مشت الجبال بهم وسال الوادي

مشت الجبال بهم وسال الوادي

​مشت الجبال بهم وسال الوادي​ المؤلف جبران خليل جبران


مشت الجبال بهم وسال الوادي
ومضوا مهادا سرن فوق مهادا
يحدى بهم متطوعين كأنهم
عيس ولكن الفناء الحادي
لله يوم قد تقادم عهده
فيها وظل يروع كل فؤاد
يوم تجف لذكره أنهارها
خوفا ويجري قلب كل جماد
وإذا قرأنا وصفه فكأنه
بدم زكي خط لا بمداد
ونكاد نسمع للقتال دويه
ونرى الفوارس في لقا وطراد
لبروسيا في أرض يانا عسكر
مجر شديد البأس وافي الزاد
وخيامه في الأفق ماثلة على
ترتيب سلسلة من الأطواد
نفرت طلائع خيله منذ الضحى
تترقب الاعداء بالمرصاد
فاتوا كما يجري الأتي مشعبا
في غير مجرى مائه المعتاد
وكأن نابليون في إشرافه
علم على علم الزعامة باد
ألمجد رهن إشارة بيمينه
والنصر بين يديه كالمنقاد
والفخر في راياته متمثل
وطلائع العقبان في ترداد
فتهيأ الألمان لاستقباله
كالحائط المرصوص من أجساد
وعلا هتاف مازجته غماغم
من سل أسلحة وركض جياد
ورنين آلات تكاد تظنها
متجاوبات العزف بالإيعاد
حتى إذا كمل العتاد تقاذفوا
بالنار ذات البرق والإرعاد
شهب ضخام آتيات والردى
بمسيرهن ومثلهن غواد
تلقي الرجال على الثرى قتلى كما
يلقي السنابل منجل الحصاد
لله درهم وقد حمي الوغى
فتهاجموا كتهاجم الاساد
تدعو الجراحة أختها بصدورهم
والسيف يتلو السيف في الأجياد
وإذا التقى بطلان لم يتجندلا
إلا معا من شدة الأحقاد
وإذا جواد خر فارسه دعا
بصهيله ذا حاجة بجواد
والموت في الجيشين غير مجامل
يجتاح بالأزواج والأفراد
يطوي الصفوف ويترك الدم إثره
فكأنه فلك ببحر عباد
ما زال يفتك والنفوس زواهق
وكأت تلك هنيهة الميعاد
حتى تولى الذعر جيش بروسيا
فتفرقوا بين القفار بداد
فسعى الفرنسيون في آثارهم
بعزائم لا ينثلمن حداد
يستكبر الصعلوك منهم دائسا
في أضلع الأبطال والقواد
واستفتحوا برلين وهي منيعة
وقضوا بها الأيام كالأعياد
وأقام أصحاب البلاد مآتما
وكسوا على القتلى ثياب حداد
ناحت عرائسهم على أزواجها
والأمهات بكت على الأولاد
واشتد حزنهم ولم يك مجديا
من بعد فقد أحبة وبلاد
ألحزن يخمد والمذلة جمرة
لا تنطفي إلا بسيل جساد
عاد الربيع لهم كسالف عهده
يزهو على الأغوار والأنجاد
يا حسنه بلدا خصيبا طيبا
لكنه نهب الغريب العادي
تتبسم الأزهار فيه حيثما
عبس الحمام بهالك الأجناد
يا خجلة الأحرار من موتاهم
يثوون حيث المالكون أعادي
فاستعصموا بالصبر ثم تكاتفوا
وتحرروا من رق الاستعباد
وتأهبوا للثأر والأحقاد في
أكبادهم كالبيض في الأغماد
حتى إذا اشتدوا وضاق عدوهم
ذرعا بهم أصلوه حرب جهاد
وبنوا رجاءهم على استعدادهم
لا خير في أمل بلا استعداد
هدموا معالمه ورووا ردمها
بدماه فاختلطا دما برماد
واستفتحوا باريس فاستوفوا بها
أوتارهم وشفوا صدى الأكباد
كل بمسعاه يفوز ومن ينب
عنه الحوادث لم يفز بمراد