ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في اختلاف أهل عصر ما ثم إجماع أهل عصر ثان
وأما من قال: إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلف عليه أهل الماضي، فليس لأحد خلاف ما أجمع عليه أهل العصر الثاني، فقد قلنا في تعذر علم هذا بما قلنا آنفاً، وسنزيد في ذلك بياناً لا يحيل إن شاء اللـه تعالى عن ذي لب، وقد قلنا: إنه لا معنى لمراعاة ما أجمع عليه مما اختلف فيه، إنما هو حق أو خطأ، والحق في الدين ليس إلا في كلام اللـه تعالى أو بيان رسول اللـه الثابت عنه بنقل الثقات مسنداً فقط.
وهذا لا يسع أحداً خلافه ولا يقويه ولا يزيده رتبة في أنه حق أن يجمع عليه ولا يوهنه أن يختلف فيه والخطأ هو خلاف النص، ولا يحل لأحد أن يخطىء لأنه يعذر بتأولـه وجهلـه كما قدمنا أو يكفر بعناده أو بقلبه أو بلسانه أو يفسق بمخالفته بعملـه فقط وباللـه تعالى التوفيق.
ولا سبيل إلى إجماع أهل عصر ما، على خلاف نص ثابت، لأن خلاف النص باطل، ولا يجوز إجماع الأمة على باطل لقول النبي : «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ» ، فصح أن هذا القول ــــ الذي صدرنا في الباب ــــ فاسد.