محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة التاسعة والخمسون


كتـاب الصلاة

أوقـــات الصـلاة

385 - مسألة : ويقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه ، مارا أو غير مار ، صغيرا أو كبيرا ، حيا أو ميتا ، أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضا ، وكون المرأة بين يدي الرجل ، مارة أو غير مارة ، صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط ، فلا تقطع الصلاة حينئذ ، ولا يقطع النساء بعضهن صلاة بعض فإن كان بين يدي المصلي شيء مرتفع بقدر الذراع - وهو قدر مؤخرة الرحل المعهودة عند العرب ولا نبالي بغلظها - لم يضر صلاته كل ما كان وراء السترة مما ذكرنا ، ولا ما كان من كل ذلك فوق السترة . ومن حمل صبية صغيرة على عنقه في الصلاة لم تبطل صلاته ، وسواء علم المصلي بذلك أو لم يعلم برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا المخزومي هو أبو هشام المغيرة بن سلمة - ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبيد الله عبد الله بن الأصم ثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  : { يقطع الصلاة المرأة ، والحمار ، والكلب ، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر - عن نافع عن عبد الله بن عمر قال { إن رسول الله كان يركز له الحربة فيصلي إليها } . وقد روينا أيضا من طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن رسول الله  : { يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة } . فإن قيل : فقد رويتم من طريق أبي ذر عن رسول الله  : { إذا قام أحدكم فصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته : الحمار والمرأة ، والكلب الأسود } قلنا : نعم ، وحديث أبي هريرة وأنس فيهما زيادة على حديث أبي ذر ، والزيادة الواردة في الدين عن الله عز وجل فرض قبولها ، ومن فعل هذا فقد أخذ بحديث أبي ذر ولم يخالفه ؛ لأنه ليس في حديث أبي ذر إلا ذكر الأسود فقط ، ومن اقتصر على ما في حديث أبي ذر فقد خالف رواية أبي هريرة وأنس ، وهذا لا يحل . وأما كون المرأة معترضة لا تقطع الصلاة ؛ فإن عبد الله بن يوسف حدثنا قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم الحجاج ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعمش ثنا إبراهيم هو النخعي - ومسلم هو أبو الضحى - كلاهما عن مسروق { عن عائشة والله لقد رأيت رسول الله يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله فأنسل من عند رجليه } قال علي : فقد فرقت أم المؤمنين بين حال جلوسها بين يدي رسول الله وهو يصلي ، فأخبرت بأنه أذى له ، وبين اضطجاعها بين يديه وهو يصلي فلم تره أذى ، وهذا نص قولنا ، ولله الحمد وقد ذكرنا صلاة رسول الله حاملا أمامة بنت أبي العاص على عنقه فاستثنينا ما استثناه النص ، وأبقينا ما أبقاه النص . وقد قال بهذا جماعة من السلف . روينا من طريق الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والمرأة ومن طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة : سمعت جابر بن زيد يقول قال ابن عباس : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة . وهذان سندان لا يوجد أصح منهما ومن طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة . ومن طريق الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني قال : كنت أصلي إلى جنب ابن عمر فدخل بيني وبينه - يريد جروا - فمر بين يدي فقال لي ابن عمر : أما أنت فأعد الصلاة ؛ وأما أنا فلا أعيد ؛ لأنه لم يمر بين يدي ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني : أن جروا مر بين يدي ابن عمر فقطع عليه صلاته وهذا أيضا أصح إسناد يكون ومن طريق علي بن المديني : حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عامر عن أبي هريرة قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والمرأة ومن طريق عبد الله بن المبارك حدثني سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال : صلى الحكم بن عمرو الغفاري بالناس في سفر وبين يديه سترة ، فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم المكي عن صفية بنت شيبة عن عائشة أم المؤمنين قالت : جعلتمونا بمنزلة الكلب ، والحمار ؛ وإنما يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار ، والسنور ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عباس قال : يقطع الصلاة : الكلب ، والحمار وهو قول عطاء ، وابن جريج ، إلا أنهما خصا : الكلب الأسود ، والمرأة الحائض وعن عكرمة : يقطع الصلاة : الكلب ، والمرأة الحائض ومن طريق شعبة عن زياد بن فياض قال : سمعت أبا الأحوص - هو صاحب ابن مسعود - يقول : يقطع الصلاة : الكلب ، والمرأة ، والحمار . وقال أحمد بن حنبل : يقطع الصلاة : الكلب الأسود ، والحمار ، والمرأة إلا أن تكون مضطجعة قال علي : وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا يقطع الصلاة شيء من هذا كله وما نعلم لهم حجة إلا حديث عائشة ، وهو حجة عليهم كما أوردناه . وحديثا رويناه من طريق { ابن عباس أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي الصف ، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد } . قال علي : وهذا لا حجة فيه لوجوه : أولهما : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر نا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة - سمعت أبا جحيفة قال { خرج رسول الله بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة } . وزاد فيه عون بن أبي جحيفة عن أبيه { وكان يمر من ورائها الحمار والمرأة } . وبه إلى مسلم : ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا شعبة عن يعلى هو ابن عطاء - سمع أبا علقمة سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله  : { إنما الإمام جنة ، فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا } . قال علي : فما لم يحل بين الإمام والمأموم مما ذكرنا فلا يقطع الصلاة ؛ لأن الإمام سترة لجميع المأمومين ، ولو امتد الصف فراسخ برهان ذلك - : الإجماع المتيقن الذي لا شك فيه في أن سترة الإمام لا يكلف أحد من المأمومين اتخاذ سترة أخرى ؛ بل اكتفى الجميع بالعنزة التي كان عليه السلام يصلي إليها ، فلم تدخل أتان ابن عباس بين الناس وبين رسول الله ولا بين رسول الله وبين سترته وأيضا : فقد ثبت عن ابن عباس - كما أوردنا قبل - أن الحمار ، والمرأة والكلب يقطع الصلاة ، وعهدنا بهم يقولون : إن الراوي من الصحابة أعلم بما روى ثم لو صح غير هذا - وهو لا يصح - لكان ما رواه أبو هريرة ، وأنس ، وأبو ذر - هو الناسخ بيقين لا شك فيه لما كانوا عليه قبل ورود ما رووه وذكروا خبرين : أحدهما - من طريق العباس بن عبيد الله بن العباس عن الفضل بن العباس { أن رسول الله زار العباس فصلى وبين يديه حمارة وكليبة } . قال علي : وهذا باطل ، لأن العباس بن عبيد الله لم يدرك عمه الفضل وحديث من طريق مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال { لا يقطع الصلاة شيء ، وادرءوا ما استطعتم } . قال علي : أبو الوداك ضعيف ، ومجالد مثله . ثم لو صح كل هذا لما وجب الأخذ بإحدى الروايتين دون الأخرى إلا بحجة بينة ، لا بالهوى والمطارفة ، فلو صحت هذه الآثار - وهي لا تصح - لكان حكمه بأن الكلب ، والحمار ، والمرأة يقطعون الصلاة - هو الناسخ لما كانوا عليه قبل ، من أن لا يقطع الصلاة شيء من الحيوان ، كما لا يقطعها : الفرس ، والسنور ، والخنزير ، وغير ذلك ؛ فمن الباطل الذي لا يخفى ولا يحل ترك الناسخ المتيقن والأخذ بالمنسوخ المتيقن . ومن المحال أن تعود الحالة المنسوخة ثم لا يبين عليه السلام عودها . واحتج بعض المخالفين بقول الله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } قال : فما يقطع هذا قال علي : يقطعه عند هؤلاء المشغبين - : قبلة الرجل امرأته ، ومسه ذكره ، وأكثر من الدرهم البغلي من بول ، ويقطعه عند الكل : رويحة تخرج من الدبر متعمدة وأما النساء فقد أخبر عليه السلام : أن خير صفوفهن آخرها ، فصح أنه لا يقطع بعضهن صلاة بعض - وبالله تعالى التوفيق .


386 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء ، ولا عند الدعاء في غير الصلاة أيضا حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا ابن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله  : { لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم } . وروينا أيضا من طريق صحيحة عن أنس وابن عمر وأبي هريرة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج ثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ثنا يحيى هو ابن بكير - ثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك والأعرج كلاهما عن أبي هريرة أن رسول الله قال : { لينتهين أناس عن رفع أبصارهم عند الدعاء إلى السماء حتى لتخطف } . قال علي : هذا وعيد شديد ، والوعيد لا يكون إلا على كبيرة من الحرام ، لا على مباح مكروه أصلا ، ولا على صغيرة مغفورة وقال بهذا طائفة من السلف - كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زياد عن فياض عن تميم بن سلمة قال رأى ابن مسعود قوما رافعي أبصارهم إلى السماء في الصلاة فقال : لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم وقال أيضا : أو ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله تعالى رأسه رأس كلب ومن طريق حماد بن سلمة عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال : أما يخشى الذي يرفع بصره إلى السماء أن يختلس بصره " ، ألا أرى أنه كان الملائكة تنزل قال علي : من العجب أن يكون الحنفيون يبطلون صلاة من صلى خلف إمام وإلى جانبه امرأة تصلي بصلاة ذلك الإمام وهو لا يقدر على إزالتها وصلاة من تكلم ساهيا في صلاته والمالكيون يبطلون صلاة من صلى وقد توضأ بماء بل فيه خبز والشافعيون يبطلون صلاة من صلى وعلى ثيابه شعر من شعره نفسه قد سقط من لحيته ورأسه وما جاء قط نص ولا دليل على بطلان صلاة أحد من هؤلاء ، ثم يجيزون صلاة من تعمد في صلاته عملا صح النص بتحريمه عليه وشدة الوعيد فيه وبالله تعالى التوفيق

387 - مسألة : فإن صلت امرأة إلى جنب رجل لا تأتم به ولا بإمامه فذلك جائز فإن كان لا ينوي أن يؤمها ونوت هي ذلك فصلاته تامة وصلاتها باطلة فإن نوى أن يؤمها وهي قادرة على التأخر عنه فصلاتهما جميعا فاسدة فإن كانا جميعا مؤتمين بإمام واحد ولا تقدر هي ولا هو على مكان آخر فصلاتهما تامة وإن كانت قادرة على التأخر وهو غير قادر على تأخيرها فصلاتها باطلة وصلاته تامة فلو قدر على تأخيرها فلم يفعل فصلاتهما جميعا باطلة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن { موسى بن أنس بن مالك عن أبيه قال : صلى بي رسول الله وبامرأة من أهلي ، فأقامني عن يمينه ، والمرأة خلفنا } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة { عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى بهم ، قال أنس : فصففت أنا واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا ركعتين وانصرف } . فصح أن مقام المرأة ، والمرأتين ، والأكثر - إنما هو خلف الرجال ولا بد لا مع رجل واحد أصلا ، ولا أمامه ، وأن موقف الرجل والرجلين والأكثر إنما هو أمام المرأة ، والمرأتين ، والأكثر ولا بد . فمن تعدى موضعه الذي أمره الله تعالى على لسان رسوله أن يصلي فيه وصلى حيث منعه الله كذلك : فقد عصى الله عز وجل في عمله ذلك ، ولم يأت بالصلاة التي أمر الله بها والمعصية لا تجزئ عن الطاعة . وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب أبي سليمان . وأما من عجز عن المكان الذي أمر به ولم يقدر على غيره فقد قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم }

388 - مسألة : ومن تعمد في الصلاة وضع يده على خاصرته بطلت صلاته . وكذلك من جلس في صلاته متعمدا أن يعتمد على يده أو يديه حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال { نهي عن التخصر في الصلاة } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة { أن رسول الله نهى أن يصلي الرجل مختصرا } . قال علي : فصح أن النهي الأول عن رسول الله . وقد صح أنه عليه السلام قال : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . وهو قول طائفة من السلف . كما روينا من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت في وضع اليد على الخاصرة في الصلاة : فعل اليهود ، وكرهته وعن وكيع عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن عائشة أم المؤمنين : أنها رأت رجلا في الصلاة واضعا يده على خاصرته فقالت : هكذا أهل النار في النار . وعن وكيع عن سعيد بن زياد بن صبيح الحنفي قال { صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي ؛ فلما صلى قال : هذا الصلب في الصلاة ، وكان رسول الله ينهى عنه } . وعن ابن عباس : أنه كره وضع اليد على الخاصرة في الصلاة ، وقال : الشيطان يحضره ومن طريق سفيان الثوري عن صالح بن نبهان سمعت أبا هريرة يقول : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يجعل يده في خاصرته ، فإن الشيطان يحضر ذلك وأما الاعتماد على اليد - : فحدثنا حمام عن ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال { نهى رسول الله أن يجلس الرجل في صلاته معتمدا على يده } . قال عبد الرزاق : أخبرني إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي  : { كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة : هي قعدة المغضوب عليهم } . قال علي : قد صح عنه عليه السلام أنه قال : { صلوا كما تروني أصلي } فمن صلى بخلاف صلاته عليه السلام من رجل أو امرأة ؛ فقد صلى غير الصلاة التي أمره الله تعالى بها ، فلا تجزئه ، والاعتماد على اليد في الصلاة خلاف صلاته عليه السلام ، بلا خلاف من أحد . وروينا من طريق نافع عن ابن عمر أنه قال لإنسان : ما يجلسك في صلاتك جلسة المغضوب عليهم وكان رآه معتمدا على يديه

389 - مسألة : والإتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة إلا به ، لكل قيام ركوع واحد ، ثم رفع واحد ، ثم سجدتان بينهما جلسة - هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة فمن نسي سجدة واحدة وقام عند نفسه إلى ركعة ثانية فإن الركعة الأولى لم تتم ، وصار قيامه إلى الثانية لغوا ليس بشيء . ولو تعمده ذاكرا لبطلت صلاته ، حتى إذا ركع ورفع فكل ذلك لغو ، لأنه عمله في غير موضعه نسيانا ، والنسيان مرفوع . فإذا سجد تمت له حينئذ ركعة بسجدتيها . ولو نسي من كل ركعة من صلاته سجدة لكان - إن كانت : الصبح ، أو الجمعة ، أو الظهر ، أو العصر . أو العتمة في السفر - : قد صحت له ركعة . فليأت بأخرى ثم يسجد للسهو . وإن كان ذلك في المغرب فكذلك أيضا ، وليسجد سجدة واحدة . ثم يقوم إلى الثانية ، فإذا أتمها جلس ، ثم قام إلى الثالثة ، ثم يسجد للسهو . وإن كانت : الظهر أو العصر ، أو العتمة في الحضر - : فقد صحت له ركعتان كما ذكرنا ؛ فعليه أن يأتي بركعتين ثم يسجد للسهو برهان ذلك - : قول الله تعالى : { أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } . وقول رسول الله  : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فصح يقينا أن كل عمل عمله المرء في موضعه كما أمره رسول الله فهو معتد له به ، وكل عمل عمله المرء في غير موضعه الذي أمره عليه السلام فهو رد - وهذا نص قولنا ولله تعالى الحمد . وقال بهذا الشافعي ، وداود ، وغيرهما . وقال مالك : يلغى قيامه في الأولى وركوعه ورفعه والسجدة التي سجدها ويعتد بالثانية وهذا خطأ لما ذكرنا ؛ لأنه اعتد له بقيام فاسد وركوع فاسد ورفع فاسد ، وضع كل ذلك حيث لا يحل له ؛ وحيث لو وضعه عامدا لبطلت صلاته بلا خلاف من أحد ، وألغى له قياما وركوعا ورفعا وسجدة أداها بإجماع الأمة ، وهو معهم كما أمره الله تعالى فإن قيل : أردنا أن لا يحول بين السجدتين بعمل قلنا : قد أجزتم له أن يحول بين الإحرام للصلاة وبين القيام والقراءة المتصلين بها بعمل أبطلتموه ، فما الفرق وقد حال رسول الله بين أعمال صلاته ناسيا بما ليس منها ، من سلام وكلام ومشي واتكاء ودخوله منزله ، ولم يضر ذلك ما عمل من صلاته شيئا ؛ فالحيلولة بينهما إذا كانت بنسيان لا تضر فإن قيل : إنه لم ينو بالسجدة أن تكون من الركعة الأولى ، وإنما نواها من الثانية ، والأعمال بالنيات قلنا لهم : هذا لا يضر ، لأن رسول الله قد نوى بالجلسة التي سلم منها أنها من الركعة الرابعة ، وهي من الثانية ، ثم اعتد بها للثانية ، وكذلك أمر عليه السلام من لم يدر كم ركعة صلى أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام ، وعلى شك من الزيادة ، فالمصلي على هذا ينوي بالركعة أنها الثالثة ولعلها رابعة ، ولا يضر ذلك شيئا ثم نقول لهم : هذا نفسه لازم لكم ؛ لأنه نوى بالتكبير للإحرام [ أن ] تلي الركعة التي أبطلتم عليه ، لا الركعة التي جعلتموها أولا وقال أبو حنيفة : يسجد في آخر صلاته أربع سجدات متواليات وتمت صلاته وهذا كلام في غاية الفساد ، لأنه اعتد له بأربع ركعات متواليات لم يتم منها ولا واحدة ؛ وهذا باطل . ثم أجاز له سجدات متتابعات لم يأمر الله تعالى قط بها ، أتى بها عامدا مخالفا لأمر الله عز وجل بالقصد . ولقول رسول الله  : { صلوا كما رأيتموني أصلي } . ولتعليمه عليه السلام المصلي كيف يعمل ، من طريق أبي هريرة ، ورفاعة بن رافع ، وقد ذكرنا كل ذلك بإسناده ؛ وهم يدعون أنهم أصحاب قياس . ولا يختلفون في أنه لا يحل للمصلي تعمد تقديم سجدة قبل الركعة ؛ ولا تعمد تقديم ركوع قبل السجدة التي في الركوع الذي قبله ؛ ثم أجازوا هذا بعينه - وبالله تعالى التوفيق

390 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يفترش ذراعيه في السجود - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك عن النبي أنه قال : { اعتدلوا في السجود ، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } . وروينا عن أبي وائل عن حذيفة : أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته قال له : ما صليت . قال علي : من افترش ذراعيه في السجود فلم يتم سجوده ، ومن لم يتم سجوده فلا صلاة له عند حذيفة ؛ ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم

391 - مسألة : وفرض على المصلي أن لا يبصق أمامه ولا عن يمينه ، في صلاة كان أو في غير صلاة - وحكمه أن يبصق في الصلاة في ثوبه ، أو عن يساره تحت قدمه ، أو على بعد على يساره ، ما لم يلق البصقة في المسجد ، أو يبصق خلفه ما لم يؤذ بذلك أحدا . ولا يجوز البصاق في المسجد ألبتة ، وإن كان في غير صلاة ، إلا أن يدفنه . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا عبد الرزاق أنا الثوري هو سفيان - عن منصور هو ابن المعتمر - عن ربعي بن حراش عن { طارق بن عبد الله المحاربي قال : قال لي رسول الله  : إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك ، وابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا ، وإلا فتحت قدمك ، وأشار برجله ففحص الأرض } وروينا أيضا بأجل إسناد عن شعبة ثنا قتادة سمعت أنس بن مالك عن رسول الله ؛ فذكر نحوه . وعن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي . وعن ابن عمر عن النبي . وروينا النهي عن ذلك عن حذيفة وأبي هريرة ، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا قتادة قال : سمعت أنس بن مالك قال : قال النبي  : { البصاق في المسجد خطيئة ، وكفارتها دفنها } . وبه إلى البخاري ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة أخبرني قتادة سمعت أنس بن مالك قال : قال رسول الله  : { لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه ، ولكن عن يساره أو تحت رجله } . فهذا عموم في الصلاة وغيرها ، وأمر الصلاة يدخل في هذا الخبر . وإلى كل هذا ذهب السلف الطيب : - روينا عن طاوس : أن معاوية بزق في المسجد وذهب ثم رجع ومعه شعلة من نار فجعل يتبع البزاق حتى دفنه وعن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد : كنا مع عبد الله بن مسعود فأراد أن يبصق وما عن يمينه فارغ ؛ فكره أن يبصق عن يمينه ، وليس في صلاة وعن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي نصر عن عبد الله بن الصامت عن معاذ بن جبل : أنه كان مريضا فقال : ما بصقت عن يميني مذ أسلمت وعن ابن جريج أن ابن نعيم أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول لابنه عبد الملك وبصق عن يمينه وهو في مسير ؛ فنهاه عمر عن ذلك وقال : إنك تؤذي صاحبك ، ابصق عن شمالك . وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا المنذر بن ثعلبة عن همام بن خناس قال : نهاني ابن عمر عن أن أبصق عن يميني في غير صلاة وعن أبي إسحاق السبيعي قال : رأيت عمرو بن ميمون يصلي فأراد أن يبصق فلم يجد عن يساره موضعا فالتفت خلفه فبزق . وعن همام بن يحيى قال : دخلت على محمد بن سيرين فرأيته دخل في الصلاة ، فأراد أن يبزق وكان الحائط عن يساره ، فالتفت يساره حتى أخرج البزاق من المسجد . قال علي : هؤلاء طائفة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)