أصب بحميا كأسها مقتل العذل

أصب بحميا كأسها مقتلَ العذلِ

​أصب بحميا كأسها مقتلَ العذلِ​ المؤلف أبو تمام


أصب بحميا كأسها مقتلَ العذلِ
تكن عوضاً إن عنفوك من النبلِ
وكأسٍ كمَعْسولِ الأَماني شَرِبْتُها
و لكنها اجلت وقد شربت عقلي
إذا عُوتِبَتْ بالماءِ كانَ اعِتذَارُها
لَهيباً كَوَقِعِ النَّارِ في الحَطَبِ الجَزْلِ
اذا هيت دبت في القتى خال جسمهُ
لما دبَّ فيهِ قريةً من قرى النملِ
اذا ذاقها وهي الحياةُ رأيتهُ
يعبّسَ تعبيسَ المقدمِ للقتلِ
إذا اليَدُ نالَتْها بِوِتْرٍ تَوَقَّرَتْ
على ضَعْفِها ثم استَقَادَتْ منَ الرجْلِ
و تصرعُ ساقيها بانصافِ شربها
وصَرعُهُمُ بالجَوْرِ في صُورةِ العَدْلِ
سقى الرائحُ الغدي المهجرُ بلدةً
سقتني أنفاسَ الصبابةِ والخيلِ
سحابٌ اذا ألقت عل خلفهِ الصبا
يداً قالت الدنيا أتى قاتلُ المحلِ
اذا ما ارتدى بالبرقِ لم يزل الندى
لهُ تبعاُ أو يرتدي الروضُ بالبقلِ
إِذا انتشَرَتْ أَعلامُهُ حَوْلَه انطَوتْ
بطونُ الثرى منهُ وشيكاً على حملِ
ترى الأرضَ تهتزُّ ارتياحاً لوقعهِ
كما ارتاحتِ البِكْرُ الهِدِيُّ إلى البَعْلِ
فجَادَ دِمَشْقاً كلَّها جُودَ أهْلِها
بأنْفُسِهِمْ عندَ الكَرِيهَةِ والبَذْلِ
سَقاهُمْ كما أَسقاهُمُ في لَظى الوَغَى
ببيضِ صفيحِ الهندِ والسمرِ الذبلِ
فلم يبقِ في أرضِ البقاعينِ بقعة
وجَادَ قُرَى الجَوْلانِ بالمُسْبِلِ الوَبْلِ
بنفسي أرضُ الشام لا أيمنُ الحمى
و لا أيسرث الدهنا ولا أوسطُ الرملِ
و لم أرَ مثليَ مستهاماً بمثلكم
و لا مثلَ قلبي فيهِ لا يغلي
عَدَتْنيَ عنكُمْ مُكْرَهاً غُرْبَةُ النَّوَى
لها طَرْبَةٌ في أَن تُمِرَّ ولا تُحْلي
اذا لحظت حبلاً من الحيّ محصداً
رمتهُ فلم تسلم بناقضةِ الفتلِ
أتت بعد هجرٍ من حبيبٍ فحركت
صُبابَةَ ما أَبقَى الصُّدودُ مِنَ الوَصْلِ
أخمسةُ أحوالٍ مضت لمغيبهِ
وشَهْرانِ بل يَوْمانِ نِكْلٌ مِنَ النكْلِ !
تَوَانَى وَشِيكُ النُّجْعِ عنه ووُكلَتْ
بِهِ عَزَماتٌ أَوْقَفَتْهُ على رِجْلِ
ويَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَبِيتَ زَماعُه
على عجلٍ ان القضاءَ على رسلِ
قضى الدهرُ مني نحبهُ يومَ فتلهِ
هوايَ بارقالِ الغريريةِ الفتلِ
لقَد طَلَعَتْ في وَجْهِ مِصْرَ بِوَجْههِ
بلا طالعٍ سعدٍ ولا طائرٍ سهلِ
وسَاوِسُ آمالٍ ومَذْهَبُ هِمَّةٍ
تَخيَّلُ لي بينَ المَطِيَّةِ والرَّحْلِ
وَسَورَةُ عِلْمٍ لم تُسَدَّدْ فأَصْبَحَتْ
وما يُتَمارَى أّنَّها سَوْرَةُ الجَهلِ
نأيتُ فلا مالاً حويتُ ولم أقم
فَأَمتَعَ إِذْ فُجعْتُ بالمَالِ والأَهْلِ
بَخِلْتُ على عِرْضِي بما فيهِ صَوْنُه
رَجَاءَ اجتناءِ الجُودِ مِنْ شجَرِ البُخْلِ
عَصَيْتُ شَبَا عَزْمي لِطَاعَةِ حَيْرَة
دعتني إلى أن افتحَ القفلَ بالقفلِ
و أبسطَ من وجهي الذي لو بذلتهُ
إِلى الأَرضِ مِن نَعْلي لَما نَقَبَتْ نَعْلي
عِداتٌ كَرَيْعانِ السَّرَابِ إِذا جَرَى
تُنَشرُ عَنْ مَنْعٍ وتُطْوَى على مَطْلِ
لئامٌ طَغَامٌ أَوْ كِرامٌ بِزَعْمِهِم
سَواسِيَةٌ ما أشبَهَ الحَوْلَ بالقَبْلِ!
فلَوْ شاءَ مَنْ لَوْ شَاءَ لم يَثْنِ أَمرَه
لصيّرتُ فضل المالِ عند ذوي الفضلِ
و لو أنني اعطيتُ بأسي نصيبهُ
إِذنْ لأخذتُ الحَزْمَ مِنْ مَأْخذ سَهْلِ
وكانَ ورائي مِنْ صرِيمَةِ طَييءٍ
ومَعْنٍ ووَهْبٍ عَنْ أَماميَ ما يُسْلي
فَلَمْ يَكُ ما جَزَّعْتُ نَفْسي مِنَ الأَسى
ولم يَكُ ما جَرَّعْتُ قَوْمي مِنَ الثُّكْلِ!