أغمر الهوى كم ذا تقطعني عذلا

أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا

​أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا
قتلتُ الهوى علماً، أتقتلني جهلا
أظنّك لم تُفتحْ عليك نواظرٌ
إذا هي أعْطَتْ صبوةً أخذَتْ عقلا
ولا عرضتْ من بيضهنّ سوافرٌ
عليكَ الخدودَ الحُمرَ والأعينَ النُّجلا
لم يصبِ منكَ القلبَ مَشّيُ جآذرٍ
يُنَزِّعُ فيه التّيهَ أقدامَها نَقْلا
ولم ترَ سحراً كالعيون تخالُنا
بِزَعْمِكَ أحياءً ونحنُ بها قتْلى
ومن أعجبِ الأشياءِ أنّ سيوفها
تعودُ رماحاً، حيثُ تلحظُ، أو نبلا
خرجتُ على حدّ القياس مع الهوى
فقلْ مَنْ أمرّ الكأس من بعد ما أحلى
ولما كتبتُ الحبّ في القلب وارتقى
إلى الطَرْفِ ماءُ الشوقِ أنكرَ ما أملى
وبي كلّ غيداءِ القَوامِ كأنَّما
يُطاولُ منها قدُّها شعراً جثلاً
لها بله بالحبّ تحسبُ جِدّهُ
إذا هزّ أعطافي بنشوته هزلا
إذا غرسَتْ في مسمعِ الصّبِّ مَوْعِدا
جنى بيد التسويف من غرسها مطلا
وإن هي زارَتْ خلتَها مستعيرةً
لها من خطيب الحفل جلسته العَجْلى
أرى البيضَ مثل البيض تقطعُ وصْل من
يُقْطعُ في كفّيه من غيره وصلا
فلا تأمننْ منهنّ إن كنتَ حازماً
ولا من هواها المرءَ خبلاً ولا ختلا
وساقٍ، على ساقٍ، يُصرِّفُ بيننا
بكأسٍ نَظَمْنا للسرور بها شَملا
كلؤلؤةٍ بيضاءَ في الكفِّ أقبلتْ
بياقونةٍ حمراءَ مظهرةً حَمْلا
كأنّ وثوبَ السُّكرِ فيها مُساورٌ
يدبّبُ منه في مفاصلها نملا
ترَكْنا لها من جَوْرِها ما يُسِيئُنا
فمن مزجها بالماء قارنتْ العدلا
وعذراء كانت وردةً قبل مزجها
ومن بعده عنّتْ لمبصرها شعلا
إذا واجهتْ كاساتُها الليلَ خلتَها
تهتّكُ من ظلمائه حُجُباً كُحلا
وتحسبُها تجلو علينا عرائساً
وشاربُها يفتضّ منهنّ ما يُجْلى
وجدنا «نعم» في الناس يُهجَرُ قوْلُهَا
كأن على الأفواه من لفظها ثِقلا
ولما احتواها كل حيٍّ تعلّقت
بلفظ ابن عبادٍ فكان لها أهلا
جوادٌ بما فوق الغنى لك والمُنى
فهّمْتُكَ العُلْيا لهمتّه سفلى
ترى الناس يستصحون من جود كفّه
إذا الوبلُ منه أنهلّ واتّبعَ الوبلا
هزبرٌ الوغى بالسيف والرمح مقدمٌ
له الضربةُ الفرغاءُ والطعنةُ النجلا
تنوءُ به غِرّا حفيظةُ عَزْمِهِ
وترجحُ أسبابُ الأناةِ به كهلا
وحربٍ أذيقتْ في بنيها ببأسه
مرارةَ كأسِ الثكل لا عَدِمَتْ ثكلا
وكانتْ عيونُ الماءِ زُرْقاً فأصبحتْ
بما مازَجَتْهُ من دمائهمُ شُهْلا
وما ولدتْ سودُ المنايا وحُمرها
على الكره حتى كان صارمُكَ الفحلا
أقائدها قبَّ الأياطلِ لم تلدعْ
له عند أعداءٍ إغارتُها ذَحْلا
حميتَ حمى الاسلام إذ ذدتَ دونه
هزبراً ورشّحتَ الرشيدَ له شبلا
لئن قلتُ فيه صحّ تأليفُ سُؤدَدٍ
فبارعُ نَقْلٍ من شمائلكَ استملى
ألا حبذا العيدُ الذي عكفت به
على كفّك الأمواه تُمطرها قُبلا
ويا حبذا دارٌ يدُ الله مسحتْ
عليها بتجديدِ البقاءِ فما تبلى
مُقَدَّسَةٌ لو أنَّ موسى كليمَهُ
مَشَى قَدماً في أرضها خَلَعَ النعلا
وما هي إلاَّ حطةُ الملِكِ الذي
يحطّ لديه كل ذي أملٍ رَحلا
إذا فتحت أبوابها خلتَ أنها
تقولُ بترحيبٍ لداخلها: أهلا
وقد نقلتْ صُنّاعُها من صفائه
إليها أفانينا فأحسنتِ النقلا
فمن صدره رحباً ومن وجهه سناً
ومن صيتِه فرعا، ومن حمله أصلا
وأعلتْ بها في رتبةِ الملك ناديا
وقلّ له فوْق السماكين أن يُعْلى
نسيتُ به إيوانَ كسرى لأنَّه
أراني له مَوْلى من الفضلِ لا مثلا
كأن سليمان بنّ داودَ لم تُبحْ
مخافتهُ للجنّ في شيْدهِ مَهلا
كأنَّ عيونَ السحر نافذةٌ له
على كلّ بانٍ غايةٍ منه أو فضلا
فجاء مكانَ القول نبعثُ وصفهُ
رقيقاً، وأذنُ الدهر تسمعه جذلى
تجوزُ له الأمواهُ بركةَ جدولٍ
تخالُ الصَّبا منه مشَطِّبَةً نصلا
إذا اتخذتها الشمسُ مرآة وجهها
أحالتْ عليها من مداوسِها صقلا
ترى الشمسَ فيه ليقةً تستمدّها
أكفٌّ أقامتْ من تصاويرها شكلا
لها حركاتٌ أُودِعَتْ في سُكونِها
فما تبعَتْ في نقلهنّ يدٌ رِجلا
***وقد توّج البهو البهيّ بقيّةٍ
فقلْ في عروسٍ في جلابيبها تُجلى
تجمعت الأضدادُ فيها مصانعاً
ولم أرَ خَلْقاً قبلها جَمَعَ الشّمْلا***
***وأغربُ ما أبصرتُ بعد مليكها
بها مُتْرعٌ يعدي الشجاعةَ والبذلا***
تنادمُ في غنّاءَ غنّتْ حَمَامُها
فوارسَ أغصانٍ ترجّحها حَملا
إذا شَربتْ وُدّ المؤيد صيّرتْ
خلائقَهُ راحاً ورؤيتَهُ نُقْلا
كأنَّ مها الأحْداج حلّتْ سماءَها
وإن لم تكن إلاَّ حنياته بُزْلا
كأن سهماً أُرسلتْ عن قسيّها
فما عَدمتْ عينُ الحسود بها سَملا
وما شئتُ ممات لو عُنيتُ بوَصْفِهِ
سلكتُ إليه كلّ قافيةٍ سبيلا
فتحسبُ ما في الأرض من حيوانها
رقى شرفاً فيه إلى الفلك الأعلى
ولمّا عشينا من توقّد نورها
تخذْنا سناه من نواظرنا كُحلا
فيا دارُ أغضى الدهرُ عنكِ وأكثرتْ
أسودُكِ نسلاً فيه يختتل النسلا