5 أغسطس 1970 - رسالة الملك حسين إلى الرئيس أحمد حسن البكر حول قبول الأردن مقترحات روجرز

رسالة الملك حسين إلى الرئيس أحمد حسن البكر، رئيس الجمهورية العراقية، حول قبول الأردن مقترحات روجرز، عمان، 5 أغسطس 1970

سيادة الأخ الرئيس أحمد حسن البكر، رئيس الجمهورية العراقية،

السلام على سيادة الأخ الرئيس ورحمة الله وبركاته وبعد،

فلقد تلقيت مع مبعوث سيادتكم الوزير مرتضى الحديثي كتابكم المؤرخ 22 جمادى الأول 1390هـ و28 تموز (يوليو ) 1970م متضمنا وجهة نظركم في الأوضاع الحاضرة التي يمر بها وطننا العربي وفي ما هو مطروح علينا من مقترحات بشأن أزمة العدوان الإسرائيلي.

ولقد قدرت لسيادتكم تبيان آرائكم إزاء قبولنا والجمهورية العربية المتحدة الشقيقة للمبادرة الأميركية التي عرضت علينا في 20 حزيران (يونيو ) 1970 وما ذهبتم إليه من أن قبولنا هذا لا ينسجم مع ما اتفقنا عليه في مؤتمر طرابلس في 21 و22/ 6/ 1970 وحرصكم على أن نظل متمسكين بما جرى الاتفاق عليه.

وتتيح لي هذه المناسبة أن أسجل للذكرى والتاريخ بعض الحقائق التي لا أشك في أن سيادتكم تعرفونها عنا كأشقاء اطلعتم على مواقفنا في ساحة النضال على جبهة الصمود:

أولاً: أننا كنا على الدوام في طليعة الساعين إلى التجمع العربي على كل صعيد سواء ما كان منه في شكل مؤتمر للقمة أو مجلس للدفاع العربي المشترك أو مجلس للجامعة العربية أو مؤتمر لدول المواجهة، أو ما كان منه في شكل اتصالات ثنائية كنت من ناحيتي على الدوام، ومنذ وقوع العدوان الإسرائيلي علينا، أقوم بها إلى العواصم العربية الشقيقة.

وإذن فلم نكن في يوم من الأيام متقاعسين عن الدعوة للقاء العربي الجماعي للتشاور أو للعمل المشترك أو مخلفين عن تلبية أية دعوة عملية توجه إلينا لهذا الغرض، فمضينا نحن وشقيقتنا الكبرى الجمهورية العربية المتحدة قاعدة النضال العربي نعمل في بقية الميادين السياسية والعسكرية وفي المعترك الدولي مستندين إلى القرار العربي الإجماعي الذي اتخذه مؤتمر القمة في الخرطوم في أعقاب العدوان الإسرائيلي وعاملين في نطاق قرار مجلس الأمن الذي صدر في 22 تشرين الثاني (نوفمبر ) 1967 باطلاع الدول العربية الأعضاء في الأمم المتحدة.

ثانيًا - ومنذ أن قبلنا نحن والجمهورية العربية المتحدة قرار مجلس الأمن المشار إليه، ظللنا نطالب بتنفيذ ذلك القرار، وواصلنا المطالبة به حتى بعد انعقاد كل اجتماع عربي وحتى بعد كل اجتماع لدول المواجهة. وكنا نعرض للشقيقات درجة التقدم أو عدم التقدم في البحث في تنفيذ ذلك القرار، ولم يحدث أن اعترضت حكومة عربية شقيقة على مناداتنا بتنفيذ قرار مجلس الأمن طول المدة التي مضت منذ العدوان حتى جاءت اليوم المقترحات الأميركية الأخيرة فسمعنا منكم أننا انفردنا وسمعنا منكم أننا خرجنا على ما تقرر في طرابلس.

ثالثًا - أننا قد وفينا لمقررات دول المواجهة في طرابلس، وسنظل أوفياء لها، لا نعتقد أن تلك المقررات على أهميتها تبطل العمل السياسي لتحرير الأرض العربية المحتلة أو تعطله أو تقيد من حركته. ودليل ذلك ينبع من واقعنا نحن في الأردن حيث تقف خلف قواتنا المسلحة قوات عربية شقيقة، ومنها القوات العراقية، على الأرض الأردنية المكافحة بينما يستمر الأردن في نشاطه السياسي بغية تنفيذ القرار المشار إليه ويستمر في بناء قواته العسكرية التي لا تنفك تخوض المعارك الدامية منذ حزيران (يونيو ) 1967 ودون انقطاع حاملة شرف الجهاد وشرف الاستشهاد. وتقوم قوى المقاومة الفلسطينية بممارسة حقها المشروع في مقارعة الاحتلال.

رابعًا - ولهذا رأينا بكل اقتناع أن المبادرة الأميركية الأخيرة التي عرضت علينا للموافقة لم تخرج عن كونها صيغة من الصيغ الداعية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن وأنها هذه المرة اكتسبت تقبل الاتحاد السوفييتي. وفي يقيننا أن تصاعد القدرة العربية على الصمود وعلى التعرض وتزايد التفهم العالمي للموقف العربي وتفهم الموقف الدولي، كل ذلك كان عوامل إيجابية في صالح وجهة النظر العربية التي كانت تدعو على الدوام إلى وجوب تنفيذ قرار مجلس الأمن.

خامسًا - تعلمون سيادتكم أن الأردن بكل إمكاناته وفي جميع الالتزامات التي رتبتها عليه الجبهة الشرقية واشتراكه في مؤتمرات دول المواجهة والتنظيمات العسكرية المنبثقة منها. ذلك أننا نؤمن بأن الحشد العربي المشترك هو طريقنا الوحيد إلى التحرير والعزة القومية.

وسواء أكانت المعركة إقليمية أم قومية، فإننا وشقيقتنا الجمهورية العربية المتحدة ميداناها الرئيسيان، هذا بالإضافة إلى أنه لم يعد لدينا ما نحرص عليه بعدما استبيح شطر عزيز من وطننا واستحلت معه مقدساتنا وحرماتنا وكرامتنا العربية.

إنني يا سيادة الأخ، وقد رأيت أن نظرتكم إلى المقترحات الأميركية الأخيرة تختلف عن نظرتنا، فحيث ترون أنتم وجوب رفضها بينما رأينا نحن فائدة من قبولها، تبين لي أمام ذلك أن التشاور الذي تفضلتم بأنه كان ينبغي أن يحدث، ما كان ليغير شيئا من الآراء التي أعربتم عنها في رسالتكم إلينا. وهذا ما يجعل موضوع التشاور أمرا شكليا أكثر مما هو أي شيء آخر. وسواء أكان الصواب في الرأي هنا أم هناك، فإن شيئا واحدا، يجوز أن يخرج إلى العلن، لا يجوز أن نختلف في الموقف ونحن نخوض غمرات المعركة مع العدو، وهي معركة متعددة الميادين متنوعة الأساليب طويلة المدى، ولا يجوز أبدا أن يتصاعد اختلاف الرأي بين بعض عواصمنا إلى درجة تضعف الوسائل التي نتبعها من أجل تحقيق أهدافنا.

وهنا أشارككم القول كلمة بأن الاستعمار قد يستهدف بعثرة الجهد العربي المشترك وإيقاع الفرقة والخلاف بين الدول العربية الشقيقة وتشكيك الجماهير العربية في قياداتها، وهذا بنفسه يدعو الجميع إلى مضاعفة الاحتراس من الانسياق إلى ما نحذر منه وتركيز الجهد لإنجاح العمل المشترك لمواجهة العدو الإسرائيلي في أي شكل كان وأي مجال وأي زمان.

ومن هنا، وأمام هذه الاعتبارات، أستميحكم العذر إن أنا تساءلت عن الأسباب الموجبة لرفضكم حضور مؤتمر وزراء الخارجية والدفاع لدول المواجهة في طرابلس، وعما إذا كان هذا الرفض من جانبكم سيستمر وهو ما نأمل ألا يكون، صونا لوحدة الموقف العربي وحفاظا على سلامة الحشد العسكري العربي العام في هذا الظرف العصيب.

وإنني إذ أشكركم على ما أظهرتم من حرص واهتمام نحو قضية مصيرنا المشترك لأسجل بالفخر والثناء والتقدير وقفة الشعب العراقي الشقيق والجيش العراقي الباسل الذي سالت دماؤه العربية الزكية في حزيران (يونيو ) 1967 في مواقف الرجولة والبطولة والشرف وامتزجت مع دماء إخوته من قواتنا الأردنية المسلحة على تراب هذا الوطن الطهور وتركت لنا وللأجيال من بعدنا صفحة بيضاء مشرفة ستظل حية في ضمائرنا حرصنا دائمًا على استمرار صفائها ونقائها وقدسيتها.

أخذ الله بيدنا جميعا وهدانا سواء السبيل والسلام عليكم ورحمة الله.