إذا جاءت الأرسال من عند مرسل

إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ

​إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ​ المؤلف محيي الدين بن عربي


إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ
إلى كلِّ ذي قلبٍ بوحيٍ منزلِ
علمتُ به ما لم أكن قد علمته
وعللته بي وهو خيرُ معلل
فلولا وجودي لمْ يكنْ ثمَّ نازلٌ
كما أنه بي كان عينُ التنزُّلِ
وقد علمتْ أسماؤه أنّ ذاتنا
بعلمٍ صحيحٍ أنها خيرُ منزل
تخيلتُ أني سامعٌ وحيَ قولِه
فشاهدتُ من أوحى السميعُ لمقولي
فقلت أنا عين المقولِ فقال لي
تأمل فليس المقولُ عني بمعزِل
فثبت عندي أنه القول مثلما
هوَ السمعُ فلأمرانِ منهُ لهُ ولي
وإني وإنْ كنتُ المبلغَ وحيه
إلى كلِّ ذي سمعٍ فلستُ بمرسلِ
ولكنني في رتبةِ القومِ وارث
بحالٍ وعقدٍ ثمَّ قولٍ مفصلِ
وقلْ تابعْ إنْ شئتَ فالقولُ واحدٌ
ولا تبتدعْ قولاً فلستُ بأفضلِ
به ختم الله الشرائعَ فاعلمن
ولا تعملنَ يا صاحِ في غير معملِ
وما انقطع الوحي المنزلُ بعدَه
ولكن بغير الشرعِ فاعلمه واعمل
تصرفتِ الأرواحُ بيني وبينهُ
بشرقٍ وغربٍ في جنوبِ وشمألِ
وما أنا ممن قيَّد الحب قلبَه
بليلى ولبنى أو دخولٍ وماسلِ
ألا إنَّ حبي مطلقُ الكونِ ظاهرٌ
سوى ما شهدنا منه عند التمثل
كمريمَ إذ جاءَ البشيرُ ممثلاً
على صورةٍ مشهودةٍ في التبعلِ
فألقى إليها الروح روحاً مقدّساً
يسمى بعيسى خيرِ عبدٍ ومرسلِ
فلم أدر هل بالذاتِ كان وجودُ ما
رأيتُ بها أو كانَ عندَ تأملِ
أنا واقفٌ فيهِ إلى الآنِ لمْ أقلِ
بما هو إلا أنْ يقولَ فينجلي
وقلتُ لهُ لا بدَّ إنْ كنتَ قاطعاً
وجودي على التحقيقِ منكَ فأجملِ
فإني ورب البيتِ لستُ من الذي
إذا قال قولاً كان فيه بمؤتل
كمثلِ ابنِ حَجرٍ حين قال بجهله
لمحبوبةٍ كانت له عند حوملِ
وإنْ كنتِ قد ساءتكِ مني خليقةٌ
فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تنسلِ
وهيهاتَ كيفَ السلُّ والثوبُ واحدٌ
فممنْ وعيني ليسَ غيرَ مؤملِ
بذلتُ لهُ جهدي على القربِ والنوى
وكانت حياتي بالمنى والتعلل
وهذا مُحالٌ أنْ يكون فإنني
حقيقة من أهواه من غير فيصل
توليتُ عنهمُ حينَ قالوا بأنهم
سواي فما أعطيتهم في تململي
أغرّك إقبالي بصورة مُعرضٍ
كذلكَ إغراضي بصورةِ مقبلِ
فمكري مكرُ اللهِ إنْ كنتَ عالماً
فمهما تشا فأمر فؤادي يفعل
أبيتُ لعز أنت فيه محقق
على كلِّ عقدٍ كان إلا تذللي
فواللهِ ما عزي سوى عينِ ذلتي
فإن شئتَ فاعلم ذاك أو شئت فاجهلِ
وواللهِ ما عزي سوى ذلتي التي
يكون لها فضلٌ لكلِّ موصل
كذا قالَ بسطامينا في شهودِهِ
بعلمٍ صحيحٍ ما به من تحيُّل
فإنَّ وصالي ليسَ لي بحقيقةٍ
وإنَّ فصالي حاكم بالتوسُّل
فما ليَ منْ وصلٍ سوى ما ذكرتُهُ
ففقري وذلي فيهِ عينُ التوصلِ
دليلي على ما قلت في ذاك أنني
إذا جئتُ أسكنُ قيلَ لي قمْ ترحلِ
وما هي إلا من شؤونك رحلتي
وما الشانُ الأغلى قدر بمرجل
فأسفله أعلاه والعلو سافلُ
فقلْ ما تشاءُ واحملهُ في كلِّ محملِ
يسع حمله فالحالُ حالي وإنه
بريءٌ فلا تعدلُ بهِ غيرَ معدلِ
ونزه وجودَ الحقِّ عنْ كلِّ حادثٍ
فإن وجودَ الحق كوني فضلل
فما علمنا باللهِ إلا تحيرٌ
كذا جاءَنا في محكمِ الذكرِ واسألِ
فكن عبدَ قنٍّ لا تكن عبدَ نعمةٍ
وإنْ هو ولاّك الأمورَ فلا تل
فما ثمَّ إلا العرضُ ما ثمَّ فيصلٌ
فقد أغلقَ البابُ الذي كان للولي
أراح به الأتباعَ أتباعَ رُسْله
فكم بين معلولٍ وبين معللِ
فما العلةُ الأولى سوى العلةِ التي
هيَ القمرُ العالي على كلِّ معتلي
أنا أكرم الأسلافِ في كل مشهدٍ
أعينُ فيهِ منْ معمٍّ ومخولِ
فوالدنا من قد علمتم وجودَه
ولمْ تعلموا ما هوَ لمنصبهِ العلي
وأمي التي ما زلتُ أذكرها لكمْ
من النفس العالي النزيه المكمل
بهمْ كنتُ في أهلِ الولايةِ خاتماً
فكلُّ وليّ جاء من بعدنا يلي
فيحصل فيه نائباً عن ولا يتي
بذا قالَ أهلُ الكشفِ عنْ خيرِ مرسلِ
كعيسى رسولِ الله بعدَ محمدٍ
فأنزله الرحمنُ منزلةَ الولي
فيحكم فينا منْ شريعةِ أحمدٍ
ويتبعه في كلِّ حكمٍ مُنزلِ