ما طول عذلك للمحب بنافع

مَا طُولُ عَذْلِكِ للمُحبِّ بنافِعِ

​مَا طُولُ عَذْلِكِ للمُحبِّ بنافِعِ​ المؤلف ابن زيدون


مَا طُولُ عَذْلِكِ للمُحبِّ بنافِعِ؛
ذهبَ الفؤادُ، فليسَ فيه براجعِ
فنْدّتِ حِينَ طَمِعْتِ في سُلوَانِهِ؛
هيهاتَ لا ظفرٌ هناكَ لطامعِ
فدعيهِ، حيثُ يطولُ ميدانُ الصِّبا،
كيمَا يجرّ بهِ عنانَ الخالعِ
ماذا يريبُكِ منْ فتىً، عزّ الهوَى
فعنَا لِنَخْوَتِهِ بِذِلّةِ خاضِعِ
هَلْ غَيرَ أنْ مَحضَ الوَفَاءِ لغَادِرٍ؛
أو غيرَ أنْ صدقَ الوصالَ لقاطعِ؟
لمْ يهوَ منْ لمْ يمسِ قرّةِ عينِهِ
سَهَرُ الصّبَابَةِ، في خَليٍّ هاجِعِ
واهاً لأيّامٍ خلَتْ، ما عهدُهَا،
في حينَ ضَيّعَتِ العُهُودَ، بِضَائِعِ
زَمَنٌ كما رَاقَ السّقِيطُ من النّدَى،
يستنّ في صفحاتِ وردٍ يانعِ
أيّامَ إنْ عَتَبَ الحَبيبُ، لَهَفْوَةٍ،
شَفَعَ الشّبابُ، فكانَ أكرَمَ شافِعِ
ما لي وللدّنْيَا، غرِرْتُ، منَ المُنى
فِيها، بِبَارِقَةٍ السّرابِ الخادِعِ
مَا إنْ أزالُ أرومُ شُهْدَةَ عاسِلٍ،
أُحْمَى مُجاجَتَهَا بإبْرَةَ لاسِعِ
منْ مبلغٌ عني البلادَ، إذا نبتْ،
أنْ لَستُ للنّفسِ الألُوفِ بِناخِعِ
أمّا الهوانُ، فصنْتُ عنهُ صفحةً
أغشَى بهَا حدّ الزّمانِ الشّارعِ
فَلْيُرْغِمِ الحَظَّ المُوَلّيَ أنّهُ
وَلّى، فَلَمْ أُتْبِعْهُ خُطْوَةَ تابِعِ
إنّ الغني لهوَ القناعةُ، لا الّذي
يشتفّ نطفةَ ماء وجْهِ القانعِ
أللهُ جارُ الجهوريّ، فطالمَا
مُنِيتْ صَفاةُ الدّهرِ مِنْهُ بِقَارِعِ
ملكٌ درَى أنّ المساعيَ سمعةٌ،
فسعَى، فطابَ حديثُهُ للسّامعِ
شِيَمٌ هيَ الزّهْرُ الجَنيّ، تَبَسّمَتْ
عَنْهُ الكَمَائِمُ، في الضَّحاء الماتعِ
أغرَى منافسَهُ ليدرِكَ شأوَهُ،
فشآهُ بالباعِ الطّويلِ الواسعِ
ثَبْتُ السّكِينَةِ في النّدِيّ، كأنّمَا
تِلْكَ الحُبا لِيثَتْ بهَضْبِ مَتالِعِ
عذبُ الجَنى للأولياء، فإنْ يهجْ
فَالسّمُّ يَأبَى أنْ يَسُوغَ لِجّارِعِ
يا أيّهَا المَلِكُ الّذي حاطَ الهُدَى،
لولاكَ كانَ حمىً قليلَ المانعِ
أنِسَ الأنَامُ إلَيْكَ فيهِ، فهُمْ بهِ
منْ قائمٍ، أوْ ساجدٍ، أو راكعِ
مُتَبَوّئونَ جَنَابَ عَيْشٍ مُونِقٍ؛
مُتَفَيّئُونَ ظِلالَ أمْنٍ شَائِعِ
فلتضرِبَنْ معهمْ بأوفرِ شركَةٍ
في أجرِهِمْ، مِنْ مُوتِرٍ أوْ شافِعِ
خَيرُ الشّهُورِ اختَرْتَ، عند طُلُوعه،
خَيرَ البِقَاعِ لَهُ بِأسْعَدِ طالِعِ