هذا الصباح على سراك رقيبا

هذا الصّباحُ على سرَاكِ رقيبَا

​هذا الصّباحُ على سرَاكِ رقيبَا​ المؤلف ابن زيدون


هذا الصّباحُ، على سرَاكِ، رقيبَا،
فَصلِي بِفَرْعِكَ لَيْلَكِ الغِرْبِيبَا
ولدَيْكِ، أمثالَ النّجومِ، قلائدٌ،
ألِفَتْ سَمَاءكِ لَبّةً وَتَرِيبَا
لِيَنُبْ عَنِ الجَوْزَاء قُرْطُكِ كْلّما
جَنَحَت، تُحَثّ جَنَاحَها تَغْرِيبَا
وإذا الوشاحُ تعرّضتْ أثناؤهُ،
طلعَتْ ثريّا لمْ تكنْ لتغيبَا
وَلَطَالَمَا أبْدَيْتِ، إذْ حَيّيْتِنَا،
كفّاً، هيَ الكفّ الخضيبُ، خضيبَا
أظنينَةً! دعوَى البراءةِ شأنُهَا،
أنتِ العدوّ، فلمْ دعيتِ حبيبَا؟
ما بَالُ خَدّكِ لا يَزَالُ مُضَرَّجاً
بدمٍ، ولحظُكِ لا يزالُ مريبَا؟
لوْ شئتِ، ما عذّبتِ مهجةَ عاشقٍ
مُسْتَعْذِبٍ، في حُبّكِ، التّعْذِيبَا
وَلَزْرْتِهِ، بَلْ عُدْتِهِ، إنّ الهَوى
مرضٌ، يكونُ لهُ الوصالُ طبيبَا
مَا الهجرُ إلاّ البينُ، لولا أنّهُ
لَمْ يَشْحُ فَاهُ بِهِ الغُرَابُ نَعِيبَا
ولقدْ قضى فيكِ التّجلّدُ نحبَهُ،
فَثَوَى وَأعْقَبَ زَفْرَةً وَنَحِيبَا
وأرى دموعَ العينِ ليسَ لفيضِهَا
غَيْضٌ، إذا ما القَلبُ كانَ قَلِيبَا
مَا لي وللأيّامِ، لجّ معَ الصِّبَا
عدوانُهَا، فكَسَا العذارَ مشيبَا
محقتْ هلالَ السّنّ، قبلَ تمامِهِ؛
وذوَى بهَا غصنُ الشّبابِ رطيبَا
لألمّ بي مَا لوْ ألَمّ بشاهقٍ،
لانْهَالَ جَانِبُهُ، فَصَارَ كَثِيبَا
فَلَئِنْ تَسُمْني الحَادِثَاتُ، فقد أرَى
للجفنِ، في العضبِ الطّريرِ، ندوبَا
وَلَئِنْ عَجِبْتُ لأنْ أُضَامَ، وَجَهوَرٌ
نِعْمَ النّصِيرُ، لَقَدْ رَأيتُ عَجيبَا
مَنْ لا تُعَدّي النّائِبَاتُ لجَارِهِ
زَحْفَاً، وَلا تَمْشِي الضَّرَاء دَبِيبَا
ملكٌ أطاعَ اللهَ منهُ موفَّقٌ؛
مَا زَالَ أوّاباً إلَيْهِ مُنِيبَا
يأتي رضاهُ معادياً وموالياً،
ويكونُ فيهِ معاقباً ومثيبَا
مُتَمَرِّسٌ بالدّهْرِ، يَقْعُدُ صَرْفُهُ
إنْ قامَ، في نادي الخطوبِ، خطيبَا
لا يوسمُ الرّأيُ الفطيرُ بهِ، وَلا
يعتادُ إرسالَ الكلامِ قضيبَا
تأبَى ضرائبُهُ الضُّروبَ نفاسةً
منْ انْ تقيسَ بهِ النّفوسُ ضريبَا
بَسّامُ ثَغرِ البِشْرِ، إنْ عَقَدَ الحُبَا،
فرأيْتَ وضّاحاً، هناكَ، مهيبَا
مَلأ النّواظِرَ صَامِتاً، وَلَرُبَّمَا
ملأ المَسَامِعَ سَائلاً ومُجِيبَا
عِقْدٌ، تألّفَ في نِظَامِ رِيَاسةٍ،
نَسَقَ اللآلىءَ مُنْجِباً وَنَجِيبَا
يَغْشَى التّجارِبَ كَهلُهُمْ، مُستغنياً
بقَرِيحَةٍ، هِيَ حَسْبُهُ تَجْرِيبَا
وإذا دعوْتَ وليدَهُمْ لعظيمةٍ،
لَبّاكَ رَقْراقَ السّمَاحِ، أدِيبَا
هممٌ تنافسُها النّجومُ، وقد تلا،
في سؤدَدٍ منْهَا، العقيبُ عقيبَا
ومحاسنٌ تندى رقائقُ ذكرِها،
فتكادُ توهِمُكَ المديحَ نسيبَا
كالآسِ أخضرَ نضرةً، والوردِ أحمرَ
بهجةً، والمِسْكِ أذفرَ طيبَا
وإذا تفنّنَ، في اللّسانِ، ثناؤُهُ،
فَافْتَنّ، لَمْ يَكُنِ المُرَادُ غَرِيبَا
غَالى بمَا فيهِ، فغيرُ مواقعٍ
سَرَفاً، وَلا مُتَوقِّعٍ تَكْذِيبَا
كان الوُشَاةُ، وَقَد مُنيتُ بإفْكِهِمْ،
أسباطَ يعقوبٍ، وكنتُ الذّيبَا
وإذا المُنى، بقبولِكَ الغضّ الجنى،
هُزّتْ ذَوَائِبُهَا، فَلا تَثْرِيْبَا
أنا سيفك الصّدىء الذي مهما تشأ
تُعِدِ الصّقَالَ إليه والتّذْ رِيبَا
كمْ ضاقَ بي من مذهبٍ في مطلبٍ،
فثنيْتَهُ فسحَ المجالِ، رحيبَا
وزهَا جنابُ الشّكرِ حينَ مطرْتَهُ
بِسَحَائِبِ النُّعْمَى، فَرُدّ خَصِيبَا