ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (3)


وهل هذه الطريقة، التي سلكوا من التمويه والغش بقلع الأسماء عن مواضعها وتحريف الكلم عن مواضعه، إلا كمن سمى من النخاسين أواريهم بأسماء المدن، ثم يحلف بالله لقد جاءت هذه الدابة أمس من بلد كذا تدليساً وغشاً؟ وأهل القياس جارون على هذه الطريقة في تسميتهم القياس عبرة واعتباراً. ونسألهم في أي لغة وجدوا ذلك؟ وقد أكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فليت شعري أي قياس في قصة يوسف عليه السلام أترى أنه أبيح لنا بيع إخوتنا كما باعه إخوته؟ أو ترى أن من باعه إخوته يكون ملكاً على مصر ويغلو الطعام في أيامه. أو ترى إذ قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ يأُوْلِي الأَبْصَارِ } أنه أمرنا قياساً على ذلك أن نخرب بيوتنا بأيديهم وأيدينا قياساً على ما أمرنا الله تعالى أن نعتبر به من هدم بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين أما سمعوا قول الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ * وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .

أفيجوز لذي مسكة عقل أن يقول: إن العبرة ههنا القياس وإن معنى هذه الآية: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } لقياساً أما يرى كل ذي حس سليم أن هذه الآية مبطلة للقياس لما قص تعالى عليه أنه يخرج من بين فرث حرام ودم لبناً حلالاً، وأننا نتخذ من تمر النخيل والأعناب مُسْكراً حراماً خبيثاً، ورزقاً حلالاً، وهما من شيء واحد، فظهر أن تساوي الأشياء لا يوجب تساوي حكمها، وصح أن معنى العبرة التعجب فقط، هذا أمر يدريه النساء والصبيان والجهال، حتى حدث من كابر الحس، وادعى أن الاعتبار القياس مجاهرة بالباطل، تالله ما قدرنا أن عاقلاً يرضى لنفسه بهذه الخساسة، وبهذا الكذب في الدين، وبعاجل هذه الفضيحة نعوذ بالله.

والقوم كالفريق يتعلق بما وجد، ولو لم يكن في إبطال القياس إلا هذه الآية لكفى، لأن أولها قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ يأُوْلِي الأَبْصَارِ } فنص الله تعالى كما نسمع على أنه أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم، وأن المؤمنين لم يظنوا قط ذلك، وأن الكفار لم يحتسبوا قط ذلك، فثبت يقيناً بالنص في هذه الآية أن أحكام الله عز وجل جارية على خلاف ما يحتسب الناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، والقياس إنما هو يحتسبه القائسون، لا نص فيه ولا إجماع كظن المالكي أن علة الربا الإدخار في المأكولات في الجنس، وظن الحنفي أنها الوزن أو الكيل في الجنس، وظن الشافعي أنها الأكل في الجنس، وهذه كلها ظنون واحتسابات، فصح أن أحكام الله تعالى تأتي بخلاف ما يقع في النفوس، فهذه الآية أبين شيء في إبطال القياس والحمد لله رب العالمين. وقد قوى بعضهم احتجاجهم بما ذكرنا في قوله: {الْمُؤْمِنِينَ} بما روي عن ابن عباس من قوله في دية الأصابع، ألا اعتبرتم ذلك بالأسنان، عقلها سواء وإن اختلفت منافعها.

قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأن ابن عباس إنما أراد بقوله: هلا اعتبرتم أي هلا تبينتم ذلك بالأصابع فاستبنتم، لأن العبارة عن الشيء هو ما يتبين به الشيء، أي هلا تبينتم أن اختلاف المنافع لا يوجب اختلاف الدية، أو هلا فكرتم وعجبتم في الأصابع، ورأيتم أن اختلاف منافعها لا يوجب اختلاف دياتها ولا اختلاف أحكامها، كما أن الأسنان أيضاً كذلك، وهذا نص جلي من ابن عباس على إبطال القياس، والعلل الموجبة عند القائلين بالقياس لاستواء الأحكام، لأنهم يقولون: إن الدية إنما هي عوض عن الأعضاء المصابة، فيقيسون فقد السمع على فقد البصر في الدية، لأن المنفعة بذلك متساوية فأبطل ابن عباس ذلك ورد إلى نص، ولم يجد الأصابع أصلاً للأسنان يقاس عليه، ولا جعل الأسنان أصلاً للأصابع يقاس عليه، بل سوى بين كل ذلك تسوية واحدة، وهذا هو ضد القياس، لأن القياس عند القائلين به إنما هو رد الفرع إلى الأصل، وليس ههنا أصل وفرع، بل النص ورد أن الأصابع سواء وأن الأسنان سواء وروداً مستوياً فبطل تمويههم الذي راموا به تصحيح أن القياس يسمى عبرة.

ولقد ناظرني كبيرهم في مجلس حافل بهذا الخبر فقلت لـه: إن القياس عند جميع القائلين به، وأنت منهم، إنما هو رد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه أو رد ما لا نص فيه إلى ما فيه نص، وليس في الأصابع ولا في الأسنان إجماع، بل الخلاف موجود في كليهما، وقد جاء عن عمر المفاضلة بين دية الأصابع وبين دية الأضراس، وجاء عنه وعن غيره التسوية بين كل ذلك، فبطل ههنا رد المختلف فيه إلى المجمع عليه والنص في الأصابع والأسنان سواء، ثم من المحال الممتنع أن يكون عند ابن عباس نص ثابت عن النبي في التسوية بين الأصابع وبين الأضراس ثم يفتي هو بذلك قياساً. فقال لي: وأين النص بذلك عن ابن عباس؟ فذكرت لـه الخبر الذي حدثناه عبد اللـه بن ربيع التميمي: ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني، ثنا محمد بن بكر، ثنا سليمان بن الأشعث السجستاني، ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا شعبة بن الحجاج، ثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللـه : «الأَصَابِعُ سَوَاءٌ، الأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، هذِهِ وَهذِهِ سَوَاءٌ» يعني الإبهام والخنصر. فانقطع وسكت.

وزاد بعضهم جنوناً فاحتج في إثبات القياس بقول اللـه تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } . قال أبو محمد: وهذا من الجنون ما هو: لأن العبارة إنما هي في اللغة البيان عن الشيء تقول: هذا الكلام عبارة عن كذا، وعبرت عن فلان إذا بينت عنه ولا مدخل للحكم في شيء من ذلك لشيء لم يذكر اسمه في الشريعة بالحكم في شيء ذكر فيها اسمه، فعارضوا بأن قالوا: العبور هو الجواز والتجاوز من شيء إلى شيء، تقول: عبرت النهر. قالوا: والقياس تجاوز شيء منصوص إلى شيء لا نص فيه. قال أبو محمد: هذا من المكابرة القبيحة، لأن هذا من الأسماء المشتركة التي هي مثل «ضرب» من ضراب الجمل وهو سفادة الناقة و «ضرب» بمعنى الإيلام بإيقاع جسم على جسم المضروب بشدة و «الضرب» العمل. وهكذا عبرت الرؤيا فسرتها، وعبرت النهر أي تجاوزته، فهذان معنيان مختلفان، ليس أحدهما من الآخر في ورد ولا صدر، ومصدر عبرت النهر إنما هو «العبور» ومصدر عبرت الرؤيا إنما هو «العبارة» ومصدر اعتبرت في الشيء إذا فكرت فيه «الاعتبار» و «العبرة» الاسم و «العبرة والاستعبار» التأهب للبكاء والأخذ فيه، «والعبرى» نبات يكون على شطوط الأنهار، و «العبرانية» لغة بني إسرائيل، و «العبير» ضرب من الطيب.

فإذا قلنا: إن معنى عبرت النهر إنما هو تجاوزته، ومعنى عبرت الرؤيا إنما هو فسرتها، فقد وضح أن هذا غير هذان ولو أن المعبر للرؤيا تجاوزها لما كان مبيناً لها، بل يكون تاركاً لها آخذاً في غيرها، كما فعل عابر النهر إذا تجاوزه إلى البر، والاعتبار أيضاً معنى ثالث غير هذين بلا شك، فخلط هؤلاء القوم وأتوا بالسفسطة المجردة، وهو أن يأتي بألفاظ مشتركة تقع على معاني شتى، فيخلط بها على الناس ليوهم أهل العقل أشياء تخرجهم عن نور الحق إلى ظلمة الباطل، وقد حذر الأوائل من هذا الباب جدّاً، وأخبروا أنه أقوى الأسباب في دخول الآفات على الأفهام، وفي إفساد الحقائق، وقد نبهنا نحن عليه في مواضع كثيرة من كتابنا هذا، ومن سائر كتبنا، وقد بينا ذلك في كتاب التقريب، ولم نبق فيه غاية، وبالله تعالى التوفيق. ثم مع ذلك لم يقنعوا بهذا الباب من الباطل، حتى زادوا عليه زيادة كثيرة، وهو أنهم سموا القياس «عبرة» جرأة وتمويهاً، والتسمية في اللغة والكلام المستعمل بيننا كله لا تخلو من وجهين لا ثالث لهما:

أحدهما: اسم سمع من العرب، والعرب لا تعرف القياس في الأحكام في جاهليتها، لأنهم لم يكن لهم شريعة كتابية قبل محمد ، فبطل أن يكون للقياس عندهم اسم. والقسم الثاني: اسم شرعي أوقعه الله تعالى ورسوله على بعض أحكام الشريعة، كالصلاة والزكاة والإيمان والكفر والنفاق، وما أشبه ذلك، وتعالى الله ورسوله عن أن يقيسا، فبطل أن يكون الله تعالى ورسوله سميا القياس عبرة، فهذان القسمان من الأسماء لازمان لكل متكلم بهذه اللغة، ولكل مسلم، وأما الأسماء التي يتفق عليها أقوام من الناس التفاهم في مرادهم، فلذلك لهم مباح بإجماع، إلا أنهم ليس لهم أن يلبسوا بذلك على الناس. وهم في أعظم إثم وحرج إن سموا ما يخالفهم فيه غيرهم باسم واقع على معنى حقيقي ليلزموا خصومهم قبول ما خالفهم فيه، تمويهاً على الضعفاء، وعدواناً كمن سمى الخمر عسلاً يستحلها بذلك، لأن العسل حلال، فبطل أن يسمي القياس عبرة أو اعتباراً، وعلمنا أن أصحاب القياس الذي أحدثوا هذه البدعة هم الذين أحدثوا له هذا الاسم كما أنذر النبي بقوم يأتون في آخر الزمان يسمون الخمر بغير اسمها ليستحلوها بذلك، فقد فعل أصحاب القياس ذلك بعينه، وسموا الباطل عبرة واعتباراً لهم ليصبح لهم باطلاً بذلك لأن العبرة حق: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } ، وبالله تعالى التوفيق.

واحتجوا بآبدة أنست ما قبلها، وهو أن بعضهم استدل على صحة القياس بقول الله تعالى واصفاً لأمر آدم عليه السلام، إذ تكشفت عورته عند أكل الشجرة فقال تعالى: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } . قال أبو محمد: إنما شرطنا أن نتكلم فيما يعقل، وأما الهذيان فلسنا منه في شيء ولا ندري وجه القياس في تغطية آدم عورته بورق الجنة، وليت شعري لو قال لهم خصمهم، مجاوباً لهم بهذا الهذيان: إن هذه حجة في إبطال القياس بماذا كانوا ينفكون منه؟ وهل كان يكون بينه وبينهم فرق. واحتجوا أيضاً بقول الله تعالى حاكياً عن إبراهيم عليه السلام إذ قال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } . قال أبو محمد: وهذه كالتي قبلها، وما يعقل أحد من إحياء الله عز وجل الطير قياساً، ولا أنه يوجب أن يكون الأرز بالأرز متفاضلاً حراماً، وأن الاحتجاج بمثل هذا مما ينبغي المسلم أن يخاف الله عز وجل فيه، وما بين هذا وبين من احتج في إثبات القياس وفي إبطاله بقول الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } فرق، ولكن من لم يبال بما تكلم سهلت عليه الفضائح، وليس العار عاراً عند من يقلده، واحتجوا بقول الله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَـكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وبقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } .

قال أبو محمد: وهذا من نحو ما أوردناه آنفاً من العجائب المدهشة، بينما نحن في تحريم شيء لم يذكر تحريمه في القرآن والسنة ولا في الإجماع، من أجل شبهه لشيء آخر حرم في النص، حتى خرجنا إلى تشبيه الحور العين بالياقوت والمرجان، فكل ذي عقل يدري أن الياقوت والمرجان يباع ويدق ويسرق، ويخرج من البحر الملح، وأنه لا يعقل ولا هو حيوان، أفترى الحور العين يفعل بهن هذا كله؟ تعالى الله عن ذلك، وقد علم كل مسلم أن الحور العين عاقلات أحياء ناطقات، يوطأن ويأكلن ويشربن، فهل الياقوت والمرجان كذلك؟ وإنما شبه الله تعالى الحور العين بالياقوت والمرجان في الصفاء فقط، ونحن لا ننكر تشابه الأشياء وإنما ننكر أن نحكم المتشابهات بحكم واحد في الشريعة بغير نص ولا إجماع، فهذا هو الزور والإفك والضلال، وأما تشابه الأشياء فحق يقين.

وكذلك شبه الله تعالى بطلان أعمال الكفار ببطلان الزرع بالريح التي فيها الصرّ فأي مدخل للقياس ههنا؟ أترى من بطل زرعه خالداً في جهنم كما يفعل بالكافر؟ أو ترى الكافر إذا حبط عمله ذهب زرعه في فدانه، كما يذهب زرع من أصاب زرعه ريح فيها صر؟ هذا ما لا يقوله أحد ممن له طباخ. وأما الحقيقة فإن هاتين الآيتين تبطلان القياس إبطالاً صحيحاً، لأن الله تعالى مثل الحور العين بالياقوت والمرجان، ومثل أعمال الكفار بزرع أصابته ريح فيها صر. ولم يكن تشبيه الحور بالياقوت والمرجان يوجب للياقوت والمرجان الحكم أحكام الحور العين، ولا للحور العين الحكم بأحكام الياقوت والمرجان، ولا كان شبه عمل الكفار بالزرع الذاهب يوجب للزرع الحكم بأحكام أعمال الكفار، من اللعين والبراءة والوعيد، ولا لأعمال الكفار بأحكام الزرع من الانتفاع بتبنه في علف الدواب وغير ذلك. فصح أن تشابه الأشياء لا يوجب لها التساوي في أحكام الديانة، ولا شيء أقوى شبهاً من شيئين شبه الله عز وجل بعضها ببعض، فإذا كان الشبه الذي أخبرنا الله تعالى به لا يوجب لذينك المتشابهين حكماً واحداً فيما لم ينص فيه، فبالضرورة تعلم أن الشبه لا يوجب لذينك المتشابهين حكماً واحداً فيما لم ينص فيه، فبالضرورة تعلم أن الشبه المكذوب المفترى من دعاوى أصحاب القياس أبعد عن أن يوجب لما شبهوا بينهما حكماً واحداً، وبالله تعالى التوفيق.

واحتجوا بقول الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ * أَوَلَـيْسَ الَذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ } . قال أبو محمد: وهذا من عجائبهم وطوامهم، ليت شعري ما في هذه مما يوجب القياس أو أن يحكم في ألا يكون الصدق أقل مما يقطع فيه اليد، وأن يرجم اللوطي كما يرجم الزاني المحصن؟ ولكاد احتجاجهم بهذه الآية أن يخرجهم إلى الكفر، لأنه تعالى لم يوجب أنه يعيد العظام من أجل أنه أنشأها أول مرة، ولا أخبر تعالى أن إنشاءه لها أول مرة يوجب أن يعيدها، ومن ظن هذا فقد افترى.

ومع ذلك فلو كان إنشاء الله تعالى للعظام، أو لا يوجب أن يحييها ثانية، لوجب ضرورة إذا أفناها أيضاً بعد أن أنشأها أولاً أن يفنيها ثانية بعد أن أنشأها ثانية، وهذا ما لا يقولونه، ولا يقول به أحد من المسلمين إلا جهم بن صفوان وحده. ولو كان ذلك أيضاً لوجب أن يعيدهم إلى الدنيا ثانية كما ابتدأهم ونشأهم فيها أول مرة، وهذا كفر مجرد، لا يقول به إلا أصحاب التناسخ، فقبح الله كل احتجاج يفر صاحبه من الانقطاع والإذعان للحق إلى ما يؤدي إلى الكفر، فبطل تمويههم بهذه الآية، وصح أن معناها هو اقتضاء ظاهرها فقط، وهو أن القادر على خلق الأشياء ابتداء قادر على إحياء الموتى. وقد بيَّن الله تعالى نصّاً إذ يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فبين عز وجل أنه إنما بَيَّن ذلك قدرته على كل شيء.

وإنما عارض الله تعالى بهذا قوماً شاهدوا إنشاء الله تعالى للعظام من مَنِيِّ الرجل والمرأة أقرُّوا بذلك وأنكروا قدرته تعالى على إنشائها ثانية وإحيائها، فأراهم الله تعالى فساد تقسيمهم لقدرته، كما قال في أخرى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِـيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فهذه كتلك، وليس في شيء منها أن نحكم لما لا نص فيه بالحكم بما فيه نص من تحريم أو إيجاب أو إباحة أصلاً وأن هذا كله باب واحد، ليس بعضه مقيساً على بعض، ولا أصلاً والآخر فرعاً، وإقدام أصحاب القياس وجرأتهم متناسبة في مذاهبهم وفيما يؤيدونها، نعوذ بالله من الخذلان. واحتجوا أيضاً بقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وبقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } ولقوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } وبقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ } إلى قوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ } وبقوله تعالى: {أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً } .

قال أبو محمد: وهذا كله من جنس ما ذكرناه آنفاً والمحتج بهذه الآيات في إثبات القياس في الأحكام، إما جاهل أعمى لا يدري ما القياس، وإما مموِّه لا يبالي ما قال: ولا ما أطلق به لسانه في استدامة حاله، ولو كان هذا قياساً لوجب أن يحيي الله الموتى كل سنة في أول الربيع، ثم يموتون في أول الشتاء، كما تفعل الثمار وجميع النبات، وهذا مما لا يقوله إلا ممرو، وإنما أخبر تعالى في كل هذه الآيات بأنه يحيي الموتى ويقدر على كل ذلك، لا على أن بعض ذلك مقيس على بعض البتة.

وذكروا أيضاً في ذلك قول الله تعالى: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } ، وبقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } {يأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } .

قال أبو محمد: هذا هو إبطال القياس على الحقيقة، لأنه لا سبيل إلى أن يخلق ثانية من نطفة، ولا من علقة، ولا من مضغة، فإنما معنى هذه الآية: من الله تعالى علينا وتذكيره لنا بقدرته على ما يشاء لا إله إلا هو.

وكذلك الآية التي قبلها: أن الإنسان لم يك شيئاً، ثم خُلق، ولا سبيل إلى أن يعود لا شيء أبداً، بل نفسه عائدة إلى حيث رآها النبي ليلة أسري به، ويعود الجسم تراباً، ثم يجمعان يوم القيامة فيخلد حيّاً باقياً أبد الأبد بلا نهاية ولا فناء، في نعيم أو عذاب فبطل القياس ضرورة من حيث راموا إثباته تمويهاً على اغترابهم. وهذه الآيات كلها هي بمنزلة قوله تعالى: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } فإنما بيَّن قدرته على ما شاهدنا، وعلى ما أخبرنا به مما لم نشاهد وهذا إبطال للقياس ولظنون الجهال، لأن الله تعالى نص على تشابه الأشياء كلها بعضها لبعض، ولم يوجب من أجل ذلك التشابه أن تستوي في أحكامها، وهذا هو نفس قولنا في إبطال القياس في تسوية الأحكام بين الأشياء المشتبهات، وبالله التوفيق.

ومثل ذلك قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } وكقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } الآيات إلى قوله تعالى: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . قال أبو محمد: ولا شبه أقوى من شبه شهد الله تعالى بصحبته، فإذا كان الله تعالى قد شبه الحياة الدنيا بالنبات النابت من الماء النازل من السماء، فهي أشبه الأشياء به، وشبه تلف جثث أولئك العصاة بالعدل، وذلك لا يوجب استواءهما في شيء من الحكم في الشريعة غير الذي نص الله تعالى عليه من البلى بعد الجدة فقط، فبطل ظنهم الفاسد، والحمد لله رب العالمين.

وكذلك أيضاً قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } .

قال أبو محمد: وذلك الزرع يرعى، وليس متعبداً ولا جزاء عليه، في الآخر والقوم الذين شبهوا به ولا شك أنهم خلاف ذلك، وأنهم متعبدون مجازون بالجزاء التام في الآخرة. وأن العجب ليكثر من عظيم تمويههم في الدين، وتدليسهم فيه باحتجاجهم بهذه الآيات في القياس وما عقل قط ذو مسكة عقل أنه يجب في هذه الآيات تحريم بيع التبن بالتبن متفاضلاً، إذا حرم بيع التمر بالتمر متفاضلاً وما قائل هذا قريب من الاستخفاف بالقرآن والشرائع، ونعوذ بالله من هذا. واحتج بعضهم في إثبات القياس بآبدة أنست ما تقدم، وهو أنه قال من الدليل على صحة القياس قول الله تعالى: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } قال: فأشار إلى العرف.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث

في دليل الخطاب (1) | في دليل الخطاب (2) | في دليل الخطاب (3) | في دليل الخطاب (4) | في دليل الخطاب (5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(1) | في إبطال القياس في أحكام الدين(2) | في إبطال القياس في أحكام الدين(3) | في إبطال القياس في أحكام الدين(4) | في إبطال القياس في أحكام الدين(5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(6) | في إبطال القياس في أحكام الدين(7) | في إبطال القياس في أحكام الدين(8) | في إبطال القياس في أحكام الدين(9) | في إبطال القياس في أحكام الدين(10) | في إبطال القياس في أحكام الدين(11) | في إبطال القياس في أحكام الدين(12) | في إبطال القياس في أحكام الدين(13) | في إبطال القياس في أحكام الدين(14) | في إبطال القياس في أحكام الدين(15) | في إبطال القياس في أحكام الدين(16) | في إبطال القياس في أحكام الدين(17)