البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير قال: فلما دنوا من المدينة تلقاهم رسول الله ﷺ والمسلمون، قال: ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله ﷺ مقبل مع القوم على دابة فقال: «خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر».
فأتي بعبد الله بن جعفر فحمله بين يديه.
قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا فرار أفررتم في سبيل الله.
قال: فيقول رسول الله ﷺ: «ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله» وهذا مرسل.
وقد قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا عاصم، عن مؤرق العجلي، عن عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله ﷺ إذا قدم من سفر تلقى الصبيان من أهل بيته، وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه قال: فحملني بين يديه، ثم قال: «جيء بأحد بني فاطمة» إما حسن وإما حسين، فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة.
وقد رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عاصم الأحول عن مؤرق به.
وقال الإمام أحمد: ثنا روح، حدثنا ابن جريج، ثنا خالد بن سارة: أن أباه أخبره أن عبد الله بن جعفر قال: لو رأيتني وقثما وعبيد الله ابني العباس ونحن صبيان نلعب، إذ مر النبي ﷺ على دابة فقال: «ارفعوا هذا إلي» فحملني أمامه وقال لقثم: «ارفعوا هذا إلي» فجعله وراءه.
وكان عبيد الله أحب إلى عباس من قثم، فما استحى من عمه أن حمل قثما وتركه، قال: ثم مسح على رأسه ثلاثا وقال كلما مسح: «اللهم اخلف جعفرا في ولده».
قال: قلت لعبد الله: ما فعل قثم؟
قال: استشهد.
قال: قلت: الله ورسوله أعلم بالخير.
قال: أجل.
ورواه النسائي في (اليوم والليلة) من حديث ابن جريج به. وهذا كان بعد الفتح، فإن العباس إنما قدم المدينة بعد الفتح.
فأما الحديث رواه الإمام أحمد: ثنا إسماعيل، ثنا حبيب بن الشهيد، عن عبد الله بن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير: أتذكر إذ تلقينا رسول الله ﷺ أنا وأنت وابن عباس؟
قال: نعم، فحملنا وتركك.
وبهذا اللفظ أخرجه البخاري، ومسلم من حديث حبيب بن الشهيد، وهذا يعد من الأجوبة المسكتة.
ويروى أن عبد الله بن عباس أجاب به ابن الزبير أيضا، وهذه القصة قصة أخرى كانت بعد الفتح كما قدمنا بيانه، والله أعلم.