قالوا دمعت فقلت الدمع من رمد

قالوا دمعت فقلت الدمع من رمد

​قالوا دمعت فقلت الدمع من رمد​ المؤلف إبراهيم بن قيس


قالوا دمعت فقلت الدمع من رمد
والعين ما دمعت إلا على الكمد
كأن في كبدي رقطاء تلسعها
كأنما زفرات النار في كبدي
قد كان لي جلد أحويه مقتدراً
فاليوم عيل فلم أقدر على الجلد
فكيف أحوي التجلد
وأطيق التشدد
والقي التبلد
واخفي التوجد
مع هذه الفجيعة الوجيعة الشنيعة
الفضيعة تزلزل ركن الأحكام
وانهد جبل الاسلام
وانطفى علم الأعلام
ذبالة الظلام
وقدوة أهل الاسلام
خرَّت سقوف سموات الهدى وهوت
لما تزايل عنها منكب العمد
قاضي القضاة سمي المصطفى أفلت
عنا محاسنه في باطن الجدد
فالدمع منسكب والصدر مكتئب
والظهر منقضب إذ زال معتمدي
غاب الوجه الصبيح
واللسان الفصيح
والنسب الصريح
والعقل الصحيح
أخو الحسب الكريم
والمروءة والخيم محمد بن إبراهيم
محمد بن إبراهيم
من كان يكهف الضعيف
ويكلأ اللهيف
ويكنّ المشغوف
من كان محتملاً للكل منتقلاً
للثقل منتصلاً في العدل كالأسد
من كان يحكم بين المسلمين ولا
يخشى له أحد ميلاً على أحد
من كان أرأف بالأيتام والضعفا
من أمهاتم البرات بالولد
قد كان بالحق قاضياً
وإلى الخير داعياً
فخلت مشاهده
وخوت معاهده
فما كان أوفاه بالذمام
وأقدمه عند الزحام
ما كان أصلبه غلظاً على السفها
ما كان ألطفه بالاخوة الودد
ما كان أعلمه ما كان أحكمه
ما كان أحلمه يا ليت لم يبد
ما كان أرجح ميزان الزمان به
خف الزمان لموت العالم النجد
لقد خف الزمان
وزايله الرجحان
وحل به النقصان
لما انكف بدره
وخمد ذكره
وهتك ستره
لمصرع الفيلسوف المنتخب
قاضي العجم والعرب
لقد سرت نحو عرّاس تشاكهه
في العلم أو فيصل في الحكم لم تجد
لما نعاه ضحى ناعيه قلت له
أنع العلوم كما تنعاه في البلد
قد كنت أغرف من بحر العلوم فما
أصبحت مقتدراً منه على المدد
غاب بحر العلم ودرس رسم الحكم
ودرس رسم الحكم
فيالها من رزية ما أعظمها
ومن بلية ما أفجعها
بمن بعده يقتدي
ومن بهديه يهتدي
انقطع واللّه مددي
وقلَّ جلدي
من ذا ألوذ به أو من أقلده
أمر الخليقة أو من لي بملتحد
أو من أرد إليه المبهمات إذا
لم أدر أين طريق الغيّ الرشد
أو من أقرعه بالحادثات إذا
رأت علي ذيول الشعت والنكد
ذهب واللّه السيد
واضمحل المعهد
فقلبي مدهوف
ووجهي مكشوف
فيا لهفاً لمصابه
ويا أسفاً على ذهابه
لهفي عليك أبا قيس وليس أرى
لهفي عليك بمنفك مدى الأبد
لهفي عليك لقد أورثتني حزنا
ما عشت بعدك يا ركني ومعتمدي
لهفي لقد شمت الحساد وابتسموا
وعاينوا ورأوا ما ذاب من جسدي
رمتني الخطوب
ودهتني الكروب
وطال عناي
وكثر بكاي
حين شمت الحسود
وضحك الحقود
يا أيها السفها لا درِّ دركم
فيما الشماتة مهلاً يا أولي الحسد
أما المنون فما حيٌّ بمعجزها
من لم تزره غداً زارته بعد غد
أيضاً وما سكن الأجداث عالمنا
حتى أغاظ وأقمى كل مرتدد
مهلاً يا أولي الحسد
فإن المنون بالمرصد
ليس عنها مفر
ولا دونها محجر
بل الكل إلى الممات
وصائر إلى الفوات
أم تحسبون بأنّا لأننا لكم
إذ مات نترك حرب الكاشح الحرد
إنّا لنوشك أن تزداد غايتنا
عن عابر عرصات الغور والنجد
فينا القضاة وفينا القادة الخطبا
والكاتبون وفينا كل منتجد
شد اللّه في الحق إزرنا
وأعقبه نصرنا
وأحسن فينا بعده الخلف
وأسكنه بفضله الغرق
فأثاره زاهرة
ومآثره ظاهرة
نقفوا سبيل أبي قيس ونحفظ ما
أوصى به ونعادي كل ذي عند
واللّه يغفر بالاحسان ذنب أبي
قيس ويسكنه في جنة الرغد
بين الخلائق في حور منعمة
مثل الشموس تلالاً وضح خرد
غفر اللّه ذنوبه
وغسل حوبه
ألحقه اللّه بالصالحين
وأحله اللّه في عليين
أحسن اللّه فيه عزاء المسلمين
والحمد للّه رب العالمين
إنا للّه وإنا إليه راجعون
وصلى اللّه على رسولنا الأمين
فيه العزاء إلى الاسلام ثم إلى
من رام نصرته للواحد الصمد
والقائمين بما أوصى الإله به
والسالكين سبيل المصطفى النجد
صلى عليه وحياه وأكرمه
باني السماء وملقيها بلا عمد