البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم
قال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول الله ﷺ عبدا أسود يقال له: مدعم، وكان يُرحِّل لرسول الله ﷺ.
فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود، وقدم إليها ناس من العرب، فبينا مدعم يحط رحل رسول الله ﷺ، وقد استقبلتنا يهود بالرمي حين نزلنا، ولم نكن على تعبية، وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عاثر فأصاب مدعما فقتله.
فقال الناس: هنيئا له بالجنة، فقال النبي ﷺ: «كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا».
فلما سمع بذلك الناس، جاء رجل إلى رسول الله ﷺ بشراك أو شراكين، فقال النبي ﷺ: «شراك من نار أو شراكان من نار».
وهذا الحديث في الصحيحين من حديث مالك، عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه.
قال الواقدي: فعبى رسول الله ﷺ أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، و راية إلى الحباب بن المنذر، و راية إلى سهل بن حنيف، و راية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام، وأخبرهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله.
قال: فبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر، فبرز إليه عليّ فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا، كل ما قتل منهم رجلا دعى من بقي منهم إلى الإسلام.
ولقد كانت الصلاة تحضر ذلك اليوم فيصلي بأصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله عز وجل ورسوله، وقاتلهم حتى أمسى، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمهم الله أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا.
وأقام رسول الله ﷺ بوادي القرى أربعة أيام، فقسم ما أصاب على أصحابه وترك الأرض والنخيل في أيدي اليهود وعاملهم عليها، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله ﷺ خيبر وفدك ووادي القرى، صالحوا رسول الله ﷺ على الجزية، وأقاموا بأيديهم أموالهم.
فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى، لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، ومن وراء ذلك من الشام.
قال: ثم انصرف رسول الله ﷺ راجعا إلى المدينة بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى، وغنَّمه الله عز وجل.
قال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله بن كعب، عن أم عمارة قالت: سمعت رسول الله ﷺ بالجرف وهو يقول: «لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء».
قالت: فذهب رجل من الحي فطرق أهله فوجد ما يكره، فخلى سبيلها ولم يهجر، وضنَّ بزوجته أن يفارقها، وكان له منها أولاد وكان يحبها، فعصى رسول الله ﷺ فرأى ما يكره.