ما ست فأزرت بالغصون الميس

ما ست فأزرت بالغصون الميس

​ما ست فأزرت بالغصون الميس​ المؤلف ابن معصوم المدني


ما ست فأزرت بالغصون الميس
وأتتكَ تخطُر في غِلالةِ سُندس
وتبرجت جنح الظلام كأنها
شمسٌ تجلَّت في دَياجي الحِنْدِس
تختال بين لِداتِها فتخالها
بدراً بدا بين الجواري الكنس
أرِجَت يريَّاها الصَّبا وتضوَّعت
أنفاسُها والصبحُ لم يتنفَّس
ووَفتْ بمَوعِدها وباتَ وُشاتُها
للوجد بين عَمٍ وآخر أخرسِ
والبرقُ يخفقُ قلبُه من غَيرةٍ
والنجم يرمقنا بمقلة أشوس
يا طيبَ ليلتِنا بمُنعَرَج اللِّوى
ومبيتنا فوق الكثيب الأوعس
إذْ باتَ شَملي في ضمانِ وصالها
والقربُ يُبدلُ وحشتي بتأنُّسِ
والليلُ يكتمُ سِرَّنا ونجومُه
تَرنو الينا عن لحاظٍ نُعَّسِ
وسَنى المجرَّة في السَّماءِ كأنَّه
نهرٌ تدفَّق في حديقَةِ نَرجسِ
باتت تدير علي من ألحاظها
كأساً وأخرى من لماها الالعس
حتى إذا رقَّ النسيمُ وأخفقت
من أفق مجلسِنا نجومُ الأكؤُس
قالت وقد واليتُ هَصرَ قوامِها
ضاق الخناقُ من العِناق فنفَّسِ
ثم انثنت حذر الفراق مروعةً
في هيئة المُسْتوحِش المستأنسِ
تتنفَّسُ الصُّعَداءِ من وجدٍ وقد
غص الظلام بصحبه المتنفس
واسْتعجلَتْ شدَّ النِّطاق وودعت
توديع مختلسٍ بحيرة مبلس
لله غانيةٌ عَنَتْ لضيائها
شمس الضحى إذا أشرقت في الأطلس
سلبت نفوسَ أولي الغرام صبابةً
بجمالها الباهي السنيِّ الأنفسِ
وسألتها نفسي فقالت حيرةً
أيُّ النفوس فقلتُ أغلى الأنفس
لم أنسها يوماً فأذكر أنسها
لا كان من ينسى الأحبة أو نسي
هذا الحسينُ ابنُ الحسين أخو العُلى
علقت يدي منه بودٍ أقعس
لم يُنسِهِ بُعدُ الدِّيارِ مودَّتي
يوماً وعهدي عنده لم يبخس
وسواه يظهر وده بلسانه
وخميره كصحيفة المتلمس
هذا الوفيُّ الهاشميُّ المجتبى
غوثٌ الجليس له وبدر المجلس
طابت أُرومةُ مجده فزكتْ به
والغرس يعرب عن زكاء المغرس
ايهٍ أخا المَجدِ المؤثَّل والعُلى
لله درك من أديبٍ أكيس
وافت قصيدتُكَ التي فعلت بنا
فعلَ المُدامة بالنُّهى والأرؤُس
ألبستها وشي الكلام فأقبلت
مختالةً تزهو بأبهى مَلبَسِ
ما ضر سامعها وقد جليت له
أن لا يجيل كؤوسها أو يحتسي
جددت لي عهد الصبا بنسيبها
وربوعُ عهدي بالصِّبا لم تُدرَسِ
وإليكها غراء تستلب الحجا
وتروض كل جموح طبعٍ أشرس
نضَّدتُ عِقدَ نِظامها وبعثتُها
دُرَراً تفوقُ على الدَّراري الخُنَّسِ
وكسوتها من وصف ودك حلةً
هزَّت لها عِطف المحلَّى المكتسي
تُجلى عليك ونجمُ سعدِك مُشرقٌ
في قمة الفلك الرفيع الأطلس