البداية والنهاية/الجزء السابع/ذكر غزو بلاد فارس من ناحية البحرين عن ابن جرير عن سيف
وذلك أن العلاء بن الحضرمي كان على البحرين في أيام الصديق، فلما كان عمر عزله عنها، وولاها لقدامة بن مظعون.
ثم أعاد العلاء بن الحضرمي إليها، وكان العلاء الحضرمي يباري سعد بن أبي وقاص.
فلما افتتح سعد القادسية، وأزاح كسرى عن داره، وأخذ حدود ما يلي السواد واستعلى وجاء بأعظم مما جاء به العلاء بن الحضرمي من ناحية البحرين.
فأحب العلاء أن يفعل فعلا في فارس نظير ما فعله سعد فيهم، فندب الناس إلى حربهم، فاستجاب له أهل بلاده، فجزأهم أجزاء، فعلى فرقة الجارود بن المعلي، وعلى الأخرى السوار بن همام، وعلى الأخرى خليد بن المنذر بن ساوى، وخليد هو أمير الجماعة.
فحملهم في البحر إلى فارس، وذلك بغير إذن عمر له في ذلك - وكان عمر يكره ذلك، لأن رسول الله ﷺ وأبا بكر ما أغزيا فيه المسلمين - فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا من عند أصطخر، فحالت فارس بينهم وبين سفنهم، فقام في الناس خليد بن المنذر، فقال:
أيها الناس، إنما أراد هؤلاء القوم بصنيعهم هذا محاربتكم، وأنتم جئتم لمحاربتهم، فاستعينوا بالله وقاتلوهم، فإنما الأرض والسفن لمن غلب، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، فأجابوه إلى ذلك، فصلوا الظهر ثم ناهدوهم، فاقتتلوا قتالا شديدا في مكان من الأرض، يدعى: طاوس.
ثم أمر خليد المسلمين فترجلوا وقاتلوا، فصبروا ثم ظفروا، فقتلوا فارس مقتلة لم يقتلوا قبلها مثلها.
ثم خرجوا يريدون البصرة، فغرقت بهم سفنهم، ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا، ووجدوا شهرك في أهل أصطخر قد أخذوا على المسلمين بالطرق، فعسكروا وامتنعوا من العدو.
ولما بلغ عمر صنع العلاء بن الحضرمي اشتد غضبه عليه، وبعث إليه فعزله، وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه، وأبغض الوجوه إليه.
فقال: الحق بسعد بن أبي وقاص
وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان: أن العلاء بن الحضرمي خرج بجيش، فأقطعهم أهل فارس وعصاني، وأظنه لم يرد الله بذلك، فخشيت عليهم أن لا ينصروا، أن يغلبوا وينشبوا، فأندب إليهم الناس، واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا.
فندب عتبة المسلمين، وأخبرهم بكتاب عمر إليه في ذلك، فانتدب جماعة من الأمراء الأبطال، منهم: هاشم بن أبي وقاص، وعاصم بن عمرو، وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة بن محصن، والأحنف بن قيس، وغيرهم، في اثني عشر ألفا.
وعلى الجميع أبو سبرة بن أبي رهم.
فخرجوا على البغال يجنبون الخيل سراعا، فساروا على الساحل لا يلقون أحدا حتى انتهوا إلى موضع الوقعة التي كانت بين المسلمين من أصحاب العلاء، وبين أهل فارس بالمكان المسمى: بطاوس، وإذا خليد بن المنذر ومن معه من المسلمين محصورون قد أحاط بهم العدو من كل جانب، وقد تداعت عليهم تلك الأمم من كل وجه، وقد تكاملت أمداد المشركين، ولم يبق إلا القتال.
فقدم المسلمون إليهم في أحوج ما هم فيه إليهم، فالتقوا مع المشركين رأسا، فكسر أبو سبرة المشركين كسرة عظيمة، وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا، وأخذ منهم أموالا جزيلةً باهرةً، واستنقذ خليدا ومن معه من المسلمين من أيديهم، وأعز به الإسلام وأهله، ودفع الشرك وذله، ولله الحمد والمنة.
ثم عادوا إلى عتبة بن غزوان إلى البصرة.
ولما استكمل عتبة فتح تلك الناحية، استأذن عمر في الحج فأذن له، فسار إلى الحج، واستخلف على البصرة أبا سبرة بن أبي رهم واجتمع بعمر في الموسم، وسأله أن يقيله فلم يفعل، وأقسم عليه عمر ليرجعن إلى عمله.
فدعا عتبة الله عز وجل فمات ببطن نخلة، وهو منصرف من الحج فتأثر عليه عمر، وأثنى عليه خيرا، وولى بعده بالبصرة المغيرة بن شعبة، فوليها بقية تلك السنة والتي تليها، لم يقع في زمانه حدث، وكان مرزوق السلامة في عمله.
ثم وقع الكلام في تلك المرأة من أبي بكرة، فكان أمره ما قدمنا.
ثم بعث إليها أبا موسى الأشعري واليا عليها رضي الله عنهم.