ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في مناقل النسخ


قال أبو محمد: مراتب الأوامر في الشريعة كلها خمسة لا سادس لها، وهي: حرام: وهو الطرف الواحد، وفرض: وهو الطرف الثاني، وبين هذين الطرفين ثلاث مراتب، فيلي الحرام مرتبة الكراهة، وهي الأشياء التي تركها خير من فعلها إلا أن من تركها أجر، ومن فعلها لم يأثم وذلك نحو الأكل متكئاً، والتمسح من الغسل في ثوب معد لذلك، وما أشبه ذلك. ويلي مرتبة الفرض مرتبة الندب، وهي الأشياء التي فعلها خير من تركها، إلا أن من فعلها أجر، ومن تركها غير راغب عنها لم يأثم وفي هذا الباب يدخل التطوع كله بأفعال الخير وبين هاتين المرتبتين مرتبة المباح المطلق، وهو ما تركه وفعله سواء، إن فعله لم يؤجر ولم يأثم، وإن تركه لم يؤجر ولم يأثم، كجلوس الإنسان مربعاً أو مرفوع الركبة الواحدة، وصباغة ثوبه أخضر أو أسود، وحسّه الشيء بيده وما أشبه ذلك، فإذا نسخ الفرض نظر، فإن كان بلفظ «لا تفعل» بعد أن أمرنا بفعله فهو منتقل إلى التحريم، لأن هذه صيغة للتحريم. وإن نسخ بأن قال: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أو بلفظ تخفيف، أو بترك أو بفعل، لم ينتقل إلا إلى أقرب المراتب وهو الندب، وذلك مثل صيام عاشوراء، فإنه لما نسخ وجوبه انتقل إلى الندب، وكذلك إن نسخ التحريم فإن كان نسخه بلفظ «افعل» انتقل إلى الفرض، لأن هذه صيغة الفرض وإن نسخ «بلا جناح» أو بتخفيف، انتقل إلى أقرب المراتب إليه وهي الكراهة، وإذا نسخت الكراهة أو الندب بلفظ «افعل» انتقل إلى أقرب المراتب إليه وهي الكراهة، وإذا نسخت الكراهة أو الندب بلفظ «افعل» انتقلا إلى الفرض، فإن نسخا بلفظ «لا تفعل» انتقلا إلى التحريم، فإن نسخا بتخفيف، انتقلا إلى الإباحة المطلقة، لأن الإباحة أقرب إليهما من الفرض والتحريم، لأن المكروه والمندوب إليه مباحان، ولكنهما معلقان بشرط كما ترى، وقد نسخ تحريم وطء النساء بعد النوم في ليالي الصوم إلا الإباحة بالندب، ونسخ المنع من القتال بإيجابه ونسخ فرض استقبال بيت المقدس بالتحريم، وقد نسخ فرض بفرض آخر، كنسخ حبس الزواني إلى الجلد والرجم، أو الجلد والتغريب.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع

في أقل الجمع | في الاستثناء | في الكناية بالضمير | في الإشارة | في المجاز والتشبيه | فصل في التشبيه | في أفعال رسول الله | الكلام في النسخ | فصل في الأوامر في نسخها وإثباتها | فصل في قول الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ | فصل في اختلاف الناس على النسخ | فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ | فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه | فصل هل يجوز نسخ الناسخ ؟ | فصل في مناقل النسخ | فصل في آية ينسخ بعضها، ما حكم سائرها ؟ | فصل لا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب | فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف | فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل | فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي | فصل في النسخ بالإجماع | فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس | في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه في الأحكام | في الإجماع، وعن أي شيء يكون الإجماع وكيف ينقل الإجماع | فصل في اختلاف الناس في وجوه من الإجماع | فصل ذكر الكلام في الإجماع إجماع من هو | فصل في ما إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما | فصل في اختلاف أهل عصر ما ثم إجماع أهل عصر ثان | فصل في من قال إن افترق أهل عصر على أقوال كثيرة | فصل فيمن قال: ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع | فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً | فصل في قول من قال: قول الأكثر هو الإجماع ولا يعتد بقول الأقل | فصل في إبطال قول من قال: الإجماع هو إجماع أهل المدينة | فصل فيمن قال إن الإجماع هو إجماع أهل الكوفة | إن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع | فصل في من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة | فصل في معنًى نسبوه إلى الإجماع | فصل واختلفوا: هل يدخل أهل الأهواء أم لا ؟