أدب الطلب/تجنب التحيز والمعصية وتكون غايته العلم بما بعث الله به رسوله وأنزل فيه كتبه
تجنب التحيز والمعصية وتكون غايته العلم بما بعث الله به رسوله وأنزل فيه كتبه
وذلك سبب الظفر بما عند الله من خير ومثل هذا لا مدخل فيه لعصبية ولا مجال عنده لحمية بل هو شيء بين الله سبحانه وبين جميع عباده تعبدهم به تعبدا مطلقا أو مشروطا بشروط وأنه لا يخرج عن ذلك فرد منهم بل أقدامهم متساوية في ذلك عالمهم وجاهلهم وشريفهم ووضيعهم وقديمهم وحديثهم ليس لواحد منهم أن يدعي أنه غير متعبد بما تعبد الله به عباده أو أنه خارج عن التكليف أو أنه غير محكوم عليه بأحكام الشرع ومطلوب منه ما طلبه الله من سائر الناس فضلا عن أن يرتقي إلى درجة التشريع وإثبات الأحكام الشرعية وتكليف عباد الله سبحانه بما يصدر عنه من الرأي فإن هذا أمر لم يكن إلا لله سبحانه لا لغيره من البشر كائنا من كان إلا فيما فوضه إلى رسله وليس لغير الرسل في هذا مدخل بل الرسل منهم متعبدون بما تعبدهم الله به مكلفون بما كلفوا به مطالبون بما طلبه منهم وتخصيصهم بأمور لا تكون لغيرهم لا يعني خروجهم عن كونهم كذلك بل هم من جملة البشر ومن سائر العباد في التكليف بما جاؤوا به عن الله وقد أخبروا بهذا وأخبر به الله عنهم كما في غير موضع من الكتاب العزيز ومن السنة النبوية وكما وقفنا عليه في التوراة والإنجيل والزبور مكررا في كل واحد منها وإذا كان هذا حال الرسل عليهم الصلاة والسلام في التعبد بالأوامر الشرعية والتوقف في التبليغ على ما أمرهم تعالى بتبليغه فلا يشرعون للناس إلا ما أذن لهم به وأمرهم بإبلاغه وليس لهم من الأمر شيء إلا مجرد البلاغ عن الله والتوسط بينه وبين عباده فيما شرعه لهم وتعبدهم به كما هو معنى الرسول والرسالة لغة وشرعا عند من يعرف علم اللغة ومصطلح أهل الشرع ولا ينافي هذا وقوع الخلاف بين أئمة الأصول في إثبات اجتهاد الأنبياء ونفيه فإن الخلاف المحرر في هذه المسألة لفظي عند من أنصف وحقن فكيف بحال غيرهم من عباد الله ممن ليس هو من أهل الرسالة ولا جعله الله من أهل العصمة كالصحابة فالتابعين فتابعيهم من أئمة المذاهب فسائر حملة العلم فإن من زعم أن لواحد من هؤلاء أن يحدث في شرع الله ما لم يكن فيه أو يتعبد عباد الله بما هو خارج عن ما هو منه فقد أعظم على الله الفرية وتقول على الله تعالى بما لم يقل وأوقع نفسه في هوة لا ينجو منها إلا طرحها في مطرح سوء ووضعها في موضوع شر ونادى على نفسه بالجهل والجرأة على الله تعالى والمخالفة لما جاءت به الشرائع وما أجمع عليه أهلها فإن هذه رتبة لم تكن إلا لله ومنزلة لا ينزلها غيره ولا يدعيها سواه فمن ادعاها لغيره تصريحا أو تلويحا فقد أدخل نفسه في باب من أبواب الشرك وكان ذلك هو الفائدة التي استفادها من طلبه والربح الذي ربحه من تعبه ونصبه وصار اشتغاله بالعلم جناية عليه ومحنة له ومصيبة أصاب بها نفسه وبلية قادها إليها ومعصية كان عنها بالجهل وعدم الطلب في راحة وهكذا من لم يحسن لنفسه الاختيار ولا سلك فيها مسالك الأبرار ولا اقتدى بمن أمر الله الاقتداء به من أهل العلم الذين جعلهم محلا لذلك ومرجعا