ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/الباب السادس عشر


قال علي: والضمير راجع إلى أقرب مذكور، لا يجوز غير ذلك، لأنه مبدل من مخبر عنه أو مأمور فيه، فلو رجع إلى أقرب مذكور لكان ذلك إشكالاً رافعاً للفهم، وإنما وضعت اللغات للبيان، فإذا كانت الأشياء المحكوم فيها أو المخبر عنها كثيرة، وجاء الضمير يعقبها ضمير جمع فهو راجع إلى جميعها كما قلنا في الاستثناء، ولا فرق ألا ترى أنك لو قلت: أتاني زيد وعمرو وخالد، فقتلته، أنه لا خلاف بين أحد من أهل اللغة في أن الضمير راجع إلى خالد، وأنه لا يجوز رده إلى زيد أو إلى عمرو، فإن وجد يوماً ما في شيء من النصوص رجوع ضمير إلى أبعد مذكور، فهو بمنزلة ما ذكرنا من نقل اللفظ عن موضوعه في اللغة، ولو قال: أتاني زيد وعمرو وخالد وعبد الله ويزيد فقتلتهم، لكان راجعاً بلا خلاف بين أحد من أهل اللغة إلى جميعهم وكلهم.

قال علي: وما يبين أن الشرط في آية التحريم إنما هو في الربائب لا في أمهات النساء، ما ذكرنا من أن الضمير راجع إلى أقرب مذكور، والضمير بجمع المؤنث في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } راجع لما قدمنا إلى أقرب مذكور إليه لا يجوز غير ذلك، وأقرب مذكور إليه أمهات ربائبنا، فوجب أن يكون راجعاً إليهن على ما قدمنا، وبالله تعالى التوفيق.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع

في أقل الجمع | في الاستثناء | في الكناية بالضمير | في الإشارة | في المجاز والتشبيه | فصل في التشبيه | في أفعال رسول الله | الكلام في النسخ | فصل في الأوامر في نسخها وإثباتها | فصل في قول الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ | فصل في اختلاف الناس على النسخ | فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ | فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه | فصل هل يجوز نسخ الناسخ ؟ | فصل في مناقل النسخ | فصل في آية ينسخ بعضها، ما حكم سائرها ؟ | فصل لا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب | فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف | فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل | فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي | فصل في النسخ بالإجماع | فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس | في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه في الأحكام | في الإجماع، وعن أي شيء يكون الإجماع وكيف ينقل الإجماع | فصل في اختلاف الناس في وجوه من الإجماع | فصل ذكر الكلام في الإجماع إجماع من هو | فصل في ما إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما | فصل في اختلاف أهل عصر ما ثم إجماع أهل عصر ثان | فصل في من قال إن افترق أهل عصر على أقوال كثيرة | فصل فيمن قال: ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع | فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً | فصل في قول من قال: قول الأكثر هو الإجماع ولا يعتد بقول الأقل | فصل في إبطال قول من قال: الإجماع هو إجماع أهل المدينة | فصل فيمن قال إن الإجماع هو إجماع أهل الكوفة | إن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع | فصل في من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة | فصل في معنًى نسبوه إلى الإجماع | فصل واختلفوا: هل يدخل أهل الأهواء أم لا ؟