أودى بي الحزن واغتال الجوى جلدي

أودى بي الحزنُ واغتال الجوى جلدي

​أودى بي الحزنُ واغتال الجوى جلدي​ المؤلف مصطفى لطفي المنفلوطي


أودى بي الحزنُ واغتال الجوى جلدي
وفرقَ الشجوُ بينَ الروحِ والجَسَدِ
واستهدَفَتني صُروفُ الدهر راميةً
تُصوبُ النبلَ نحوَ القلبِ والكبدِ
ما لِلَّيالي إذا سلت صوارِمَها
بين الخلائِق لا تبقى على أحدِ
أبيتَ يا دهرُ سيراً للرشادِ وأَن
تجرى أموركَ في الدنيا على سَدَدِ
أليسَ يُرضِيكَ أن الناسَ راضيةٌ
بِما رضيتَ لهم من عيشك النكِد
مُستَسلِمونَ لما لو حَلَّ من أُحُدٍ
في شُعبتَيه لَهُدَّت شُعبتا أُحُدِ
رُحماكَ يا دَهرُ بعضَ الإرتفاق بنا
أَسرفت في ظُلمنا رُحمَاكَ فاقتصِد
يا فاتِكاتِ المنايا هل لكم تِرةٌ
لديَّ أم لا فهل للفتك من قودِ
روعتِ مني جريئاً غيرَ ذي فَرَقٍ
واقتدتِ مني عزيزاً غيرَ مُضطهد
ما كان عهدُكَ يا قلبي الضعيفَ إذا
نَبا بكَ الخطبُ أن تبقى على كَمدِ
أكلَّما تبتغي عزماً ترى شَططاً
وكيفما رُمتَ صَبراً لم تكد تَجِد
لطالما كنت قِرناً للنوائِبِ تل
قاها اعتسافاً كلقيا الأسدِ للنقدِ
ما فل غربك إلا حادِثٌ جَللٌ
ثَنى جماحك قَسراً غيرَ مُتئِدِ
هل مر ناعٍ لإبراهيمَ فاشتعلَت
نيرانُ حُزنٍ على أحشاك مُتقدِ
فقدتُ لُبى لما أن نأى ودنا
فيا لكَ اللَهُ من ناءٍ ومُبتَعِدِ
فالحُزنُ مُضطرِمٌ في قَلبِ مضطربٍ
والقلبُ مُرتَعِبٌ في جسمِ مُرتَعِدِ
جاوزتَ يا يوم عاشُوراءَ حدَّك في
خَطبٍ تركتَ به العلياء في أَودِ
خطبٌ تكادُ له الأفلاك تَسقُط من
جوانب الجوِّ فوقَ التربِ والوَهَدِ
حُزناً على رجلٍ كانت تدينُ له ال
آمالُ تبغى لديه غايةَ الرشدِ
حُزناً على زينة الدنيا ورنقها
لما هوى بدرُهُ الوضاءُ عن صُعُدِ
طَلقِ المحيا محيى النازلين به
سهلِ الخليقةِ صافي القلبِ والخلَدِ
تقوَّضَ المجدُ يومَ انقضَّ كوكبه
مصدعَ الصرحِ والأركانِ والعُمُدِ
فليأسفِ العِلمُ ولتبكيهِ أُسرته
وليهنأ الجهلُ وليشمت أولو الحَسَدِ
يا راحلاً غيرَ مظنونِ الرحيلِ ولم
يَخطر رَدَاهُ على فكرٍ ولم يَردِ
من للمروءة والمعروفِ بعدَك من
للحلم من للتقى والبرِّ والرشَدِ
من للمنابر يعلوها فيصدُعُ بال
حقِّ القَويم فيهدى كل ذي مَيَدِ
لأقضينَ حياتي كلها كمداً
مُشَتَّتَ الشملِ حتَّى آخِرِ الأَبَدِ
وأَبذُلَنَّ مَصُونَ الدمع مُطَّرِداً
وَجداً عليكَ وحُزناً فيكَ لم يَبِدِ
أبكى عليك لِدارٍ لا أَنيسَ بها
تكُونُ فيها غريبَ الأَهلِ والوَلدِ
جاوَرتَ رَبَّكَ إبراهيمُ مُطَّرِحاً
أخاك أحمَدَ يَشكُو قِلَّة العَضُدِ
يقولُ والدمع في خديه منتظمٌ
كالعقد منتثرٌ كاللؤلؤ البَدَد
أخي قد كنت لي عوناً أشد به
أزري وكنت لنصري خيرَ مُعتَمدِ
فاليومَ أصبحتَ بعد الأُنسِ منفرداً
وكنتَ لي عُدّةً من أحسَنِ العُدَدِ
أخي قد كنت أرجو أن تُغيبني
تحت الترابِ ولكن خابَ مُعتَقدي
وأخلف اللَه ذاك الظن إذ وثبت
إليكَ حُمرُ المنايا وثبة الأسدِ
أخي قدمت روحي أفتديك بها
من الممات ولكن ليس ذا بيدي
أخي هذا قضاءٌ لا مر له
أخي والموت للإنسان بالرصَدِ
يا ليتَ شعري إن ناديتُ قبركَ هَل
تُجيبني بعد طولِ النأي والبَعَدِ
كلا فما أنت إلا أعظمٌ دَرَست
أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
سُقِيتَ يا قَبرَهُ غيثَ السماءِ كما
تَسقيك أعيُنُنا من دَمعها البَدَدِ
يا أرغدَ اللَه عيشاً حلَّ فيه كَما
كانَت شمائِلُه الحسناءُ في رَغَدِ
وحلَّ من روضةِ الجنَّاتِ يانِعَها
مُخَلَّداً في جوارِ الواحدِ الصّمد