نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم السابع/الجزء الرابع


إن في هذا الجزء الرابع من الإقليم السابع أكثر بلاد الروسية وبلاد فنمارك وأرض طبست وأرض أستلاندة وأرض المجوس وهذه الأرضون أكثرها خلاء وبرار وقرى عامرة وثلوج دائمة وبلادها قليلة. فأما أرض فنمارك فأرض كثيرة القرى والعمارات والأغنام وليس بها بلاد عمارة إلا مدينة أبررة ومدينة قلمار وهما مدينتان كبيرتان لكن البداوة عليها بادية والقوة على أهلهما غالبة وبهما من الأقوات المقدرة أقل مما يكفيهم والأمطار عليهما قائمة دائبة. ومن مدينة قلمار غرباً إلى مدينة سقطون مائتا ميل. وملك فنمارك له بلاد وعمارات في جزيرة نرباغة السابق ذكرها. ومن مدينة قلمار إلى موقع الذراع الثاني من نهر قطولو ثمانون ميلاً.

ومن نهر قطولو إلى مدينة رغولدة مائة ميل ورغولدة مدينة كبيرة عامرة على نهر البحر وهي مدينة تنسب إلى أرض طبست. وهذه الأرض كثيرة القرى والعمارات غير أن بلادها قلائل وهذه الأرض أشد برداً من أرض فنمارك والجمد والمطر لا يكاد يفارقهم طرفة عين.

ومن مدينة انهو إلى مدينة رغولدة مائتا ميل وانهو مدينة حسنة جليلة عامرة وهي من بلاد أستلاندة. ومن مدن أستلاندة مدينة قلوري وهي مدينة صغيرة كالحصن الكبير وأهلها فلاحون وإصاباتهم قليلة غير أن أغنامهم كثيرة. ومن مدينة انهو إليها جنوباً مع الشرق ست مراحل.

وكذلك أيضاً من مدينة انهو لمن سلك طريق الساحل إلى موقع نهر برنو خمسون ميلاً.

ومنه إلى حصن فلموس على بعد من الساحل مائة ميل وهو حصن خراب في زمن الشتاء وأهله يفرون عنه إلى كهوف بعيدة عن البحر فيأوون إليها ويوقدون فيها النيران مدة أيام الشتاء وزمن البرد ولا يفترون عن وقود النيران فإذا كان زمن الصيف وانجلى القتام عن الساحل وارتفعت الأمطار عادوا إلى حصنهم. ومن هذا الحصن إلى مدينة مدسونة ثلاث مائة ميل ومدينة مدسونة مدينة كبيرة جامعة عامرة كثيرة البشر وأهلها مجوس يعبدون النيران.

ومنها إلى مدينة صونو من أرض المجوس على الساحل سبعون ميلاً. ومن بلاد المجوس المتباعدة من البحر مدينة قابي وبينهما وبين البحر ست مراحل. ومن مدينة قابي أيضاً إلى مدينة قلوري أربعة أيام. ومن مدينة قلوري في جهة الغربي إلى مدينة جنتيار سبعة أيام وهي مدينة كبيرة عامرة في أعلى جبل لا يمكن الصعود إليه وأهلها متحصنون فيها من طراق الروسية وليست هذه المدينة في طاعة أحد من الملوك. وفي بلاد الروسية مدينة مرتوري وهي مدينة على مخرج نهر دنست. ومن مدينة مرتوري إلى مدينة رمسلي أربعة أيام في جهة الجنوب وتسمى رمسلي بلسان الرومية طويه ورمسلي ومرتروي من بلاد الروسية وبلاد الروسية بلاد كثيرة في الطول والعرض. وفي البحر المظلم جزائر كثيرة غير عامرة وبها من الجزائر العامرة جزيرتان تسميان جزيرتي أمزنيوس المجوس والجزيرة الغربية منها يعمرها الرجال فقط وليس بها إمرأة والجزيرة الثانية فيها النساء ولا رجل معهن وهم في كل عام يقطعون مجازاً بينهم في زوارق لهم وذلك في زمن الربيع فيقصد كل رجل منهم امرأته فيواقعها ويبقى معها أياماً نحوا من شهر ثم يرتحل الرجال إلى جزيرتهم فيقيمون بها إلى العام المقبل إلى ذلك الوقت فيقصدون الجزيرة التي فيها نساؤهم فيفعلون معهن كا فعلوا في العام الماضي من أن الرجل يواقع زوجته ويقيم عندها شهراً كاملاً ثم يعود إلى الجزيرة التي كان بها وكذلك يفعل جميعهم وهذه عادة معلومة عندهم وسيرة قائمة بينهم. والدخول إليهم أقرب ما يكون من مدينة انهو وبينهم ثلاثة مجار وقد يدخل إليهم من مدينة قلمار ومن مدينة رغولدة وهذه الجزائر لا يكاد يصيبها أحد من الداخلين إليها لكثرة غمام هذا البحر وشدة ظلمة وعدم الضياء به.

نجز الجزء الرابع من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى.