محلى ابن حزم - المجلد الثالث/الصفحة الثالثة والسبعون


كتاب الحجر

1396 - مسألة: وكذلك لا يجوز الحجر أيضا على امرأة ذات زوج؛، ولا بكر ذات أب، ولا غير ذات أب وصدقتهما، وهبتهما: نافذ كل ذلك من رأس المال إذا حاضت كالرجل سواء سواء

وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأبي ثور وأبي سليمان، وأصحابهم.

وقال مالك: ليس لذات الزوج إلا الثلث فقط تهبه وتتصدق به أحب زوجها أم كره فإذا مضت لها مدة جاز لها في ثلث ما بقي أيضا أن تفعل فيه ما شاءت أحب زوجها أم كره وهكذا أبدا، فإن كان ذلك قريبا من فعلها في الأول: فسخ فإن زادت على الثلث رد الكل أوله عن آخره، بخلاف المريض إن شاء زوجها أن يرده، وإن أنفذه نفذ، فإن خفي ذلك عن زوجها حتى تموت أو يطلقها نفذ كله قال المغيرة بن عبد الرحمن صاحبه: بل لا يرد الزوج إلا ما زاد على الثلث فقط، وينفذ لها الثلث كالمريض. قال مالك: فإن وهبت لزوجها. مالها كله نفذ ذلك،

وأما بيعها وابتياعها فجائز أحب زوجها أم كره إذا لم يكن فيه محاباة. قال: وأما البكر فمحجورة على كل حال ذات أب كانت أو غير ذات أب لا يجوز لها فعل في مالها، ولا في شيء منه، ولا أن تضع عن زوجها من الصداق وإن عنست حتى تدخل بيت زوجها، ويعرف من حالها فإن وهبت قبل أن تتزوج ثم تزوجت: كان لها أن ترجع فيما وهبت إلا إن كان يسيرا، قال: وأما التي كان لها زوج ثم تأيمت فكالرجل في نفاذ حكمها في مالها كله.

وأما المتقدمون: فروينا عنهم أقوالا: روينا من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن خالد، وزكريا بن أبي زائدة، كلاهما عن الشعبي عن شريح قال: عهد إلي عمر بن الخطاب أن لا أجيز عطية جارية حتى تلد ولدا، أو تحول في بيتها حولا.

ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا الشعبي قال: قال شريح: أمرني عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية مملكة عطية حتى تحيل في بيت زوجها حولا أو تلد ولدا، قال: فقلت للشعبي: كتب إليه عمر فقال: بل شافهه به مشافهة.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي قال: قرأت كتاب عمر إلى شريح بذلك، وذلك أن جارية من قريش قال لها أخوها وهي مملكة: تصدقي علي بميراثك من أبيك ففعلت، ثم طلبت ميراثها فرده عليها ورويناه أيضا من طريق الحجاج بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن خلاس بن عمرو قال: وكتب عمر بن الخطاب: لا تجيزوا نحل امرأة بكر حتى تحيل حولا في بيت زوجها أو تلد ولدا.

قال أبو محمد: وهو قول شريح كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة، وأيوب السختياني، وهشام بن حسان كلهم عن محمد بن سيرين: أن شريحا قال في المرأة إذا وهبت من مالها: فإنه لا تجوز لها هبتها حتى تلد ولدا، أو تبلغ، أنى ذلك وهو سنة.

ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن سعيد بن عبد الرحمن عن الحسن، ومحمد بن سيرين، قال محمد: لا تجوز لأمرأة عطية حتى تحول حولا أو تلد ولدا، فقال الحسن: حتى تلد ولدا أو تبلغ، أنى ذلك.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا عبيد الله بن عثمان بن الأسود عن عطاء ومجاهد قالا جميعا: لليتيمة خناقان لا يجوز لها شيء من مالها حتى تلد ولدا، أو تمضي عليها سنة في بيت زوجها

وهو قول قتادة، والشعبي، إلا أنه اختلف عنه إذا عنست قبل ذلك فروينا عنه من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت للشعبي: أرأيت إن عنست أيجوز يعني هبتها قال: نعم.

وروينا عنه من طريق ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد قلت للشعبي: أرأيت إن عنست قال: لا يجوز، كلاهما من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع، وابن أبي زائدة.

ومن طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص عن المغيرة عن الشعبي قال: إذا حالت في بيتها حولا جاز لها ما صنعت، قال المغيرة، وقال إبراهيم: إذا ولدت الجارية أو ولد مثلها جازت هبتها، وهو قول الأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وقول آخر روي عن أنس بن مالك، وهو أنه لا يجوز لذات زوج عطية في شيء من مالها إلا بإذن زوجها.

ومن طريق العرزمي عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال: لا يحل للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إلا بإذنه، وأن صفية بنت أبي عبيد كانت لا تعتق ولها ستون سنة إلا بإذن ابن عمر.

قال أبو محمد: هذا ليس فيه دليل على أنه لا يرى لها ذلك جائزا دون إذنه، لكنه على حسن الصحبة فقط.

وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاووس عن أبيه قال: لا تجوز لأمرأة عطية إلا بإذن زوجها وقد روي هذا عن الحسن، ومجاهد وهو قول الليث بن سعد، فلم يجز لذات الزوج عتقا، ولا حكما في صداقها، ولا غيره إلا بإذن زوجها إلا الشيء اليسير الذي لا بد لها منه في صلة رحم أو ما يتقرب به إلى الله عز وجل. وممن روي عنه مثل قولنا:

كما روينا من طريق مسلم، حدثنا محمد بن عبيد الغبري، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت، وأسوس فرسه، كنت أحتش له، وأقوم عليه، فلم يكن شيء أشد علي من سياسة الفرس ثم جاء النبي سبي فأعطاها خادما، ثم ذكرت حديثا وفيه أنها باعتها، قالت: فدخل الزبير وثمنها في حجري فقال: هبيها إلي قالت: أنى، لكن تصدقت بها فهذا الزبير، وأسماء بنت الصديق، قد أنفذت الصدقة بثمن خادمها، وبيعها بغير إذن زوجها، ولعلها لم تكن تملك شيئا غيرها، أو كان أكثر ما معها كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا الحسن بن محمد، هو ابن الصباح عن حجاج، هو ابن محمد الأعور، عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت النبي فقالت يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير، فهل علي جناح في أن أرضخ مما يدخل علي قال: ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكى عليك فلم ينكر الزبير ذلك.

وروينا من طريق حماد بن سلمة، حدثنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين أن امرأة رأت فيما يرى النائم أنها تموت إلى ثلاثة أيام فأقبلت على ما بقي من القرآن عليها فتعلمته، وشذبت مالها، وهي صحيحة، فلما كان يوم الثالث دخلت على جاراتها فجعلت تقول: يا فلانة أستودعك الله، وأقرأ عليك السلام فجعلن يقلن لها: لا تموتين اليوم، لا تموتين اليوم إن شاء الله فماتت، فسأل زوجها أبا موسى الأشعري عن ذلك فقال له أبو موسى: أي امرأة كانت امرأتك فقال: ما أعلم أحدا كان أحرى منها أن تدخل الجنة إلا الشهيد، ولكنها فعلت ما فعلت، وهي صحيحة فقال أبو موسى: هي كما تقول فعلت ما فعلت، وهي صحيحة فلم يرده أبو موسى.ومن طريق حماد بن سلمة عن عدي بن عدي الكندي قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن المرأة تعطي من مالها بغير إذن زوجها فكتب: إما هي سفيهة أو مضارة فلا يجوز لها، وأما هي غير سفيهة، ولا مضارة فيجوز.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قال: كتب عمر بن عبد العزيز في امرأة أعطت من مالها: إن كانت غير سفيهة، ولا مضارة فأجز عطيتها. وعن ربيعة، أنه قال: لا يحال بين المرأة وبين أن تأتي القصد في مالها في حفظ روح أو صلة رحم، أو في مواضع المعروف، إذا لم يجز للمرأة أن تعطي من مالها شيئا، كان خيرا لها أن لا تنكح، وأنها إذا تكون بمنزلة الأمة.

ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس، هو ابن سعد قال: قال عطاء بن أبي رباح: تجوز عطية المرأة في مالها.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين قال: إذا أعطت المرأة الحديثة السن ذات الزوج قبل السنة عطية، فلم ترجع حتى تموت، فهو جائز.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: إذا أعطت المرأة من مالها في غير سفه، ولا ضرار جازت عطيتها، وإن كره زوجها.

قال أبو محمد: أما قول مالك فما نعلم له متعلقا، لا من القرآن، ولا من السنن، ولا من رواية سقيمة، ولا من قول صاحب، ولا تابع، ولا أحد قبله نعلمه، إلا رواية عن عمر بن عبد العزيز قد صح عنه خلافها كما ذكرنا آنفا، ولم يأت عنه أيضا تقسيمهم المذكور، ولا عن أحد نعلمه، ولا من قياس، ولا من رأي له وجه، بل كان ما ذكرنا مخالفا لقوله ههنا على ما نبين إن شاء الله تعالى. والرواية عن عمر رويناها من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: جعل عمر بن عبد العزيز للمرأة إذا قالت: أريد أن أصل ما أمر الله به وقال زوجها: هي تضارني فأجاز لها الثلث في حياتها. وهم قد خالفوا عمر بن عبد العزيز في سجوده: إذا السماء انشقت وفي عشرات من القضايا وهم قد خالفوا ههنا: عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبا هريرة وأبا موسى الأشعري، والزبير، وأسماء، وجميع الصحابة على ما نذكر إن شاء الله تعالى وشريحا، والشعبي، والنخعي، وعطاء وطاووسا، ومجاهدا، والحسن وابن سيرين، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم. والعجب من تقليدهم عمر رضي الله عنه في امرأة المفقود، وفي ما يدعونه عليه من الحد في الخمر ثمانين، ومن تأجيل العنين سنة، ومن تحريمه على من تزوج في العدة ودخل أن يتزوجها في الأبد وقد خالفه غيره من الصحابة في كل ذلك ورجع هو عن بعض ذلك، ثم لم يقلدوه ههنا. وهلا قالوا ههنا: مثل هذا لا يقال بالرأي، كما قالوه في كثير مما ذكرنا فإن عمر ومن ذكرنا معه أبطلوا فعل المرأة جملة قبل أن تلد، أو تبقى في بيت زوجها سنة، ثم أجاز بعد ذلك جملة ولم يجعل للزوج في شيء من ذلك مدخلا، ولا حد ثلثا من أقل، ولا من أكثر.

وأما الحنفيون فيلزمهم مثل هذا سواء سواء؛ لأنهم قلدوا عمر في حد الخمر، وفي تأجيل العنين سنة، وفيما ادعوا عليه من شرب النبيذ المسكر وكذبوا في ذلك، فهلا قلدوه ههنا وقالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي، ولكن القوم في غير حقيقة ونحمد الله تعالى على نعمه.

قال أبو محمد: وموه المالكيون بأن قالوا: صح عن النبي : تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها قالوا: فإذا نكحها لمالها فله في مالها متعلق؛ وقالوا: قسناها على المريض والموصي.

قال علي: وهذا تحريف للسنة عن مواضعها وأغث ما يكون من القياس وأشده بطلانا: أما الخبر المذكور فلا مدخل فيه لشيء من قولهم في إجازة الثلث وإبطال ما زاد، وإنما يمكن أن يتعلق به من يذهب إلى ما روي عن أبي هريرة، وأنس، وطاووس، والليث تعلقا مموها أيضا على ما نبين إن شاء الله تعالى.

وأما قياسهم المرأة على المريض فهو قياس للباطل على الباطل، واحتجاج للخطأ بالخطأ، ثم لو صح لهم في المريض ما ذهبوا إليه لكانوا قد أخطئوا من وجوه: أحدها أن المرأة صحيحة وإنما احتاطوا بزعمهم على المريض لا على الصحيح، وقياس الصحيح على المريض باطل عند كل من يقول بالقياس لأنهم إنما يقيسون الشيء على مثله لا على ضده.

والثاني أنه لا علة تجمع بين المرأة الصحيحة وبين المريض، ولا شبه بينهما أصلا، والعلة عند القائلين به إما على علة جامعة بين الحكمين، وأما على شبه بينهما. والثالث أنهم يمضون فعل المريض في الثلث، ويبطلون ما زاد على الثلث، وههنا يبطلون الثلث، وما زاد على الثلث فقد أبطلوا قياسهم. والرابع أنهم يجيزون للمرأة ثلثا بعد ثلث، ولا يجيزون ذلك للمريض فجمعوا في هذا الوجه مناقضة القياس، وإبطال أصلهم في الحياطة للزوج؛ لأنها لا تزال تعطي ثلثا بعد ثلث حتى تذهب المال إلا ما لا قدر له وهذا تخليط لا نظير له. فإن قالوا: قسناها على الموصي

قلنا: المنفذ غير الموصي ودخل عليهم كل ما أدخلناه آنفا في قياسهم على المريض.

فإن قالوا: إن للزوج طريقا في مالها إذ قد تزوج بالمال فسنذكر ما يفسد به هذا القول إن شاء الله تعالى إثر هذا في كلامنا على من يمنعها من الحكم في شيء من مالها؛ لأن هذا الأحتجاج إنما هو لهم، لا للمالكيين، بل هو عليهم؛ لأنه لو صح لكان موجبا للمنع من قليل مالها وكثيره. لكن نسألهم عن الحرة لها زوج عبد، والكافرة لها زوج مسلم، والتي تسلم تحت كافر، هل لهؤلاء منعهن من الصدقة بأكثر من الثلث أم لا. فإن قالوا: لا، تناقضوا، وإن قالوا: نعم، زادوا أخلوقة.

فإن قالوا: هي محتاجة إلى ما يتقرب به إلى الله عز وجل فلم يجز منعها من جميع مالها، وكان الثلث قليلا. قلنا: هذا يفسد من وجوه: أحدها: أنها إن كانت محتاجة إلى ما يتقرب به إلى الله تعالى فما الذي أوجب أن تمنع من التقرب إلى الله تعالى بالكثير الزائد على الثلث كغيرها، ولا فرق وثانيها: أن نقول لهم: والمحجور السفيه بإقراركم إلى ما يتقرب إلى الله تعالى به كما توجبون عليه الصلاة. والصيام، والزكاة، والحج، وسائر الشرائع فأبيحوا له الثلث أيضا بهذا الدليل السخيف نفسه. فإن قالوا: المرأة ليست سفيهة. قلنا: فأطلقوها على مالها ودعوا هذا التخليط بما لا يعقل وثالثها: أن النبي قال: الثلث والثلث كثير فقلتم أنتم: إنه قليل وحسبكم هذا الذي نستعيذ الله من مثله. ورابعها: أن الثلث عندكم مرة كثير فتردونه كالجوائح، ومرة قليل فتنفذونه مثل هذا الموضع وشبهه فكم هذا التناقض والقول في دين الله تعالى بمثل هذه الآراء وخامسها: أن حجة الزوج في مالها كحجة الولد، أو الوالد، أو الأخ، بل ميراث هؤلاء أكثر؛ لأن الزوج مع الولد ليس له إلا الربع، وللولد ثلاثة الأرباع والوالد والولد كالزوج في أنهم لا يحجبهم أحد عن الميراث أصلا، فامنعوها مع الولد، والوالد، من الصدقة بأكثر من الثلث بهذا الأحتياط الفاسد، لا سيما وحق الأبوين فيما أوجب عندهم وعندنا من حق الزوج؛ لأن الأبوين إن افتقرا قضوا بنفقتهما وكسوتهما وإسكانهما وخدمتهما عليها في مالها أحبت أم كرهت، ولا يقضون للزوج في مالها بشيء ولو مات جوعا وبردا فكيف احتاطوا للأقل حقا ولم يحتاطوا للأكثر حقا فلاح فساد هذا القول الذي لا ندري كيف ينشرح صدر من له أدنى تمييز لتقليد من أخطأ فيه الخطأ الذي لا خفاء به، وخالف فيه كل متقدم نعلمه، إلا رواية عن عمر بن عبد العزيز قد صح عنه خلافها ليس أيضا في تقسيمهم ذلك وبالله تعالى التوفيق.

وأما من منعها من أن تنفذ في مالها شيئا إلا بإذنه فإنهم احتجوا بالخبر المذكور، وبقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}. وبما رويناه من طريق الليث، عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، قيل لرسول الله : أي النساء خير قال: الذي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره. وبما حدثناه أحمد بن عمر، حدثنا محمد بن أحمد بن نوح الأصبهاني، حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسن المديني، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا الحسن بن عبد الغفار بن داود، حدثنا موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن عبد الملك قال الصائغ: ليس هو العرزمي عن عطاء، عن ابن عمر سئل رسول الله ما حق الزوج على زوجته قال: لا تصدق إلا بإذنه، فإن فعلت كان له الأجر. وكان عليها الوزر.

ومن طريق عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله لما فتح مكة خطب فقال: لا تجوز لأمرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل وعن عبد الله بن طاووس قال الرجل: عن عكرمة، وقال ابن طاووس: عن أبيه، ثم اتفقا: أن رسول الله قال: لا يحل لأمرأة شيء في مالها إلا بإذن زوجها هذا لفظ طاووس، ولفظ عكرمة " في مالها شيء " ما نعلم لهم شيئا غير هذا أصلا وكل هذه النصوص الآية والأخبار ما صح منها وما لم يصح فحجة على المالكيين، ومبطل لقولهم في إباحة الثلث ومنعهم مما زاد.

فأما الخبر تنكح المرأة لأربع فليس فيه التغبيط بذلك، ولا الحض عليه، ولا إباحته فضلا عن غير ذلك، بل فيه الزجر عن أن تنكح لغير الدين لقوله عليه السلام في هذا الخبر نفسه فاظفر بذات الدين فقصر أمره على ذات الدين، فصار من نكح للمال غير محمود في نيته تلك. ثم هبك أنه مباح مستحب أي دليل فيه على أنها ممنوعة من مالها بكونه أحد الطماعين في مال لا يحل له منه شيء إلا ما يحل من مال جاره وهو ما طابت له به نفسها ونفس جاره، ولا مزيد.

وأيضا: فإن الله تعالى افترض في القرآن والسنة التي أجمع أهل الإسلام عليهما إجماعا مقطوعا به متيقنا أن على الأزواج نفقات الزوجات؛ وكسوتهن، وإسكانهن، وصدقاتهن، وجعل لهن الميراث من الرجال كما جعله للرجال منهن سواء سواء فصار بيقين من كل ذي مسكة عقل حق المرأة في مال زوجها واجبا لازما، حلالا يوما بيوم، وشهرا بشهر، وعاما بعام، وفي كل ساعة، وكرة الطرف، لا تخلو ذمته من حق لها في ماله. بخلاف منعه من مالها جملة، وتحريمه عليه، إلا ما طابت له نفسها به، ثم ترجو من ميراثه بعد الموت كما يرجو الزوج في ميراثها، ولا فرق. فإن كان ذلك موجبا للرجل منعها من مالها فهو للمرأة أوجب، وأحق في منعه من ماله إلا بإذنها؛ لأن لها شركا واجبا في ماله، وليس له في مالها إلا التب والزجر، فيا للعجب في عكس الأحكام. فإن لم يكن ذلك مطلقا لها منعه من ماله خوف أن يفتقر فيبطل حقها اللازم فأبعد والله وأبطل أن يكون ذلك موجبا له منعها من مال لا حق له فيه، ولا حظ إلا حظ الفيل من الطيران. والعجب كل العجب من إطلاقهم له المنع من مالها أو من شيء منه وهو لو مات جوعا، أو جهدا، أو هزالا، أو بردا، لم يقضوا له في مالها بنواة يزدردها، ولا بجلد يستتر به، فكيف استجازوا هذا إن هذا لعجب فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة.

وأما قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} فإن الله تعالى لم يخص بهذا الكلام زوجا من أب، ولا من أخ. ثم لو كان فيها نص على الأزواج دون غيرهم لما كان فيها نص، ولا دليل على أن له منعها من مالها، ولا من شيء منه، وإنما كان يكون فيه أن يقوموا بالنظر في أموالهن وهم لا يجعلون هذا للزوج أصلا بل لها عندهم أن توكل في النظر في مالها من شاءت على رغم أنف زوجها،

ولا خلاف في أنها لا ينفذ عليها بيع زوجها لشيء من مالها لا ما قل، ولا ما كثر لا لنظر، ولا لغيره، ولا ابتياعه لها أصلا فصارت الآية مخالفة لهم فيما يتأولونه فيها. وصح أن المراد بقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} ما لا خلاف فيه من وجوب نفقتهن وكسوتهن عليهم، فذات الزوج على الزوج، وغير ذات الزوج إن احتاجت على أهلها فقط وبالله تعالى التوفيق فصارت الآية حجة عليهم، وكاسرة لقولهم.

وأما حديث أبي هريرة: فإن يحيى بن بكير رواه عن الليث وهو أوثق الناس فيه، عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي فقال فيه: ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره. وهكذا رويناه أيضا من طريق أحمد بن شعيب: أنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، هو ابن سعيد القطان نا ابن عجلان، حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة: سئل رسول الله عن خير النساء قال: التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله ثم لو صح ومالها دون معارض لما كان لهم في تلك الرواية متعلق؛ لأن هذا اللفظ إنما فيه الندب فقط لا الإيجاب، وإنما الطاعة في الطاعة، والمنع من الصدقة، وفعل الخير ليس طاعة، بل هو صد عن سبيل الله تعالى فبطل تعلقهم بهذا الخبر.

وأما خبر ابن عمر: فهالك؛ لأن فيه موسى بن أعين وهو مجهول وليث بن أبي سليم وليس بالقوي وأما حديث عبد الله بن عمرو: فصحيفة منقطعة ثم لو صح لكان منسوخا بخبر ابن عباس الذي نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما خبر طاووس، وعكرمة فمرسلان فبطل كل ما شغبوا به وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد: فإذ قد سقطت هذه الأقوال فالتحديد الوارد عن عمر رضي الله عنه ومن اتبعه في أن لا يجوز لها عطية إلا بعد أن تلد. أو تبقى في بيت زوجها سنة، فلا حجة في قول أحد دون رسول الله وإنما افترض الله تعالى الرجوع عند التنازع إلى القرآن، والسنة، لا إلى قول أحد دون ذلك وبالله تعالى التوفيق.

قال علي: فبطلت الأقوال كلها إلا قولنا ولله تعالى الحمد. ومن الحجة لقولنا: قول الله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} فبطل بهذا منعها من مالها طمعا في أن يحصل للمانع بالميراث أبا كان، أو زوجا. وقول الله تعالى: {والمتصدقين والمتصدقات}

وقال تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت} فلم يفرق عز وجل بين الرجال في الحض على الصدقة وبين امرأة ورجل، ولا بين ذات أب بكر، أو غير ذات أب ثيب، ولا بين ذات زوج. ولا أرملة فكان التفريق بين ذلك باطلا متيقنا، وظلما ظاهرا ممن قامت الحجة عليه في ذلك فقلد وبالله تعالى التوفيق.

وقد ذكرنا في صدر هذا الباب أمر رسول الله أسماء بالصدقة ولم يشترط عليها إذن الزبير، ولا ثلثا فما دون فما فوق، بل قال لها: ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكى عليك.

ومن طريق سفيان بن عيينة، حدثنا أيوب السختياني سمعت عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: أشهد على رسول الله لصلى قبل الخطبة ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة وبلال قائل بثوبه، فجعلت المرأة تلقي: الخاتم، والخرص، والشيء.

ومن طريق مسلم، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، هو ابن زيد، حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية عن النبي : أنه أمر أن يخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور.

ومن طريق مسلم، حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر عن داود بن قيس عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح العامري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله كان يخرج يوم الأضحى، ويوم الفطر، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا، وكان أكثر من يتصدق النساء فهذا أمر النبي النساء بالصدقة عموما. نعم، وجاء ولو من حليكن، وفيهن العواتق المخدرات ذوات الآباء وذوات الأزواج " فما خص منهن بعضا دون بعض، وفيهن المقلة، والغنية فما خص مقدارا دون مقدار، وهذا آخر فعله عليه السلام، وبحضرة جميع الصحابة، وآثار ثابتة ولله تعالى الحمد.

محلى ابن حزم - المجلد الثالث/كتاب الحجر
كتاب الحجر (مسألة 1394) | كتاب الحجر (تتمة مسألة 1394) | كتاب الحجر (مسألة 1395) | كتاب الحجر (مسألة 1396) | كتاب الحجر (مسألة 1397 - 1402)