أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/ردة أهل البحرين - ... - کتاب العلاء إلى أبي بكر


ردة أهل البحرين1
سنة 11 هـ ( 632- 633 م)

بينما كان خالد بن الوليد يواصل انتصاراته من شال شبه جزيرة العرب إلى وسطها كانت الجيوش التي أرسلها ابو بکر تحارب القبائل المرتدة والثائرة في الجهات الأخرى . وكان المنذر بن ساوی العبدي عاملاً على البحرين في زمن رسول الله غير أنه مرض فمات بعد النبي بقليل فارتد بعده أهل البحرين وارتدت بكر.

وكان الجارود بن المعلَّی قدم على رسول الله في وفد عبد قَيْس سنة عشر، فأسلم وكان نصرانياً، ففرح النبي بإسلامه فأكرمه وقربه. وبعد أن تفقه في الدين رده إلى قومه عبد القيس<ref>)يكني الجارود ابا المنذر، وقيل اسمه بشر وإنما لقب الجارود لأنه أغار في الجاهلية على بكر وائل فأصابهم وچردهم./ref> فلما توفي رسول الله بلغه أنهم قالوا «لو كان محمد نبياًّ لم يمت» فجمعهم وقال لهم :

«أتعلمون أنه كان الله أنبياء فيما مضى؟ قالوا نعم. قال فيها فعلوا؟ قالوا ماتوا. قال فإن محمداً قد مات کا ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله». فأسلموا وثبتوا على إسلامهم.

وكان أبو بكر بعث العَلاءَ بن الحَضْرَميِّ على قتال أهل الردة بالبحرين، فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثُمامة ابن أَثال الحنفي في مُسلمة بني حنيفة، ولحق به أيضاً قيس ابن عاصم المنقري، وانضم إليه عمرو والأبناء، وسعد ابن تميم، والرَّباب لحقنه في مثل عِدَّته فسلك بهم الدهناء2 حتى كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم باحمالها فيا بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء، فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا الله ووصى بعضهم بعضاً، فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال : «ما هذا الذي غلب عليكم من الغم؟». فقالوا: وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحمَ الشمس حتى نهلك؟.

فقال : «لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل الله وأنصار الله فأبشروا فوالله لن تُخْذلوا»

كرامة العلاء بن الحضرمي

كان العلاء بن الحضرمي مجاب الدعوة فلا صلی الجيش صلاة الصبح جثا العلاء لركبتيه وجثا الناس فنصب في الدعاء ونصبوا معه، فلمع لهم سراب الشمس فالتفت إلى الصف. فقال رائد ينظر ما هذا، ففعل ثم رجع فقال «سراب» فأقبل على الدعاء ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر. فقال «ماء» فقام وقام الناس فمشوا إليه حتى نزلوا إليه، فشربوا واغتسلوا، فيما ارتفع النهار حتی أقبلت الإبل من كل وجه فأناخت وشربت، ولم يكن هذا المكان غدير ولا ماء قبل اليوم، ثم ساروا فنزلوا بهجر3، وأرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه، وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه فيما بلى هجر.

تجمع المشركون كلهم إلى الحُطَم بن ربيعة إلا أهل دارين4 وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء بن الحَضرمي.

حرب الخنادق

كان كل فريق متخوفاً من الآخر فخندق المسلمون والمشركون ولبثوا يتراوحون القتال ويراجعون إلى خنادقهم شهراً

جیش العدو يلهو ويسكر

طال مکث الجيشين في الخندق، ففي ذات ليلة سمع المسلمون في معسكر المشركين ضوضاء شديدة، فأرسل العلاء عبد الله بن حَذَف ليأتيهم بخبر القوم، فعاد وأخبرهم أن القوم سکاری، فخرج المسلمون عليهم، واقتحموا الخندق، ووضعوا السيوف فيهم، واستولى المسلمون على ما في العسكر، وقتل الحطم، قتله قيس ابن قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي ساقه، وقسم العلاء الأنفال ونفل رجالاً من أهل البلاء ثياباًً. فأعطى ُثمَامَة بن أُثَال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحطم يباهي بها وهي التي كانت سبباً في قتله5.

المسير إلى دارين وكرامة أخرى للعلاء

ثم قصد معظم الجيش إلى دارین وهي فرضة بالبحرين، وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفر البحر في بعض الحالات، فركبوا إليها السفن ولحق باقي الجيش ببلاد قومهم، فكتب العلاء إلى من ثبت على إسلامه من بكر وائل يأمرهم بالقعود للمنهزمين والمرتدین بكل طريق ففعلوا، وجاءت رسلهم إلى العلاء بذلك فأمر أن يؤتي من وراء ظهره فندب الناس إلى دارین وقال لهم :

« قد أراكم الله من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم واستعرضوا البحر. وبعد ذلك ارتحلوا واقتحموا البحر على الخيل والإبل وغير ذلك وفيهم الماشي على قدميه ودعا ودعوا وهذا دعاؤهم :

«يا أرحم الراحمين، یا کریم یا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم. لا إله إلا أنت یا ربنا».

فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله يمشون على رمل فوقه ماء يغمر أخفاف الإبل.

انتصار المسلمين وهزية المشركين

التقى المسلمون والمشركون واقتتلوا قتالا شديداً فانتصر المسلمون وانهزم المشركون. وأكثر المسلمون القتل فيهم وغنموا وسبوا فبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين، وقال في ذلك عفيف بن المنذر :

ألم تر أن الله ذلَّل بحرَه
وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا
بأعجب من قلق البحار الأوائل

وجاء في أسد الغابة أن العلاء بن الحضرمي هو من حضر موت حليف حرب بن أمية وقد خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها.

إسلام راهب

كان مع المسلمين راهب من أهل هَجَر فأسلم، فقيل له : ما حملك على الإسلام؟ قال : ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها6

(1) فيض في الرمال. (2) تمهيد أثباج البحر، «أي أعاليه أو معظمه» .

(3) دعاء سمعته في عسكرهم في الهواء سَحَراً: «اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع فليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، الحي الذي لا يموت، وخالق ما يُرَى وما لا يُرَى، وكل يوم أنت في شان علمت كل شيء بغير تعلّم».

فعلمت أن القوم لم يعاونوا بالملائكة إلا وهم على حق ، فكان أصحاب النبي يسمعون هذا منه بعد ، ولم يرو لنا التاريخ اسم هذا الراهب الذي أسلم .

كتاب العلاء إلى أبي بكر

كتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق وقتل الحطم وهذا نص الكتاب :

«أما بعد فإن الله تبارك اسمه سلب عدونا عقولهم وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من النهار ، فاقتحمنا عليهم خندقهم فوجدناهم سکاری فقتلناهم إلا الشريد وقد قتل الله الحطم».

فكتب إليه أبو بكر : «أما بعد فإن بلغك عن بني شيبان بن ثعلبة تمام على ما بلغك وخاض فيه المرجفون فابعث إليهم جندأ فأوطئهم وشرد مبهم من خلفهم فلم يجتمعوا ولم يصر ذلك من إرجافهم إلى شيء».

ردة أهل عمان ومهرة

عُمان اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن


  1. البحرين: اسم جامع لبلاد على ساحل الخليج الفارسي بين البصرة وعمان واليامة في وسط الطريق بين مكة والبحرين
  2. أرض من ديار بني تميم فيها سبعة جبال من الرمل الأحمر.
  3. هجر: مدينة وهي قاعدة البحرين.
  4. دار ین: فرضية بالبحرين.
  5. أي في قتل ثمامة بعد ذلك .
  6. أي إذا لم أسلم