعة هى الكتب المجتمعة وكانت عند حفصة رضي الله عنها فلما جمعها عثمان رضي الله عنه في المصحف ردها إليها ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها لأنها هى بعينها الذي كتبه وانما رتبه ثم أنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها فما زالت عندها حتى ماتت ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول عثمان كما رواه أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن عوف ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف التى كتب منها القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه اياها قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله ابن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول إنه قد كان شىء منها لم يكتب إسناد صحيح

وأما ما رواه الزهري عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها فذكره لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحا به في غير هذه الرواية عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت والدليل على ذلك أنه قال فالحقناها في سورتها من المصحف وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية

فهذه الأفعال من أكبر القربات التى بادر إليها الأئمة الراشدون: أبوبكر وعمر رضي الله عنهما حفظا على الناس القرآن وجمعاه لئلا يذهب منه شىء وعثمان رضي الله عنه جمع قراءات الناس على مصحف واحد ووضعه على العرضة الأخيرة التى عارض بها جبريل رسول الله في آخر رمضان من عمره عليه السلام فإنه عارضه به عامئذ مرتين ولهذا قال رسول الله لفاطمة ابنته لما مرض: [ وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ] أخرجاه في الصحيحين

وقد روي أن عليا رضي الله عنه أراد أن يجمع القرآن بعد رسول الله مرتبا حسب نزوله أولا فأول كما رواه ابن أبى داود رحمه الله حيث قال: ثنا محمد بن اسماعيل الأحمسي ثنا ابن تفضيل عن أشعث عن محمد ابن سيرين قال: لما توفي النبي أقسم علي أن لا يرتدى برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل فأرسل إليه أبو بكر رضي الله عنه أيام أكرهت إمارتي يا أبا الحسن ؟ فقال: لا والله إلا أنى أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعة فبايعه ثم رجع هكذا رواه وفيه انقطاع ثم قال لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث وهو لين الحديث وإنما رووا حتى أجمع القرآن يعني أتم حفظه فإنه يقال للذي يجمع القرآن قد جمع قلت وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر والله أعلم فإن عليا لم ينقل عنه مصحف عنىما قيل ولا غيرذلك ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني يقال انها بخط علي رضي الله عنه وفى ذلك نظر فإن في بعضهم ( كتبه علي بن أبي طالب ) وهذا لحن من الكلام وعلي رضي الله عنه من أبعد الناس عن ذلك فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو فيما رواه عنه الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده ثم أخذ الناس عن أبي الاسود فوسعوه ووضحوه وصار علما مستقلا

وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله وقد كان قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي بحبر محكم في رق أظنه من جلود الإبل والله أعلم زاده الله تشريفا وتعظيما وتكريما فأما عثمان رضي الله عنه فيما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه وغيره فنسبت إلى عثمان لأنها بأمره واشارته ثم قرئت على الصحابة بين يدى عثمان ثم نفذت إلى الآفاق رضي الله عنه

وقد قال أبو بكر بن أبى داود: ثنا على بن حرب الطائي ثنا قريش بن أنس ثنا سليمان التيمي عن أبى نضرة عن أبى سعيد مولى بنى أسيد قال: لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده فوقعت على { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل وقال أيضا: ثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن مصحف عثمان فقال لي: ذهب يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة والله أعلم

قلت: وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جدا وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره أن بشر ابن عبدالملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب ابن أمية وتعلمه من عمه سفيان بن حرب وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من طيئ من قرية هناك يقال لها بقة ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب فتعلمه الناس ولهذا قال أبو بكر بن أبى داود: ثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا سفيان عن مجاهد عن الشعبي قال: سألنا المهاجرون: من أين تعلمتم الكتابة ؟ قالوا: من أهل الأنبار قلت: والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوبة ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير وصار له في ذلك نهج وأسلوب في الكتابة ثم قربها على بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب وسلك الناس وراءه وطريقته في ذلك واضحة جيدة والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدا وقع في كتابة المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى وصنف الناس في ذلك واعتنى بذلك الإمام أبو بكر بن أبي داود رحمه الله فبوبا على ذلك وذكر قطعة صالحة هي من صناعة القرآن ليست مقصدنا ههنا

ولهذا نص الإمام مالك على أنه لا توضع المصاحف إلا على وضع كتابة الإمام ورخص غيره في ذلك واختلفوا في الشكل والنقط فمن مرخص ومن مانع

فأما كتابة السورة وآياتها والتعشير والأجزاء والأحزاب فكثير من مصاحف زماننا والأولى اتباع السلف الصالح ثم قال البخاري: ذكركتاب النبي

وأورد فيه من حديث الزهري عن ابن السباق عن زيد بن ثابت أن أبا بكرالصديق قال له: وكنت تكتب الوحي لرسول الله وذكر نحو ما تقدم في جمعه القرآن وقد تقدم وأورد حديث زيد بن ثابت في نزول { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } ولم يذكر البخاري أحدا من الكتاب في هذا الباب سوى زيد بن ثابت وهذا عجب وكأنه لم يقع له حديث يورده سوى هذا والله أعلم وموضع هذا في كتاب السيرة عند ذكر كتابه

ثم قال البخاري رحمه الله: أنزل القرآن على سبعة أحرف

حدثنا سعيد بن عفير ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال حدثني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس حدثه أن رسول الله قال [ أقرأنى جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف ]

وقد رواه أيضا في بدء الخلق ومسلم من حديث يونس ومسلم أيضا عن معمر كلاهما عن الزهري بنحوه ورواه ابن جرير من حديث الزهري به ثم قال الزهري: بلغنى أن تلك السبعة الأحرف إنما هى في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا في حرام وهذا مبسوط في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: حدثنا يزيد ويحيى بن سعيد كلاهما عن حميد الطويل عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال: [ ما حك في صدري شىء منذ أسلمت إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله فقال: يا رسول الله أقرأتني آية كذا وكذا ؟ قال: نعم وقال الآخر: أليس تقرئني آية كذا وكذا قال: نعم فقال: إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: أقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف كاف شاف ]

وقد رواه النسائي من حديث يزيد - وهو ابن هارون - ويحيى بن سعيد القطان كلاهما عن حميد الطويل عن أنس عن أبي بن كعب بنحوه وكذا رواه ابن أبى عدى ومحمود بن ميمون الزعفراني ويحيى بن أيوب كلهم عن حميد به وقال ابن جرير ثنا محمد بن مرزوق ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن سلمة بن حميد عن أنس بن عبادة بن الصامت عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله : [ أنزل القرآن على سبعة أحرف ] فأدخل بينهما عبادة بن الصامت

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبى خالد حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبي بن كعب قال: [ كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فقمنا جميعا فدخلنا على رسول الله فقلت: يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل هذا فقرأ سوى قراءة صاحبه فقال لهما النبي : ] اقرءا - فقرءا فقال - أصبتما [ فلما قال لهما النبي الذي قال كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال: يا أبي إن الله أرسل إلي أن اقرأ القران على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل أن أقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة مسألة تسألينها - قال - قلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام ] وهكذا رواه مسلم من حديث إسماعيل بن أبى خالد به

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب ثنا محمد بن تفضيل عن اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله : [ إن الله أمرنى أن اقرأ القرآن على حرف واحد فقلت: رب خفف عن أمتي فقال: اقرأه على حرفين فقلت: رب خفف عن أمتي فأمرنى أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف ]

وقال ابن جرير: حدثني يونس عن ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن عبيد الله ابن عمر عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبي بن كعب أنه قال: [ سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك فانطلقت بهما إلى رسول الله فقلت: إنى سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما من أقرأهما ؟ فقالا: رسول الله فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله فقال رسول الله لأحدهما: أقرأ - فقرأ فقال - أحسنت - ثم قال للآخر اقرأ - فقرأ - فقال - أحسنت قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي فعرف ذلك رسول الله في وجهى فضرب يده في صدرى ثم قال: اللهم أخسىء الشيطان عنه يا أبي أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت: رب خفف عن أمتي ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب خفف عن أمتي ثم أتاني الثالثة فقال مثل ذلك وقلت مثل ذلك ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ولك بكل ردة مسألة - فقال - يارب اللهم اغفر لأمتي يارب اغفر لأمتي واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة ] اسناد صحيح

قلت: وهذا الشك الذي حصل لأبى في تلك الساعة هو - والله أعلم - السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله قراءة اعلام وابلاغ ودواء لما كان حصل له سورة { لم يكن } إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى

{ رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة } وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه من الحديبية على عمر بن الخطاب وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله ولأبى بكر الصديق وفيها قوله تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين }

وقال ابن جرير: ثنا محمد بن مثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبى ليلى عن أبي بن كعب [ أن رسول الله كان عند أضاة بنى غفار فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف قال: أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك قال: ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين قال: أسأل الله معافاته ومغفرته ان أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا ]

وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية شعبة به

وفى لفظ لأبي داود عن أبي بن كعب قال: قال لرسول الله : [ إنى اقرئت القرآن فقيل: على حرف أو حرفين ؟ فقال الملك الذي معى: قل على حرفين فقيل لى: على حرفين أو ثلاثة ؟ فقال الملك الذي معى: قل على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها الا شاف كاف ان قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ]

وقد روى ثابت بن قاسم نحوا من هذا عن أبى هريرة عن النبي صلى اله عليه وسلم ومن كلام ابن مسعود نحو ذلك

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن على الجعفى عن زائدة عن عاصم عن زر عن أبى قال: لقى رسول الله جبريل عند أحجار المرا فقال رسول الله لجبريل: [ إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ ( الفاني ) والعجوز الكبيرة والغلام فقال: مرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف ] وأخرجه الترمذي من حديث عاصم بن أبى النجود عن زر عن حذيفة أن رسول الله لقى جبريل عند أحجار المرا فذكر الحديث والله أعلم وهكذا رواه أحمد عن خالد عن حماد عن عاصم عن زر عن حذيفة أن رسول الله قال: [ لقيت جبريل عند أحجار المرا فقلت يا جبريل انى أرسلت أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ ( الفاني ) الذي لم يقرأ كتابا قط فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ]

وقال أحمد أيضا: ثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن ربعي ابن خراش قال: حدثني من لم يكذبنى - حذيفة - [ قال: لقى النبي عند أحجار المرا فقال: ان أمتك يقرءون القرآن على سبعة أحرف فمن قرأ منهم فليقرأ كما علم ولا يرجع عنه ] وقال عبد الرحمن: [ إن من أمتك الضعيف فمن قرأعلى حرف فلا يتحول عنه إلى غيره رغبة عنه ] هذا إسناد صحيح ولم يخرجوه

( حديث آخر ) في معناه عن سليمان بن صرد: قال ابن جرير: ثنا إسماعيل بن موسى السدى ثنا شريك عن أبى إسحاق عن سليمان بن صرد يرفعه قال: [ أتاني ملكان فقال أحدهما: اقرأ قال: على كم ؟ قال: على حرف قال: زده حتى انتهى إلى سبعة أحرف ]

ورواه النسائي في اليوم والليلة عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن اسحاق الأزرق عن العوام بن حوشب عن أبى إسحاق عن سليمان ابن صرد قال: أتىأبى ابن كعب رسول الله برجلين اختلفا في القراءة فذكر الحديث

وهكذا رواه أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن العوام عن أبى اسحاق عن سليمان بن صرد عن أبى أنه أتى النبي برجلين فذكره

وقال ابن جرير: ثنا أبو كريب ثنا يحيي بن آدم ثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن فلان العبدى - قال ابن جرير: ذهب عنى اسمه - عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال [: رحت إلى المسجد فسمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك ؟ قال: رسول الله فانطلقت به إلى رسول الله فقلت: استقرىء هذا قال: فقرأ فقال: أحسنت قال: قلت: إنك اقرأتنى كذا وكذا فقال: وأنت قد أحسنت قال: فقلت: قد أحسنت قد أحسنت قال: فضرب بيده على صدرى ثم قال: ] اللهم أذهب عن أبى الشك [ قال: ففضت عرقا وامتلأ جوفى فرقا قال الآخر: زده قال: قلت زدنى فقال: اقرأه على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف اقرأه على سبعة أحرف ]

وقد رواه أبو عبيد عن حجاج عن إسرائيل عن أبى اسحاق عن سقير العبدى عن سليمان بن صرد عن أبي عن النبي بنحو ذلك

ورواه أبو داوود عن أبى الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن يحيى بن عمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب بنحوه

فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أبى ابن كعب والظاهر أن سليمان بن صرد الخزاعى شاهد ذلك والله أعلم

( حديث آخر عن أبى بكرة ) قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن عفان بن مهدى عن حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عبد الرحمن ابن أبى بكرة عن أبيه عن النبي قال: [ أتاني جبريل وميكائيل عليهما السلام فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد فقال ميكائيل: استزده قال: اقرأ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة ] وهكذا رواه ابن جرير عن أبى كريب عن زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة به وزاد في آخره كقولك: هلم وتعال

( حديث آخر عن سمرة ) قال الإمام أحمد: ثنا بهز - وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة أنا قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله قال: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف ] إسناد صحيح ولم يخرجوه ( حديث آخر عن أبى هريرة ) - قال الإمام أحمد: ثنا أنس بن عياض حدثني أبو حازم عن أبى سلمة لا أعلمه إلا عن أبى هريرة أن رسول الله قال: [ نزل القرآن على سبعة أحرف المراء في القرآن كفر - ثلاث مرات - فما علمتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ] رواه النسائي عن قتيبة عن أبي ضمرة أنس بن عياض به

( حديث آخر عن أم أيوب ) قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عبيد الله - وهو ابن أبى يزيد - عن أبيه عن أم أيوب - يعنى امرأة أبى أيوب الأنصارية - أن رسول الله قال: [ أنزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أجزاك ]

وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة

( حديث آخر عن أبى جهم ) - قال أبوعبيد: ثنا إسماعيل بن جعفر عن يزيد ابن خصيفة عن مسلم بن سعيد مولى الحضرمي - وقال غيره عن بسر بن سعيد - عن أبى جهم الأنصاري أن رجلين اختلفا في آية من القرآن كلاهما يزعم أنه تلقاها من رسول الله فمشيا جميعا حتى أتيا رسول الله فذكر أبو جهم أن رسول الله قال: [ إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تماروا فإن مراء فيه كفر ]

وهكذا رواه أبو عبيد على الشك وقد رواه الإمام أحمد على الصواب فقال: حدثنا أبو سلمة الخزاعى ثنا سليمان بن بلال حدثني يزيد بن خصيفة أخبرني بسر بن سعيد حدثني أبو جهم [ أن رجلين اختلفا في آية من القرآن قال هذا: تلقيتها من رسول الله وقال هذا: تلقيتها من رسول الله فسألا النبي فقال: القرآن يقرأ على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن مراء في القرآن كفر ] وهذا إسناد صحيح أيضا ولم يخرجوه

ثم قال أبو عبيد: ثنا عبد بن صالح عن الليث عن يزيد بن الهاد عن محمد بن ابراهيم عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص [ أن رجلا قرأ آية من القرآن فقال عمرو - يعنى بن العاص -: إنما هى كذا وكذا بغير ما قرأ الرجل فقال الرجل: هكذا أقرأنيها رسول الله فخرجا الى رسول الله حتى أتياه فذكرا ذلك له فقال رسول الله إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فأى ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر ]

ورواه الإمام أحمد عن أبى سلمة الخزاعى عن عبد الله بن جعفر عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص به نحوه فإن المراء فيه كفر إنه الكفر به

وهذا أيضا جيد ( حديث آخرعن ابن مسعود ) - قال ابن جرير: ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عقيل بن خالد عن سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي أنه قال: [ كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا ]

ثم رواه عن أبى كريب عن المحاربى عن ضمرة بن حبيب عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود من كلامه وهو أشبه والله أعلم

فصل عدل

قال أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها على الأحرف السبعة الا حديثا واحدا يروى عن سمرة ) ( ما ) حدثني عفان عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي قال: [ نزل القرآن على ثلاثة أحرف ]

قال أبو عبيد: ولا نرى المحفوظ إلا السبعة لأنهاالمشهورة وليس معنى تلك ( السبعة ) أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه وهذا شيءغير موجود ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب - فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة أخرى والثانى بلغة أخرى سوى الأولى والثالثة بلغة أخرى سواهما كذلك إلى السبعة وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض وذلك بين في أحاديث تترى

قال: وقد روى الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجرمن هوازن قال أبوعبيد والعجر هم بنوا أسعد بن بكر وخيثم بن بكرونصر بن معاوية وثقيف وهم علياء هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب علياء هوازن وسفلى تميم يعنى بنى دارم ولهذا قال عمر: لا يملى في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف قال ابن جرير: واللغتان الآخرتان قريش وخزاعه رواه قتادة عن ابن عباس ولكن لم يلقه

قال أبوعبيد: ثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسئل عن القرآن فينشد فيه الشعر

قال أبوعبيد: يعنى أنه كان يستشهد به على التفسير

وحدثنا هشيم عن أبى بشر عن سعيد أو مجاهد عن ابن عباس في قوله: { والليل وما وسق } قال: ما جمع أنشد: قد اتسقن لو يجدن سائقا

حدثنا هشيم: أنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { فإذا هم بالساهرة } قال: الأرض قال: وقال ابن عباس: قال أمية بن أبى الصلت عندهم لحم بحر ولحم ساهرة

حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن ابراهيم بن مهاجر عن ابن عباس قال: كنت لا أدرى ما فاطر السموات والأرض ؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أنا ابتدأتها إسناد جيد أيضا

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله بعد ما أورد طرفا مما تقدم: وصح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجمع إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه

ثم قال: وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل ونحو ذلك من الأقوال فقد علمت قائل ذلك عن سلف الأئمة وخيار الأئمة ؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التى تقدم ذكرها هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التى نزل بهاالقرآن دون غيره فيكون ذلك لقولنا مخالفا وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه والذي قالوا من ذلك كما قالوا وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن رسول الله وعن جماعة من الصحابة من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة كما تقدم يعنى كما تقدم في رواية أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة

قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هى المعانى التى فيها من الأمر والنهى والترغيب والترهيب والقصص والمثل التى إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهى استوجب به الجنة ثم بسط القول في هذا بما حاصله أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف

ثم لما رأى الامام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إختلاف الناس في القراءة وخاف من تفرق كلمتهم جمعهم على حرف واحد وهو هذا المصحف الإمام قال: واستوسقت له الأمة على ذلك بل أطاعت ورأت أن فيما فعله الرشد والهداية وتركت القراءة بالأحرف الستة التى عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها حتى درست من الأمة معرفتها وانعفت آثارها فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها - إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله وأمرهم بقراءتها ؟ قيل ان أمره أياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض وإنما إباحة ورخصة لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العمل بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من تقوم بنقله الحجة ويقطع خبره العذر ويزيل الشك من قراءة الأمة وفى تركهم نقل ذلك في كذلك أوضح دليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين - إلى أن قال - فأما ما كان ممن اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فعن معنى قول النبي [ أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف ] بمعزل لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر في قول أحد من علماء الأمة وقد أوجب بالمراء في الأحرف السبعة الكفر كما تقدم

الحديث الثاني عدل

قال البخاري رحمه الله:

ثنا سعيد بن عفير ثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارى حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: [ سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأ ؟ قال: اقرأنيها رسول الله فقلت: كذبت فإن رسول الله قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت: إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله : أرسله . اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأ فقال : كذلك أنزلت ثم قال: اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التى أقرأنى فقال رسول الله : كذلك أنزلت إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ماتيسر منه ]

وقد رواه الإمام أحمد والبخاري أيضا ومسلم وأبوداود والنسائي والترمذي من طرق عن الزهري ورواه الإمام أحمد أيضا عن ابن مهدى عن مالك عن الزهري عن عروة عن عبدالرحمن بن عبد ( القارئ ) عن عمر فذكر الحديث بنحوه

وقد قال الإمام أحمد: ثنا عبد الصمد ثنا حرب بن ثابت ثنا إسحاق بن عبد الله ابن أبى طلحة عن أبيه عن جده قال: [ قرأ رجل عند عمر فغير عليه فقال: قرأت على رسول الله فلم يغير على قال: فاجتمعنا عند النبي فقرأ الرجل على النبي فقال له: قد أحسنت قال: فكأن عمر وجد من ذلك فقال رسول ال له يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم يجعل عذاب مغفرة ومغفرة عذابا ] وهذا إسناد حسن وحرب بن ثابت هذا يكنى بأبى ثابت لانعرف أحدا جرحه

أقوال العلماء في معنى السبعة الأحرف عدل

وقد اختلف العلماء في معنى هذه السبعة الأحرف وما أريد منها على أقوال قال أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن فرح الأنصارى القرطبي المالكي في مقدمات تفسيره: وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستى ونحن نذكر منها خمسة أقوال

قلت: ثم سردها القرطبي وحاصلها ما أنا مورده ملخصا:

( الأول ) وهو قول أكثر أهل العلم منهم سفيان بن عيينة وعبد الله ابن وهب وأبو جعفر محمد بن جرير والطحاوى: أن المراد سبعة أوجه من المعانى المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وقال الطحاوى: وأبين ما ذكرفى ذلك حديث أبى بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله فقال: اقرأ على حرف فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف فقال: اقرأ فكل كاف شاف إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل

وروى ورقاء عن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم }: للذين أمنوا أمهلونا للذين آمنواأخرونا للذين آمنوا أرقبونا وكان يقرأ { كلما أضاء لهم مشوا فيه }: مروا فيه سعوا فيه قال الطحاوى وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش وقراءة رسول الله لعدم علمهم بالكتابة والضبط واتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوى والقاضي والباقلانى والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر ثم نسح بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة

قلت: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور بإتباعهم وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمه وتكفير بعضهم بعضا فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخير التى عارض بها جبريل رسول الله في آخر رمضان كان من عمره علمه السلام وعزم عليهم أن لايقرءوا بغيرها وأن لا يتعاطوا الرخصة التى كانت لهم فيها سعة ولكنها أدت إلى الاختلاف والفرقة كما ألزم عمر الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها قال: فلو أنا أمضيناه عليهم وأمضاه عليهم وكذلك كان ينهى عن المتعه في أشهر الحج لئلا تقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج وقد كان أبو موسى يبيح التمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة للأئمة المهديين

( القول الثاني ) - أن القرآن نزل على سبعة أحرف وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله { وعبد الطاغوت } و{ يرتع ويلعب } قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد واختاره ابن عطية قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض وقال القاضي الباقلانى: ومعنى قول عثمان إنه نزل بلسان قريش أي معظمه ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله قال الله تعالى: { قرآنا عربيا } ولم يقل قرشيا قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا يعنى حجازها ويمنها وكذا قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر قال: لأن لغة غير قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات فإن قريشا لا تهمز وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدرى معنى { فاطر السماوات والأرض } حتى سمعت أعرابيا يقول لبئرابتدأ حفرها: أنا فطرتها

( القول الثالث ) - إن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائله خاصة لقول عثمان أن القرآن نزل بلغة قريش وقريش هم بنو النضر ابن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب كما ينطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره

( القول الرابع ) - وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء منها ما لا تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل ( ويضيق صدري ) ويضيق ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل ( فقالوا ربنا باعد - وباعد - بين أسفارنا ) وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل ننشزها وننشرها أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل ( كالعهن المنفوش - أو - كالصوف المنقوش ) أو باختلاف الكلمة واختلاف المعانى مثل ( وطلح منضود - وطلع منضود ) أو بالتقدم والتأخر: مثل ( وجاءت سكرة الموت بالحق - أو - سكرة الحق بالموت ) أو بالزيادة مثل ( تسع وتسعون نعجة - أنثى - وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين - فإن الله بعد إكراههن لهن غفور رحيم )

( القول الخامس ) - أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهى أمر ونهى ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال قال ابن عطية: وهذا ضعيف لأن هذه لاتسمى حروفا وأيضا فالاجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغييرشىء من المعانى وقد أورد القاضي الباقلانى في هذا حديثا ثم قال: وليست هذه هى التى أجاز لهم القراءة بها

فصل عدل

قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودى وابن أبى صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع ليست هى الأحرف السبعة التى اتسعت الصحابة في القراءة بها وإنما هى راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف ذكره ابن النحاس وغيره قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها وإنما اختار القراءة المنسوبة إلية لأنه رآها أحسن وأولى عنده قال: ولقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الاجماع على الصواب وحصل ما وعد الله من حفظه الكتاب

تأليف القرآن عدل

قال البخاري رحمه الله: حدثنا ابراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال وأخبروني يوسف بن ماهك قال: إنى عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها اذ جاءها عراقى فقال: أي الكفن خير ؟ قالت ويحك ما يضرك ؟ قال ياأم المؤمنين أرينى مصحفك فقالت: لم ؟ قال: لعلى أولف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف قالت: وما يضرك أية قرأت قبل ؟ إنما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس الى الاسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شىء نزل: لا تشربوا لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لاندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد وإنى لجارية ألعب { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وانا عنده قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور

والمراد من التأليف ههنا - ترتيب سوره وهذا العراقي سأل أولا عن أي الكفن خير أو أفضل فأخبرته عائشة رضي الله عنها أن هذا مما لا ينبغى أن يعتنى بالسؤال عنه ولا القصد له ولا الاستعداد فإن في هذا تكلفا لاطائل تحته وكانوا في ذلك الزمان يصفون أهل العراق بالتعنت فى الاسئلة كما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال ابن عمر: انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله ولهذا لم تبالغ معه عائشة رضي الله عنها في الكلام لئلا يظن أن ذلك أمر مهم وإلا فقد روى أحمد وأهل السنن من حديث سمرة وابن عباس عن رسول الله قال: [ البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم فإنها أطهر وأطيب ] وصححه الترمذي من الوجهين وفى الصحيحين عن عائشة أنها قالت: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وهذا محرر 1فى باب الكفن من كتاب الجنائز ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف أي مرتب السور وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق بالمصاحف الائمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم وقبل الالزام به والله أعلم ولهذا أخبرته أنه لا يضرك بأى سورة بدأت وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار وهذه إن لم تكن ( اقرأ ) فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التى فيها الوعد والوعيد ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته ومعنى هذا الكلام أن هذه السورة أو السور التى فيها ذكر الجنة والنار ليست البداءة بها في أوائل المصاحف مع أنها من أول ما نزلت وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده

فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة بل هو أمر توقيعى عن رسول الله كما تقدم تقرير ذلك ولهذا لم ترخص له في ذلك بل أخرجت له مصحفها فأملت عليه أي السور والله أعلم وقول عائشة: لا يضرك بأى سورة بدأت يدل على أنه لو قدم بعض السور أو كما يدل عليه حديث حذيفة وهو في الصحيح أخرعليه السلام قرأ في قيام الليل البقرة ثم النساء ثم آل عمران

وقد حكى القرطبي عن أبى بكر بن الأتباري في كتاب الرد أنه قال: فمن آخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الايات وغير الحروف والكلمات وكان مستنده اتباع مصحف عثمان رضي الله عنه فإنه مرتب على هذا النحو المشهور

والظاهر أن ترتيب السور منه ما هو راجع إلى رأى عثمان رضيالله عنه وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسلمة في أول براءة وذكره الأنفال من الطول والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد قوي

وقد ذكرنا عن على أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله ولهذا حكى القاضي الباقلانى أن أول مصحفه كان اقرأ باسم ربك الأكرم وأول مصحف ابن مسعود { مالك يوم الدين } ثم البقرة ثم النساء على ترتيب مختلف وأول مصحف أبى { الحمد لله } ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم المائدة ثم كذا على اختلاف شديد

ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ماهو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم وكذا ذكر مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي وقال ابن وهب في طائفة: سمعت سليمان بن بلال يقول: سئل ربيعة لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة ؟ فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه وقد أجمعوا على العلم بذلك فهذا مما ينتهى إليه ولا يسئل عنه قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي قال أبو الحسن ابن بطال: إنا نجد تأليف سورة في الرسم والخط خاصة ولا نعلم أن أحدا قال إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفى القرآن ودرسه وأنه لا يحل لأحد أن يتلقن الكهف قبل البقرة ولا الحج بعد الكهف ألا ترى إلى قول عائشة: لايضرك أية قرأت قبل [ وقد كان النبي يقرأ في الصلاة السورة في ركعة ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التى تليها ] قال: وأما ما روى عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا وقالا: إنما ذلك منكوس القلب فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها فإن ذلك حرام محظور ( ثم قال البخاري: ثنا آدم عن شعبة عن أبى اسحاق قال: سمعت عبدالرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بنى إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء انهن من العتاق الأول وهن من تلادى. انفرد بإخراجه البخاري والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية وقوله من العتاق الأول أي من قديم ما نزل وقوله وهن من تلادى أي من قديم ماقنيت وحفظت والتالد في لغتهم قديم المال والمتاع والطارق حديثه وجديده والله أعلم

حدثنا أبو الوليد ثنا شعبة أنا أبو اسحق سمع البراء بن عازب رضيالله عنه يقول: تعلمت { سبح اسم ربك الأعلى } قبل أن يقدم النبي وهذا متفق عليه وهو قطعة من حديث الهجرة والمراد منه أن { سبح اسم ربك الأعلى } سورة مكية نزلت قبل الهجرة والله أعلم

( ثم قال ) ثنا عبدان عن أبى حمزة عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله: [ لقد علمت النظائر التى كان النبي يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة فقام عبد الله ودخل معه علقمة وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون ]

هذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان رضي الله عنه فان المفصل في مصحف عثمان رضي الله عنه من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان لا تدخل فيه بوجه والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد: ثنا عبدالرحمن بن مهدى ثنا عبد الله بن عبدالرحمن الطائفى عن عثمان بن عبد الله ابن أوس الثقفى عن جده أوس بن حذيفة قال: [ كنت في الوفد الذين اتوا النبي فذكر حديثا فيه أن النبي كان سمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء قال: قلنا ما أمكثك عنا يارسول الله ؟ قال طرأ على حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه قال: فسألنا أصحاب رسول الله حين أصبحنا قال: قلنا كيف تخرجون القرآن ؟ قالوا نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة وحزب المفصل من ( ق ) حتى يختم ] ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبدالرحمن بن يعلى الطائفى به وهذا إسناد حسن

فصل عدل

فأما نقط المصحف وشكله فيقال أن أول من أمر به عبد الملك ابن مروان فتصدى لذلك الحجاج وهو بواسط فأمر الحسن البصرى ويحيى ابن يعمر ففعلا ذلك ويقال أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدولى وذكروا أنه كان لمحمد بن سيرين مصحف قد نقطه له يحيى ابن يعمر والله أعلم

وأما كتابة الأعشار على الحواشي فينسب إلى الحجاج أيضا وقيل: بل أول من فعله المأمون وحكى أبوعمرو الدانى عن ابن مسعود أنه كره التعشير في المصحف وكان يحكه وكره مجاهد ذلك أيضا وقال مالك: لا بأس به بالحبر فأما بالألوان المصبغة فلا واكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا وقال قتادة: بدأوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وقال يحيى بن كثير أول ما أحدثوا النقط وقال: هو نور له ثم أحدثوا النقط عند آخر الاى ثم أحدثوا الفواتح والخواتم ورأى إبراهيم النخعى فاتحة سورة كذا فأمر بمحوها وقال: قال ابن مسعود: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس فيه قال أبو عمرو الدانى: ثم قد أطبق المسلمون في ذلك في سائر الآفاق على جواز ذلك في الأمهات وغيرها

معارضة جبريل النبي القرآن عدل

ثم قال البخاري رحمه الله كان جبريل يعرض القرآن على النبي قال مسروق عن فاطمه عن عائشة: أسر إلى رسول الله [ أن جبريل كان يعارضنى بالقرآن كل سنة وإنه عارضنى العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلى ] هكذا ذكره معلقا وقد أسند في مواضع أخر ثم قال: ثنا يحيى بن قزعة ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: [ كان النبي أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهررمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله القرآق فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة ] وهذا الحديث متفق عليه وقد تقدم الكلام عليه في أول الصحيح وما فيه من الحكم والفوائد والله أعلم

ثم قال: ثنا خالد بن يزيد ثنا أبو بكر عن أبى حصين عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: [ كان يعرض على النبي القرآن كل عام مره فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض ]

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن أبى بكر وهو ابن عياش عن أبى حصين واسمه عثمان بن عاصم به والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى ليبقى ما بقى ويذهب ما نسخ توكيدا واستثباتا وحفظا ولهذا عارضه في السنة الأخيرة من عمره عليه السلام على جبريل مرتين وعارضه به جبريل كذلك ولهذا فهم عليه السلام اقتراب أجله

وعثمان رضي الله عنه جمع المصحف الإمام على العرضة الأخيرة رضيالله عنه وأرضاه وخص بذلك رمضان من بين الشهور لأن ابتداء الإيحاء كان فيه ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة في تلاوة القرآن كما تقدم ذكرنا لذلك

القراء من أصحاب النبي عدل

حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبد الله ابن عمر وعبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه سمعت النبي يقول: [ خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب رضي الله عنهم ]

وقد أخرجه البخاري في المناقب في غير موضع ومسلم والنسائي من حديث الأعمش بن أبى وائل عن مسروق به فهؤلاء أربعة: اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي المدينة واثنان من الأنصار معاذ بن جبل وأبي بن كعب وهما سيدان كبيران رضي الله عنهم أجمعين

ثم قال: حدثنا عمر بن حفص ثنا أبى ثنا الأعمش ثنا شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله بضعا وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي أنى من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك

حدثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: [ كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت فقال: قرأت على رسول الله فقال أحسنت ووجد منه ريح الخمر فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر ؟ فجلده الحد ]

حدثنا عمر بن حفص ثنا أبى ثنا الأعمش ثنا مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين انزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه

وهذا كله حق وصدق وهو من أخبار الرجل عما يعلم من نفسه مما قد يجهله غيره فيجوز ذلك للحاجة كما قال تعالى إخبارا عن يوسف كما قال لصاحب مصر { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } ويكفيه مدحا وثناء قول رسول الله [ استقرئوا القرآن من أربعة ] فبدأ به وقال أبو عبيد ثنا مصعب بن المقدام عن سفيان عن الأعمش عن ابراهيم عن عمرو عن النبي : [ من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ] وهكذا رواه الإمام أحمد عن أبى معاوية عن الأعمش به مطولا وفيه قصة وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبى معاوية به وصححه الدارقطنى وقد ذكرته في مسند عمر وفى مسند الإمام أحمد أيضا عن أبى هريرة أن رسول الله قال: [ من أحب يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد ] وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعو كان يعرف بذلك

ثم قال البخاري: ثنا حفص بن عمر ثنا همام ثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ورواه مسلم من حديث همام ثم قال البخاري تابعه الفضل عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس بن مالك حدثنا معلى بن أسد ثنا عبد الله بن المثنى ثنا ثابت وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي ولم يجمع القرآن غير أربعة أبوالدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قال: ونحن ورثناه

فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط وليس هذا هكذا بل الذي لايشك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا ولعل مراده لم يجمع القرآن من الأنصار وهم أبى ابن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفى الثانية من أفراد البخاري أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث وقد اختلف في اسمه فقال الواقدي وأسمه قيس بن السكن بن قيس بن ذعور بن حرام بن جندب ابن عامر غنم بن عدى بن النجار وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيدابن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس وقيل: هما اثنان جمعا القرآن حكاه أبوعمر بن عبدالبر وهذا بعيد وقول الواقدى أصح لأنه خزرجى لأن أنسا قال: نحن ورثناه وهم من الخزرج وفى الألفاظ: وكان أحد عمومتي وقال قتادة عن أنس قال افتخر الحيان الأوس والخزرج فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبى عامر ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ ومنا من اجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي وقد شهد أبو زيد هذا - بدرا فيما ذكره غير واحد وقال موسى بن عقبة عن الزهري قتل أبوزيد قيس بن السكن يوم جسر أبى عبيد على رأس خمس عشرة سنة من الهجرة

والدليل على أن من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق رضي الله عنه قدمه رسول الله في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار مع أنه قال: [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] فلولا أنه كان اقرأهم لكتاب الله لما قدمه عليهم هذا مضمون ما قرره الشيخ أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعرى وقد بسطت تقريرذلك في مسند الشيخين رضي الله عنهما

ومنهم عثمان بن عفان قد قرأه في ركعة كما سنذكره وعلى بن أبى طالب يقال أنه جمعه على ترتيب ما أنزل وقد قدمنا هذا

ومنهم عبد الله بن مسعود وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم أنزلت ولو علمت أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه المطى لذهبت إليه

ومنهم سالم مولى أبى حذيفة وكان من السادات النجباء والأئمة النقباء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا

ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبدالمطلب بن عم الرسول وترجمان القرآن وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس مرتين أقفه عند كل آية وأسأله عنها

ومنهم عبد الله بن عمرو كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبى مليكة عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو قال: [ جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ ذلك رسول الله فقال: اقرأه في شهر ] وذكر تمام الحديث

ثم قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل أنا يحيى عن سفيان عن حبيب ابن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: على أقضانا وأبى أقرؤنا وإنا لندع من لحن أبى وأبى يقول أخذته من في رسول الله فلا أتركه لشىء قال الله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشىء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر ولهذا قال الامام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر أي فكله مقبول صلوات الله وسلامه عليه

ثم ذكر البخاري فضل فاتحة الكتاب وغيرها وذكرنا في كل سورة عندها ليكون ذلك أنسب ثم قال: نزول السكينة والملائكة عند القراءة

وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد بن محمد بن ابراهيم عن الحضير قال: [ بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده اذ جالت الفرس فسكت فسكنت فقرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيىقريبا منها فأشفق أن تصيبه فلمااجتره رفع رأسه إلى السماء حتى يراها فلما أصبح حدث النبي فقال: اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير قال: فأشفقت أن تطأ يحيى وكان منها قريبا فرفعت رأسى فانصرفت إليه فرفعت رأسي الى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال وتدرى ما ذاك قال: لا قال: تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم ]

قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدرى عن أسيد بن الحضير

هكذا أورد البخاري هذا الحديث معلقا وفيه انقطاع في الرواية الأولى فان محمدا بن ابراهيم بن الحارث التيمى المدني تابعى صغير لم يدرك أسيدا لانه مات سنة عشرين وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ثم فيه غرابة من حيث انه قال: وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد ولم أره بسند متصل عن الليث بذلك إلا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف أن يحيى بن عبد الله بن بكير رواه عن الليث كذلك

وقد رواه الإمام أبو عبيد في فضائل القرآن فقال: وحدثنا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير عن الليث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى عن أسيد بن حضير فذكر الحديث إلى آخره ثم قال: قال ابن الهاد: وحدثني عبد الله بن خباب عن أبى سعيد بن أسيد بن حضير بهذا الحديث

وقد رواه النسائي في فضائل القرآن عن محمد بن عبد الله بن عبدالحكم عن شعيب بن الليث وعن على بن محمد بن على عن داود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن يزيدابن عبد الله - وهو ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبى سعيد عن أسيد به ورواه يحيى بن بكير عن الليث كذلك أيضا فجمع بين الإسنادين ورواه في المناقب عن أحمد بن سعيد الرباطى عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن يزيد ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبى سعيد أن أسيد ابن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث ولم يقل عن أسيد ولكن ظاهره أنه عنه والله أعلم

وقال أبو عبيد: حدثني عبد الله بن صالح عن الليث عن ابن شهاب عن أبى كعب بن مالك عن أسيد بن حضير أنه كان يقرأ على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه

وحدثنا قبيصة عن حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن عبدالرحمن ابن أبى ليلى عن أسيد بن حضير قال: [ قلت يا رسول الله بينما أنا اقرأ البارحة بسورة فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفى حتى ظننت أن فرسى تطلق فقال رسول : اقرأ أبا عتيك مرتين قال: فالتفت فرأيت الىأمثال المصابيح ما بين السماء والأرض فقال رسول الله : إقرأ أبا عتيك فقال: والله ما استطعت أن أمضى فقال: تلك الملائكة تنزلت لقراءة القرآن أما أنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب ]

وقال أبو داود الطيالسي:

ثنا شعبة عن أبى إسحق سمع البراء يقول: [ بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض - أو قال فرسه يركض - فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة فذكر ذلك لرسول الله فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن - أو تنزلت على القرآن ]

وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة

والظاهر أن هذا هو أسيد بن الحضير رضي الله عنه فهذا يتعلق بصناعة الإسناد وهذا من أغرب تعليقات البخاري رحمه الله ثم سياقه ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند القراءة وقد اتفق نحو هذا الذي وقع لأسيد بن الخضير لثابت بن قيس بن شماس كما قال أبو عبيد: ثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوه [ أن رسول الله قيل له: ألم تر ثابت بن قيس ابن شماس ؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال: فلعله قرأ سورة البقرة قال فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة ]

وفى الحديث المشهور الصحيح: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده

رواه مسلم عن أبى هريرة ولهذا قال الله تعالى: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } جاء في بعض التفاسيرأن الملائكة تشهده وقد جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله : [ يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر فيعرج إليه الذين نزلوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون ]

من قال لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين عدل

حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان عن عبدالعزيز بن رفيع قال: [ دخلت وشداد بن معقل على ابن عباس فقال له شداد بن معقل: أترك النبي من شىء ؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين ]

تفرد به البخاري ومعناه أنه ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه كما قال عمرو بن الحارث أخو جويرية: ما ترك رسول الله دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا وفى حديث أبى الدرداء: إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه بحظ وافر ولهذا قا ل ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعنى القرآن والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة أي تابعة له والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى كما قال تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } الآية

فالأنبياء عليهم السلام لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها وإنما خلقوا للآخرة يدعون اليها ويرغبون فيها ولهذا قال رسول الله : [ مما تركنا فهو صدقة ] وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبوبكر الصديق رضي الله عنه لما سئل ميراث رسول الله فأخبر عنه بذلك ووافقه على نقله عنه عليه السلام غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلى والعباس وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم وهذا ابن عباس يقوله أيضا عنه عليه السلام رضي الله عنهم أجمعين

فضل القرآن على سائر الكلام عدل

حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد ثنا همام ( ثنا قتادة ) ثنا أنس بن مالك عن أبى موسى رضي الله عنهما عن النبي قال: [ مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب والذي لايقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرولاريح لها ]

وهكذا رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر ثم قال: ثنا مسدد ثنا يحيى عن سفيان حدثني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: [ انما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لى إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لى من نصف النهار إلى العصر ؟ فعملت النصارى ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئا ؟ قالوا: لا قال: فذاك فضلى أوتيته من شئت ]

تفرد به من هذا الوجه ومناسبته للترجمة أن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلت الأمم الماضية مع طول مدتها كما قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس }

وفى المسند والسنن عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : [ أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ] وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم القرآن الذي شرفه الله على كل كتاب أنزله وجعله مهيمنا عليه وناسخا له وخاتما له لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة وهذا القرآن نزل بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزل عليه فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى والنصارى من ثم إلى أن بعث محمدا ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة وهو المشبه بآخر النهار وأعطى المتقدمين قيراطا قيراطا وأعطى هؤلاء قيراطين ضعفى ما أعطى أولئك فقالوا أي ربنا ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا ؟ فقال: هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا: لا قال: فذاك فضلى - أي الزائد على ما أعطيتكم أوتيه من اشاء كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }

الوصاة بكتاب الله عدل

حدثنا محمد بن يوسف ثنا مالك بن مغول ثنا طلحة هو ابن مصرف [ سألت عبد الله بن أبى أوفى: أوصى النبي ؟ قال: لا قال: قلت فكيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوص ؟ قال: أوصى بكتاب الله تعالى ]

وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق عن مالك ابن مغول به وهذانظير ما تقدم عن ابن عباس أنه ما ترك إلا ما بين الدفتين وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } وأما هو فلم يترك شيئا يورث عنه وأما له صدقة جارية من بعده فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوص الى خليفة يكون بعده على التنصيص لأن الأمر كان ظاهرا من إشاراته وايماءاته إلى الصديق ولهذا لما هم بالوصية إلى أبى بكر ثم عدل عن ذلك قال: [ يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ] وكان كذلك وإنما أوصى الناس باتباع كلام الله

من لم يتغن بالقرآن عدل

وقول الله تعالى { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم }

حدثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله ؟ [ لم يأذن الله لشىء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ] وقال صاحب له: يريد يجهر به فرد من هذا الوجه ثم رواه عن على بن عبد الله بن المدينى عن سفيان بن عيينة عن الزهري به قال سفيان: تفسيره يستغني به

وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينه به ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشىء كاستماعه لقراءة نبى يجهر بقراءته ويحسنها وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية وذلك هو الغاية في ذلك وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم كما قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم كما قال تعالى { وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } الآية ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم ومنهم من فسرالاذن ههنا بالأمر والأول أولى لقوله: [ ما أذن الله لشىء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ] أي يجهر والاذن الاستماع لدلالة السياق عليه وكما قال تعالى { إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت } أي استمعت لربها وحقت أي وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه فالاذن ههنا هو الاستماع ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجه بسند جيدعن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله : [ لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلي قينته ]

وقول سفيان بن عيينة أن المراد بالتغنى به فان أرادأنه يستغنى به عن الدنيا وهو الظاهرمن كلامه الذي تابعه عليه أبوعبيدالقاسم بن سلام وغيره فخلاف الظاهر من مراد الحديث لأنه قد فسر بعض رواته بالجهر وهوتحسين القراءة والتحزين بها قال حرملة سمعت ابن عيينة يقول معناه يستغنى به فقال لى الشافعى ليس هو هكذا ولو كان هكذا لكان يتغانى إنما هو يتحزن ويترنم به قال حرملة وسمعت ابن وهب يقول: يترنم به وهكذا نقل المزنى والربيع عن الشافعى رحمه الله

وعلى هذا فتصدير البخاري الباب بقوله تعالى { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } فيه نظر لأن هذه الآية ذكرت ردا على الذين سألو آيات تدل على صدقه حيث قال { وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } الآية ومعنى ذلك أو لم يكفهم آية دالة على صدقك إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } أي وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين فأين هذا من التغنى بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا ؟ فعلى كل تقدير تصدير الباب بهذه الآية فيه نظر

فصل: فى إيراد أحاديث في معنى الباب وذكر أحكام التلاوة بالأصوات عدل

قال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن قباث بن رزين عن على بن رباح اللخمى عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله يوما ونحن في المسجد نتدارس القرآن قال: [ تعلموا كتاب الله واقتنوه - قال: وحسبت أنه قال وتغنوا به - فوالذي نفسى بيده لهو اشد تفلتا من المخاض العقل ] وحدثنا عبد الله بن صالح عن موسى بن على عن أبيه عن عقبة عن رسول الله مثل ذلك إلا أنه قال: [ واقتنوه وتغنوا به ] ولم يشك

وهكذا رواه النسائي في كتاب فضائل القرآن من حديث موسى بن على عن أبيه به ومن حديث عبد الله بن يزيد المقرى عن قباث بن رزين عن على ابن رباح عن عقبة - وفى بعض ألفاظه: [ خرج علينا ونحن نقرأ القرآن فسلم علينا وذكرالحديث ففيه دلالة على السلام على القارىء ] وقال أبو عبيد: ثنا أبو اليمان عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم المهاجر ابن حبيب قال: قال رسول الله : [ يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار وتغنوه وتقنوه واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون ] وهذا مرسل ثم قال أبو عبيد: قوله تغنوه أي اجعلوه غناءكم من الفقر ولاتعدوا الإقلال معه فقرا وقوله وتقنوه يقول: اقتنوه كما تقتنوا الأموال اجعلوه ما لكم

وقال أبوعبيد: حدثني هشام بن عمار بن يحيى بن حمرة عن الأوزاعي قال: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر عن فضالة بن عبيد عن النبي قال: [ لله أشد أذنا الى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته ]

قال أبو عبيد: هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده يقول عن إسماعيل عبيد الل ه عن مولى فضالة عن فضالة وهكذا رواه ابن ماجة عن راشد سعيد بن أبى راشد عن الوليد عن الأوزاعى عن إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة عن النبي : [ لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرأن من صاحب القينة إلى قينته ]

قال أبو عبيد: يعنى الاستماع وقوله في الحديث الاخر [ ما أذن الله لشىء ] أي ما استمع

وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن حميد ثنا سلمة بن الفضل ثنا عبد الله بن عبدالرحمن بن أبى مليكة حدثنا القاسم بن محمد حدثني السائب قال: [ قال لى سعد: يا ابن أخى هل قرأت القرآن ؟ قلت: نعم قال: غن به فإنى سمعت رسول الله يقول: غنوا بالقرآن ليس منا من لم يغن بالقرآن وابكوا فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا ]

وقد روى أبو داود من حديث الليث عن عبد الله بن أبى مليكة عن عبد الله بن أبى نهيك عن سعد بن أبى وقاص قال: قال رسول الله : [ إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكو فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا ] وفى الحديث كلام طويل يتعلق بسنده ليس هذا موضعه والله أعلم

وقال أبو داود: ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا عبدالجبار بن الورد قال: [ سمعت ابن أبى مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبى زيد: مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه فإذا رجل رث البيت رث الهيئة ( فانتسبنا له فقال: تجار كسبة ) فسمعته يقول: سمعت رسول الله يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] قال: فقلت لابن أبى مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع تفرد به أبو داود فقد فهم من هذا أن السلف رضي الله عنهم إنما فهموا من التغنى بالقرآن إنما هو تحسين الصوت به وتحزينه كما قال الأئمة رحمهم الله ويدل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود حيث قال: ثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن طلحة عن عبدالرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال قال رسول الله : [ زينوا القرآن بأصواتكم ]

وأخرجه النسائي وأبن ماجة من حديث شعبة عن طلحة وهذا اسناد جيد وقد وثق النسائي وابن حبان عبدالرحمن بن عوسجة هذا ونقل الأزدي عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: سألت عنه بالمدينة فلم يحمدونه

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث [ زينوا القرآن بأصواتكم ] قال أبو عبيد: وانما كره أيوب فيما نرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله في الألحان المبتدعة فلهذا نهاه أن يحدث به ( قلت ): ثم إن شعبة رحمه الله روى الحديث متوكلا على الله كما روى له وولو ترك كل حديث يتأوله مبطل لترك من السنة شيء كثير بل قد تطرقوا إلى تأويل آيات كثيرة من القرآن وحملوها على محاملها الشرعية المرادة وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله والمراد تحسين الصوت بالقرآن تطريبه وتحزينه والتخشع به كما رواه الحافظ الكبير تقى بن مخلد رحمه الله حيث قال: ثنا أحمد بن ابراهيم عن أبى موسى عن أبيه قال: [ قال لى رسول الله ذات يوم: يا أبا موسى لو رأيتنى وأنا أستمع قراءتك البارحة قلت أما والله لو علمت آنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا ]

رواه مسلم من حديث طلحة به وزاد [ لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ] وسيأتى هذا في - بابه حيث يذكره البخاري والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرا فدل على جواز تعاطى ذلك وتكلفه وقد كان أبو موسى كما قال عليه السلام: قد أعطى صوتا حسنا - كما سأذكره إن شاء الله - مع خشية تامة ورقة أهل اليمن فدل على أن هذامن الأمور الشرعية قال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أبى سلمة قال: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى فيقرأ عنده قال أبو عبيد: ثنا سليمان التيمى أو نبئت عنه ثنا أبو عثمان النهدى كان أبو موسى يصلى بنا فلو قلت أنى لم أسمع صوت صنج قط ولايربط قط ولاشيئا قط أحسن من صوته

وقال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم حدثني حنظلة بن أبى سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة قالت: [ أبطأت على رسول الله ليلة بعدالعشاء ثم جئت فقال: أين كنت ؟ قلت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك مثل قراءته وصوته من أحد قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له ثم التفت إلى فقال: هذا سالم مولي أبى حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا ] إسناد جيد وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: [ سمعت رسول الله يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه وفي بعض ألفاظه فلما بلغ هذه الآية { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون } كاد قلبي أن يطير وكان جبير لما سمع هذا بعد مشركا على دين قومه وإنما كان قدم في فداء الأساري بعد بدر وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر هذا سبب هدايته ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع القلب كما قال قال أبو عبيد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن طاوس قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله وحدثنا قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه وعن الحسن بن مسلم عن طاوس قال: سئل رسول الله أي الناس أحسن صوتا بالقرآن ؟ فقال: الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله ]

وقد روى هذا متصلا من وجه آخر فقال ابن ماجه حدثنا بشر بن معاذ الضرير ثنا عبد الله بن جعفر المدينى ثنا ابراهيم بن اسماعيل بن مجمع عن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله : [ ان من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله ] ولكن عبد الله بن جعفر هذا - وهو والد على بن المدينى - وشيخه ضعيفان والله أعلم والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والإنقياد للطاعة فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائى فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك كما قال الإمام العلم عبيد القاسم بن سلام رحمه الله حدثنا نعيم بن حماد عن بقية ابن الوليد عن حصين بن مالك الفزارى قال سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : [ اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر وسيجىء قوم من بعدى بالقرآن يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لايجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ]

وحدثنا يزيد عن شريك عن أبى اليقظان عثمان بن عمير زاذان أبي عمر عن عليم قال: [ كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي قال يزيد لا أعلمه الا قال عابس الغفارى فرأى الناس يخرجون في الطاعون قال: ما هولاء ؟ قال يفرون من الطاعون فقال يا طاعون خذني فقالوا أتتمنى الموت وقد سمعت رسول الله يقول: لايتمنين أحدكم الموت فقال: إنى أبادر خصالا سمعت رسول الله يتخوفهن على أمته بيع الحكم والاستخفاف بالدم وقطيعة الرحم وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بافقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء وذكر خلتين آخرتين ] وحدثنا يعقوب بن إبراهيم عن ليث بن أبى سليم عن عثمان بن عمير عن زاذان عن عابس الغفارى عن النبي مثل ذلك أو نحوه وحدثنا يعقوب عن ابراهيم عن الأعمش عن رجل عن أنس أنه سمع رجلا يقرأ القرآن بهذه الألحان التى أحدث الناس فأنكر ذلك ونهى عنه. وهذه طرق حسنة

باب الترهيب عدل

وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التى يسلك بها مذاهب الغناء وقد نص الأئمة رحمهم الله على النهى عنه فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا فقد اتفق العلماء على تحريمه والله أعلم

وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن معمر ثنا روح ثنا عبيدالله بن الأخنس عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] ثم قال: إنما ذكرنا هذا لتبيين الاختلاف على ابن أبى مليكة فيه فرواه عبدالجبار بن الورد عنه عن ابن أبى مليكة عن أبى لبابة ورواه عمرو بن دينار والليث عنه عن أبى نهيك عن سعد ورواه عسل بن سفيان عنه عن عائشة ورواه نافع مولى ابن عمر عنه عن ابن الزبير

اغتباط صاحب القرآن عدل

حدثنا أبواليمان أنا شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول: [ لاحسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل اعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار ] انفرد به البخاري من هذا الوجه واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري: ثنا على بن إبراهيم ثنا روح ثنا شعبة عن سليمان قال: سمعت ذكوان عن أبى هريرة أن رسول الله قال: [ لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فسمعه جار له فقال: ليتنى أوتيت مثلما أوتيت فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل: ليتنى أوتيت مثل ماأوتى فلان فعملت مثل ما يعمل ] [ ومضمون هذين الحديثين أن صاحب القرآن في غبطة وهى حسن الحال فينبغى أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه ويستحب تغبيطه بذلك يقال: غبطه يغبطه بالكسر غبطا إذا تمنى مثل ما هوفيه من النعمة وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمنى زوال نعمة المحسود عنه سواء حصلت لذلك الحاسد أولا وهذا مذموم شرعا مهلك وهو أول معاصى ابليس حين حسد آدم على ما منحه الله تعالى من الكرامة والإحترام والإعظام والحسد الشرعى الممدوح هو تمنى حال مثل ذاك الذي هو على حالة سارة ولهذا قال عليه السلام: ] لا حسد إلا في اثنتين [ فذكر النعمة القاصرة وهو تلاوة القرآن آناء الليل والنهاروالنعمة المتعدية وهى نفاق المال بالليل والنهار ] كما قال تعالى { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور }

وقد روى نحو هذا من وجه آخر فقال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبى بخط يده: كتب إلى أبو توبة الربيع بن نافع فكان في كتابه: حدثنا الهيثم بن حميد عن زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير بن مرة عن يزيد بن الأخنس أن رسول الله قال: [ لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل آعطاه لله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه فيقول رجل: لوأن الله أعطانى مثل ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق ويتصدق فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به ] وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن محمد بن نمير ثنا عبادة بن مسلم وحدثني يونس بن حباب عن سعيد أبى البحترى الطائى عن أبي بن كبشة قال: سمعت رسول الله يقول: [ ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه فأما الثلاث التى أقسم عليهن فإنه ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم أحد مظلمة فيصبر عليها الا زاده الله بها عزا ولا يفتح عبدا باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر - وأما الذي أحدثكم حديثا فاحفظوه فإنه قال - إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقى فيه ربه ويصل رحمه ويعلم لله فيه حقه - قال - فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول: لو كان لى مال عملت بعمل فلان - قال - فأجرهما سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغيرعلم لايتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم الله فيه حقه فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لى مال لفعلت بعمل فلان - قال - هى نيته فوزرهما فيه سواء ]

وقال أيضا: حدثنا وكيع ثنا الأعمش عن سالم بن أبى الجعد عن أبى كبشة الأنمارى قال: - قال رسول الله : [ مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله فينفقه في حقه ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لى مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله - فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لى مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل - قال: قال رسول الله - فهما في الوزر سواء ] إسناد صحيح ولله الحمد والمنة

خيركم من تعلم القرآن وعلمه عدل

حدثنا حجاج بن منهال ثنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد ابن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي قال: [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] وأقرأ أبو عبدالرحمن إمرة عثمان رضي الله عنه حتى كان الحجاج قال: وذلك الذي أقعدنى مقعدى هذا

وقد أخرج الجماعة هذا الحديث سوى مسلم من رواية شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبدالرحمن وهو عبد الله بن حبيب السلمى رحمه الله وحدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبى عبدالرحمن السلمى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي : [ إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه ] وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن سفيان عن علقمة عن أبى عبد الرحمن من غيرذكر سعد بن عبيدة كما رواه شعبة ولم يختلف عليه فيه وهذا المقام مما حكم لسفيان الثوري فيه على شعبة وخطأ بندار يحيى بن سعيد في روايته ذلك عن سفيان عن علقمة عن سعد ابن عبيدة عن أبى عبدالرحمن وقال: رواه الجماعة من أصحاب سفيان بإسقاط سعد بن عبيدة ورواية سفيان أصح وفى هذا المقام المتعلق بصناعة الإسناد طول لولا الملالة لذكرناه وفيما ذكر كفاية وإرشاد إلى ما ترك والله أعلم

والغرض أنه قال: [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل وهم الكمل في أنفسهم المكملين لغيرهم وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدى وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لاينفعون ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع كما قال تعالى

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب } وكما قال تعالى { وهم ينهون عنه وينأون عنه } في أصح قولى المفسرين في هذا هو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا فجمعوا بين التكذيب والصد كما قال تعالى { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها } فهذا شأن شرار الكفار كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يتكمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] وكما قال تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك مما يبتغى به وجه الله وعمل هو في نفسه صالحا وقال قولا صالحا أيضا فلا أحد أحسن حالا من هذا وقد كان أبو عبدالرحمن عبد الله بن حبيب السلمى الكوفى أحد أئمة الإسلام ومشايخهم ممن رغب في هذا المقام فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث يعلم فيه القرآن سبعين سنة رحمه الله وأثابه وآتاه ما طلبه ورامه آمين

قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون ثنا حماد بن أبى حازم عن سهل ابن سعد قال: [ أتت النبي صلى االله عليه وسلم امرأة فقالت إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله فقال: مالي في النساء من حاجة فقال رجل: زوجنيها قال أعطها ثوبا قال: لا أجده قال: أعطها ولو خاتما من حديد فاعتل له فقال: ما معك من القرآن قال: كذا وكذا قد زوجتكها بما معك من القرآن ]

وهذا الحديث متفق على صحة إخراجه من طرق عديدة والغرض منه الذي قصده البخاري أن هذا الرجل تعلم الذي تعلمه من القرآن وأمره النبي ان يعلم تلك المرأة ويكون ذلك صداقا لها على ذلك وهذا فيه نزاع بين العلماء: هل يجوز أن يجعل صداقا ؟ أو هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؟ وهل هذا كان خاصا بذلك الرجل ؟ وما معنى قوله عليه السلام [ زوجتكها بما معك من القرآن ] أي بسبب ما معك كما قاله أحمد بن حنبل: نكرمك بذلك أو بعوض ما معك وهذا أقوى لقوله في صحيح مسلم فعلمها وهذا هو الذي أراده البخاري ههنا وتحرير باقى الخلاف مذكور في باب النكاح والإجارات وبالله المستعان

القراءة عن ظهر قلب عدل

إنما أورد البخاري في هذه الترجمة حديث أبى حازم عن سهل ابن سعد الحديث الذي تقدم الآن وفيه [ أنه عليه السلام قال للرجل: فما معك من القرآن ؟ قال: معى سورة كذا وسورة كذا لسور عدها قال: اتقرأهن عن ظهر قلب ؟ قال: نعم اذهب قد ملكتها بما معك من القرآن ] وهذه الترجمة من البخاري رحمه الله مشعرة بأن قراءة القرآن عن ظهر قلب أفضل والله أعلم ولكن الذي صرح به كثيرون من العلماء أن قراءة القرآن من المصحف أفضل لأنه يشتمل على التلاوة والنظر في المصحف وهو عبادة كما صرح به غير واحد من السلف وكرهوا أن يمضى على الرجل يوم لاينظرفى مصحفه واستدلوا على أفضلية التلاوة في المصحف بما رواه الإمام العلم أبو عبيد رحمه الله في كتابه فضائل القرآن: حدثنا نعيم بن حماد عن بقية ابن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليم بن مسلم عن عبد الله بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي قال: قال النبي : [ فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظهرا كفضل الفريضة على النافلة ] وهذا الإسناد فيه ضعف فإن معاوية ابن يحيى هذا هو الصدفى أو الأطرابلسي وأيا ما كان فهو ضعيف وقال الثوري عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف وقال حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس عن عمر أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه وقال حماد أيضا عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبى ليلى عن ابن مسعود أنه كان إذا اجتمع اليه إخوانه نشروا المصحف فقرأ أو فسر لهم إسناد صحيح وقال حماد بن سلمة عن حجاج بن أرطاة عن ثوير بن أبى فاخته عن ابن عمر قال: إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف وليقرأ وقال الأعمش عن خيثمة: دخلت على ابن عمرو وهو يقرأ في المصحف فقال: هذا جزئى الذي أقرأ به الليلة

فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا يعطل المصحف فلا يقرأ منه ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير فالاستثبات أولى والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال فأما تلقين القرآن فمن فم الملقن أحسن لأن الكتابة لا تدل على الأداء كما أن المشاهد من كثير ممن يحفظ من الكتابة فقط يكثر تصحيفه وغلطه وإذا أدى الحال إلى هذا منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على ألفاظ القرآن فأما عند العجز عما يلقن فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيجوز عند الضرورة ما لا يجوز عند الرفاهية فاذا قرأ في المصحف والحالة هذه فلا حرج عليه ولو فرض أنه قد يحرف بعض الكلمات عن لفظها على لغته ولفظه فقد قال الإمام أبوعبيد: حدثني هشام بن إسماعيل الدمشقى عن محمد بن شعيب عن الأوزاعى أن رجلا صحبهم في سفر قال: فحدثنا حديثا ما أعلمه إلا رفعه إلى رسول الله قال: [ إن العبد إذا قرأ فحرف أو أخطأ كتبه الملك كما أنزل ] وحدثنا حفص بن أبى غياث عن الشيبانى عن بكير بن الأخنس قال كان يقال إذا قرأ الأعجمى والذي لايقيم القرآن كتبه الملك كما أنزل وقال بعض العلماء: المدار في هذه المسئلة على الخشوع فإن كان الخشوع أكثر عند القرا ة عن ظهر قلب فهو أفضل وإن كان عند النطر في المصحف أكثر فهو أفضل فإن استويا فالقراءة نظرا أولى لأنها أثبت وتمتاز بالنظر إلى المصحف قال الشيخ أبو زكريا النواوى رحمه الله في التبيان: والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفضيل

تنبيه إن كان البخاري رحمه الله أراد بذكره حديث سهل الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهرقلب أفضل منها في المصحف ففيه نظر لأنها قضية عين فيحتمل أن ذلك الرجل كان لا يحسن الكتابة ويعلم ذلك رسول الله منه فلا يدل على أن التلاوة عن ظهرقلب أفضل مطلقا في حق من يحسن إذ لو دل على هذا لكان ذكر حال رسول الله وتلاوته عن ظهر قلب - لأنه أمى لايدرك الكتابة - أولى من ذكر هذا الحديث بمفرده

الثاني: إن سياق الحديث إنما هو لأجل استثبات أنه يحفظ تلك السورعن ظهر قلب ليمكنه تعليمها لزوجته وليس المراد ههنا أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا عدمه والله سبحانه وتعالى أعلم

استذكار القرآن وتعاهده عدل

حدثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال: [ إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت ]

هكذا رواه مسلم والنسائي من حديث مالك به وقال الإمام أحمد: ثنا عبدالرزاق أنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : [ مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار كمثل رجل له ابل فإن عقلها حفظها وإن أطلق عقالها ذهبت فكذلك صاحب القرآن ] أخرجاه قاله ابن الجوزى في جامع المسانيد وإنما هو من أفراد مسلم من حديث عبد الرزاق به حدثنا محمد بن عرعرة ثنا شعبة عن منصور عن أبى وائل عن عبد الله قال: قال النبي : [ بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل نسى واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم ] تابعه بشر هو ابن محمد السختيانى عن ابن المبارك عن شعبة وقد رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبى داود الطيالسي عن شعبة به وقال: حسن صحيح

وأخرجه النسائي من رواية شعبة وحدثنا عثمان بن جرير عن منصور مثله وهكذا رواه مسلم عن عثمان وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم عن جرير به وستأتى رواية البخاري له عن أبى نعيم عن سفيان الثوري عن منصور به والنسائي من رواية ابن عيينه عن منصور به فقد رواه هؤلاء عن منصور به مرفوعا في رواية هولاء كلهم وقد رواه النسائي عن قتيبة عن حماد بن زيد عن منصور عن أبى وائل عن عبد الله موقوفا وهذا غريب وفي مسند أبى يعلى فإنما هو نسى بالتخفيف وتابعه ابن جريج عن عبدة عن شقيق قال: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي وهكذا أسنده مسلم من حديث ابن جريج به ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث محمد بن جارة عن عبدة وهو ابن ابى لبابة حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبى موسى عن النبي قال: [ تعاهدوا القرآن فوالذي نفسى بيده لهو أشد تفصيا من الابل في عقلها ]

وهكذا رواه مسلم عن أبى كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد الأشعري كلاهما عن أبي أسامة حماد بن أسامة به

وقال الامام أحمد ثنا على بن إسحاق أنا عبد الله بن المبارك أنا موسى بن على سمعت أبى يقول: سمعت عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله : [ تعلموا كتاب الله وتعاهدوا وتغنوا به فوالذي نفسى بيده لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل ]

ومضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده لئلا يعرضه حافظة للنسيان فإن ذلك خطأ كبير نسأل الله العافية منه فإنه قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد ثنا خالد عن يزيد بن أبى زياد عن عيسى بن فايد عن رجل عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : [ ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقى الله يوم يلقاه وهو أجذم ] وهكذا رواه جرير بن عبدالحميد ومحمد بن فضيل عن يزيد بن أبى زياد كما رواه خالد بن عبد الله وقد أخرجه أبو داود عن محمد بن العلاء عن ابن ادريس عن يزيد بن أبى زياد عن عيسى بن فايد عن سعد بن عبادة عن النبي بقصة نسيان القرآن ولم يذكر الرجل المبهم وكذا رواه أبو بكر بن عياش عن يزيد عن أبى زياد وقد رواه سعيد عن زيد ووهم في إسناده ورواه وكيع عن أصحابه عن يزيد عن عيسى بن فايد عن النبي مرسلا وقد رواه الإمام أحمد في مسند عبادة بن الصامت فقال: ثنا عبد الصمد ثنا عبدالعزيز بن مسلم ثنا يزيد بن أبى زياد عن عيسى بن فايد عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله : [ ما من أميرعشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقى الله القيامة أجذم ] وكذا رواه أبو عوانة عن يزيد بن أبى زياد ففيه اختلاف لكن هذا في باب الترهيب مقبول والله أعلم لاسيما ان كان له شاهد من آخر كما قال أبو عبيد: ثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدثت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : [ عرضت على أجور أمتي حتى القذاة والعبرة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوليتها رجل فنسيها ] قال ابن جريج: وحدثت عن سلمان الفارسى قال: قال رسول الله : [ من أكبر ذنوب توافى به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها ] وقد روى أبوداود والترمذي وأبو يعلى والبزار وغيرهم من حديث ابن أبى رواد عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : [ عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها ]

قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وذاكرت به البخاري فاستغربه

وحكى الوابلي عن عبد الله بن عبدالرحمن الدارمى أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك قلت: وقد رواه محمد بن يزيد الآدمى عن ابن أبى ( رواد ) عن ابن جريج عن الزهري عن أنس عن النبي به فالله أعلم وقد أدخل بعض المفسرين هذاالمعنى في قوله تعالى { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } وهذا الذي قاله هذا وان لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كبير وتفريط شديد نعوذ بالله منه ولهذا قال عليه السلام: [ تعاهدوا القرآن ] وفى لفظ [ استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم ] التقصى التخلص: يقال تفصى فلان من البلية إذا تخلص منها تقصى النوى من الثمرة إذا تخلص منها أي أن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال

وقال أبو عبيد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال عبدال له يعنى ابن مسعود - إنى لأمقت القارىء أن أراه سمينا نسيا للقرآن وحديث عبد الله بن المبارك عن عبدالعزيز بن أبى داود قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه لأن الله تعالى يقول { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب ولهذا قال اسحاق ابن راهويه وغيره: يكره للرجل أن يمرعليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن كما أنه يكره له أن يقرأه في أقل من ثلاثة أيام كما سيأتى هذا حيث يذكره البخاري بعد هذا وكان الأليق أن يتبعه هذا الباب ولكن ذكر بعد هذا قوله:

القراءة على الدابة عدل

حدثنا حجاج أنا شعبة أنا أبو إياس قال: سمعت عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه قال: [ رأيت رسول الله يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح ] وهذا الحديث قد خرجه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن شعبة عن أبى إياس وهو معاوية بن قرة به وهذا أيضا له تعلق بما تقدم من القرآن وتلاوته سفرا وحضرا ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارىء في الطريق وقد نقله ابن أبى داود عن أبى الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق وقد روى عن عمر بن عبدالعزيز أنه أذن في ذلك وعن الإمام مالك أنه كره ذلك كما قال ابن أبى داود: حدثني أبو الربيع أنا ابن وهب قال: سألت مالكا عن الرجل يصلى من آخر الليل فخرج الىالمسجد وقد بقى من السورة التى كان يقرأ منها شىء فقال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق وقال الشعبى: تكره قراءة القرآن في ثلاثة مواضع في الحمام وفى الحشوش وفىبيت الرحى وهى تدور وخالفه القراءة في الحمام كثير من السلف أنها لا تكره وهو مذهب مالك والشافعى وإبراهيم النخعى وغيرهم وروى ابن أبى داود عن على ابن أبى طالب أنه كره ذلك ونقله ابن المذر عن أبى وائل شقيق بن سلمة والشعبى والحسن البصرى ومكحول وقبيصة بن ذؤيب وهو رواية عن إبراهيم النخعى

ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله أن القراءة في الحمام تكره وأما القراءة في الحش فكراهتها ظاهره ولو قبل بتحريم ذلك صيانة لشرف القرآن لكان مذهبا وأما القراءة في بيت الرحى وهى تدور فلئلا يعلو غير القرآن عليه والحق يعلو ولا يعلى والله أعلم

تعلم الصبيان القرآن عدل

حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم قال: وقال ابن عباس: توفى رسول الله وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا هشيم أنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال [ جمعت المحكم في عهد النبي فقلت له: وما المحكم ؟ قال المفصل ] انفرد بإخراجه البخاري وفيه دلالة على جواز تعلم الصبيان القرآن لأن ابن عباس أخبرعن سنه حين موت رسول الله وقد كان جمع المفصل وهو من الحجرات كما تقدم ذلك وعمره إذ ذاك عشر سنين

وقد روى البخاري أنه قال: توفى رسول الله وأنا مختون وكانوا لايختنون حتى يحتلم فيحتمل أنه احتلم لعشر سنين جمعا بين هذه الرواية وتلك ويحتمل أنه تجوز في هذه الرواية بذكر العشر وترك مازاد عليها من الكسر والله أعلم

وعلى كل تقدير ففيه دلالة على جواز تعليم القرآن في الصبا وهو ظاهر بل قد يكون مستحبا أو واجبا لأن الصبى إذا تعلم القرآن بلغ وهويعرف ما يصلى به وحفظه في الصغر أولى من حفظه كبيرا وأشد علوقا بخاطره وأرسخ وأثبت كما هو المعهود من حال الناس وقد استحب بعض السلف أن يترك الصبى في ابتداء عمره قليلا للعب ثم توفر همته على القراءة لئلا يلزم أولا بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لايعقل ما يقال له ولكن يترك حتى إذا عقل وميزعلم قليلا بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه واستحب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يلقن خمس آيات رويناه عنه بسند جيد

نسيان القرآن وهل يقول نسيت آية كذا وكذا ؟ عدل

وقول الله { سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله } حدثنا الربيع بن يحيى ثنا زائدة ثنا هشام عن عروة عن عائشة قالت: [ لقد سمع النبي رجلا يقرأ في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرنى أية كذا وكذا من سورة كذا ] انفرد به وحدثنا محمد بن عبيد ابن ميمون ثنا عيسى بن يونس عن هشام وقال: [ أسقطتهن من سورة كذا وكذا ] انفرد به أيضا تابعه على بن مسهر وعبدة عن هشام وقد أسندهما البخاري في موضع آخر ومسلم معه في عبدة حدثنا أحمد بن أبى رجاء ثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: [ سمع رسول الله رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا أية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا ] ورواه مسلم من حديث أبى أسامة حماد بن أسامة

( الحديث الثاني ) حدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن منصور عن أبى وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله : [ بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت كيت وكيت بل هو نسى ] ورواه مسلم والنسائي من حديث منصور به وقد تقدم وفى مسند أبى يعلى إنما هو نسى بالتخفيف هذا لفظه وفى هذا الحديث والذي قبله دليل على أن حصول النسيان للشخص ليس بنقص له إذا كان بعد الاجتهاد والحرص وفى حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك فلا يقول نسيت كذا فإن النسيان ليس من فعل العبد وقد تصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضى إلى ذلك فأما النسيان نفسه فليس بفعله ولهذا قال بل هو نسى مبنى لما لم يسم فاعله وأدب أيضا في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله تعالى: { واذكر ربك إذا نسيت } وهو - والله أعلم - من باب المجاز الشائع بذكر المسبب وإرادة السبب لان النسيان عن سبب قد يكون ذنبا كما تقدم عن الضحاك بن مزاحم فأمر الله تعالى بذكره ليذهب الشيطان عن القلب كما يذهب عند النداء بالأذان والحسنة تذهب السيئة فإذا زال السبب للنسيان انزاح فحصل الذكر للشىء بسبب ذكر الله تعالى والله أعلم

من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا

حدثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبى ثنا الأعمش حدثني ابراهيم عن علقمة وعبدالرحمن بن يزيد عن أبى مسعود الأنصارى قال: قال رسول الله : [ الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه ]

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبدالرحمن بن يزيد وصاحبا الصحيح والنسائي وابن ماجة من حديث علقمة كلاهما عن أبى مسعود عتبة ابن عمرو الأنصارى البدرى

( الحديث الثاني ) - ما رواه من حديث الزهري عن عروة عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القارى كلاهما عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان وذكرالحديث بطوله كما تقدم وكما سيأتي

( الحديث الثالث ) - ما رواه من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة سمع رسول الله قارئا يقرأ من الليل في المسجد فقال: رحمه الله أذكرنى كذا وكذا آية كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا وهكذا في الصحيحين عن ابن مسعود أنه كان يرمى الجمرة من الوادى ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة وكره بعض السلف ذلك ولم يروا أن يقال إلا السورة التى يذكر فيها كذا وكذا كما جاء وتقدم من رواية يزيد الفارسى عن ابن عباس عن عثمان أنه قال: [ إذا نزل من القرآن شىء يقول رسول الله : اجعلوا هذا في السورة التى يذكر فيها كذا وكذا ] ولاشك أن هذا أحوط وأولى ولكن قد صحت أحاديث بالرخصة في الآخر وعليه عمل الناس اليوم في ترجمة السور في مصاحفهم وبالله التوفيق

الترتيل في القراءة عدل

وقوله عزوجل { ورتل القرآن ترتيلا } وقوله { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث } وما يكره أن يهذ كهذ الشر ( يفرق فيها ) يفصل قال ابن عباس ( فرقناه ) فصلناه حدثنا أبو النعمان ثنا مهدى بن ميمون ثنا واصل عن أبى وائل عن عبد الله قال: غدونا على عبد الله فقال رجل: قرأت المفصل البارحة فقال: هذا كهذ الشعر ؟ إنا قد سمعنا القراءة وإنى لأحفظ القرناء اللاتى كان يقرأ بهن النبي ثمانى عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن مهدى بن ميمون عن واصل وهو ابن حبان الأحدب عن أبى وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود به وقال الإمام أحمد: ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن زياد بن نعيم عن مسلم بن مخراق عن عائشة أنه ذكر لها أن ناسا يقرءون القرآن في الليل مرة أو مرتين فقالت: أولئك قرأوا ولم يقرأوا كنت أقوم مع النبي ليلة التمام فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله واستعاذ ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه

( الحديث الثانى ) - ثنا قتيبة ثنا جرير عن موسى بن أبى عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى { لا تحرك به لسانك لتعجل به } [ كان رسول الله إذا نزل جبريل بالوحي كان يحرك به لسانه أو شفتيه فيشتد عليه ] وذكر تمام الحديث كما سيأتي وهو متفق عليه وفيه وفى الذي قبله دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا بسرعة مفرطة بل بتأمل وتفكر قال الله تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب } وقال الإمام أحمد: ثنا عبدالرحمن عن سفيإن عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: [ يقال لصاحب القرآن: اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخرآية تقرؤها ]

وقال أبو عبيد: ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله فكأنه عجل فقال عبد الل ه: فداك أبى وأمى رتل فإنه زين القرآن قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن

وحدثنا اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب عن أبى حمزة قال قلت لابن عباس: إنى سريع القراءة وإنى أقرأ القرآن في ثلاث فقال: لأن اقرأ البقرة في ليلة فأدبرها وأرتلها أحب إلى من أن أقرأ كما تقول وحدثنا حجاج عن شعبة وحماد بن سلمة عن أبى حمزة عن ابن عباس نحو ذلك إلا أن في حديث حماد أحب إلى من أن أقرأ القرآن أجمع هذرمة

ثم قال البخاري: مد القراءة

حدثنا مسلم بن ابراهيم ثنا جرير بن حازم الأزدى ثنا قتادة: [ سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي فقال: كان يمد مدا ]

وهكذا رواه أهل السنن من حديث جرير بن حازم به حدثنا عمرو بن عاصم ثنا همام عن قتادة قال: [ سئل أنس بن مالك: كيف كان قراءة النبي ؟ فقال: كانت مدا ثم قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } يمد ببسم الله ويمد الرحمان ويمد الرحيم ] انفرد به البخاري من هذا الوجه وفى معناه الحديث الذي رواه الإمام أبو عبيد ثنا أحمد بن عثمان عن عبد الله بن المبارك عن الليث بن سعد عن ابن أبى مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة أنها نعتت قراءة رسول الله مفسرة حرفا حرفا وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن يحيى بن إسحق وأبو داود بن يزيد بن خالد الرملى والترمذي والنسائي كلاهما عن قتيب ة كلهم عن الليث بن سعد به وقال الترمذي: حسن صحيح ثم قال أبو عبيد: وحدثنا يحيى بن سعيد الأموى عن ابن جريج عن ابن ابى مليكة عن أم سلمة قالت: [ كان رسول الله يقطع قراءته { بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين } ] وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن جريج وقال الترمذي: غريب وليس إسناده بمتصل يعنى أن عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة لم يسمعه من أم سلمة انما رواه عن يعلى بن مملك كما تقدم والله تعالى أعلم

الترجيع عدل

حدثنا آدم بن أبى إياس حدثنا شعبة حدثنا أبو إياس قال: سمعت عبد الله بن مغفل قال [ رأيت النبي وهويقرأ سورة الفتح على ناقته أو جمله ويسير به وهو يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع ] وقد تقدم هذا الحديث في القراءة على الدابة وأنه من المتفق عليه وفيه أن ذلك كان يوم الفتح وأما الترجيع فهو الترديد في الصوت كما جاء أيضا في البخاري أنه جعل يقول: وكأن ذلك صدر من حركة الدابة تحته فدل على جواز التلاوة عليه وإن أفضى إلى ذلك ولا يكون ذلك من باب الزيادة في الحروف بل ذلك مغتفرللحاجة كما يصلى على الدابة حيث توجهت به مع إمكان تأخير ذلك والصلاة إلى القبلة والله أعلم

حسن الصوت بالقراءة عدل

حدثنا محمد بن خلف أبو بكر حدثنا ( أبويحيى ) الحمانى ثنا بريد بن عبد الله بن أبى بردة عن جده أبى بردة عن أبى موسى أن رسول الله قال: [ يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ]

وهكذا رواه الترمذي عن موسى بن عبدالرحمن الكندى عن أبى يحيى الحمانى واسمه عبدالحميد بن عبد الرحمن وقال: حسن صحيح - وقد رواه مسلم من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبى بردة عن موسى وفيه قصة وقد تقدم الكلام على تحسين الصوت عند قول البخاري: من لم يتغن بالقرآن وذكرت هناك أحكاما أغنى عن إعادتها ههنا والله تعالى أعلم

من أحب أن يسمع القراءة من غيره

حدثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبى ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: [ قال لى النبي : اقرأ على القرآن قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال: ( إنى أحب أن أسمعه من غيرى ] وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجة من طريق الأعمش وله طرق يطول بسطها وقد تقدم فيما رواه مسلم من حديث طلحة عن يحيى بن طلحة عن أبى بردة عن أبى موسى أن رسول الله قال له: [ يا أبا موسى لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة ] فقال: أما والله لوأعلم أنك تستمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا

وقال الزهري عن أبى سلمة: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى فيقرأ عنده وقال أبوعثمان النهدى: كان أبو موسى يصلى بنا فلو قلت أنى لم أسمع صوت صنج قط ولا بربط قط ولا شيئا قط أحسن من صوته

قول المقرىء للقارىء حسبك عدل

حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: [ قال لى رسول الله : اقرأ على فقلت: يا رسول الله اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال: نعم فقرأت عليه سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال: حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان ]

أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة من رواية الأعمش به ووجه الدلالة ظاهر وكذا الحديث الاخر [ اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم عليه فإذا اختلفتم فقوموا ]

في كم يقرأ القرآن عدل

وقول الله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر منه } حدثنا علي حدثنا سفيان قال قال لى ابن شبرمة نظرت كم يكفى الرجل من القرآن ؟ فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات فقلت لا عن ابراهيم عن عبدالرحمن بن يزيد أخبره علقمة عن أبى مسعود فلقيته وهو يطوف بالبيت فذكر النبي أن: [ من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ] وقد تقدم أن هذا الحديث متفق عليه وقد جمع البخاري فيما بين عبدالرحمن بن يزيد وعلقمة عن ابن مسعود وهو صحيح لأن عبد الرحمن سمعه أولا من علقمة ثم لقى أبا مسعود وهو يطوف فسمعه منه وعلى هذا هو ابن المدينى وشيخه سفيان ابن عيينة وما قاله عبد الله قاضي الكوفة وفقيه الكوفة في زمانه استنباط حسن

وقد جاء في حديث في السنن [ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات ] ولكن هذا الحديث - أعنى حديث أبى مسعود - أصح وأشهر وأخص ولكن وجه مناسبته للترجمة التى ذكرها البخاري فيه نظر والله أعلم والحديث الثانى أظهر في المناسبة وهو قوله: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن مجاهد عن عبد الله ابن عمرو قال: [ أنكحنى أبى امرأة ذات حسب فكان يتعاهدها كبنته فيسألها عن بعلها فتقول: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشاولم يفتش لنا كنفا منذ اتيناه فلما طال ذلك عليه ذكرللنبى فقال: القنى به فلقيته بعد فقال: كيف تصوم ؟ قال: كل يوم قال: كيف تختم ؟ قال: كل ليلة قال: صم كل شهر ثلاثة واقرأ القرآن في كل شهر قال: قلت: انى أطيق أكثر من ذلك قال: صم ثلاثة أيام في الجمعة قلت: أطيق أكثر من ذلك قال: أفطر يومين وصم يوما قلت: أطيق أكثر من ذلك قال: صم أفضل الصوم صوم داود: صيام يوم وإفطار يوم واقرأ في كل سبع ليال مرة فليتنى قبلت رخصة رسول الله وذلك أنى كبرت وضعفت فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار والذي يقرأ يعرضه بالنهار ليكون أخف عليه بالليل وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئا فارق عليه النبي ] وقال بعضهم: في ثلاث وفى خمس وأكثرهم على سبع

وقد رواه في الصوم والنسائي أيضا عن بندار عن غندر عن شعبة عن مغيرة والنسائي من حديث حصين كلاهما عن مجاهد به

ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى بن أبى كثير عن محمد بن عبدالرحمن مولى بنى زهرة عن أبى سلمة قال: وأحسبنى سمعت أنا من أبى سلمة عن عبد الله ابن عمرو قال: قال النبي : [ اقرأ القرآن في شهر قلت: إنى أجد قوة قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك ] فهذا السياق ظاهره يقتضى المنع من قراءة القرآن في أقل من سبع وهكذا الحديث الذي رواه أبو عبيد: ثنا حجاج وعمر بن طارق ويحيى بن بكير كلهم عن ابن لهيعة عن حبان بن واسع عن أبيه عن قيس بن أبى صعصعة أنه قال للنبى [ يا رسول الله في كم اقرأ القرآن ؟ قال: في كل خمس عشرة قال: إنى أجدني أقوى من ذلك قال: ففي كل جمعة ]

وحدثنا حجاج عن شعبة عن محمد بن ذكوان رجل من أهل الكوفة قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يقول: كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة وعن حجاج عن شعبة عن أيوب سمعت أبا قلابة عن أبى المهلب قال: كان أبي بن كعب يختم القرآن في كل ثمان وكان تميم الدارى يختمه في كل سبع وحدثنا هشيم عن الأعمش عن ابراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في كل ست وكان علقمة يختمه في كل خمس فلو تركنا ومجرد هذا لكان الأمرفى ذلك جليا ولكن دلت أحاديث أخر على جواز قراءته فيما دون ذلك كما رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة حدثنا حبان بن واسع عن أبيه عن سعد بن المنذر الأنصارى أنه قال: [ يا رسول الله اقرأ القرآن في ثلاث ؟ قال: نعم قال: فكان يقرؤه حتى توفى ] وهذا إسناد جيد قوى حسن فإن حسن بن موسى الأشيب ثقة متفق على جلالته روى له الجماعة وابن لهيعة إنما يخشى من تدليسه أوسوء حفظه وقد صرح ههنا بالسماع وهو من أئمة العلماء بالديار المصرية في زمانه وشيخه حبان بن واسع بن حبان وأبوه كلاهما من رجال مسلم والصحابى لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة وهذا على شرط كثير منهم والله أعلم

وقد رواه أبو عبيد رحمه الله عن ابن بكير عن ابن لهيعة عن حبان واسع عن أبيه عن سعد بن المنذرالأنصارى أنه قال: يا رسول الله [ أقرأ في ثلاث ؟ قال: نعم إن استطعت قال: فكان يقرؤه كذلك حتى توفى ]

( حديث آخر ) قال أبو عبيد: ثنا يزيد عن همام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله [ لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث ] وهكذا أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة به وقال الترمذي: حسن صحيح

( حديث آخر ) قال أبو عبيد: ثنا يوسف بن العرق عن الطيب ابن سليمان قال: حدثتنا عمرة بنت عبدالرحمن أنها سمعت عائشة تقول: [ كان رسول الله لايختم القرآن في أقل من ثلاث ] هذا حديث غريب جدا وفيه ضعف فإن الطيب بن سليمان هذا بصرى ضعفه الدارقطنى وليس هو بذاك المشهور والله أعلم

وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث كماهو مذهب أبى عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الخلف أيضا

قال أبوعبيد: ثنا يزيد عن هشام بن حسان عن حفصة بن أبى العالية عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث صحيح

وحدثنا يزيد عن سفيان عن على بن بذيمة عن أبى عبيدة قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز وحدثنا حجاج عن شعبة عن على بن بذيمة عن أبى عبيدة عن عبدال له مثله وحدثنا حجاج عن شعبة عن محمد بن ذكوان عن عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه كان يقرأ القرآن في رمضان في ثلاث إسناد صحيح

فصل عدل

وقد ترخص جماعات من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ذلك منهم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال أبو عبيد رحمه الله: حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن خصيفة عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التيمى عن صلاة طلحة بن عبيد الله فقال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان رضي الله عنه فقال: نعم قال: قلت لأغلبن الليلة على الحجرفقمت فلما قمت إذا أنا برجل مقنع يزحمنى فنظرت فإذا عثمان بن عفان رضي الله عنه فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت: هذه هوادى الفجرأوتر بركعة لم يصل غيرها وهذا إسناد صحيح

ثم قال: ثنا هشيم أنا منصور عن ابن سيرين قال: قالت نائلة بنت الفرافصة الكلبية حين دخلوا على عثمان ليقتلوه: إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيى الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن وهذا حسن

وقال أيضا: حدثنا أبو معاوية عاصم بن سليمان عن ابن سيرين أن تميما الدارى قرأ القرآن في ركعة حدثنا حجاج عن شعبة عن حماد عن سعيد بن جبير أنه قال: قرأت القرآن في ركعة حدثنا حجاج عن شعبة عن حماد عن سعيد بن جبير أنه قال: قرأت القرآن في ركعة في البيت يعنى الكعبة

وحدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة أنه قرأ القرآن في ليلة طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمئين ثم طاف أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بالمثانى ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم أتى المقام فصلى عنده فقرأ بقية القرآن وهذه كلها أسانيد صحيحة

ومن أغرب ما ههنا ما رواه أبو عبيد رحمه الله حدثنا سعيد بن غفير عن بكر عن مضر أن سليم بن عترالتجيبى كان يقرأ القرآن في ليلة ثلاث مرات ويجامع ثلاث مرات قال: فلما مات قالت امرأته: رحمك الله إن كنت لترضي ربك وترضي أهلك قالوا: وكيف ذلك ؟ قالت: كان يقوم من الليل فيختم بالقرآن ثم يلم بأهله ثم يغتسل ويعود فيقرأ حتى يختم ثم يلم بأهله ثم يغتسل ويعود فيقرأحتى يختم ثم يلم بأهله ثم يغتسل ويخرج إلى صلاة الصبح

( قلت ): كان سليم بن عتر تابعيا جليلا ثقة نبيلا وكان قاضيا بمصر أيام معاوية وقاصها قال أبو حاتم: روى عن أبى الدرداء وعنه ابن زحر ثم قال: حدثني محمد بن عون عن أبى صالح كاتب الليث حدثني حرملة بن عمران عن كعب بن علقمة قال: كان سليم بن عتر من خير التابعين وذكره ابن يونس في تاريخ مصر - وقد روى ابن أبى داود عن مجاهد أنه كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء وعن منصور قال: كان على الأزدى يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبى يحتبى فما يحل حبوته حتى يختم القرآن

قلت: وروى عن منصور بن زاذان أنه كان يختم فيما بين الظهر والعصر ويختم أخرى فيما بين المغرب والعشاء وكانوا يؤخرونها قليلا وعن الإمام الشافعى رحمه الله أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهررمضان ختمتين وفى غيره ختمة وعن أبى عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة

ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ أبو عبدالرحمن السلمى الصوفى قال سمعت الشيخ أبا عثمان المغربى يقول: كان ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات وهذا نادر جدا فهذا وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرءونه مع هذه السرعة والله سبحانه وتعالى أعلم

قال الشيخ أبو زكريا النووي في كتابه البيان بعد ذكر طرف مما تقدم والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه وكذا من كان مشغولا بنشر العلم وغيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له وإن لم يكن من هؤلاء فليستكثر ما أمكنه من غيرخروج إلى حد الملل والهذرمة ثم قال البخاري رحمه الله:

البكاء عند قراءة القرآن عدل

وأورد فيه من رواية الأعمش عن إبراهيم ( عن ) عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود - قال: [ قال رسول الله : اقرأ علي قلت: اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال: إنى أشتهى أن أسمعه من غيري قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال لى: كف أو أمسك فإذا عيناه تذرفان ] وهذا من المتفق عليه كما تقدم وكما سيأتى إن شاء الله

من راءى بقراءة القران أو تأكل به أوفخر به عدل

حدثنا محمد بن كثير أنا سفيان ثنا الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة عن على رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: [ يأتى في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خيرقول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لايجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ]

وقد روى في موضعين آخرين ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن الأعمش به

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمدابن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة بن عبدالرحمن عن أبى سعيد الخدرى قال: سمعت رسول الله يقول: [ يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئا وينظر في القدح فلا يرى شيئا وينظر في الريش فلا يرى شيئا ويتمارى في الفوق ] ورواه في موضع آخر ومسلم أيضا والنسائي من طرق عن الزهري عن أبى سلمة به وابن ماجة من رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة به

حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أبى موسى رضي الله عنهما عن النبي قال: [ المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب والمؤمن الذي لايقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث - وريحها مر ]

ورواه في موضع آخرمع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به

ومضمون هذه الأحاديث التحذير من المراءاة بتلاوة القرآن التى هى من أعظم القرب كما جاء في الحديث [ واعلم أنك لن تتقرب إلى الله بأعظم مماخرج منه ] يعنى القرآن والمذكورون في حديث على وأبى سعيد هم الخوارج وهم الذين يجاوز إيمانهم حناجرهم وقد قال في الرواية الأخرى [ يحقرأحدكم قراءته مع قراءتهم وصلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ] ومع هذا أمر بقتلهم لأنهم مراءون في أعمالهم في نفس الأمر وإن كان بعضهم قد لايقصد ذلك إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح فكانوا في ذلك كالمذمومين في قوله { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين } وقد اختلف العلماء في تكفير الخوارج وتفسيقهم ورد رواياتهم كما سيأتى تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى

والمنافق المشبه بالريحانة التى لها ريح ظاهر وطعمها مر هو المرائى بتلاوته كما قال تعالى { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا }

ثم قال البخاري: اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم

حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضيل عارم ثنا حماد بن زيد عن أبى عمران الجونى عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي قال: [ اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه ]

حدثنا عمرو بن على بن بحر الفلاس ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا سلام بن أبى مطيع عن أبى عمران الجونى عن جندب قال: قال رسول الله : [ اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا ]

تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد عن أبى عمران ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان وقال غندر عن شعبة عن أبى عمران قال: سمعت جندبا قوله وقال ابن عون عن أبى عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر قوله وجندب أكثر وأصح

وقد رواه في مواضع أخر ومسلم كلاهما عن إسحق بن منصور عن عبدالصمد عن همام عن أبى عمران به ومسلم أيضا عن يحيى بن يحيى عن الحارث ابن عبيد أبى قدامة عن أبى عمران ورواه مسلم أيضا عن أحمد بن سعيد بن حبان بن هلال عن أبان العطار عن أبى عمران به مرفوعا وقد حكى البخاري أن أبانا وحماد بن سلمة لم يرفعاه فالله أعلم ورواه النسائي والطبراني من حديث مسلم بن ابراهيم عن هارون بن موسى الأعور النحوى عن أبى عمران به ورواه النسائي أيضا من طرق عن سفيان عن الحجاج بن قرافصة عن أبى عمران به مرفوعا وفى رواية عن هارون ابن زيد بن أبى الزرقاء عن أبيه عن سفيان عن حجاج عن أبى عمران عن جندب موقوفا ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن إسحق ابن الأزرق عن عبد الله بن عون عن أبى عمران عن عبد الله بن الصامت عن عمر قوله قال أبوبكر بن أبى داود لم يخطىء ابن عون في حديث قط إلا في هذا والصواب عن جندب ورواه الطبراني عن على بن عبدالعزيز عن مسلم بن إبراهيم وسعيد بن منصور قالا: ثنا الحارث بن عبيد عن أبى عمران عن جندب مرفوعا فهذا ما تيسر من ذكرطرق هذا الحديث على سبيل الاختصار والصحيح منها ما أرشد إليه شيخ هذه الصناعة أبو عبد الله البخاري من الاكثر والأصح أنه عن جندب بن عبد الله مرفوعا إلى رسول الله

ومعنى الحديث أنه عليه السلام أرشد وحض أمته على تلاوة القرآن إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته متفكرة متدبرة له لا في حال شغلها وملالها فإنه لايحصل المقصود من التلاوة بذلك كما ثبت في الحديث أنه قال عليه السلام: [ اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ] وقال: [ أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه - وفى اللفظ الآخر - أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ]

ثم قال البخاري: ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن عبدالملك ابن ميسرة عن النزال بن سبرة عن عبد الله هو ابن مسعود [ أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع من النبي خلافها فأخذت بيده فانطلقت إلى النبي فقال: كلاكما محسن فاقرآ أكبر علمى قال فإن من قبلكم اختلفوا فيه فأهلكهم الله عزوجل ]

وأخرجه النسائي من رواية شعبة به وهذا في معنى الحديث الذي تقدمه وأنه ينهى عن الاختلاف في القراءة والمنازعة في ذلك والمراء فيه كما تقدم في النهى عن ذلك والله أعلم

وقريب من هذا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه ثنا أبو محمد سعيد بن محمد الجرمى ثنا يحيى بن سعيد الأموى عن الأعمش عن عاصم عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن فقلنا: خمس وثلاثون آية ست وثلاثون اية قال: فانطلقنا إلى رسول الله فوجدنا عليا يناجيه فقلنا له: اختلفنا في القراءة فاحمر وجه رسول الله فقال على: إن رسول الله يأمركم أن تقرءوا كما علمتم وهذا آخر ما أورده البخاري رحمه الله في كتاب فضائل القرآن ولله الحمد والمنة

كتاب الجامع لأحاديث شتى تتعلق بتلاوة القرآن وفضائله وفضل أهله عدل

فصل قال أحمد: ثنا معاوية بن هشام ثنا هشام ثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبى سعيد قال: قال نبى الله : [ يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ وارق واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شىء معه ]

وقال أحمد: ثنا أبو عبدالرحمن حدثنا حيوة حدثني بشير بن أبى عمرو الخولانى أن الوليد بن قيس التجيبنى حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: سمعت رسول الله يقول: [ يكون خلف من بعد الستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكون خلف يقرءون القرآن لايعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر ]

قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمومن يومن به

وقال أحمد: ثنا حجاج ثنا ليث حدثني يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن أبى الخطاب عن أبى سعيد أنه قال: أن رسول الله عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال: [ ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس ؟ إن خير الناس رجل عمل في سبيل الله على ظهرفرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت وإن من شر الناس رجلا فاجرا يقرأ كتاب الله لا يرعوى إلىشىء منه ]

وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن عمر بن هياج الكوفى ثنا الحسين بن عبد الأعلى ثنا محمد بن الحسن الهمدانى عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبى سعيد قال: قال رسول الله : [ من شغله قراءة القرآن عن دعائى أعطيته أفضل ثواب الشا كرين ]

وقال رسول الله [ إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ]

ثم قال: تفرد به محمد بن الحسن ولم يتابع عليه

وقال الإمام أحمد: ثنا أبو عبيدة الحداد حدثني عبد الرحمن ابن بديل ابن ميسرة حدثني أبى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : [ إن لله اهلين من الناس قيل: من هم يا رسول الله قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ]

وقال أبو القاسم الطبراني: ثنا محمد بن على بن شعيب السمسار ثنا خالد بن خداش ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا محمد بن عباد المكي ثنا حاتم بن اسماعيل عن شريك عن الأعمش عن يزيد بن أبان عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله : [ القرآن غنى لا فقر بعده ولاغنى بدونه ]

وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا سلمة بن شبيب ثنا عبدالرزاق ثنا عبد الله بن المحرر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله : [ لكل شىء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن ] ابن المحرر ضعيف

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن: ثنا ابن لهيعة ثنا بكر بن سوادة عن وفاء الخولانى عن أنس بن مالك قال: بينما نحن ( نقرأ ) فينا العربي والعجمي والأسود والأبيض إذ خرج علينا رسول الله فقال: [ أنتم في خير تقرءون كتاب الله وفيكم رسول الله وسيأتى على الناس زمان يثقفونه كما يثقف القدح يتعجلون اجورهم ولا يتأجلونها ]

وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا يوسف بن موسى ثنا عبد الله بن الجهم ثنا عمرو بن أبى قيس عن عبد ربه بن عبد الله عن عمر بن نبهان عن الحسن عن أنس أن النبي قال: [ أن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره والبيت الذي لايقرأ فيه القرآن يقل خيره ]

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الفضل بن الصبح حدثنا أبو عبيدة حدثني يزيد الرقاشى عن أنس قال: قعد أبو موسى في بيت واجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فأتى رسول الله رجل فقال: يا رسول الله ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت واجتمع إليه ناس فأنشأ فقرأ عليهم القرآن قال: قال رسول الله : [ أتستطيع أن تقعدني حيث لا يراني منهم أحد ؟ قال نعم قال: فخرج رسول فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد فسمع قراءة أبى موسى فقال: إنه ليقرأ على مزمار من مزامير داود عليه السلام ]

وقال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام ثنا جعفر هو ابن محمد ابن على بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: [ خطبنا رسول الله فحمد الله وأثنى عليه بما هوأهله ثم قال: أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأن أفضل الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كانه منذر جيش قال: ثم يقول أتتكم الساعة بعثت أنا والساعة هكذا - وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى - صبحتكم الساعة ومستكم من ترك مالا لأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلي ]

وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الوهاب - يعنى ابن عطاء - أنا أسامة ابن زيد الليثى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: [ دخل رسول الله المسجد فإذا قوم يقرءون القرآن قال: اقرأوا القرآن وابتغوا به الله تعالى من قبل أن يأتى قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه ]

وقال أحمد أيضا: ثنا خلف بن الوليد ثنا خالد عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله ونحن نقرأ القرآن وفينا العجمى والأعرابي قال فاستمع قال: فقال: [ اقرأوا فكل حسن وسيأتى قوم يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه ]

وقال أبو بكر البزار: ثنا أبو كريب محمد بن العلاء ثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن المعلى الكندى عن عبد الله بن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع من اتبعه قاده إلى الجنة ومن تركه أو أعرض عنه - أو كلمة نحوها - ؟ دح في قفاه إلى النار وحدثنا أبو كريب ثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر عن عبد الله عن النبي نحوه

وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أحمد بن عبدالعزيز بن مروان أبو صخر حدثني بكير عن يونس عن موسى بن على عن أبيه عن يحيى بن أبى كثير اليمامى عن جابر عن عبد الله أن رسول الله قال: [ من قرأ ألف آية كتب له قنطارا والقنطار مائة رطل والرطل ثنتا عشرة أوقية والأوقية ستة دنانير والدينار أربعة وعشرون قيراطا والقيراط مثل أحد ومن قرأ ثلاثمائة قال الله لملائكته: نصب عبدى كى أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت له ومن بلغه عن الله فضيلة فعمل بها إيمانا به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك ]

وقال أحمد: ثنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله : [ إن الرجل الذي ليس في جوفه شىء من القرأن كالبيت الخرب ]

قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه

وقال الطبراني: ثنا محمد بن عثمان بن أبى شيبة حدثني أبى قال: وجدت في كتاب أبى بخطه عن عمران بن أبى عمران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله : [ من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب يوم القيامة وذلك أن الله عزوجل يقول { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } ] وقال الطبراني: ثنا ( عثمان بن يحيى بن صالح ) ثنا أبى ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله قال: [ إن أحسن الناس قراءة من قرأ القرآن يتحزن به ] وقال أيضا: حدثني أبو زيد القراطيسى ثنا نعيم بن حماد ثنا ( عبدة ابن سليمان ) عن سعيد أبى سعد البقال عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله : [ أحسنوا الأصوات بالقرآن ] وروى أيضا بسنده إلى الضحاك عن ابن عباس مرفوعا [ أشراف أمتي حملة القرآن ]

وقال الطبراني: ثنا معاذ بن المثنى ثنا ( ابراهيم بن أبى سويد الذارع ) ثنا صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس قال: [ سأل رجل رسول الله فقال: أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال: الحال المرتحل قال: يارسول الله ما الحال المرتحل ؟ قال: صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره وفى آخره حتى يبلغ أوله ]

ذكر الدعاء المأثور لتحفيظ القرآن وطرد النسيان عدل

قال أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: ثنا الحسين بن إسحاق التسنترى ثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن إبراهيم القرشى حدثني أبو صالح وعكرمة عن ابن عباس قال: قال على بن أبى طالب: يا رسول الله القرآن يتفلت من صدرى فقال النبي : [ أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع من علمته قال: نعم بأبى أنت وأمى قال صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب ويس وفى الثانية بفاتحة الكتاب وبحم الدخان وفى الثالثة بفاتحة الكتاب ( وآلم ) تنزيل السجدة وفى الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل قإذا فرغت من التشهد فاحمد الله واثن عليه وصل على النبيين واستغفر للمؤمنين ثم قل اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى وارحمنى من أن أتكلف ما لا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عنى اللهم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام والعزة التى لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حب كتابك كما علمتنى وارزقنى أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عنى وأسألك أن تنور بالكتاب بصرى وتطلق به لسانى وتفرج به عن قلبى وتشرح به صدرى وتستعمل به بدنى وتقوينى على ذلك وتعيننى عليه فإنه لايعيننى على الخيرغيرك ولا موفق له إلا أنت فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تحفظه بإذن الله وما اخطأ مؤمنا قط ] فأتى النبي بعد ذلك بسبع جمع فأخبره بحفظ القرآن والحديث فقال النبي : [ مؤمن ورب الكعبة علم أبا الحسن علم أبا الحسن ] هذا سياق الطبراني

وقال أبوعيسى الترمذي في كتاب الدعوات من جامعه حدثنا احمد ابن الحسن ثنا سليمان بن عبدالرحمن الدمشقى ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح وعكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه قال: بينما نحن عند رسول الله إذ جاءه على بن أبى طالب فقال: بأبى أنت وأمى تفلت هذا القرآن من صدرى فما أجدنى أقدر عليه ؟ فقال له رسول الله : [ يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وتنفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك قال: أجل يا رسول الله فعلمنى قال - إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقال أخى يعقوب لبنيه { سوف أستغفر لكم ربي } يقول حتى تأتى ليلة الجمعة فإن لم تستطع فقم في وسطها فإن لم تستطع فقم في أولها فصل أربع ركعات تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفى الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان وفى الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة وفى الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصل على وأحسن وعلى سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولاخوانك الذين سبقوك بالإيمان ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى وارحمنى أن أتكلف ما لايعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عنى اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والاكرام والعزة التى لاترام أسألك يا الله يا رحمان بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبى حفظ كتابك كما علمتنى وارزقنى أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عنى اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التى لا ترام أسألك يا الله يا رحمان بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصرى وأن تطلق به لسانى وأن تفرج به عن قلبى وأن تشرح به صدرى وأن تغسل به بدنى فإنه لايعيننى على الخير غيرك ولا يؤتيه الا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب بإذن الله والذي بعثنى بالحق ما أخطأ مؤمنا قط ] قال ابن عباس: [ فوالله ما لبث على إلا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله في ذلك المجلس فقال: يا رسول الله والله إنى كنت فيما خلا لا آخذ إلا أربع آيات أو نحوهن: فإذا قرأتهن على نفسى تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها فإذا قرأتها على نفسى فكأنما كتاب الله بين عينى ولقد كنت أسمع الحديث فإذا قرأته تفلت وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدثت بها لم أحزم منها حرفا فقال له رسول الله عند ذلك: مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن ] ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد ابن مسلم كذا قال وقد تقدم من غير طريق ورواه الحاكم في مستدركه من طريق الوليد ثم قال: على شرط الشيخين ولاشك أن سنده من الوليد على شرط الشيخين حيث صرح الوليد بالسماع من ابن جريج فالله أعلم فإنه من البين غرابته بل نكارته والله أعلم

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع: ثنا العمرى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : [ مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها وإن تركها ذهبت ]

ورواه أيضا عن محمد بن عبيد ويحيى بن سعيد عن عبد الله العمر به ورواه أيضا عن عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بنحوه

وقال البزار: ثنا محمد بن معمر ثنا حميد بن حماد بن أبى الخوار ثنا مسعر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: سئل رسول الله: أي الناس أحسن قراءة قال: [ من إذا سمعته يقرأ رؤيت أنه يخشى الله تعالى ]

قال الإمام أحمد: ثنا عبدالرحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: [ يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ]

وقال أحمد: ثنا حسن ثنا ابن لهيعة حدثني حيى بن عبد الله عن أبى عبدالرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: [ جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إنى أقرأ القرآن فلا أجد قلبى يعقل عليه فقال رسول الله : إن قلبك حشى الإيمان وإن العبد يعطى الإيمان قبل القرآن ]

وبهذا الإسناد أن رجلا جاء بابن له فقال: [ يا رسول الله إن ابنى يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل فقال رسول الله : ما تنقم إن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما ]

وقال أحمد: ثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن حيى عن أبى عبدالرحمن عن عبد الله بن عمرو أن النبي قال: [ الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعنى فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعنى فيه قال فيشفعان ]

وقال أحمد: ثنا حسن ثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله يقول: [ أكثر منافقى أمتي قراؤها ]

وقال أحمد: ثنا وكيع حدثني همام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله ابن الشخير عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : [ من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه ] ورواه أيضا عن غندر عن شعبة عن قتادة به وقال الترمذي: حسن صحيح

وقال أبو القاسم الطبراني: ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه ثنا أبى ثنا عيسى بن يونس ويحيى بن أبى حجاج التميمى عن اسماعيل بن رافع عن اسماعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله قال: [ من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه غير أنه لايوحى إليه ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطى أفضل مما أعطى فقد عظم ما صغرالله وصغرما عظم الله وليس ينبغى لحامل القرآن أن يسفه فيمن يسفه أو يغضب فيمن يغضب أو يحتد فيمن يحتد ولكن يعفو ويصفح لفضل القرآن ]

وقال الإمام أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم م ثنا عباد بن ميسرة عن الحسن عن أبى هريرة أن رسول الله قال: [ من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة ]

وقال البزار: حدثنا محمد بن حرب ثنا يحيى بن المتوكل ثنا عنبسة بن مهران عن الزهري عن شعبة وأبى سلمة عن أبى هريرة عن النبي قال: [ مراء في القرآن كفر ] ثم قال: عنبسة هذا ليس بالقوى وعنده فيه إسناد آخر

وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو بكر بن أبى إدريس ثنا المقبرى عن جده عن أبى هريرة قال: قال رسول الله : [ أعربوا القرآن والتمسواغرائبه ]

وقال الطبراني: ثنا موسى بن خازم الأصبهانى ثنا محمد بن بكير الحضرمى ثنا اسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث الذمارى عن القاسم أبى عبد الرحمن عن فضالة بن عبيد وتميم الدارى عن النبي قال: [ من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار والقنطار خير من الدنيا وما فيها فإذا كان يوم القيامة يقول ربك تعالى: اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهى إلى آخر آية معه يقول ربك اقبض فيقول العبد بيده يارب أنت أعلم ( فيقول ) بهذه الخلد وبهذه النعيم ]


آخر فضائل القرآن للحافظ العلامة الرحلة الجهبذ مفيد الطالبين الشيخ عماد الدين إسماعيل الشهير بابن كثير كثر الله فوائده