أخذت سفاقس منك عهد أمان

أخذتْ سفاقس منك عهدَ أمانِ

​أخذتْ سفاقس منك عهدَ أمانِ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


أخذتْ سفاقس منك عهدَ أمانِ
وَدَدْتُ أهليها إلى الأطانِ
أطلقتَ بالكرم الصريح سراحَهُمْ
فرعوا بقاعَ العزّ بعد هوانِ
وعطفتَ عطفةَ قادمٍ أسيافهُ
غُمِدَتْ على الجانين في الغفران
كم من مسيءٍ تحتَ حكمك منهم
قلّدتهُ منناً من الإحسان
ومروَّعٍ وقع الردى في رُوعه
أطفأتَ جَمْرَةَ جَوْفِهِ بأمان
كان الزّمانُ عدّوهم فثنيتهُ
وهو الصّديقُ لهم بلا عُدوان
أمسى وأصبح طيبُ ذكركَ فيهم
بأريجهِ يتأرجح الملوان
ولقد يكون من الضلوع حديثُهُم
في مُعْضِلاتِ تَوَقّعِ الحدثان
يا يومَ ردّهمُ إلى أوطانهم
لرددتَ أرواحاً إلى أبدان
نزلتْ بك الأفراحُ في عَرَصَاتهمْ
وبها يكونُ تَرَحّلُ الأحزان
فِلَذُ القلوب إلى القلوب تراجعت
في مُلتقى الآباء بالولدان
والأمّهاتُ على البناتِ عَواطِفٌ
والمشفقاتُ على اللّداتِ حوانِ
سُرَّ القرابةُ بالقرابةِ منهمُ
وتأنسَ الجيران بالجيران
وتَزَاوَرَ الأحبابُ بعد قطيعةٍ
دخلتْ بذكر الودّ في النّسْيان
في كلّ بيتٍ نعمةٌ ومسرةٌ
شربوا سُلافتها بلا كيزان
ودُعاؤهم لك في السماء مُحلّقٌ
حتى لضاقَ بعرضه الأفقان
كحجيج مكة في ارْتفاع عجيجهم
وطوافهم بالبيتِ ذي الأركان
صَيّرْتَ في الدّنْيا حديثك فيهمُ
مثلاً يمرّ بأهل كلّ زمان
فخرٌ يقيمُ إلى القيامة ذكرهُ
مثلَ الشنوفِ تُناط بالآذان
لك يا ابن يحيى في علائك مرتقى
لم تَرْقَهُ من أكبرٍ قدمان
إن كنتَ في الأيمان أشرعتَ القنا
فبها أقمتَ شرائع الإيمان
أو كان فضْلُكَ ليس يُجحَد حقُّه
فعليه مُتّفِقٌ ذوو الأديان
أو كنتَ مرهوبَ الأناةِ فكامنٌ
فيها وثوبُ الضيغم الغضبان
لا يأمن الأعداء وقعَ صورام
نامتْ مناياهنّ في الأجفان
فلها انتباهٌ في يديكَ وإنَّها
لقطوف هامات الجُناةِ جوان
كم للعدى في الروع من خَرَسٍ إذا
نطقَ الردى لهمُ من الخرصان
لله دركَ من هُمامٍ حازمٍ
يَرْضى ويغضَبُ في رضى الرحمان
لله منك جميلُ صنعٍ سائحٌ
في الأرضِ منْه حديثُ كل لسان
سرّحتْ مالكِ من يمين سميحةٍ
والمال في المينى السميحة عان
إني امرؤ أبني القريض ولا أرى
زَمناً يحاولُ هدْمَ ما أنا باني
صنعٌ بتحبير الثناء وَحَوْكِهِ
فكأنما صنعاءُ تحت لساني
وأفيدُ نوّارَ البديع تضوّعاً
مُتَنَسّماً بدقائقِ الأذهان
والشعرُ يسري في النفوس ولا كما
يَسْرِي مع الصّهباءِ والألحان
ولقد شأوتُ الريح فيه مُسابقاً
من بعد ما أمسكتُ فضْل عِناني
وطعنتُ في سنّ الكبير وما نبا
عن طَعْنِ شاكلة البديع سناني
ولو أنني أصْفيْتُ منه لولّدتْ
علياك في فكري ضروبَ معاني
فافْخَرْ فإنَّكَ من ملُوكٍ لم يَزَلْ
لهمُ قديمُ مَفاخِرِ الأزمان
ولقد عكفتَ على مواصلَةِ النّدى
فكأنَّهُ حُبٌّ بلا سلوان
وغمرتَ بالطَّولِ الزّمانَ فقل لنا
أهُوَ الهواءُ يعمّ كلّ مكان
نُفني مدائحنا عليكَ لأنها
سُقيتْ ظماءً منك ماءَ بنانِ
والرّوضُ إن رَوّى الغمامُ بقاعهُ
أثْنَى عليه تَنَفّسُ الريحان