أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة - موقعة ذات السلاسل - حصن المرأة وحصن الرجل


مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة
سنة 12 هـ - 633 م

كان المثنى1 بن حارثة الشيباني من حارب وانتصر في البحرين، فاستأذن أبا بكر أن يغزو العراق، فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد فتقدم نحو الخليج الفارسي، وأخضع القطيف، ثم قاد جيشه إلى دلتا الفرات، وبلغ عدد جيشه 8000 مقاتل، لكنه وجد مقاومة من جيش العدو، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة يأمره بالمسير إلى العراق. وقد أخمدت الثورة في جميع العرب في أوائل السنة الثانية عشرة الهجرية، فاهتم أبو بكر بتوجيه الجنود إلى جهات أخرى فأرسل جيشين إلى الشمال وأمر على أحدها خالد، ومعه المثنى للزحف نحو الأُبَلَّة2 ثم الزحف نحو الحيرة3 وأمر على الجيش الثاني عياضاً ووجهه إلى دُومة بين الخليج الفارسي وخليج العقبة، ثم بالمسير إلى الحيرة أيضاً، فإذا سبق أحدهما الآخر كان أميراً على صاحبه. أما عياض الذي كانت وجهته دومة فقد عوقه العدو مدة طويلة، وأما خالد فإنه لم يلق مقاومة في طريقه إلى العراق کا لقي عياض، وانضم إليه عدد كبير من البدو فتقوی بهم، وكثر جيشه حتى صار عدده 10,000 مقاتل عدا جیش المثنى البالغ عدده 8,000 وكان الجميع تحت قيادة خالد. فكان أول من لاقاه هُرْمُز وكان العرب يبغضونه لظلمه، ويضربونه مثلاً فيقولون: « أكفر من هرمز»

فكتب إليه خالد قبل خروجه:

«أما بعد فأسلم تسلم، أو أعقد لنفسك وقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت کا تحبون الحياة».

وقد جعل هرمز على مقدمته قُبَاذ وأنُوشَجَان، وكانا من أولاد أَرْدَشير الأكبر، فسمع خالد فمال بالناس إلى كاظمة4 فسبقه هرمز إليها، فقدم خالد فنزل على غير ماء. فقال له أصحابه في ذلك : ما نفعل؟ فقال لهم: « لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين » وتقدم خالد إلى الفرس، وأرسل الله سحابة فأغدرت وراء صف المسلمين فقويت قلوبهم.

 
موقعة ذات السلاسل

خرج هرمز ودعا خالداً إلى البراز، وأوطا أصحابه على الغدر بخالد فبرز إليه خالد، ومشی نحوه راجلاً ونزل هرمز أيضاً وتضاربا فاحتضنه خالد وحمل أصحاب هرمز فما شغله ذلك قتله ، وانهزم الفرس بعد أن قتل منهم عدد عظيم وسميت الموقعة « ذات السلاسل » لأن فريقاً من جند الفرس قد قرنهم هُرْمُز بالسلاسل خوفاً من فرارهم. ونجا قباذ وأنو شجان، وأخذ خالد سلب هرمز، وكانت قلنسوته بمائة ألف لأنه كان قد تم شرفه في الفرس، وكانت هذه عادتهم إذا تم شرف الإنسان تكون قلنسوته بمائة ألف، وكانت القلنسوة مفصصة بالجواهر، وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر، ومما غنمه المسلمون في ميدان القتال فيل فأرسل إلى المدينة مع الغنائم. فلما طيف به ليراه الناس جعل ضعيفات النساء يقلن « أمن خلق الله هذا؟» فرده أبو بكر.

حصن المرأة وحصن الرجل

ثم صار خالد حتى نزل بموضع الجسر الأعظم بالبصرة وخرج المثنى بن حارثة حتى انتهى إلى « حصن المرأة » فخلفه المثنی بن حارثة عليه أخاه فحاصرها ومضى المثني إلى زوجها وهو في حصنه المسمى «حصن الرجل» فحاصره واستنزلهم عنوة فقتلهم وغنم أموالهم. ولما بلغ المرأة ذلك صالحت المثني وأسلمت فتزوجها المثنى، وكان هذا الحصن قصراً واسم المرأة كما جاء في البَلاَذُري «کامورزاد بنت نرسي» وهي بنت عم النوشجان، وإنما سمیت «المرأة»، لأن أبا موسى الأشعري قد نزل بها فزودنه خبيصاً فجعل يكثر أن يقول أطمعونا من خبيص «المرأة»، فغلب على اسمها.

وقد نال كل فارس في يوم ذات السلاسل 1000 درهم والراجل الثلث.


  1. المثنى هو الذي أطمع أبا بكر والمسلمين في الفرس وهون أمر الفرس وكان شهماً شجاعاً حسن الرأي. أبلى في قتل الفرس بلاء لم يبلغه أحد، وكانت تأتي أخبار انتصاراته أبا بكر فقال من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه؟ فقال قيس بن عاصم أما إنه غير شامل الذكر ولا مجهول النسب ولا قليل العدد ولا خليل الغارة. ذلك المثنى بن حارثة الشيباني.
  2. الأبلة : بلدة على شاطىء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب، وكانت الأبلة حينئذ مدينة.
  3. الحيرة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النَّجَف، وكانت الحيرة مركزاً لجملة ملوك اعتنقوا المسيحية وحكموا أكثر من 600 سنة تحت ظل الفرس
  4. كاظمة: على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان. وهي اليوم في الكويت إلى الغرب من عاصمتها