ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (13)


قال أبو محمد: فكل ما ليس في القرآن والسنة منصوصاً باسمه، واجباً مأموراً به أو منهيّاً عنه، فمن أوجبه أو جرمه، أو خالف لما جاء به النص، فهو من عند غير الله تعالى، والقياس غير منصوص على الأمر به فيهما، فهو من عند غير الله تعالى، وما كان من عند غير الله تعالى فهو باطل. وقال تعالى: {يأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } وقد علمنا ضرورة أن الله تعالى إذا حرم بالنص شيئاً فحرم إنسان شيئاً غير ذلك، قياساً على ما حرم الله تعالى، أو أحل بعض ما حرم الله قياساً، أو أوجب غير ما أوجب الله تعالى قياساً، أو أسقط بعض ما أوجب الله تعالى قياساً، فقد تعدى حدود الله تعالى، فهو ظالم بشهادة الله تعالى عليه بذلك. وقد قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } .

قال أبو محمد: وهذه كالتي قبلها سواء بسواء. وقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .

قال أبو محمد: ومن استدرك برأيه وقياسه على ربه تعالى شيئاً من الحرام والواجب لم يأت بتحريمها ولا إيجابها نص فقد دخل تحت هذه العظيمة المذكورة في هذه الآية، ونحمد الله تعالى على توفيقه، لا إله إلا هو. وقال تعالى يصف كلامه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } وقال تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } .

قال أبو محمد: فنص الله تعالى على أنه لم يكل بيان الشريعة إلى أحد من الناس، ولا إلى رأي ولا إلى قياس، لكن إلى نص القرآن، وإلى رسوله فقط، وما عداهما فضلال وباطل ومحال. وقال تعالى: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَـذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } . قال أبو محمد: فصح أن كل ما لم يأتنا به وصية من عند الله عز وجل فهو افتراء على الله كذب، وناسبه إلى الله تعالى ظالم، ولم تأتنا وصية قط من قبله تعالى بالحكم بالقياس، فهو افتراء وباطل، وكذب، بل جاءتنا وصاياه عز وجل بألا نتعدى كلامه وكلام رسوله ، وألا نحرم ولا نوجب إلا ما أوجبا وحرما ونهيا فقط، فبطل كل ما عدا ذلك، والقياس مما عدا ذلك فهو باطل. وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فأوجب تعالى أن يكتفى بتلاوة الكتاب، وهذا هو الأخذ بظاهره، وإبطال كل تأويل لم يأت به نص أو إجماع، وألا نطلب غير ما يقتضيه لفظ القرآن فقط.

وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } فلم يبح الله تعالى عند التنازع والاختلاف أن يتحاكم أو يرد إلا إلى القرآن وكلام الرسول فقط، لا إلى أحد دون النبي ، ولا إلى رأي ولا قياس، فبطل كل هذا بطلاناً متيقناً، والحمد لله رب العالمين على توفيقه، هذا مع شدة شرط الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } فلقد يجب على كل مسلم قامت عليه الحجة أن يهاب لحقوق هذه الصفة به، وفرض عليه ألا يقتدي بمن سلف ممن تأول فخطأ، فليس من قامت عليه الحجة كمن لا ندري أقامت عليه الحجة أم لم تقم؟ إلا أننا نحسن الظن بهم، كما نحسنه بسائر المؤمنين والله أعلم بحقيقة أمر كل أحد.

وقال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } فحرم تعالى الحكم في الشيء من الدين بتحريم أو تحليل، وسمى من فعل ذلك كاذباً، وفعله كذباً إلا أن يحرمه الله أو يحلله الله في النص أو الإجماع، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } فسمَّى تعالى من حرَّم بغير إذن من الله تعالى في تحريم ذلك الشيء، أو حلل بغير إذن من الله في تحليله: مفترياً، وهذه صفة القائسين المحرمين المحللين الموجبين بالقياس بغير إذن من الله تعالى.

وقال تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فنص تعالى على ألا تضرب له الأمثال، وهذا نص جليّ على إبطال القياس وتحريمه، لأن القياس ضرب أمثال للقرآن، وتمثيل ما لا نص فيه بما فيه النص، ومن مثل ما لم ينص الله تعالى على تحريمه أو إيجابه بما حرمه الله تعالى وأوجبه، فقد ضرب له الأمثال، وواقع المعصية، نعوذ بالله من ذلك، ونص تعالى على أنه يعلم ونحن لا نعلم، فلو علم تعالى أن الذي لم ينص عليه مثل الذي نص عليه لأعلمنا بذلك وما أغفله وما ضيعه، قال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } وقال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فصح أن العربية بها أرسل الله تعالى رسوله ، فبهذا بين لنا، وقال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } فكل ما بينه رسول الله فعن الله تعالى بينه، وقد علمنا يقيناً وقوع كل اسم في اللغة على مسماه فيها وأن البُرَّ لا يسمَّى تبناً، وأن الملح لا يسمَّى زبيباً، وأن التمر لا يسمى أرزاً، وأن الشعير لا يسمى بلوطاً، ولا الواطىء آكلاً، ولا الآكل واطئاً، ولا القاتل مظاهراً، ولا المظاهر قاتلاً، ولا المعرض قاذفاً.

فإذ قد أحكم اللسان كل اسم على مسماه لا على غيره، ولم يبعث محمداً بالعربية التي ندريها.

فقد علمنا يقيناً أنه إذا نص في القرآن أو كلامه على اسم ما بحكم ما، فواجب ألا يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الاسم فقط، ولا نتعدى به الموضع الذي وضعه رسول الله فيه، وألا يخرج عن ذلك الحكم شيء مما يقتضيه الاسم ويقع عليه فالزيادة على ذلك في الدين وهو القياس، والنقص منه نقص من الدين، وهو التخصيص، وكل ذلك حرام بالنصوص التي ذكرنا، فسبحان من خص أصحاب القياس بكلا الأمرين فمرة يزيدون إلى النص ما ليس فيه، ويقولون هذا قياس، ومرة يخرجون من النص بعض ما يقتضيه ويقولون: هذا خصوص، ومرة يتركونه كله ويقولون: ليس عليه العمل، والعبرة معترضة عليه كما فعل الحنفيون في حديث المصراة والإقراع بين الأعبد، وكما فعل المالكيون في حديث تمام الصوم لمن أكل ناسياً، وحديث الحج على المريض البائس والميت وغير ذلك، وحسبنا الله ونعم الوكيل وقال الله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنَزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى } .

قال أبو محمد: والقياس اسم في الدين لم يأذن به الله تعالى، ولا أنزل به سلطاناً، وهو ظن منهم بلا شك، لتجاذبهم علل القياسات بينهم، كتعليلهم الربا بالأكل، وقال آخرون منهم: بالكيل والوزن، وقال آخرون: بالادخار، وهذه كلها ظنون فاسدة، وتخاليط وأسماء لم يأذن تعالى بها، ولا أنزل بها سلطاناً. وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقال تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } فنص تعالى على ألا يقال عليه إلا الحق، وأخبر تعالى أنه يحق الحق بكلماته، فما لم يأتنا كلام الله تعالى بأنه حق من الدين فهو باطل، لا حق. وقال تعالى حكاية عن رسله صلى الله عليهم وسلم: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ } .

قال أبو محمد: فنص الله تعالى عن الأنبياء الصادقين أنه ليس لهم أن يأتوا بسلطان إلا بإذن الله تعالى، والسلطان الحجة بلا شك، فكل حجة لم يأذن الله تعالى بها في كلامه فهو باطل، ولم يأذن قط تعالى في القياس فهو باطل. وقال تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } وقال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } . فأنكر تعالى غاية الإنكار أن يجعل أحد أمه غير التي ولدته، ولا أن يجعل ابنه إلا ولده، وهو تعالى قد جعل أمهاتنا من لم تلدنا، كنساء النبي واللواتي أرضعتنا، وجعل أبناءنا من لم تلده، كنحن لنساء النبي ، وكمن أرضعه نساءنا بألباننا.

فصح بالنص أن الشيء إذا حكم الله تعالى به فقد لزم دون تعليل، وأن من أراد أن يحكم بمثل ذلك بما لا نص فيه فقد قال منكراً من القول وزوراً، وأنه ليس لأحد أن يقول بغير ما لم يقل الله تعالى به. وفي هذا كفاية لمن جعلنا ــــ نحن وهم ــــ نساء النبي أمهاتنا في التحريم كما جاء النص فقط. ثم لم نقس على ذلك رؤيتهن كما نرى أمهاتنا، بل حرم ذلك علينا، ولا قسنا إخوتهم وبنيهم على أخوال الولادة وإخوة الولادة. بل حل لهم نكاح نساء المسلمين، وحل لرجال المسلمين نكاح إخواتهن وبناتهن، فبطل حكم القياس يقيناً وصح لزوم النص فقط، وألا يتعدى أصلاً. وفي آية واحدة مما ذكرنا كفاية لمن اتقى الله عز وجل ونصح نفسه، فكيف، وقد تظاهرت الآيات بإبطال ما يدعونه من القياس في دين الله تعالى. وكذلك أيضاً جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله بإبطال القياس كما حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم، ثنا ابن نمير، ثنا روح بن عبادة، ثنا شعبة، مسلم: وحدثني زهير بن حرب، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال: أخبرني أبو بكر بن حفص عن سالم بن عمر قال: إن عمر رأى على رجل من آل عطارد قباء من ديباج أو حرير، فقال لرسول الله : «لو اشتريته» فقال: إنما يلبس هذا من لا خلاق له، فأهدي لرسول الله حلة سيراء فأرسل بها إلي فقلت: أرسلت بها إلي وقد سمعتك قلت فيها ما قلت؟ قال: إنما بعثت إليك لتستمتع بها. وقال ابن نمير في حديثه: «إنما بعثتها إليك لتنتفع بها، ولم أبعث بها إليك لتلبسها» . والسند المذكور إلى مسلم قال: حدثنا شيبان بن فروخ، ثنا جرير بن حازم، ثنا نافع عن ابن عمر قال: «رأى عمر عطارداً اليمني يقيم بالسوق حلة سيراء، فقال عمر: يا رسول الله، إني رأيت عطارداً يقيم في السوق حلة سيراء، فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذ قد مرا عليك؟ فقال رسول الله : «إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ» فلما كان بعد ذلك أتي رسول الله بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وإلى ابن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة، وقال: اشققها خُمُراً بين نسائك» فذكر أمر عمر، قال: وأما أسامة فراح في حلته، فنظر إليه رسول الله نظراً عرف أن رسول الله قد أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله: ما تنظر إليّ، فأنت بعثت بها إليَّ؟ فقال: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، وَلكِنْ بَعَثْتُ بِهَا لِتُشَقِّقَهَا خُمُراً بَيْنَ نِسَائِكَ» .

فأنكر رسول الله على عمر تسويته بين الملك والبيع والانتفاع، وبين اللباس المنهي، وأنكر على أسامة تسويته بين الملك واللباس أيضاً، وكل واحد منهما قياس، فأحدهما حرم قياساً، والآخر أحلى قياساً، فأنكر القياسين معاً، وهذا هو إبطال القياس نفسه. ولا بد في هذين الحديثين من أحد مذهبين: إما أن يقول قائل: إن النبي إذ نهى عن لباس الحرير، ثم وهبهما حلل الحرير، أن يكون لبس عليهما وهذا كفر من قائله، أو أنه بين عليهم المحرم من الحرير وهو اللباس المنصوص عليه فقط، وبقي ما لم يذكر على أصل الإباحة، فأخطآ رضي الله عنهما إذا قاسا، وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد أن يعتقد غيره. وبالله تعالى التوفيق. حدثنا أحمد بن قاسم، ثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم، ثنا جدي قاسم بن أصبغ، نا بكر بن حماد، نا حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله : «إِنَّ الله فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ لَهَا ــــ رَحْمَةً لَكُمْ ــــ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا» .

كتب إليَّ النمري يوسف بن عبد الله، نا أحمد بن عبد الله بن محمد علي الباجي، نا الحسين بن إسماعيل، نا عبد الملك بن يحيى، نا محمد بن إسماعيل، ثنا سنيد بن داود، نا محمد بن فضيل، عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله : «إِنَّ الله فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا؛ وَحَدَّ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا. وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ ــــ رَحْمَةً لَكُمْ لاَ عَنْ نِسْيَانٍ ــــ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا» . حدثنا أحمد بن قاسم قال: نا أبي القاسم بن محمد بن قاسم، قال: نا جدي قاسم بن أصبغ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي، نا نعيم بن حماد، نا عبد الله بن المبارك، ثنا عيسى بن يونس، عن جرير ــــ هو ابن عثمان ــــ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله : «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَعْظَمُهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُحِلُّونَ الحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الحَلاَلَ» . قال أبو محمد: حريز بن عثمان ثقة، وقد روينا عنه أنه تبرأ مما أنسب إليه من الانحراف، عن علي رضي الله عنه، ونعيم بن حماد قد روى عن البخاري في الصحيح، وفي الأحاديث التي ذكرنا في هذا الفصل، وفيما قبل هذا، من أمره بأن يتركوا ما تركهم، وأن ينتهوا عما نهاهم، وأن يفعلوا ما أمرهم به ما استطاعوا كفاية في إبطال القياس لمن نصح نفسه. وقد قال بعض أصحاب القياس: إنما أنكر في هذه الأحاديث من يقيس برأيه، وأما من يقيس على تشابه المنصوص فلم يذم. قال أبو محمد: فقلنا لهم: من أين فرقتم هذا الفرق؟ وهل رددتموها على الدعوة المفتراة الكاذبة شيئاً؟ وقولكم هذا من أشد المجاهرة بالباطل. وقد وجدنا للصحابة فتاوى كثيرة بالرأي يتبرؤون فيها من خطأ، إن كان إلى الله تعالى، ولا يوجدون شيئاً منها ديناً، ولا يقولون إنه الحق، بل يذمون القول بالرأي في خلال ذلك، خوف أن يظن ظان أنه منهم على سبيل الإيجاب والقطع بأنه حق، فمن تعلق بالرأي هكذا فله متعلق. وأما القياس الذي ذكر هذا القائل على التعديل، واستخراج، علة الشبه، فما نطق بذلك قط أحد من الصحابة، ولا قال به، فالذي فر إليه أشد مما فر عنه. وبالله تعالى التوفيق. وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، وعمن بعدهم إبطال القياس نصّاً. كالذي ذكرنا عن أبي هريرة من قوله لابن عباس: إذ أتاك الحديث عن رسول الله فلا تضرب له الأمثال. وهذا نص من أبي هريرة على إبطال القياس.

حدثنا عبد الله بن يوسف نامي، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا زهير، ثنا منصور، عن هلال بن يساف، عن ربيع بن عميلة، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله : «أَحَبُّ الكَلاَمِ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعٌ» فذكر الحديث وفي آخره: «لاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَاراً وَلاَ رَبَاحاً وَلاَ نَجِيحاً وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ؟ فَيَقُولُ لاَ: إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، فَلاَ تَزِيدُوا عَلَيَّ» . قال أبو محمد: فهذا سمرة بن جندب لم يستجز القياس، وأخبر أنه زيادة في السنة، ولم يستجز أن يقول: ومثل هذا يلزم في خيرة وسعد وفرج، فتقول: أثم سعد أثم فرج، أثم خيرة؟ فيقول: لا. هذا وقد نص على السبب المانع من التسمية بالأسماء المذكورة التي يسمون مثلها التي يكذبون في استخراجها علة يقيسون عليها، فقد كان ينبغي، لو اتقوا الله عز وجل، أن يقولوا: إن التي نص عليها رسول الله أولى أن يقاس عليها ما يشبهها لكن لم يفعلوا ذلك، ولا فعل ذلك رسول الله ، إذ خص هذه الأسماء، ولا سمرة بعده، وهذا إبطال صحيح للقياس. فإن قالوا: لعل هذا الكلام: «إنما هن أربع، فلا تزيدون عليّ» هو من لفظ النبي قيل لهم: فذلك أشد عليهم وأبطل، لقولكم أن يكون رسول الله نهى عن القياس والتعليل، وأمر بالاقتصار على ما نص عليه فقط. حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي، نا محمد بن معاوية المرواني، نا أحمد بن شعيب النسائي، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو الوليد الطيالسي، ومحمد بن أبي عدي قالوا: ثنا شعبة قال: سمعت سليمان بن عبد الرحمن قال: سمعت عبيد بن فيروز قال: قلت للبراء بن عازب: حدثني ما كره أن نهى عنه رسول الله من الأضاحي، فقال هكذا بيده، ويده أقصر من يد رسول الله «أربع لا تجزىء في الأضاحي» وذكر الحديث قال: فإني أكره أن يكون نقص في القرن والأذن قال: فما كرهت منه فدعه ولا تحرمه على أحد. وروينا نحو ذلك عن عتبة بن عبد السلمي ألا يتعدى ما نهى عنه رسول الله .

حدثنا أحمد بن عمر العذري، ثنا عبد الله بن حسين بن عقال الفريسي، نا إبراهيم بن محمد الدينوري، نا محمد بن أحمد بن الجهم، نا أحمد بن الهيثم، نا محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء، ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وذكر الحديث.

وقال محمد بن أحمد بن الجهم: ثنا أحمد بن الهيثم، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد ابن زيد، نا المعلى بن زياد، عن الحسن قال: بينا عمر بن الخطاب يمشي في بعض طرق المدينة، إذ وطىء رجل من القوم عقبه فقطع نعله، فأهوى له ضربة. فقال: يا أمير المؤمنين، لطمتني وظلمتني، لا والله ما هذا أردت، فألقى إليه الدرة. فقال: دونك فاقتص، فقال بعضهم: اغفرها لأمير المؤمنين، فقال: لا والله ما أريد مغفرتها، لقد كتبت وحفظت، ولكن إن شئت دللتك على خير من ذلك، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } قال: فإني قد تصدقت، فجاء عمر رقيق فأعطاه خادماً وذكر الحديث. قال أبو محمد: فهذا عمر لم يستجز قياس المغفرة على الصدقة، والعلة عند القائسين واحدة، ولا أرى أن يفارق ظاهر النص. حدثنا يوسف بن عبد الله النمري، نا عبد الوارث بن جبرون، نا قاسم بن أصبغ، ثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، نا أبي ــــ هو زهير بن حرب ــــ نا جرير، عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد: أن عمر بن الخطاب نهى عن المكايلة، قال مجاهد: يعني المقايسة.

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، نا إسماعيل بن إسحاق البصري، نا عيسى بن حبيب، نا عبد الرحمن بن عبد الله بن يزيد المقرىء، نا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد، نا سفيان بن عيينة، عن خلف بن حوشب، عن سلمة بن كهيل قال: قال عمر بن الخطاب: وقد وضحت الأمور، وسنت السنن، ولم يترك لأحد متكلم إلا أن يضل عبد عن عبد. حدثنا ابن نبات، نا أحمد بن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة: أن رجلاً وامرأته أتيا ابن مسعود في تحريم فقال: إن الله تعالى بيَّن فمن أتى الأمر من قبل وجهه فقد بيَّن له، ومن خالف فوالله ما نطيق خلافه، وربما قال: خلافكم.

قال أبو محمد: فهذا ابن مسعود يجعل كل ما ليس في النص خلافاً لله تعالى، ويخبر أن البيان قد تم، وهذا إبطال القياس. أخبرنا المهلب التميمي، نا بن مناس، نا محمد بن مسرور القيرواني، أنا يونس بن عبد الأعلى، نا عبد الله بن وهب قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن المجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ليس عام إلا والذي بعده شر منه، لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فينهدم الإسلام وينثلم.

وكتب إلي النمري أحمد بن فتح الرسان، نا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي، نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري، نا الزبير بن بكار، حدثني سعيد بن داود بن أبي زبر، عن مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، عن طاوس، عن عبد الله بن عمر قال: العلم ثلاثة أشياء: كتاب ناطق وسنة ماضية، ولا أدري. حدثنا أحمد بن عمر، حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، حدثنا أحمد بن عبدان بن محمد الحافظ النيسابوري بالأهواز، نا محمد بن سهل بن عبد الله المقرىء نزيل فسا، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح قال: قال لي صدقة، عن الفضل بن موسى، عن ابن عقبة، عن الضحاك، عن جابر بن زيد قال: لقيني ابن عمر قال: يا جابر إنك من فقهاء البصرة، وستستفتى، فلا تفتينَّ إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية. قال أبو محمد: وهذا نص المنع من القياس والرأي والتقليد. حدثنا عبد الرحمن بن سلمة الكتاني، نا أحمد بن خليل، نا خالد بن سعيد، نا طاهر بن عبد العزيز، نا أبو القاسم مسعدة العطار بمكة ــــ وكان طاهر وأحمد بن خالد يحسنان الثناء عليه ــــ قال: أنا الخزامي ــــ يعني إبراهيم بن المنذر، وحدثنا طاهر بن عصام ــــ كان طاهراً وكان ثقة ــــ عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: العلم ثلاثة: كتاب الله الناطق، وسنة ماضية، ولا أدري.

حدثنا محمد بن سعيد، نا أحمد بن عبد البصير، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن عبد السلام الخشني، نا المثنى، نا عبد الرحمن بن مهدي، نا سفيان الثوري، عن سليمان الشيباني ــــ هو أبو إسحاق ــــ سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: نهى رسول الله عن نبيذ الجر الأخضر، قلت: فالأبيض؟ قال: لا أدري. قال أبو محمد: فلو جاز القياس عند ابن أبي أوفى لقال: ما الفرق بين الأخضر والأبيض كما يقول هؤلاء: الفرق بين الزيت والسمن؟ وبين الفأر الميت والسنور الميت، وبين الأرز والبُر، وسائر ما قاسوا فيه لكنه وقف عند النص، وهذا الذي لا يجوز غيره. حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، نا إبراهيم بن أحمد، نا الفريري، نا البخاري، نا أبو اليمان الحكم بن نافع، أنا شعيب ــــ هو ابن حمرة ــــ عن الزهري، قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه كان عند معاوية في وفد من قريش، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله تعالى، ولا تؤثر عن رسول الله ، فأولئك جهالكم، وذكر باقي الكلام والخبر.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث

في دليل الخطاب (1) | في دليل الخطاب (2) | في دليل الخطاب (3) | في دليل الخطاب (4) | في دليل الخطاب (5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(1) | في إبطال القياس في أحكام الدين(2) | في إبطال القياس في أحكام الدين(3) | في إبطال القياس في أحكام الدين(4) | في إبطال القياس في أحكام الدين(5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(6) | في إبطال القياس في أحكام الدين(7) | في إبطال القياس في أحكام الدين(8) | في إبطال القياس في أحكام الدين(9) | في إبطال القياس في أحكام الدين(10) | في إبطال القياس في أحكام الدين(11) | في إبطال القياس في أحكام الدين(12) | في إبطال القياس في أحكام الدين(13) | في إبطال القياس في أحكام الدين(14) | في إبطال القياس في أحكام الدين(15) | في إبطال القياس في أحكام الدين(16) | في إبطال القياس في أحكام الدين(17)