مجلة الرسالة/العدد 746/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 746/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 746
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 20 - 10 - 1947



أدب القوة:

سأل مندوب (المسامرات) الدكتور عبد الوهاب عزام بك عما ينصح به الشباب في ميدان الأدب لمواجهة نهضة مصر الحديثة، فأجابه:

(أدعو الشباب إلى أدب القوة، والقوة النفسية التي تسمو بالإنسان عن الدنايا وتدعو إلى الإقدام فيمضي في هذه الحياة مجاهداً يشق طريقه إلى غايته، يذلل الصعاب ويقتحم العقبات. وأدعوهم إلى أدب النجدة والمواساة والإيثار الذي يحدوهم إلى العمل للجماعة وتأدية الواجب، والاغتباط بفعل الخير دون ابتغاء منفعة أو جاه أو سمعة.

وأحذرهم من الأدب الضعيف الداعر الذي يسف بالنفس إلى الدنايا، ويقعدها عن الجهاد، ويخيفها من كل مشقة ويجنح بها إلى الدعة والعكوف على اللذة والإخلاد إلى البطالة والتسكع)

وهذا الذي أجاب به الدكتور عبد الوهاب عزام، برنامج للأدب المنشود، موجز في كلماته، ولكنه واف في مراميه؛ فهو يدعو إلى أدب القوة في هذا الوقت الذي اقتنع الجميع فيه بضرورة القوة للحصول على الحياة الحرة الكريمة، وقد زأرت آساد العرب وتحركت نحو هذه الحياة في الطريق إلى فلسطين، ولاشك أن الخيول العربية الآن في جميع أقطار العروبة تعلك اللجم ويتحفز فرسانها للوثوب، وغايتهم القضاء على الدخلاء في جميع البلاد العربية بادئين بالصهيونيين. . .

وهنا أتخذ سمة الباحث في الأدب من حيث تفاعله مع الأحداث وروح العصر، فأقول أن الأدب لابد أن يستمد من هذه الروح ويدفع تلك الحركات، لأن وجان الأمة العربية يزخر بمشاعر القوة والنجدة، ووظيفة الأدب الأساسية أن يعبر عن الشعور ويستملي الوجدان.

ثم اتخذ سمة الباحث في الاجتماع فأقول إن الأمة تتكون من الأفراد، فلكي تكون قوية يلزم أن يكون أفرادها أقوياء؛ وقوة النفس هي أصل القوى، لأنها، كما قال الدكتور عزام، تسمو بالإنسان عن الدنايا وتدعو إلى الإقدام واقتحام العقبات، وتدعو إلى النجدة والإيثار والعمل للجماعة. والأدب يتفاعل مع كل هذا، فيتأثر به ويؤثر فيه، وبذلك يكون أدباً صادقاً.

والشباب مناط الآمال وذوو الأحاسيس المتوثبة والمشاعر الملتهبة، فلا يصح أن تست قواهم العواطف الخائرة، فلا تبقى بها أثار للقدرة على الكفاح للجماعة أو حتى للذات، فيدفع هذا الضعف إلى الدعة والكسل أو محاولة الوصول عن طرق هينة وإن كانت غير لائقة.

النشيد القومي للعرب:

وبعد فهذه الجيوش العربية تزحف إلى فلسطين، والآمال تسايرها، والقلوب تخفق لها، وإنك لتلمح بين سطور أنبائها في الصحف أبياتاً من الشعر يهتز لها فؤادك، وإن كانت لا تزال شاردة لم يقيدها وزن ولا قافية.

فمن لهذا الشعر ينظمه نشيداً للوطن العربي العام؟ نشيداً واحداً يتغنى به أولئك الأبطال الزاحفون في سيناء وفي صحراء العرب وبادية الشام وربى لبنان، وينشده الناشئون في معاهدهم وملاعبهم، ليقوي (عضلات) نفوسهم، وينفي عنها (الترهل)

فهيا فحول الشعر، ضعوا لنا ذلك النشيد.

ذكرى شوقي في نادي الخريجين:

أكتب هذا يوم الثلاثاء الرابع عشر من شهر أكتوبر، وهو اليوم الذي نعى في مثله الشاعر الخالد أحمد شوقي بك، وكانت الليلة الماضية ليلة ذكرى، لا في (الأوبرج) فقد أعلن أن حفلته أجلت إلى أجل غير مسمى نظراً للظروف الصحية الحاضرة! بل كانت الذكرى في شقة بالعمارة رقم 28 بشارع شريف باشا، حيث نادى الخريجين المصري.

وكان حفلاً صغيراً أقامه النادي في خجل من عدم استطاعته التوسع في البرنامج، ولكن تفرد هذا الحفل بمصر في ليلة ذكرى شوقي أمير شعرائها، وشعور هؤلاء الشبان الذين أقاموه بضآلة مجهودهم في هذا المقام الجليل، كل هذا يجعل لهذا الحفل معنى جليلاً هو معنى الوفاء الذي لا يغض منه جهد المقل

بدأت الحفل بكلمة للأستاذ مصطفى حبيب تحدث فيها عن ذكرى شوقي من حيث أثرها في النفوس، ومن حيث مكانة صاحبها الأدبية والوطنية، وتيمن لافتتاح الموسم الثقافي في النادي بهذه الذكرى. وتلاه الأستاذ محمد فتحي بك فقرأ من شعر شوقي قصيدة (يا نائح الطلح أشباه عوادينا) التي قالها وهو بالأندلس في الحنين إلى مصر، وقد ذكرتني قراءة فتحي بك بما يقولون من ان أحد العمال بمطبعة الأهرام غيّر مرة في برنامج الإذاعة كلمة (يقرؤها فتحي بك) فجعلها (يغردها) ولم أكن أصدق هذا وكنت أرجح أن (يغردها) في أصل البرنامج، ولكني اقتنعت أمس بأنها فعلة ذلك العامل لأني وجدت فتحي بك لا يغرد وإنما يقرأ كما يقرأ الطالب في كتاب المطالعة بفارق واحد وهو أن فتحي بك قليل الخطأ في ضبط الكلمات. . ولكن لم اختار (نائح الطلح) وهو الطائر الذي ينوح في وادي الطلح؟ ألأن الطيور على أشكالها تقع؟

أعود من هذا الاستطراد إلى برنامج الحفل. غنى أحد الشبان أغنية (أنا أنطونيو) فأجاب وأطرب، ثم عرض مشهد من مسرحية (كليوباترا) لشوقي، مثله ثلاثة من الخريجين: آنسة وشابان أحدهما السيد حسن ابن المرحوم السيد مصطفى لطفي المنفلوطي، وقد أحسنوا أداء أدوارهم، وبرعت الآنسة وهي تمثل مناجاة كليوباترا لنفسها في المعبد بعد هزيمة جيوشها، إذ كانت تؤدي الشعر بنبرات تمثل معانيه أحسن تمثيل. وقد ألقى أحد الشبان قصيدة تدل على أنه مبتدئ في معالجة القريض، ولكن كان لابد منها لتنويع هذا يقتضي كلمة دراسية في شوقي وشعره، ولكن النادي لخريجي قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب. وما يعرفونه عن شوقي قليل جداً بالنسبة لما يعرفونه عن شكسبير مثلاً!!!

ولا تذهب في هذا العجب. . . فقد قلت إنه جهد الوفاء ذو المعنى الكبير وإن كان قليلاً. وأكثر الله خيرهم على كل حال. . .

سجع الزعماء:

قرأت في مجلة (المصور) للكاتب الفكه الذي يطلق على نفسه (الملحوس) ما يلي: (من أضحك الأشياء ادعاها إلى السخرية في هذا البلد ذلك الأسلوب (المسخرة) الذي تحرر به الأحزاب والزعماء والقادة ببياناتهم الكبرى الخطيرة للشعب وللأمة. . . ذلك السجع الممقوت الكريه الثقيل الذي يملأ أعمدة وصفحات كاملة بأسرها في الجرائد!).

ومفهوم أن النثر العصري من كتابة وخطابة قد تحرر من السجع أو من التزامه، فقد يأتي بعض الكتاب بشيء منه لاقتضاء حال من تهكم أو دعابة وقد يجري به القلم لاتساق لفظ وانسجام جرس. وكل هذا بعيد كل البعد عن ما كان في العصور المتأخرة من التكلف الممقوت.

ولكن في السنوات الأخيرة جنح بعض الزعماء السياسيين إلى السجع وطول النفس فيه في خطبهم وكتاباتهم؛ ويبدو لي أن ذلك يرجع إلى ما يريدون أن يظهروا به من القدرة البيانية وما يرمون إليه من التأثير في نفوس الجماهير. . والحق أن كثيراً من هذا السجع محكم مجوَّد، ولكنه على أي حال ترقيش وتزويق في الكلام، يساير التهريج في السياسة، بل هو من أدواته. . والعمل الصالح كالجمال الطبيعي لا يحتاج إلى الأصباغ والأدهان!

أو كما قال (الملحوس) إن هذا السجع (موضة) بطلت، كما بطلت تلك الزعامات، وصار روح العصر شيئاً آخر. .

التعليم الجامعي والأدب:

كان موضوع المناقشة في (ندوة الهلال) هذا الشهر: (هل أخفق التعليم الجامعي؟) وانتهت المناقشة إلى (أن جامعتنا استطاعت أن تخرج فنيين ممتازين في مختلف ميادين الحياة. كما نجحت في تزويد المجتمع بخريجات كان لهن أثر كبير في تطور النهضة النسائية، ولكنها أخفقت في خلق الروح الجامعية في نفوس الطلبة، وأهملت في تربية نزعة الاستقلال في التفكير وحب الكشف والابتكار في خريجيها. ولم تعن بالنواحي الرياضية وتحبيب الطلبة في الدراسة الجامعية).

وقد لمست المناقش الناحية الأدبية لمساً خفيفاً، وذلك أن الأستاذ شفيق غربال بك لما سئل: هل أضافت الجامعة جديداً إلى الإنتاج العلمي والأدبي؟ أجاب: (إن الجامعة لا زالت في المهد بالنسبة لغيرها من الجامعات الأجنبية، ولكني أعتقد أن هناك تجديداً وإضافات في النواحي الأدبية، وأظن أن الكرداني بك يوافقني على هذا أيضاً في الناحية العلمية) فرد الكرداني بك (هل تعني أن الجامعة خرجت علماء لهم في ميادين الاكتشافات والاختراعات جولات؟) فقال شفيق بك: (لا. . إنني أقصد أن الجامعة خرجت (فنيين) ممتازين في كل الميادين. ولكنني لم أتكلم عن (العلماء).

ولا أدري أيقصد شفيق بك بهذا التفسير الناحيتين العلمية والأدبية، أم يخص به الناحية العلمية؟ على أن الخلاصة التي انتهى إليها النقاش تعمم هذا الحكم كما رأيت.

والذي نراه أن الجامعة - بعد الطبقة التي خرجتها الجامعة القديمة والتي رأسها الدكتور طه حسين - لم تخرج مبتكرين في الأدب، ولم ينتظم سلك إعلام الأدباء أحد خريجيها بعد، وإن كان بين هؤلاء الخريجين أدباء يدخلون في (فنيين ممتازين).

القصة المصرية:

وجهت مجلة (المسامرات) إلى (لفيف من أعلام الفكر والرأي) السؤال التالي: هل نجحت القصة المصرية في تثقيف الشعب؟ فأجاب معظمهم بإثبات نجاحها، قال الأستاذ العقاد: والقصة المصرية على وجه العموم قد نجحت نجاحاً ملموساً وشقت طريقها إلى الجودة والكمال في كثير من الاتجاهات وإن كان هناك بعض الاتجاهات التي لم تقتحمها بعد، وكلي أمل في أن تصل قريباً إلى القمة مؤدية رسالتها على خير الوجوه) وقال الأستاذ المازني: (لقد نجحت نجاحاً كبيراً والدليل على ذلك كثرة الإقبال عليها وكثرة ما ينشر منها) وقال الأستاذ بيرم التونسي: (إن معظم القصص المصرية التي ظهرت حتى الآن في غاية الإتقان مما يبشر بمستقبل حسن للقصة المصرية) وقال الدكتور زكي مبارك: (لقد نجحت القصة المصرية بكل تأكيد لأنها فتحت آفاقاً من الخيال، وراضت الجمهور المصري على الذوق الفني، وأعطت المصريين فرصة للرحلات الفنية إلى الشرق، وخلقت أبواباً من الثروة الفكرية والعقلية عند فريق من الجماهير)

وخالفهم العشماوي باشا فقال: (لا توجد عندنا قصة مصرية بالمعنى المفهوم لتثقيف الشعب) وقال: (لقد لقيت الأمرين عندما كنت وزيراً للمعارف، إذ احتجنا إلى قصص مصرية قوية لتمثيلها في المدارس إو توزيعها على التلاميذ فكنت أكثر من عمل المسابقات لعلها تغري على الاهتمام بهذا النوع من التأليف. ولكن لم يكن يصلنا في كل مسابقة إلا القصص التافهة البعيدة كل البعد عن الواقع).

وأقول إن ما نراه من القصص الضعيفة أو المنتوشة من القصص الغربية، لا ينبغي أن تطغى النظرة إليه على النتاج القصصي القيم الذي يدل على تقدم فن القصة عندنا في العصر الحديث تقدماً تلمسه فيما نشر من القصص في الصحف والمجلات والكتب الخاصة، ولقد قامت (الرواية) التي أدغمت في (الرسالة) بمجهود كبير في هذا السبيل، والرجوع إلى مجموعاتها يقفك أو يذكرك بذلك المجهود، وإنك لترى فيها إلى جانب المترجمات قصصاً مصرية تعد من ثروتنا في هذا الفن الحديث، كيوميات نائب في الأرياف التي كان يكتبها بالرواية تباعاً الأستاذ توفيق الحكيم والتي جمعها بعد ذلك في كتاب.

أما ما ذكره سعادة العشماوي باشا من أنه لم تقدم إلى المسابقة وزارة المعارف إلا القصص التافهة البعيدة كل البعد عن الواقع، فمرجعه أن كتاب القصة الناضجين يتجنبون النزول إلى مثل هذا التسابق، إما استكباراً، أو لأنهم يتوسمون أن فنهم الطليق لا يرضي الهيئات التعليمية التي تتوخى الوقار والتزمت فيما يقدم إلى الطلاب، ومنهم من يسيء الظن بالمحكمين، على أن وزارة المعارف اتجهت أخيراً إلى الاختيار مما في السوق في مثل هذا بدلاً من تلك المسابقات.

(العباسي)