البداية والنهاية/الجزء السابع/فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم



فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم


ذكر سيف عن مشايخه: أن سارية بن زنيم قصد فسا ودار أبجرد، فاجتمع له جموع - من الفرس والأكراد - عظيمة، ودهم المسلمين منهم أمر عظيم وجمع كثير، فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار، وأنهم في صحراء وهناك جبل إن أسندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فنادى من الغد الصلاة جامعة، حتى إذا كانت الساعة التي رأى أنهم اجتمعوا فيها، خرج إلى الناس وصعد المنبر، فخطب الناس وأخبرهم بصفة ما رأى، ثم قال: يا سارية الجبلَ الجبلَ، ثم أقبل عليهم، وقال: إن لله جنودا ولعل بعضها أن يبلغهم.

قال: ففعلوا ما قال عمر، فنصرهم الله على عدوهم، وفتحوا البلد.

وذكر سيف في رواية أخرى عن شيوخه: أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قال: يا سارية بن زُنَيم، الجبلَ الجبلَ.

فلجأ المسلمون إلى جبل هناك فلم يقدر العدو عليهم إلا من جهة واحدة فأظفرهم الله بهم، وفتحوا البلد.

وغنموا شيئا كثيرا، فكان من جملة ذلك سفط من جوهر فاستوهبه سارية من المسلمين لعمر، فلما وصل إليه مع الأخماس قدم الرسول بالخمس، فوجد عمر قائما في يده عصا وهو يطعم المسلمين سماطهم، فلما رآه عمر قال له: اجلس - ولم يعرفه - فجلس الرجل فأكل مع الناس، فلما فرغوا انطلق عمر إلى منزله واتبعه الرجل، فاستأذن فأذن له وإذا هو قد وضع له خبز وزيت وملح، فقال: ادن فكل.

قال: فجلست فجعل يقول لامرأته: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟

فقالت: إني اسمع حس رجل عندك.

فقال: أوما ترضين أن يقال أم كلثوم بنت عمر على وامرأة عمر.

فقالت: ما أقل غناء ذلك عني.

ثم قال للرجل: ادن فكل، فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى. فـأكلا فلما فرغا قال: أنا رسول سارية بن زُنَيْم يا أمير المؤمنين.

فقال: مرحبا وأهلا، ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمين، ثم سأله عن سارية بن زنيم فأخبره، ثم ذكر له شأن السفط من الجوهر، فأبى أن يقبله، وأمر برده إلى الجند.

وقد سأل أهل المدينة رسول سارية عن الفتح فأخبرهم فسألوه: هل سمعوا صوتا يوم الوقعة؟

قال: نعم. سمعنا قائلا يقول: يا سارية الجبل، وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه، ففتح الله.

ثم رواه سيف: عن مجالد، عن الشعبي بنحو هذا.

وقال عبد الله بن وهب: عن يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر وجه جيشا، ورأس عليهم رجلا يقال له: سارية، قال: فبينما عمر يخطب فجعل ينادي: يا ساري الجبل يا ساري الجبل، ثلاثا.

ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذا سمعنا مناديا: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله.

قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك.

وهذا إسناد جيد حسن.

وقال الواقدي: حدثني نافع بن أبي نعيم، عن نافع مولى ابن عمر أن عمر قال على المنبر: يا سارية بن زنيم الجبل، فلم يدر الناس ما يقول حتى قدم سارية بن زنيم المدينة على عمر فقال: يا أمير المؤمنين، كنا محاصري العدو فكنا نقيم الأيام لا يخرج علينا منهم أحد، نحن في خفض من الأرض وهم في حصن عال، فسمعت صائحا ينادي بكذا وكذا: يا سارية بن زنيم الجبل، فعلوت بأصحابي الجبل، فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا.

وقد رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي: من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر بنحوه، وفي صحته من حديث مالك نظر.

وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد، عن أسلم، عن أبيه، وأبو سليمان، عن يعقوب بن زيد قالا: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة إلى الصلاة، فصعد المنبر ثم صاح: يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم، ثم خطب حتى فرغ.

فجاء كتاب سارية إلى عمر: أن الله قد فتح علينا يوم الجمعة ساعة كذا وكذا - لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر - قال سارية:

فسمعت صوتا: يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم، فعلوت بأصحابي الجبل، ونحن قبل ذلك في بطن واد، ونحن محاصروا العدو، ففتح الله علينا.

فقيل لعمر بن الخطاب: ما ذلك الكلام؟.

فقال: والله ما ألقيت له إلا بشيء ألقي علي لساني.

فهذه طرق يشد بعضها بعضا.

البداية والنهاية - الجزء السابع
سنة ثلاث عشرة من الهجرة | وقعة اليرموك | انتقال إمرة الشام من خالد إلى أبي عبيدة بعد وقعة اليرموك | وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام | خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | فتح دمشق | فصل الاختلاف في فتح دمشق صلحا أو عنوة | بعث خالد بن الوليد إلى البقاع لفتحه | وقعة فحل | ما وقع بأرض العراق آنذاك من القتال | وقعة النمارق | وقعة جسر أبي عبيد ومقتل أمير المسلمين وخلق كثير منهم | وقعة البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس | فصل بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص أميرا على العراق | ذكر اجتماع الفرس على يزدجرد بعد اختلافهم | ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث | ذكر المتوفين في هذه السنة مرتبين على الحروف | سنة أربع عشرة من الهجرة | غزوة القادسية | فصل وقعة القادسية | ذكرى من توفى في هذا العام من المشاهير | ثم دخلت سنة خمس عشرة | وقعة حمص الأولى | وقعة قنسرين | وقعة قيسارية | وقعة أجنادين | فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب | أيام برس وبابل وكوثى | وقعة نهرشير | ومن توفي هذه السنة مرتبين على الحروف | ثم دخلت سنة ست عشرة | ذكر فتح المدائن | وقعة جلولاء | ذكر فتح حلوان | فتح تكريت والموصل | فتح ماسبذان من أرض العراق | فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة | ثم دخلت سنة سبع عشرة | أبو عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدوم عمر إلى الشام | فتح الجزيرة | شيء من أخبار طاعون عمواس | كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين أيضا | فتح الأهواز ومناذر ونهر تيري | فتح تستر المرة الأولى صلحا | ذكر غزو بلاد فارس من ناحية البحرين عن ابن جرير عن سيف | ذكر فتح تستر ثانية وأسر الهرمزان وبعثه إلى عمر بن الخطاب | فتح السويس | ثم دخلت سنة ثماني عشرة | ذكر طائفة من أعيانهم رضي الله عنهم | ثم دخلت سنة تسع عشرة | ذكر من توفى فيها من الأعيان | سنة عشرين من الهجرة | صفة فتح مصر عن ابن إسحاق وسيف | قصة نيل مصر | ذكر المتوفين من الأعيان | ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وكانت وقعة نهاوند | ذكر من توفي إحدى وعشرين | ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وفيها كانت فتوحات كثيرة | فتح الري | فتح قومس | فتح جرجان | وهذا فتح أذربيجان | فتح الباب | أول غزو الترك | قصة السد | بقية من خبر السد | قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى | خراسان مع الأحنف بن قيس | ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب | فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم | فتح كرمان وسجستان ومكران | غزة الأكراد | خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد | وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى | صفته رضي الله عنه | ذكر زوجاته وأبنائه وبناته | ذكر بعض ما رثي به | أحداث وقعت في هذه السنة | ذكر من توفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثم استهلت سنة أربع وعشرين | ثم دخلت سنة خمس وعشرين | ثم دخلت سنة ست وعشرين | ثم دخلت سنة سبع وعشرين | غزوة إفريقية | غزوة الأندلس | ثم دخلت سنة ثمان وعشرين فتح قبرص | ثم دخلت سنة تسع وعشرين | سنة ثلاثين من الهجرة النبوية | فصل ذكر الذهبي وفاة أبي بن كعب | ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين | كيفية قتل كسرى ملك الفرس وهو يزدجرد | ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين | ذكر من توفي من الأعيان في هذا السنة | ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين | ثم دخلت سنة أربع وثلاثين | ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان | ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية من مصر | ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان | فصل استمرار حصار عثمان بن عفان | صفة قتله رضي الله عنه | فصل مقتل عثمان رضي الله عنه | فصل مدة حصاره أربعون يوما | ذكر صفته رضي الله عنه | فصل قتل عثمان أول الفتن وآخر الفتن الدجال | وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه | إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم | بعض الأحاديث الواردة في فضائل عثمان بن عفان | الأول فيما ورد في فضائله مع غيره | القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده | ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته | شيء من خطبه | فصل من مناقبه رضي الله عنه | فصل ومن مناقبه أيضا | ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم | فصل ذكر حديث تدور رحا الإسلام | في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين | خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه | ذكر بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة | ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة | ابتداء وقعة الجمل | مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام | فصل فراغ علي رضي الله عنه من أمر الجمل | فصل في ذكر أعيان من قتل يوم الجمل | وفي هذه السنة أعني سنة ست وثلاثين | فصل في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام | ثم دخلت سنة سبع وثلاثين | رفع أهل الشام المصاحف | قصة التحكيم | خروج الخوارج | فصل قد تقدم أن عليا رضي الله عنه لما رجع من الشام بعد وقعة صفين | اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل | خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم عليا | مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج | ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة | فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان | فصل ما جرى من أحداث في قصة التحكيم | فصل قتاله للخوارج كان سنة سبع وثلاثين | ذكر من توفي فيها من الأعيان | ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين | فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين | ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان | ثم دخلت سنة تسع وثلاثين | سنة أربعين من الهجرة | ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | صفة مقتله رضي الله عنه | ذكر زوجاته وبنيه وبناته | شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | حديث المؤآخاة | تزويجه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما | حديث غدير خم | حديث الطير | حديث آخر في فضل علي