أشهاب في دجى الليل ثقب

أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ

​أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ
أم سراجٌ نارهُ ماءُ العنب
أم عروسٌ فوق كرسيِّ يدي
يجتليها اللهو في عقد الحبب
يا شقيق النفس، أنفاس الصَّبا
بردت، والصبح لاشكّ اقترب
قمْ أمتِّعك بعيشٍ لمْ تَقَعْ
في صفاءٍ منهُ أقذاءُ النوب
فلقد حان لضوء الفجر أنْ
يضربَ السرحانُ فيه بذنبْ
فأدِرْهَا تَحْتَ لَيْلٍ سَقْفُهُ
ظلمةٌ فيها من النور ثقب
أو على برقِ سماءٍ ضاحكٍ
غيمُهُ بالدّمْع منه منسكِب
سَكِرَ الرّوْضُ وغنَّى طيرُهُ
أفلا ترقصُ قامات القضب
هات دراً فيه ياقوتٌ وخذ
جسمَ ماءٍ حاملاً روحَ لهب
قهْوَةً لو سُقِيَتْها صخرةٌ
أورقتْ باللّهو منها والطَّربْ
يجذبُ الرُّوحَ إليه روحُها
ألطف الشيءين عندي ما انجذب
وُلِدْتْ بالشّيبِ في عنقودها
وهِيَ اليومَ عجوزٌ لم تشب
كلَّما مَوّجَهَا المزنُ أرَتْ
حبب الفضة في ماء الذهب
ما درى خمَّارُها عاصِرَها
فحدِيثُ الصدق فيها كالكذب
خندريس عتقت في أجوفٍ
من دم العنقود مملوء نخبْ
واضعٌ كفّيه في أخصاره
وقيامٌ في قعود قد وجب
دفنوا اللذّة فيها حيةً
وأتى الدهرُ عليها.. وذهب
ظَنَّهُ كنزا فلمَّا انْتسَبَتْ
منه للأنف درى ذاك النسب
قلتُ إذا أبرَزَها في قعبه:
أهيَ بنت الكرم أم أمّ الحقب
قتلتني وهي بي مقتولةٌ
صولةُ الميت على الحيّ عجب
كيفَ لا تصرعني صوّالةٌ
وهي منِّي في عروقٍ وعصب
ومليح الدلّ إنْ علّ بها
قلتَ نجمٌ في فمِ البدر غرب
شعشع القهوةَ في صوب الحيا
وسقانِي فضلةً مما شربْ
فتلاقى في فمي من كأسِهِ
ماءُ كَرْمِ وغمامٌ وَشَنَبْ
وشدا من مدح يحيى نغماً
هزَّ منه الملكُ عِطفيه طَرَبْ
من معزِّ الدين في الفخر له
خيرُ جَدٍّ، وتميمٌ خيرُ أبْ
مَنْ له وَجْهُ سمَاحٍ سافرا
أبداً للمجتدي لا ينتقب
ملكٌ عن ثغرةِ الدين اتقى
ورمى الأعداءَ بالجيش اللجب
في سرير الملك منه قمرٌ
يُجتلى يومَ العطايا بالسحب
طاهرُ الأخلاق مألوفُ العلى
طيِّبُ الأعراق مصقول الحسب
عادلٌ تعكف بالحمد على
ذكره أفواهُ عُجمٍ وعرب
سالبٌ منه الندى ما سَلَبَتْ
من أعاديه عواليه السُّلُبْ
في نصابٍ لم يزل من حمير
مُعْرِقاً في كلّ قَوْمٍ مُنْتَخَبْ
بُهْمٌ إنْ ذُكِرَ الجيشُ بِهِمْ
هالَ منه الرعبُ واشتدّ الرّهَب
والحديدُ الصلبُ لولا بأسُهُ
لم يخَفْ في الطعنِ من لين القصب
أثبت الإقدامُ في أنفسهِم
أنَّ مُرَّ الضّرْبِ حُلْوٌ كالضَّرْبِ
يتّقي فيضَ النّدى مَنْ كَفّهُ
عيل منه لدغ دهر يَنتهِب
وإذا ما ضحكت سنّ الرضى
منه لم يُخشَ عبوسٌ في الغضب
كلّ قطر منه يلقى مشرباً
من جداه ولقد كان سرب
يحسب الطودَ حصاةً حِلْمُهُ
وتظنّ البحرَ نعماهُ ثُغَب
نال أهلُ الفضل منه فضلهم
ومن الشمس سنا نور الشّهب
تتّقِي الأعداءُ منه سطوةً
وهو في ظلّ علاه مُحتجب
والهصور الوردُ يخشى وثبه
وهو في الغيل مقيمٌ لم يثب
كم فمٍ طاب لنا من ذكره
فهو كالمسكِ، وكم ثغر عَذُب
وكأنَّ الرَّوضَ في أوصافِهِ
تُغْمَسُ الأشْعار فيه والخطب
ثابتٌ كالطود في معترك
جائلِ الأبطال خفَّاقِ العَذَبْ
ورؤوس بالمواضي تُختلى
ونفوسٌ بالعوالي تُنتهب
كم شجاعٍ خاض في مهجته
بسنانٍ في الحيازيم رسب
قلمٌ يمشق في الطعن فقلْ
أمحا العيش أم الموت كتب
أيها الوصلُ من إحسانه
سبباً من كل منبٍ السبب
ربّ رأيٍ لك جهزتَ به
جحفلاً ذاقَ العدى منه الشجب
كنتَ يوم الحرب عنه غائباً
وظُبى نصركَ فيه لم تغب
كالذي يلعب في شطرنجه
رأيُهُ عنه تَخَطَّى في اللّعب
أنا من صاح به يوم النوى
عن مغانيه غرابٌ فاغترب
طفت في الآفاق حتى اكتهلت
غُرْبَتِي واحتنكتْ سنّ الأدب
ثمَّ أقبلتُ إلى المَلْكِ الَّذِي
مدّ بالطول على الدنيا طنب
مَنَح العلياء كَفَّيْ ناقِدٍ
فانتقى الدرّ وأبقى المخشلب
فَلَعَلِّي ببقايا عُمُري
منه أقضي البعضَ من حقٍّ وَجبْ