البداية والنهاية/الجزء الرابع/مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة

البداية والنهايةالجزء الرابع المؤلف ابن كثير
مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة



مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة


قال ابن إسحاق: وحدثني بعض بني سعد بن بكر: أن رسول الله قال يوم هوازن: «إن قدرتم على نجاد - رجل من بني سعد بن بكر - فلا يفلتنكم».

وكان قد أحدث حدثا.

فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله من الرضاعة.

قال: فعنفوا عليها في السوق، فقالت للمسلمين: تعلمون والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة؟ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله .

قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن عبيد السعدي - هو أبو وجزة - قال: فلما انتهى بها إلى رسول الله قالت: يا رسول الله إني أختك من الرضاعة.

قال: «وما علامة ذلك؟».

قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك.

قال: فعرف رسول الله العلامة، فبسط لها رداءه فأجلسها عليه وخيرها، وقال: «إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت؟».

قالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله وردها إلى قومها، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية، فزوجت أحدهما الآخر، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية.

وروى البيهقي: من حديث الحكم بن عبد الملك، عن قتادة قال: لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله أنا أختك، أنا شيماء بنت الحارث.

فقال لها: «إن تكوني صادقة فإن بك مني أثر لا يبلى».

قال: فكشفت عن عضدها فقالت: نعم يا رسول الله حملتك وأنت صغير فعضضتني هذه العضة.

قال: فبسط لها رسول الله رداءه، ثم قال: «سلي تعطي، واشفعي تشفعي».

وقال البيهقي: أنبا أبو نصر بن قتادة، أنبا عمرو بن إسماعيل بن عبد السلمي، ثنا مسلم، ثنا أبو عاصم، ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان، أخبرني عمي عمارة بن ثوبان: أن أبا الطفيل أخبره قال: كنت غلاما أحمل عضو البعير، ورأيت رسول الله يقسم نعما بالجعرانة، قال: فجاءته امرأة فبسط لها رداءه، فقلت: من هذه؟

قالوا: أمه التي أرضعته.

هذا حديث غريب، ولعله يريد أخته وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية، وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا، فإن من وقت أرضعت رسول الله إلى وقت الجعرانة أزيد من ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك.

وقد ورد حديث مرسل فيه: أن أبويه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته.

قال أبو داود في (المراسيل): ثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ثنا ابن وهب، ثنا عمرو بن الحارث: أن عمر بن السائب حدثه:

أنه بلغه أن رسول الله كان جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم جاءه أخوه من الرضاعة فقام رسول الله فأجلسه بين يديه.

وقد تقدم أن هوازن بكمالها متوالية برضاعته من بني سعد بن بكر - وهم شرذمة من هوازن - فقال خطيبهم زهير بن صرد: يا رسول الله إنما في الحظائر أمهاتك وخالاتك وحواضنك، فأمنُن علينا منَّ الله عليك، وقال فيما قال:

أمنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك يملؤه من محضها درر

أمنن على نسوة قد كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

فكان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم، فعادت فواضله عليه السلام عليهم قديما وحديثا، خصوصا وعموما.

وقد ذكر الواقدي، عن إبراهيم بن محمد بن شرحبيل، عن أبيه قال: كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي منَّ علينا بالإسلام، ومنَّ علينا بمحمد ، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الأخوة وبنو العم.

ثم ذكر عداوته للنبي ، وأنه خرج مع قومه من قريش إلى حنين وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك، فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله فقال: «أنضير؟».

قلت: لبيك.

قال: «هل لك إلى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه؟».

قال: فأقبلت إليه سريعا.

فقال: «قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع».

قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

فقال رسول الله : «اللهم زده ثباتا»

قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر ثباتا في الدين، وتبصرة بالحق.

فقال رسول الله : «الحمد لله الذي هداه».

البداية والنهاية - الجزء الرابع
سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد | غزوة الفرع من بحران | خبر يهود بني قينقاع في المدينة | سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة | مقتل كعب بن الأشرف | غزوة أحد في شوال سنة ثلاث | مقتل حمزة رضي الله عنه | فصل نصر الله للمسلمين يوم بدر | فصل فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله | فصل رد رسول الله عين قتادة بن النعمان عندما سقطت يوم أحد | فصل مشاركة أم عمارة في القتال يوم أحد | فصل في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة كعب بن مالك | دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد | فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت | الصلاة على حمزة وقتلى أحد | فصل في عدد الشهداء | فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد | خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في أثر أبي سفيان | فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار | آخر الكلام على وقعة أحد | سنة أربع من الهجرة النبوية | غزوة الرجيع | سرية عمرو بن أمية الضمري | سرية بئر معونة | غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر | قصة عمرو بن سعدي القرظي | غزوة بني لحيان | غزوة ذات الرقاع | قصة غورث بن الحارث | قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك | قصة جمل جابر | غزوة بدر الآخرة | فصل في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة | سنة خمس من الهجرة النبوية غزوة دومة الجندل | غزوة الخندق أو الأحزاب | فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق | فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب | فصل في غزوة بني قريظة | وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه | فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة | مقتل أبي رافع اليهودي | مقتل خالد بن سفيان الهذلي | قصة عمرو بن العاص مع النجاشي | فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة | تزويجه بزينب بنت جحش | نزول الحجاب صبيحة عرس زينب | سنة ست من الهجرة | غزوة ذي قرد | غزوة بني المصطلق من خزاعة | قصة الإفك | غزوة الحديبية | سياق البخاري لعمرة الحديبية | فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة | فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة | سنة سبع من الهجرة غزوة خيبر في أولها | فصل فتح رسول الله عليه السلام للحصون | ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية | فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم | فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها | فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر | ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون | قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر | فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله | فصل من استشهد بخيبر من الصحابة | خبر الحجاج بن علاط البهزي | فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم | فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل | سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة | سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال | سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي | سرية أخرى مع بشير بن سعد | سرية بني حدرد إلى الغابة | السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط | سرية عبد الله بن حذافة السهمي | عمرة القضاء | قصة تزويجه عليه السلام بميمونة | ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة بعد قضاء عمرته | فصل إرسال سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم | فصل رد رسول الله عليه السلام ابنته زينب على زوجها أبي العاص | سنة ثمان من الهجرة النبوية | طريق إسلام خالد بن الوليد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن | سرية كعب بن عمير إلى بني قضاعة | غزوة مؤتة | فصل إصابة جعفر وأصحابه | فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه | فصل في فضل زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم | فصل في من استشهد يوم مؤتة | ما قيل من الأشعار في غزوة مؤتة | كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم | إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ملك العرب من النصارى بالشام | بعثه إلى كسرى ملك الفرس | بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مدينة الإسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي | غزوة ذات السلاسل | سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر | غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | قصة حاطب بن أبي بلتعة | فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة | فصل إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم | فصل نزول النبي عليه السلام إلى مر الظهران | صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة | فصل عدد الذين شهدوا فتح مكة | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة | بعث خالد بن الوليد لهدم العزى | فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام | فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة | غزوة هوازن يوم حنين | الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين | فصل هزيمة هوازن | فصل في الغنائم | فصل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل وليدا | غزوة أوطاس | من استشهد يوم حنين وأوطاس | ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن | غزوة الطائف | مرجعه عليه السلام من الطائف | قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول | اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول | مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة | عمرة الجعرانة في ذي القعدة | إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد | الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات