مجلة البيان للبرقوقي/العدد 3/صفحة من التاريخ

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 3/صفحة من التاريخ

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 11 - 1911



يوسف بن تاشفين

سلطان مراكش وواقعة الزلاقة

كان بر المغرب الجنوبي لقبيلة تسمى زناته فعبرت على ذلك حيناً من الدهر إلى أن ضرب الدهر من ضربانه وخرج عليهم من جنوبي المغرب من البلاد المتاخمة لبلاد السودان جماعات يعرفون بالملثمين يرأسهم رجل منهم يسمى أبا بكر بن عمر وكان رجلاً ساذجاً كريم الطبع مؤثراً لبلاده على بلاد المغرب غير ميال إلى الرفاهية والنعيم وكان ولاة المغرب من زناته ضعفاء لا طاقة لهم بمقاومة الملثمين فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط فلما حصلت البلاد لأبي بكر بن عمر سمع أن عجوزاً في بلاده ذهبت لها ناقة في غداة فبكت وقالت ضيعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب رجلاً يسمى يوسف بن تاشفين ورجع إلى بلاده الجنوبية - وكان يوسف هذا رجلاً شجاعاً عادلاً مقداماً اختط بالمغرب مدينة مراكش. وكان موضعها مكمناً للصوص. فكان إذا انتهت القوافل إليه قالوا مراكش ومعناه بلغة المصامدة امش مسرعاً - فلما تمهدت له الأمور وةاستوسق. ملكة واستخذت له البربر مع شدة شكيمتها تاقت نفسه إلى العبور لجزيرة الأندلس فهم يذلك وأخذ في إنشاء المراكب والسفن ليعبر فيها فلما علم بذلك ملوك الأندلس كرهوا المامه بجزيرتهم وأعدوا له العدة والعدد وصعبت عليهم مدافعته وكرهوا أن يكونوا بين عدوين الفرنج عن شمالهم والمسلمين عن يمينهم وكانت الفرنج (الاسبان) تشتد وطأتها عليهم وتغير وتنهب وربما يقع بينهم صلح على شيء معلوم كل سنة يأخذونه من المسلمين وكانت الفرنج ترهب ملك المغرب يوسف بن تاشفين إذ كان له اسم كبير وصيت عظيم لنفاذ أمره وسرعة تملكه بلاد المغرب وانتقال الأمر إليه في أسرع وقت مع ما ظهر من أبطال الملثمين ومشايخ صنهاجة في المعارك من ضربات السيوف التي تقد الفارس والطعنات التي تنظم الكلى فكان له بسب ذلك ناموس ورعب في قلوب المنتدبين لقتاله. وكان ملوك الأندلس يفيؤن إلى ظله ويحذرونه فلما رأوا ما دلهم على عبوره إليهم وعلموا ذلك راسل بعضهم بعضاً يستنجدون آراءهم في أمره. وكان مفزعهم في ذلك إلى المعتمد بن عباد لأنه أشجع القوم وأكبره مملكة فوقع اتفاقهم على مكاتبته يسألونه الأعراض عنهم وأنهم تحت طاعته وتلك صورة ما كتبوا.

(أما بعد فإنك إن أعرضت عنا نسبت إلى كرم ولم تنسب إلى عجز وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن. وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا فاختر لنفسك أكرم نسبتيك فإنك بالمحل الذي لا يجب أن تسبق فيه إلى مكرمة وإن في استبقائك ذوي البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت والسلام).

فلما وصله الكتاب مع تحف وهدايا. وكان يوسف لا يعرف اللسان العربي غير أنه ذكي الطبع يجيد فهم المقاصد وكان له كاتب يعرف العربية والمرابطية. فقال له أيها الملك هذا الكتاب من ملوك الأندلس يعظمونك فيه ويعرفونك أنهم أهل دعوتك وتحت طاعتك ويلتمسون منك أن لا تجعلهم في منزلة الأعادي فأنهم مسلمون وذووا بيوتات فلا تغير بهم وكفى بهم من وراءهم من الأعادي الكفار وبلدهم ضيق لا يحتمل العساكر فأعرض عنهم إعراضك عمن أطاعك من أهل المغرب. فقال يوسف بن تاشفين لكاتبه فما ترى أنت. فقال أيها الملك أعلم أن تاج الملك وبهجته. شاهده الذي لا يرد فأنه خليق بما حصل في يده من الملك والمال أن يعفو إذا استعفى وأن يهب إذا استوهب وكلما وهب جليلاً جزيلاً كان قدره أعظم فإذا عظم قدره تأصل ملكه وإذا تأصل ملكه تشرف الناس بطلعته وإذا كانت طاعته شرفاً جاءه الناس ولم يتجثم المشقة إليهم. وكان وارث الملك من غير أهلاك لآخرته. واعلم أن بعض الملوك الحكماء البصراء بطريق تحصيل الملك قال من جاد ساد ومن ساد قاد ومن قاد ملك البلاد فلما ألقى الكاتب هذا الكلام على السلطان يوسف بلغته فهمه وعلم صحته. فقال للكاتب أجب القوم واكتب بما يجب في ذلك واقرأ على كتابك فكتب بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تحية من سالمكم وسلم عليكم وأنكم مما في أيديكم من الملك في أوسع إباحة. مخصوصين منا بأكرم إيثار وسماحة فاستديموا وفاءنا بوفائكم واستصلحوا أخاءنا بأصلاح أخائكم والله ولي التوفيق لنا ولكم والسلام.

فلما فرغ من كتابه قرأه على يوسف بن تاشفين بلسانه فاستحسنه وقرن به ما يصلح به من التحف والدرق اللمطية (نسبة إلى لمطة وهي بليدة عند السوس الأقصى وهي معدن الدرق اللمطية) التي لا توجد إلا في بلاده وأنفذ ذلك إليهم. فلما وصلهم ذلك وقرؤا كتابه فرحوا به عظموه وتقوت نفوسهم على دفع الفرنج عنهم وأزمعوا إن رأوا من الفرنج ما يريبهم أنهم يرسلون إلى يوسف بن تاشفين يعبر إليهم أو يمدهم بإعانة منهم. وكان ملك الافرنج الأذفونش (الفونس السادس ملك الاسبان) لما وقعت الفتنة بالأندلس وثار الخلاف. وكان كل من حاز بلداً وتقوى فيه ملكه انتحل الملك لنفسه وصار ملوك الأندلس مثل ملوك الطوائف فطمع فيهم الأذفونش وأخذ كثيراً من ثغورهم فقوى شأنه وعظم سلطانه وكثرت عساكره وأخذ طليطلة الآن) من صاحبها القادر بالله بن المأمون بن يحيى بن ذي النون في منتصف محرم سنة 478 وفي ذلك يقول ابن العسال (أحد شعراء الأندلس):

حثوا روا حلكم يا أهل أندلس ... فما المقام بها الأمن الغلط

السلك ينثر من أطرافه وأري ... سلك الجزيرة منثوراً من الوسط

من جاور الشر لا يأمن عواقبه ... كيف الحياة مع الحيات في سفط

وكان المعتمد بن عباد كما أسلفنا أعظم ملوك الأندلس ومتملك أكثر بلادها مشل قرطبة وإشبيلية وكان مع ذلك يؤدي الضريبة إلى الاذفونش (الفونس) كل سنة فلما تملك الاذفونش طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة المعتادة فلم نقبلها منه وأرسل إليه يهدده ويتوعده بالمسير إلى قرطبة ليفتحها إلا أن يسلم إليه جميع الحصون المنيعة وبقيى السهل للمسلمين وتشطط وأمعن في التجني وكان السفير في ذلك يهودياً كان وزير الاذفونش فامتنع ابن عباد من ذلك فراجعه فأباه وأيأسه فراجعه اليهودي في ذلك وأغلظ له في القول وواجهه بمالم يحتمله ابن عباد فأخذ ابن عباد محبرة كانت بيديه وضرب بها رأس اليهودي فأنزل دماغه في حلقه وأمر به فصلب منكوساً في قرطبة فلما سكت عنه الغضب استفتى الفقهاء عن حكم ما فعله باليهودي فبادره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به القتل إذ ليس له ذلك. وقال للفقهاء إنما بادرت بالفتوى خوف أن يكسل الرجل عما عزم عليه من منابذة العدو وعسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجاً وبلغ الاذفونش ما صنعه ابن عباد فأقسم بآلهته. ليغزونه بأشبيلية وليحاصرنه في قصره فجرد جيشين جعل على أحدهما كلباً من مسامير كلابه وأمره أن يسير على كورة باجة من غرب الأندلس ويغير على تلك التخوم والجهات ثم يمر على لبلة إلى اشبيلية وجعل موعده أمام طريانة للاجتماع معه ثم زحف الازفونش بنفسه في جيش آخر عرمرم فسلك طريقاً غير الطريق التي سلكها الآخر وكلاهما عاث في البلاد وخرب ودمر حتى اجتمعا لموعدهما بضفة النهر الأعظم قبالة قصر ابن عباد.

وفي أيام مقامه هنالك كتب إلى ابن عباد زاريا عليه - كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب واشتد على الحر فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي وأطرد بها الذباب عن وجهي فوقع له ابن عباد بخط يده في ظهر الرقعة قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله

فلما وصلت الأذفونش رسالة ابن عباد وقرئت عليه وعلم مقتضاها أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببال وفشا في الأندلس توقيع ابن عباد وما أظهر من العزيمة على جواز يوسف ابن تاشفين والاستظهار به على العدو فاستبشر الناس وفرحوا بذلك وفتحت لهم أبواب الآمال وأما ملوك طوائف الأندلس. فلما تحققوا عزم ابن عباد حذروه عاقبة ذلك وقالوا له الملك عقيم السيفان لا يجتمعان في غمد واحد فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة رعي الجمال خير من رعي الخنازير ومعناه أن كونه مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيراً يرعى جماله في الصحراء خير من أن يكون ممزقاً للاذفونش أسيراً له يرعى خنازيره في قشتالة. وقال لعذاله يا قوم إني من أمري على حالين حالة يقين وحالة شك ولا بد لي من إحداهما أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الاذفونش في الممكن أن يفي لي ويبقى على وفائه وفي الممكن أن لا يفعل فهذه حالة شك. وأما حالة اليقين فإن إن استندت إلى ابن تاشفين فإني أرضي الله وإن استندت إلى الاذفونش أسخطت الله تعالى فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه فقصر أصحابه عن لومه ولما عزم أمر صاحب بطليوس المتوكل عمر بن محمد وعبد الله بن حبوس الصنهاجي صاحب غرناطة أن يبعث إليه كل منهما قاضي حضرته ففعلا واستحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم وكان أعقل أهل زمانه فلما اجتمع عنده القضاة باشبيلية أضاف إليهم وزيره أبا بكر بن زيدون وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف بن تاشفين وترغيبه في الجهاد وأسند إلى وزيره مالا بد منه في تلك السفارة من إبرام العقود السلطانية. وكان يوسف بن تاشفين لا تزال تفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين بالله والإسلام مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته فيسمع إليهم ويصغي لقولهم وترق نفسه لهم فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم وأكرم مثواهم واتصل ذلك بابن عباد فوجه من إشبيلية أسطولاً نحو صاحب سبتة فانتظمت في سلك يوسف ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات ثم انصرفت إلى مرسلها ثم عبر يوسف البحر عبوراً سهلاً حتى أتى الجزيرة الخضراء ففتحوا له وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات وأقاموا له سوقاً جلبوا إليه ما عندهم من سائر المرافق وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيه فامتلأت المساجد وةالرحبات بالمتطوعين وتواصى بهم خيراً. ثم سار إلى اشبيلية على أحسن الهيئات جيشاً بعد جيش وأميراً بعد أمير وقبيلاً بعد قبيل وبعث المعتمد ابنه إلى لقاء يوسف وأمر عمال البلاد بحلب الأقوات والضيافات ورأى يوسف ما سره من ذلك ونشط وتواردت الجيوش مع أمرائها على إشبيلية وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من أشبيلية في مائة فارس ووجوه أصحابه فلما أتى محلة يوسف ركض نحو القوم وركضوا نحوه فبرز إليه يوسف وحده والتقيا منفردين وتصافحا وتعانقا وأظهر كل منهما لصاحبه المودة والخلوص وتواصيا بالصبر والرحمة ثم افترقا فعاد يوسف إلى محلته وابن عباد إلى جهته وباتوا تلك الليلة فلما أصبحوةا وصلوا الصبح ركب الجميع وساروا نحو إشبيلية ورأى الناس من عزة سلطانهم ماسرهم وكان الاذفونش لما تحقق الحرب استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما وراءها ورفع القساوسة والرهبان والاساقفة صلبانهم ونشروا أناجيلهم فاجتمع له من الجلالقة وةالافرنجة مالا يحصى عدده وجواسيس لك فريق تتردد بين الجميع.

وكان الاذفونش قبل ذلك كتب إلى امير المسلمين يوسف كتاباً يغلظ له في القول ويصف ما معه من القوة والعدة والعدد فلما وقف عليه يوسف أمر كاتبه أبا بكر بن القصيرة أن يجيبه وكان كاتباً مفلقا فكتب وأجاد فلما قرأه على الأمير قال هذا كتاب طويل وأحضر كتاب الأذفونش وكتب في ظهره (الذي يكون ستراه) ثم أردفه بكتاب يعرض عليه فيه الدخول في الإسلام أو الجزية أو الحرب ثم وافت الجيوش كلها بطليوس فأناخوا بظاهرها وخرج إليها صاحبها المتوكل عمر بن محمد بن الأفطس فلقيهم بما يجب من الضيافات والأقوات وبذل المجهود

وجاءهم الخبر بشخوص الاذفونش ولما ازدلف بعضهم إلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراويين خوفاً عليهم من مكايد الأذفونش وجعل يتولى ذلك بنفسه وجاءت الطلائع تخبر أن العدو مشرف عليهم صبيحة يومهم وهو يوم الأربعاء فأصبح المسلمون وقد أخذوا مصافهم فرجع الأذفونش إلى أعمال المكر والخديعة فعاد الناس إلى محلاتهم وباتوا ليلتهم ثم أصبح يوم الخميس فبعث الأذفونش إلى ابن عباد: غدا يوم الجمعة وهو عيدكم والأحد عيدنا فليكن لقاؤنا بينهما وهو يوم السبت فعرف المعتمد بذلك السلطان يوسف وأعلمه أنها حيلة منه وخديعة وإنما قصده الفتك بنا يوم الجمعة فبات الناس ليلتهم على أهبة واحتراس وبعد مضي هزيع من الليل جاء فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة الاذفونش وسمعا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ثم جاءت الجواسيس من داخل محلتهم تقول استرقنا السمع فسمعنا الاذفونش يقول لأصحابه: ابن عباد مسعر هذه الحروب وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حافظ وذوي بصائر في الحروب فهم غير عارفين بهذه البلاد فاقصدوا ابن عباد واهجوا عليه واصبروا فإن انكشف لكم هان عليكم الصحراويون بعده فبعث ابن عباد الكاتب أبا بكر بن القصيرة إلى السلطان يوسف يعرفه بأقبال الاذفونش ويستحث نصرته فأمر يوسف بعض قواده أن يمضي بكتيبة رسمها له حتى يدخل محلة الاسبان فيضرمها ناراً مادام الفونس بجموعه وأحاطوا به من كل جهة فهاجت الحرب وحمى الوطيس واستحر القتال في أصحاب ابن عباد وصبر ابن عباد صبراً لم يعهد مثله لأحد واشتد عليه وعلى من معه البلاء وأتخن جراحات وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه وجرحت وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه وجرحت يمنى يديه وطعن في أحد جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدم له آخر وهو يقاسي حياض الموت ويضرب يميناً وشمالاً ثم أقبل السلطان يوسف بعد ذلك وطبوله تصعد أصواتها إلى الجو فلما أبصره الفونس وجه حملته إليه وقصده بمعظم جنوده فبادر إليهم السلطان يوسف وصدمهم بجمعه فردهم إلى مركزهم وانتظم به شمل ابن عباد واستنشق ريح الظفر وتباشر بالنصر ثم صدقوا جميعاً الحملة فتزلزلت الأرض بحوافر خيولهم وأظلم النهار بالعجاج والغبار وخاضت الخيل في الدماء وصبر الفريقان صبراً عظيماً ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف وحمل معه حملة جاء معها النصر.

فانكشف الفونس وفر هارباً منهزماً وقد لصق به أسود من سودان يوسف وقبض على عنانه وانتضى خنجراً كان متمنطقاً به فأثبته في فخذه فهتك حلق درعه ونفذ من فخذه مع بداد سرجه ولجأ الفونس إلى تل كان يلي محلته في نحو خمسمائة فارس كل واحد منهم مكلوم وأباد القتل والأسر من عداهم من أصحابهم واستولى المسلمون على ما كان في محلته من الأثاث والانية والمضارب والأسلحة وكانت شيئاً كثيراً يخطئه العد وقد عف عن جميعها السلطان يوسف - وأقبل ابن عباد على السلطان وصافحه وهنأه وشكره وأثنى عليه وشكر السلطان صبر ابن عباد وحسن بلائه وجميل صبره - وكتب ابن عباد إلى ولده الرشيد كتاباً يخبره فيه بالنصر وأطار به الحمام - وكان موضع هذه الواقعة يسمى الزلاقة وهو مكان أفيح من الأرض على أربعة فراسخ من بطليوس - وكانت هذه المعركة سنة 479 للهجرة الموافقة سنة 1086 للميلاد - وهذا الأذفونش هو الفونس السادس ملك قشتالة ولاون وجليقية.

للكلام بقية وفيها ما حصل للأندلس عقيب هذه الوقعة من استيلاء السلطان يوسف بن تاشفين عليه وقبضه على المعتمد بن عباد وسجنه بأغمات وما قاله الشعراء في ذلك.