كتاب الزهرة/الباب السادس والتسعون ذكر تشبيهات ما بقي من الموصوفات


الباب السادس والتسعون ذكر تشبيهات ما بقي من الموصوفات

وقد ذكرنا من صفات البحار والفلوات والخمور وآلات الصيد وسائر الدواب فيما قدمناه من الأبواب ما في بعضه بلاغة للمتأدبين، وكفاية للمفتشين، ونحن الآن نذكر - إن شاء الله - ضروباً من التشبيهات لأنواع من الموصوفات التي لو أفردنا كل موصوف منها في باب لما احتمله عدد أبواب الكتاب ولدخلنا في باب التطويل والإكثار إن لم نعجز عنه ما نحفظه من الشعار وسيستبين كل - إن شاء الله - في جران العود وحدها أن لو أفرد كل مشبه فيها بباب لم يصلح بناؤه على ترتيب هذا الكتاب.

قال امرؤ القيس:

ديمةٌ هطلاءُ فيها وَطَفٌ
طبقُ الأرض تحرَّى وتَدُرْ
وترى الشَّجراءَ من رَيّقها
كرؤوسٍ قُطِّعتْ فيها الخُمُرْ
ساعةً ثمَّ انتحاها وابلٌ
ساقطُ الأكتافِ واهٍ مُنهمرْ

وقال عبيد بن الأبرص وتروى لأوس بن حجر:

دانٍ مسفٍّ فويقَ الأرضِ هيدبهُ
يكادُ يدفعهُ منْ قامَ بالرَّاحِ
فمنْ بنجوتهِ كمنْ بعقوتهِ
والمستكنُّ كمنْ يمشي بقرواحِ
كأنَّ فيه إذا ما الرعد فجَّرهُ
دهماً مطافيل قد همَّتْ بأرشاحِ

وقال ذو الرمة:

وهاجرة حرّها واقدٌ
نصبت لحاجتها حاجبي
تلوذ من الشَّمس أطلاؤها
لياذ الغريم من الطالبِ
وتسجدُ للشَّمس حرباؤها
كما يسجد القسّ للرَّاهبِ

وقال آخر:

يوم من الزّمهرير مقرور
عليه جيبُ الضَّباب مزرورُ
كأنَّما حشو جوِّه إبرٌ
وروضةٌ حشوها قواريرُ
وشمسُهُ حُرَّةٌ مُخدَّرةٌ
ليسَ لها من ضيائِهِ نورُ

وقال جران العوْد النميري:

ذكرتُ الصِّبا فانهلَّتْ العينُ تذرفُ
وراجعكَ الشَّوقُ الذي كنتَ تعرفُ
وكانَ فؤادي قد صحا ثمَّ هاجني
حمائمُ ورقٌ بالمدينةِ هتَّفُ
لحقنَا وقد كانَ اللُّغامُ كأنَّهُ
بلحي المهارى والخراطيمِ كرسفُ
وما ألحقتنا العيسُ حتَّى تناضلتْ
بنا وتلانا الأخرُ المتخلِّفُ
وكانَ الهجانُ الأرحبيُّ كأنهُ
تراكبهِ جونٌ من الجهدِ أكلفُ
وفي الحيِّ ميلاءُ الخمارِ كأنَّها
مهاةٌ بهجلٍ من أديمَ تعطَّفُ
شموسُ الصِّبا والأنسِ محفوظةُ الحشا
قتولُ الهَوَى لو كانتِ الدَّارُ تسعفُ
كأنَّ ثناياها العذابَ وريقهَا
ونشوةَ فيها خالطتْهنَّ قرْقفُ
تهيمُ جليدَ القومِ حتَّى كأنّهُ
دوًى يئستْ منهُ العوائدُ مدنفُ
وقالت لنا والعيسُ صعْرٌ من البُرى
وأخفافها بالجندلِ الصُّمِّ تقذفُ
حُمدتَ لنا حتَّى تمنَّاكَ بعضُنا
وأنتَ امرؤٌ يعروكَ حمدٌ وتُعرفُ
وفيكَ إذا لاقيتنا عجرفيَّةٌ
مراراً ولا نسْتيعُ من يتعجرفُ
تميلُ بكَ الدنيا ويغلبكَ الهوى
كما مالَ خوَّارُ القنا المتقصِّفُِ
فموعدكَ الشَّطُّ الذي بينَ أهلنا
وأهلك حتَّى تسمع الديك يهتفُ
وتكفيكَ آثار لنا حين نلتقي
ذيولٌ نُعفِّيها بهنَّ ومطرفُ
ومسحبُ ريطٍ فوقَ ذاكَ ويُمنةٍ
تسوقُ الحصا منها حواشي رفرفُ
فتُصبحُ لم يُشعرْ بنا غير أنَّنا
على كلِّ ظنٍّ يحلفونَ وتحلفُ
فبتنا قعوداً والقلوبُ كأنَّها
قطا شُرَّع إلا شراكِ مما تخوَّفُ
ولمَّا رأينَ الصُّبحَ بادرنَ ضوءهُ
دبيبَ قطا البطحاءِ أو هنَّ أقطفُ
وأدركنَ أعجازاً من اللَّيلِ بعدما
أقامَ الصَّلاةِ العابدُ المتحنِّفُ
وما أُبنَ حتَّى قلنَ يا ليتَ أنَّنا
ترابٌ وليتَ الأرضَ بالناسِ تخسفُ
فإن ننجُ من هذي ولم يشعروا بنا
فقد كانَ بعضُ الخيرِ يدنو فيُصرفُ

وقال عبد بني الحسحاس:

كأنّ الثُّريَّا علِّقتْ فوقَ نحرها
وجمرَ الغضا هبَّت لهُ الرِّيحُ ذاكيا
وجيدٍ كجيدِ الرِّيم ليسَ بعاطلٍ
من الدُّرِّ والياقوتِ والشَّذرِ حاليا
فأقبلن يحفظن الجنان كأنَّما
قتلن قتيلاً أوْ أتينَ الدَّواهيا
وأصبحنَ صرعى في البيوتِ كأنَّما
شربنَ مُداماً ما يُجبنَ المناديا

وقال الحسين بن مطير:

أينَ إخواننا علَى الأحساءِ
أين جيرانُنا علَى الدَّهناءِ
فارقونا والأرضُ مُلبسَةٌ نَوْ
رَ الأقاحي تُجادُ بالأنْواءِ
كلّ يومٍ عن أقحوانٍ جديدٍ
تضحك الأرضُ من بكاءِ السَّماءِ

وقال البحتري:

يا مَن رأى البركة الحسناءَ رؤيتَها
والآنساتِ إذا لاحتْ مَغانيها
كأنَّما الفضَّةُ البيضاءُ سائلةً
من السَّبائك تجري في مَجاريها
فحاجب الشَّمس أحياناً يُضاحكها
ورَيِّقُ الغيثِ أحياناً يُباكيها
إذا النجومُ تراءَتْ في جوانبها
ليلاً حسِبتَ سماءً رُكِّبتْ فيها
كأنَّها حين لجَّتْ في تدفُّقها
يدُ الخليفةِ لما سالَ واديها


هامش