مجلة الرسالة/العدد 57/ذكرى أدبائنا

مجلة الرسالة/العدد 57/ذكرى أدبائنا

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1934



بقلم محمد محمد مكين

كتب الدكتور زكي مبارك في البلاغ ينصح أصدقاء شيخ العروبة بجمع ما تناثر من مقالاته وبحوثه وضمها في كتاب، وخشي في نهاية الأمر أن يلحق بشيخ العروبة ما لحق حافظا وإسماعيل صبري من إهمال ونسيان. وكتب الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني مقالاً أرسله من لبنان يذكر فيه انه خجلان لأن إخواننا السوريين يخلدون ذكرى الأمام الشيخ محمد عبدة ونحن نهمله. وكتب الأستاذ احمد حسن الزيات في الرسالة كلمة بكى فيها حظ الأدب والأديب وما يلاقيان من جحود وإنكار. وكتب الأستاذ محمود الشرقاوي كلمة بمجلة الأسبوع عن المنسيين (من الأدباء) قال في ختامها انه يجب على كل أديب ان يعد نفسه كالذبيح ثم يموت مدحورا لا ينال حتى كلمة الذكر.

فهل يا ترى نستخلص من تلك المقالات إننا استيقظنا وتلمسنا تلك الظاهرة المعيبة - ظاهرة عقوق الأدباء وجحود العباقرة. . .؟ أخشى أن تكون اليقظة يقظة الموت.

نعم مات حافظ فلم نوفه حقه ولم نقم بالواجب نحوه، ووالله إن أبناء العروبة في أمريكا لخير منا ألف مرة، فقد قاموا بواجبهم نحو حافظ وشوقي خير قيام.

ومات من قبله الأديب محمد السباعي وذهب كأنه لم يخلق، وكأنه لم يخلق آثاراً أدبية لو كانت أمة غير مصر لصعدت بها إلى الأوج.

وانتقل إلى جوار ربه المرحوم احمد باشا تيمور، وفضله على الأدب والعلم غير منكور، فماذا قدمناه لإحياء ذكراه؟

ورحل المرحوم إسماعيل صبري عن هذه الدار، وما زال شعره متفرقا لم يجمع في ديوان.

تمضي الأعوام فنحي المنفلوطي بطعنات داميات، ونرمي خير الدين يكن بالمروق، ونتهم جبران بالسخف. ثم ننسى البارودي، وصروف، وجورجي زيدان، وحفني ناصف. ولولا وفاء أبناء دار العلوم لذهب شعر عبد المطلب هباءً منثوراً.

اذكر من سنين قليلة أن أدباء مصر أرادوا الاحتفال بذكرى ابن خلدون فتقاعست همهم، وقام أدباء المغرب على ما اذكر بذلك العمل الجليل. واذكر انهم يتحدثون عن الاحتفال بذكرى المتنبي والمعري. فهل تراهم يفلحون؟ ها هو ذا عام 1934 عام حافل بالذكريات. فيه مناسبات كثيرة لإحياء ذكرى أدبائنا وعلمائنا. ففي هذا العام كانت مناسبة صالحة لذكرى قاسم امين، ولكنها ضاعت بكل أسف فلم نفعل أكثر من كتابة مقالات تافهات نشرتها الصحف وذهبت بذهاب الأمس. على إن في ذلك عبرة، هي إن دعوته لما تثمر الثمر الطيب، وإلا لعرفت المرأة المصرية قدر محررها فقامت بواجب غفل عنه الرجل.

أقول أن عام 1934 عام حافل بالمناسبات، ففيه يكون قد مضى خمسة عشر عاما على وفاة جفني ناصف، ويكون قد مضى عشر سنين على وفاة المنفلوطي.

وفي أغسطس القادم يكون قد مضى عشرون عاما على وفاة جورجي زيدان. وفي ديسمبر القادم يكون قد مضى ثلاثون عاما على وفاة أمير الشعراء محمود سامي البارودي.

وفي هذا العام يكون قد مضى حولان على وفاة حافظ وما يزال (يقتضي أصدقاءه المخلص حفلة التأبين وتأليف الكتاب).

فماذا نعد لهذه المناسبات؟ أندعها تمر فنضع رؤوسنا في الرعام ونرمي بأنفسها في وهدة الذل والصغار، أم ننهز هذه الفرصة ولا ندعها تفلت من أيدينا؟

لست ادري ماذا تفعل جماعاتنا الأدبية على كثرتها حتى تهمل ذلك الواجب المقدس؟ أحق عليها ما كتب بمجلة كل شيء في عددها الأخير من إن جماعاتنا الأدبية تقوم على صرح واه لأنها ترمي إلى أغراض تلعب فيها الحزازات الحزبية والمآرب الشخصية الدور الأول!! وانه ينقصها روح التعاون والقدرة على كبح جماح العواطف الشخصية في سبيل الفكرة التي تعمل من اجلها الجماعة. . . إلى جماعة الأدب العربي، وجماع أبولو، والى أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر أتوجه بالرجاء أن يعالجوا ذلك النقص المعيب، فهم خير من يعهد إليهم ذلك الأمر.

وأخيراً اذكر الأدباء قاطبة بان يفوا لأسلافهم حتى يفي لهم إخلافهم. وإلا كان مصيرهم مصير من سبقهم: جحود وإنكار ونسيان.

طنطا

محمد محمد مكين