البداية والنهاية/الجزء الرابع/السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط

البداية والنهايةالجزء الرابع المؤلف ابن كثير
السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط



السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط


قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله في سرية إلى أضم في نفر من المسلمين، منهم أبو قتادة الحارث بن ربعي، ومحلم بن جثامة بن قيس.

فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له، معه متيع له ووطب من لبن، فسلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتيعه.

فلما قدمنا على رسول الله أخبرناه الخبر، فنزل فينا القرآن: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا } [النساء: 94] .

هكذا رواه الإمام أحمد، عن يعقوب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه فذكره.

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضمري يحدث، عن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن جده قالا - وكانا شهدا حنينا - قالا: فصلى رسول الله صلاة الظهر.

فقام إلى ظل شجرة فقعد فيه، فقام إليه عيينة بن بدر، فطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي، وهو سيد عامر: «هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة».

فقال عيينة بن بدر: والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن مثل ما أذاق نسائي.

فقال رجل من بني ليث يقال له: ابن مكيتل وهو قصير من الرجال، فقال: يا رسول الله ما أجد لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام، إلا كغنم وردت فشربت أولاها، فنفرت أخراها، استن اليوم وغير غدا.

فقال رسول الله : «هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة» فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية.

فقال قوم محلم بن جثامة: إيتوا به حتى يستغفر له رسول الله .

قال: فجاء رجل طوال ضرب اللحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبي ، فقال النبي : «اللهم لا تغفر لمحلم» قالها ثلاثا، فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه.

قال محمد بن إسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك.

وهكذا رواه أبو داود، من طريق حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق.

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن زيد بن ضميرة، عن أبيه، عن عمه، فذكر بعضه.

والصواب كما رواه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر، عن زياد بن سعد بن ضميرة، عن أبيه، وعن جده.

وهكذا رواه أبو داود من طريق ابن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر، عن زياد بن سعد بن ضميرة، عن أبيه وجده بنحوه، كما تقدم.

وقال ابن إسحاق: حدثني سالم أبو النضر أنه قال: لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم، وقال:

يا معشر قيس سألكم رسول الله قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس، فمنعتموه إياه، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله ، فيغضب الله لغضبه ويلعنكم رسول الله ، فيلعنكم الله بلعنته لكم، لتسلمنه إلى رسول الله أو لآتين بخمسين من بني تميم، كلهم يشهدون أن القتيل كافر ما صلى قط فلا يطلبن دمه.

فلما قال ذلك لهم أخذوا الدية.

وهذا منقطع معضل.

وقد روى ابن إسحاق عمن لا يتهم، عن الحسن البصري: أن محلما لما جلس بين يديه عليه الصلاة والسلام قال له: «أمنته ثم قتلته؟» ثم دعا عليه.

قال الحسن: فوالله ما مكث محلم إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، فرضموا عليه من الحجارة حتى واروه، فبلغ رسول الله فقال: «إن الأرض لتطابق على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم لما أراكم منه».

وقال ابن جرير: ثنا وكيع، ثنا جرير، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: بعث رسول الله محلم بن جثامة مبعثا فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام - وكانت بينهم هنة في الجاهلية - فرماه محلم بسهم فقتله.

فجاء الخبر إلى رسول الله فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: يا رسول الله سن اليوم وغير غدا.

فقال عيينة: لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين فجلس بين يدي رسول الله ليستغفر له، فقال رسول الله : «لا غفر الله لك» فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة حتى مات، فدفنوه فلفظته الأرض.

فجاؤوا النبي فذكروا ذلك له فقال: «إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم من حرمتكم».

ثم طرحوه في جبل فألقوا عليه من الحجارة، ونزلت: { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا.. } الآية

وقد ذكره موسى بن عقبة، عن الزهري، ورواه شعيب، عن الزهري، عن عبد الله بن وهب، عن قبيصة بن ذؤيب نحو هذه القصة، إلا أنه لم يسم محلم بن جثامة، ولا عامر بن الأضبط.

وكذلك رواه البيهقي، عن الحسن البصري بنحو هذه القصة وقال: فيه نزل قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا.. } الآية.

قلت: وقد تكلمنا في سبب نزول هذه الآية ومعناها في التفسير بما فيه الكفاية، ولله الحمد والمنة.

البداية والنهاية - الجزء الرابع
سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد | غزوة الفرع من بحران | خبر يهود بني قينقاع في المدينة | سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة | مقتل كعب بن الأشرف | غزوة أحد في شوال سنة ثلاث | مقتل حمزة رضي الله عنه | فصل نصر الله للمسلمين يوم بدر | فصل فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله | فصل رد رسول الله عين قتادة بن النعمان عندما سقطت يوم أحد | فصل مشاركة أم عمارة في القتال يوم أحد | فصل في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة كعب بن مالك | دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد | فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت | الصلاة على حمزة وقتلى أحد | فصل في عدد الشهداء | فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد | خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في أثر أبي سفيان | فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار | آخر الكلام على وقعة أحد | سنة أربع من الهجرة النبوية | غزوة الرجيع | سرية عمرو بن أمية الضمري | سرية بئر معونة | غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر | قصة عمرو بن سعدي القرظي | غزوة بني لحيان | غزوة ذات الرقاع | قصة غورث بن الحارث | قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك | قصة جمل جابر | غزوة بدر الآخرة | فصل في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة | سنة خمس من الهجرة النبوية غزوة دومة الجندل | غزوة الخندق أو الأحزاب | فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق | فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب | فصل في غزوة بني قريظة | وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه | فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة | مقتل أبي رافع اليهودي | مقتل خالد بن سفيان الهذلي | قصة عمرو بن العاص مع النجاشي | فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة | تزويجه بزينب بنت جحش | نزول الحجاب صبيحة عرس زينب | سنة ست من الهجرة | غزوة ذي قرد | غزوة بني المصطلق من خزاعة | قصة الإفك | غزوة الحديبية | سياق البخاري لعمرة الحديبية | فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة | فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة | سنة سبع من الهجرة غزوة خيبر في أولها | فصل فتح رسول الله عليه السلام للحصون | ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية | فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم | فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها | فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر | ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون | قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر | فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله | فصل من استشهد بخيبر من الصحابة | خبر الحجاج بن علاط البهزي | فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم | فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل | سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة | سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال | سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي | سرية أخرى مع بشير بن سعد | سرية بني حدرد إلى الغابة | السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط | سرية عبد الله بن حذافة السهمي | عمرة القضاء | قصة تزويجه عليه السلام بميمونة | ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة بعد قضاء عمرته | فصل إرسال سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم | فصل رد رسول الله عليه السلام ابنته زينب على زوجها أبي العاص | سنة ثمان من الهجرة النبوية | طريق إسلام خالد بن الوليد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن | سرية كعب بن عمير إلى بني قضاعة | غزوة مؤتة | فصل إصابة جعفر وأصحابه | فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه | فصل في فضل زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم | فصل في من استشهد يوم مؤتة | ما قيل من الأشعار في غزوة مؤتة | كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم | إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ملك العرب من النصارى بالشام | بعثه إلى كسرى ملك الفرس | بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مدينة الإسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي | غزوة ذات السلاسل | سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر | غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | قصة حاطب بن أبي بلتعة | فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة | فصل إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم | فصل نزول النبي عليه السلام إلى مر الظهران | صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة | فصل عدد الذين شهدوا فتح مكة | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة | بعث خالد بن الوليد لهدم العزى | فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام | فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة | غزوة هوازن يوم حنين | الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين | فصل هزيمة هوازن | فصل في الغنائم | فصل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل وليدا | غزوة أوطاس | من استشهد يوم حنين وأوطاس | ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن | غزوة الطائف | مرجعه عليه السلام من الطائف | قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول | اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول | مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة | عمرة الجعرانة في ذي القعدة | إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد | الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات