البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل انصراف رسول الله إلى المنحر واشراكه سيدنا علي بالهدي
قال جابر: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، وسنتكلم على هذا الحديث.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن حميد الأعرج، عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: خطب النبي ﷺ بمنى ونزلهم منازلهم فقال: «لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل الناس حولهم».
قال: وعلمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم.
قال: فسمعته يقول: «إرموا الجمرة بمثل حصى الخذف».
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل إلى قوله: «ثم لينزل الناس حولهم».
وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وأبو داود عن مسدد، عن عبد الوارث.
وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال: خطبنا رسول الله ﷺ ونحن بمنى، ففتحت أسماعنا حتى كأنا نسمع ما يقول. الحديث.
ذكر جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ أشرك علي ابن أبي طالب في الهدي، وأن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي جاء به رسول الله ﷺ مائة من الإبل، وأن رسول الله ﷺ نحر بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة.
قال ابن حبان وغيره: وذلك مناسب لعمره عليه السلام فإنه كان ثلاثا وستين سنة.
وقد قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، ثنا محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: نحر رسول الله ﷺ في الحج مائة بدنة، نحر منها بيده ستين، وأمر ببقيتها فنحرت، وأخذ من كل بدنة بضعة، فجمعت في قدر فأكل منها، وحسى من مرقها.
قال: ونحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها.
وقد روى ابن ماجه بعضه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى به.
وقال الإمام أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني رجل عن عبد الله ابن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عباس قال: أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة، نحر منها ثلاثين بدنة بيده، ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها.
وقال: «قسم لحومها وجلودها، وجلالها بين الناس، ولا تعطين جزارا منها شيئا، وخذ لنا من كل بعير جدية من لحم، واجعلها في قدر واحدة، حتى نأكل من لحمها، ونحسو من مرقها،» ففعل.
وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد عن ابن أبي ليلى، عن علي قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحومها، وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئا.
وقال: «نحن نعطيه من عندنا».
وقال أبو داود: ثنا محمد بن حاتم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن المبارك عن حرملة بن عمران، عن عبد الله بن الحارث الأزدي سمعت عرفة بن الحارث الكندي قال: شهدت رسول الله ﷺ وأتى بالبدن فقال: «أدع لي أبا حسن» فدعي له علي.
فقال: «خذ بأسفل الحربة» وأخذ رسول الله ﷺ بأعلاها ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليا.
تفرد به أبو داود، وفي إسناده ومتنه غرابة، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، أنبأنا عبد الله، أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن أبي القاسم - يعني: مقسما - عن ابن عباس قال: رمى رسول الله ﷺ جمرة العقبة ثم ذبح، ثم حلق.
وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر، وأهدى بمنى بقرة، وضحى هو بكبشين أملحين.