أي خطب عن قوسه الموت يرمي

أيّ خطبٍ عن قوسهِ الموتُ يرمي

​أيّ خطبٍ عن قوسهِ الموتُ يرمي​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


أيّ خطبٍ عن قوسهِ الموتُ يرمي
وسهامٌ تصيبُ منه فتُصْمي
يسرعُ الحيّ في الحياة ببرءٍ
ثم يُفضي إلى المماتِ بسقم
فهو كالبدرِ ينقصُ النورُ منه
بمحاقٍ وكانَ من قبلُ يَنمي
كلّ نفسٍ رَمِيّةٌ لزَمانٍ
قدر سهم له، فَقل: كيف يرمي
بيضُ أيّامها وسودُ لياليـ
ـها كشهبٍ تكرّ في إِثْر دُهْمِ
وهي في كرّها عساكرُ حربٍ
غُرَّ مَنْ ظنها عساكرَ سلمِ
بَدَرَ الموْتُ كلَّ طائرِ جَوٍّ
في مَفازٍ وكلَّ سابحِ يمّ
رِبّ طوْدٍ يريك غيرَ بعيدٍ
منه شَمّ السماءِ أنْفُ أشَمَ
جَمَعَ المَوْتُ بالمصارع منه
بين فُتخٍ محلّقاتٍ وعُصمِ
كم رأينا وكم سمعنا المنايا
غيرَ أنّ الهوى يُصم ويعمي
أين من عمّرَ اليبابَ، وجيلٌ
لبسَ الدهرَ من جديسٍ وطسم
وملوكٌ من حِميرٍ ملأوا الأرْ
ضَ، وكانتْ من حكمهم تحتَ خَتْم
وجيوشٌ يُظلّ غابُ قناها
أسُداً من حُماةِ عُربٍ وعجم
كَشّرَ الدهر عن حِدَادِ نُيوبٍ
أكلتهم بكلّ قضْمٍ وخضمِ
وَمُح-ُوا من صحيفة الدهر طُرّاً
مَحَوَ هُوجِ الرياحِ آياتِ رسْم
أفلا يُتّقى تغيّرُ حالٍ
فَيَدُ الدهرِ في بناءٍ وهدم
والرزايا في وعظهنّ البرايا
في الأحايين ناطقاتٌ كبكم
والذي أعجزَ الأطباءَ داءٌ
فقدُ روحٍ به وَوِجدانُ جسمِ
لو بكى ناظري بصوتِ دماءٍ
ما وفَى في الأسى بحسرةِ أمِّي
مَنْ توسّدتُ في حشاها
وارتدى اللحمَ فيه والجلدَ عظمي
وضعتْني كَرْهاً كما حملتني
وجرى ثديُها بشر بي وطَعمي
شرح الله صدرها لي فأشهى
ما إليها إحضانُ جسمي وضمي
بحنانٍ كأنها في رضاعي
أمّ سقْبٍ درّتْ عليه بشمِّ
يا ابن أمي إني بحكمك أبكي
فقدَ أمي الغداةَ فابكِ بحُكمي
قُسمَ الحُزنُ بيننا فثبيرٌ
لك قسم، وَيَذُبُلٌ منه قسمي
لم أقُلْ والأسى يُصَدّقُ قولي
جمدت عبرتي فلذت بحلمي
ولو أني كففتُ دمعي عليها
عقّني برّها فأصبحَ خصمي
أُمّتا هل سمعتني من قريبٍ
حيثُ لي في النياح صرخةُ قرم
كنتُ أخشى عليك ما أنت فيه
لو تخيّلتُ في مُصابك همّي
كم خيالٍ يبيتُ يمسح عطفي
لكِ يا أمتّا ويهتفُ باسمي
وبناتٌ عليك منتحباتٌ
بخدودٍ مخّدرات بلطمِ
بتنَ يمسحنَ منكِ وجهاً كريماً
بوجوهٍ من المصيبةِ قُتْمِ
وينادينَ بالتفجّعِ أمّاً
يا فداءً لها إجابةُ غتم
بأبي منك رأفةٌ أسندوها
في ضريحٍ إلى جنادلَ صُمّ
وعفافٌ لو كان في الأرض عادتْ
كلَّ عظم من الدفين ولحم
وصيامٌ بكلّ مطلَع شمسٍ
قيامٌ بكلّ مطلع نجم
ولسانٌ دعاؤهُ مُسْتجابٌ
ليَ أودعتُهُ الرغامَ برغمي
وحفير من الصبابةِ فيه
في حجاب التقى سريرة كتم
كم تكفّلتِ من كبيرة سنّ
وتبنّيْتِ من صغيرة يُتمِ
فأضاقتْ يداك من صَدَقاتٍ
كان يُحيا بهنّ ميّتُ عُدْم
كان بين الأناس عُمْرُكِ حمدا
قد تبرّأتِ فيه من كلّ ذمّ
أنتِ في جنةٍ وروضِ نعيمٍ
لم يَسِمْ أرْضَها السحابُ بوسم
يا أبا بكر: المصابُ عظيمٌ
فهو يُبكي بكلّ سحٍّ وسَجْمِ
أنتَ في الودّ لي شقيقُ وفاءٍ
ومصابي إلى مصابك ينمي
أنت من صفوةِ الأفاضل نَدْبٌ
في نِصابٍ كريمِ خالٍ وعمِّ
باتَ من طبعك المفجعِ طبعي
ربّ سهم أُعِيرَ صارم شهم
تركت بيت يوسفٍ للمعالي
أسفاً ينحر العيون فيدمي
دوحةُ المجد بالفخار جناها
يافعٌ فهي في البلى تحت ردم
فسقى التربةَ التي هي فيها
عارضٌ منه رحمة اللهِ تَهمي
ولبستَ العزاءَ يا خير فرْعٍ
قد بكى حسرةً على خير جِذْم