ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل لا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب
قال أبو محمد: ولا يضر كون الآية المنسوخة ـــــ في ترتيب المصحف في الخط والتلاوة ـــــ متقدمة في أول السورة أو في سورة متقدمة في الترتيب. وتكون الناسخة لـها في السورة أو في سورة متأخرة في الترتيب، لأن القرآن لم ترتب آياته وسوره على حسب نزول ذلك، لكن كما شاء ذو الجلال والإكرام منزلـه. لا إلـه إلا اللـه. ومرتبه الذي لم يكل ترتيبه إلى أحد دونه. فأول ما نزل من القرآن: {}اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ثم: {يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وهما متأخرتان قرب آخر المصحف في الخط والتلاوة، وآخر ما نزل آية الكلالة في سورة النساء، وسورة براءة، وهما في صدر المصحف في الخط والتلاوة، فلا يجوز مراعاة رتبة التأليف في معرفة الناسخ والمنسوخ البتة.
وقد نسخ اللـه قولـه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بقولـه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ) بإجماع الأمة كلـها، والناسخة في المصحف في الخط والتلاوة والترتيب والتأليف قبل المنسوخة، وفي هذا كفاية، وباللـه تعالى التوفيق.