إن لم أزر ربعكم سعيا على الحدق

إنْ لم أزُرْ رَبعَكم سَعياً على الحَدَقِ

​إنْ لم أزُرْ رَبعَكم سَعياً على الحَدَقِ​ المؤلف صفي الدين الحلي



إنْ لم أزُرْ رَبعَكم سَعياً على الحَدَقِ،
 
فإنّ وديّ منسوبٌ إلى الملقِ
تبتْ يدي إنْ ثنتني عن زيارتكمْ
 
بيضُ الصفاحِ، ولو سدتْ بها طرقي
يا جِيرَة َ الحَيّ هَلاّ عادَ وصلُكُمُ
 
لمُدنَفٍ من خُمارِ الوَجدِ لم يُفِقِ
لاتنكروا فرقي من بعدِكمُ،
 
إنّ الفراقَ لمشتقٌّ منَ الفرقِ
لله ليلتنا بالقصرِ كمْ قصرتْ،
 
فظَلتُ مُصطبحاً في زِيّ مُغتَبِقِ
وباتَ بدرث الدجى فيها يسامرني،
 
منادماً فيزينُ الخلقَ بالخلقِ
فكَمْ خَرَقنا حِجاباً للعِتابِ بها،
 
وللعَفافِ حِجابٌ غيرُ مُنخرِقِ
والصبحث قد أخلقتْ ثوبَ الدجى يدُه،
 
ولَيتَهُ جادَ للعُشّاقِ بالخَلَقِ
أبلى الظّلامَ وماذا لو يَجودُ بهِ
 
على جفونٍ لطيبِ الغمضِ لم تذقِ
ما أحسنَ الصّبَح لولا قُبحُ سرعَتِهِ،
 
وأعذبَ الليلَ لولا كثرة ُ الأرَقِ
هَبّ النّسيمُ عِراقِيّاً، فشَوّقَني،
 
وطالما هبّ نجدياً فلم يشقِ
فما تنقستُ، والأرواحُ سارية ٌ،
 
إلاّ اشتكتْ نسماتُ الريحِ من حرقي
ذَرّ أيّها الصّبُّ تَذكارَ الدّيارِ، إذا
 
متعتَ فيها بعيشٍ غيرِ متسقِ
فكم ضممتَ وشاحاً في الظلامِ بها
 
ما زادَ قلبَكَ إلاّ كَثرَة القَلَقِ
فخلِّ تذكارَ زوراءِ العراقِ، إذا
 
جاءتْ نَسيمُ الصَّبَا بالمَنْدَلِ العَبِقِ
فهذِهِ شُهُبُ الشّهباءِ ساطِعَة ٌ،
 
وهذهِ نسمة ُ الفردوسِ، فانتشقِ
فتلكَ أفلاكُ سعدٍ لا يلوذُ بها
 
من ماردٍ لخفيّ السمعِ مسترقِ
سماءُ مجدٍ بدا فيها، فزينها
 
نجمٌ تخرُّ لديهِ أنجمُ الأفقِ
ملكٌ غدا الجودُ جزءاً من أناملِهِ،
 
فلو تكَلّفَ تَركَ الجودِ لم يُطِقِ
أعادَ ليلَ الوَرى صُبحاً، وكم رَكضَتْ
 
جيادُه، فأرتنا الصبحَ كالغسقِ
مُشَتَّتُ العَزمِ والأموالِ ما تَركتْ
 
يداهُ للمالِ شملاً غيرَ مفترقِ
إذا رأى مالهُ قالتْ خزائنُهُ:
 
أفديك من وَلَدٍ بالثُّكلِ مُلتَحِقِ
لولا أبو الفَتحِ نجمُ الدّينِ ما فُتحتْ
 
أبوابُ رِزقٍ علَيها اللّومُ كالغَلَقِ
ملكٌ به اكتستِ الأيامُ ثوبَ بهاً
 
مثلَ اكتساءِ غُصونِ البانِ بالوَرَقِ
تَهوَى الحروبُ مَواضيهِ، فإن ذُكرتْ
 
حنتْ، فلم ترَ منها غيرَ مندلقِ
حتى إذا جردَتْ في الروعِ أغمدها
 
في كلّ سابغَة ٍ مَسرودَة ِ الحَلَقِ
يا أيها الملكُ المنصورُ طائرهُ،
 
ومَنْ أياديهِ كالأطواقِ في عُنُقي
أحيَيتَ بالجُودِ آثارَ الكِرامِ، وقد
 
كانَ النّدَى بعدَهم في آخرِ الرّمَقِ
لو أشبهتكَ بحارُ الأرضِ في كرمٍ،
 
لأصبحَ الدرُّ مطروحاً على الطرقِ
لو أشبهَ الغيثُ جوداً منكَ منهمراً
 
لم يَنجُ في الأرضِ مَخلوقٌ من الغَرقِ
كم قد أبَدتَ من الأعداءِ مِن فِئَة ٍ
 
تحتَ العَجاجِ، وكم فرّقتَ من فِرَقِ
رويتَ يومَ لقاهم كلَّ ذي ظمإٍ
 
في الحربِ حتى حِلالَ الخيلِ بالعَرَقِ
ويومَ وقعَة ِ عُبّادِ الصّليبِ، وقد
 
أركَبَتهم طَبقاً في البِيدِ عَن طَبَقِ
مزقتَ بالموصلِ الحدباءِ شملهمُ
 
في مأزقٍ بوميضِ البيضِ ممتزقِ
بكلّ أبيَضَ دامي الحَدّ تَحسبُهُ
 
صبحاً، عليه دمُ الأبطالِ كالشفقِ
آلَى على غمِدِهِ ألاّ يُراجِعَهُ
 
إلاّ إذا عادَ مُحمَرّاً مِنَ العلَقِ
فاستَبشَرتْ فِئَة ُ الإسلامِ، إذْ لمَعتْ
 
ذِكراً، إذا قَبَضَ اللَّهُ الأنامَ بَقي
وأصبحَ العدلُ مرفوعاً على نشزٍ،
 
لمّا وَليتَ، وباتَ الجَورُ في نَفَقِ
كم قد قطعتُ إليكَ البيدَ ممتطياً
 
عَزماً إذا ضاقَ رَحبُ الأرض لم يَضِقِ
يدلني في الدّجى مهري ويؤنسني
 
حدُّ الحسامِ، إذا ما باتَ معتنقي
والليلُ أطولُ من عذلِ العذولِ على
 
سمعي، وأظلمُ من مرآهُ في حدقي
أُهدي قَلائِدَ أشعارٍ فرائِدُها
 
درٌّ نهضتُ بهِ من أبحرٍ عمقِ
يضمها ورقٌ لولا محاسنُهُ
 
ما لقبوا الفضة َ البيضاءَ بالورقِ
نظَمتُها فيكَ دِيواناً أزُفُّ بهِ
 
مَدائِحاً في سِوى عَلياكَ لم تَرُقِ
ولو قصدتُ بهِ تجديدَ وصفكمُ
 
لكانَ ذلكَ مَنسوباً إلى الحُمُقِ
 
ومثلها عددُ الأبيات في النسقِ
لم أقتَنِعْ بالقَوافي في أواخِرِها،
 
حتى لَزِمتُ أواليها، فلَمْ تَعُقِ
ما أدركَتْ فُصَحاءُ العُربِ غايَتَها
 
قَبلي، ولا أخذُوا في مِثلِها سَبَقي
جرتْ لتركضَ في ميدانِ حومتها
 
قومٌ فأوقفتهم في أولِ الطلقِ
فليحسنِ العذرُ في إيرادهنَّ، إذا
 
رأيتَ جريَ لساني غيرَ منطلقِ
فلوْ رأتْ بأسكَ الآسادُ لاضطربتْ
 
بهِ فَرائِصُها من شِدّة ِ الفَرَقِ
يا آلَ أرتقَ! لولا فيضُ جودكمُ
 
لَدامَ خَرقُ المَعالي غَيرَ مُرتَتِقِ
لقد رفعتمْ بإسداءِ الجميلِ لكم
 
ذكراً، غذا قبضَ اللهُ الأنامَ بقي
لا زالَ يَهمي على الوُفّادِ نائِلُكُم،
 
بوابلٍ مِن سَحابِ الجَودِ مُندَفِقِ