البداية والنهاية/الجزء السابع/فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة



فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة


قال ابن جرير وغيره: لما رجع هاشم من جلولاء إلى المدائن، وكان أهل الجزيرة قد أمدوا أهل حمص على قتال أبي عبيدة وخالد - لما كان هرقل بقنسرين - واجتمع أهل الجزيرة في مدينة هيت.

كتب سعد إلى عمر في ذلك، فكتب إليه: أن يبعث إليهم جيشا، وأن يؤمر عليهم عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف، فسار فيمن معه من المسلمين إلى هيت، فوجدهم قد خندقوا عليهم، فحاصرهم حينا، فلم يظفر بهم.

فسار في طائفة من أصحابه، واستخلف على محاصرة هيت الحارث بن يزيد، فراح عمر بن مالك إلى قرقيسيا فأخذها عنوة، وأنابوا إلى بذل الجزية، وكتب إلى نائبه على هيت: إن لم يصالحوا أن يحفر من وراء خندقهم خندقا، ويجعل له أبوابا من ناحيته.

فلما بلغهم ذلك أنابوا إلى المصالحة.

قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ الذهبي: وفي هذه السنة بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين، فصالح أهل حلب، ومنبج، وأنطاكية، على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة، قال:

وفيها افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم.

قال: وفيها فيما ذكر ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصر إيليا فسألوا الصلح على أن يقدم عمر فيصالحهم على ذلك، فكتب أبو عبيدة إلى عمر فقدم حتى صالحهم، وأقام أياما ثم رجع إلى المدينة.

قلت: قد تقدم هذا فيما قبل هذه السنة والله أعلم.

قال الواقدي: وفي هذه السنة حمى عمر الربذة بخيل المسلمين.

وفيها: غرب عمر أبا محجن الثقفي إلى باضع.

وفيها: تزوج عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد.

قلت: الذي قتل يوم الجسر، وكان أمير السرية، وهي: أخت المختار بن أبي عبيد، أمير العراق فيما بعد، وكانت امرأة صالحة، وكان أخوها فاجرا وكافرا أيضا.

قال الواقدي: وفيها حج عمر بالناس، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت.

قال: وكان نائبه على مكة عتاب، وعلى الشام أبو عبيدة، وعلى العراق سعد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى بن أمية، وعلى اليمامة والبحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى عُمان حذيفة بن محصن، وعلى البصرة المغيرة بن شعبة، وعلى الموصل ربعي الأفكل، وعلى الجزيرة عياض بن غنم الأشعري.

قال الواقدي: وفي ربيع الأول من هذه السنة - أعني: سنة ست عشرة - كتب عمر بن الخطاب التاريخ، وهو أول من كتبه.

قلت: قد ذكرنا سببه في سيرة عمر، وذلك: أنه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين يحل عليه في شعبان، فقال: أي شعبان؟ أَمِنْ هذه السنة أم التي قبلها أم التي بعدها؟.

ثم جمع الناس فقال: ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم.

فيقال: أنهم أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك.

ومنهم من قال: أرخوا بتاريخ الروم من زمان إسكندر، فكرهوا ذلك، ولطوله أيضا.

وقال قائلون: أرخوا من مولد رسول الله .

وقال آخرون: من مبعثه عليه السلام.

وأشار علي بن أبي طالب وآخرون: أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد، فإنه أظهر من المولد والمبعث.

فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله ، وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها.

وعند مالك رحمه الله فيما حكاه عن السهيلي وغيره: أن أول السنة من ربيع الأول لقدومه عليه السلام إلى المدينة.

والجمهور: على أن أول السنة من المحرم، لأنه أضبط لئلا تختلف الشهور، فإن المحرم أول السنة الهلالية العربية.

وفي هذه السنة - أعني: سنة ست عشرة - توفيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله ، وذلك في المحرم منها، فيما ذكره الواقدي وابن جرير وغير واحد.

وصلى عليها عمر بن الخطاب، وكان يجمع الناس لشهود جنازتها، ودفنت بالبقيع رضي الله عنها وأرضاها، وهي: مارية القبطية أهداها صاحب الإسكندرية، -وهو جريج بن مينا - في جملة تحف وهدايا لرسول الله ، فقبل ذلك منه، وكان معها أختها شيرين التي وهبها رسول الله لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان.

ويقال: أهدى المقوقس معهما جاريتين أخرتين، فيحتمل أنهما كانتا خادمتين لمارية وشيرين.

وأهدى معهن غلاما خصيا اسمه: مابور، وأهدى مع ذلك بغلة شهباء اسمها: الدلدل، وأهدى حلة حرير من عمل الإسكندرية.

وكان قدوم هذه الهدية في سنة ثمان.

فحملت مارية من رسول الله بإبراهيم عليه السلام، فعاش عشرين شهرا، ومات قبل أبيه رسول الله بسنة سواء.

وقد حزن عليه رسول الله ، وبكى عليه، وقال: « تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ». وقد تقدم ذلك في سنة عشر.

وكانت مارية هذه من الصالحات الخيرات الحسان، وقد حظيت عند رسول الله وأعجب بها، وكانت جميلة ملاحة أي: حلوة، وهي تشابه هاجر سرية الخليل، فإن كلا منهما من ديار مصر، وتسراها نبي كريم، وخليل جليل عليهما السلام.

البداية والنهاية - الجزء السابع
سنة ثلاث عشرة من الهجرة | وقعة اليرموك | انتقال إمرة الشام من خالد إلى أبي عبيدة بعد وقعة اليرموك | وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام | خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | فتح دمشق | فصل الاختلاف في فتح دمشق صلحا أو عنوة | بعث خالد بن الوليد إلى البقاع لفتحه | وقعة فحل | ما وقع بأرض العراق آنذاك من القتال | وقعة النمارق | وقعة جسر أبي عبيد ومقتل أمير المسلمين وخلق كثير منهم | وقعة البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس | فصل بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص أميرا على العراق | ذكر اجتماع الفرس على يزدجرد بعد اختلافهم | ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث | ذكر المتوفين في هذه السنة مرتبين على الحروف | سنة أربع عشرة من الهجرة | غزوة القادسية | فصل وقعة القادسية | ذكرى من توفى في هذا العام من المشاهير | ثم دخلت سنة خمس عشرة | وقعة حمص الأولى | وقعة قنسرين | وقعة قيسارية | وقعة أجنادين | فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب | أيام برس وبابل وكوثى | وقعة نهرشير | ومن توفي هذه السنة مرتبين على الحروف | ثم دخلت سنة ست عشرة | ذكر فتح المدائن | وقعة جلولاء | ذكر فتح حلوان | فتح تكريت والموصل | فتح ماسبذان من أرض العراق | فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة | ثم دخلت سنة سبع عشرة | أبو عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدوم عمر إلى الشام | فتح الجزيرة | شيء من أخبار طاعون عمواس | كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين أيضا | فتح الأهواز ومناذر ونهر تيري | فتح تستر المرة الأولى صلحا | ذكر غزو بلاد فارس من ناحية البحرين عن ابن جرير عن سيف | ذكر فتح تستر ثانية وأسر الهرمزان وبعثه إلى عمر بن الخطاب | فتح السويس | ثم دخلت سنة ثماني عشرة | ذكر طائفة من أعيانهم رضي الله عنهم | ثم دخلت سنة تسع عشرة | ذكر من توفى فيها من الأعيان | سنة عشرين من الهجرة | صفة فتح مصر عن ابن إسحاق وسيف | قصة نيل مصر | ذكر المتوفين من الأعيان | ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وكانت وقعة نهاوند | ذكر من توفي إحدى وعشرين | ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وفيها كانت فتوحات كثيرة | فتح الري | فتح قومس | فتح جرجان | وهذا فتح أذربيجان | فتح الباب | أول غزو الترك | قصة السد | بقية من خبر السد | قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى | خراسان مع الأحنف بن قيس | ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب | فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم | فتح كرمان وسجستان ومكران | غزة الأكراد | خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد | وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى | صفته رضي الله عنه | ذكر زوجاته وأبنائه وبناته | ذكر بعض ما رثي به | أحداث وقعت في هذه السنة | ذكر من توفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثم استهلت سنة أربع وعشرين | ثم دخلت سنة خمس وعشرين | ثم دخلت سنة ست وعشرين | ثم دخلت سنة سبع وعشرين | غزوة إفريقية | غزوة الأندلس | ثم دخلت سنة ثمان وعشرين فتح قبرص | ثم دخلت سنة تسع وعشرين | سنة ثلاثين من الهجرة النبوية | فصل ذكر الذهبي وفاة أبي بن كعب | ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين | كيفية قتل كسرى ملك الفرس وهو يزدجرد | ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين | ذكر من توفي من الأعيان في هذا السنة | ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين | ثم دخلت سنة أربع وثلاثين | ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان | ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية من مصر | ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان | فصل استمرار حصار عثمان بن عفان | صفة قتله رضي الله عنه | فصل مقتل عثمان رضي الله عنه | فصل مدة حصاره أربعون يوما | ذكر صفته رضي الله عنه | فصل قتل عثمان أول الفتن وآخر الفتن الدجال | وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه | إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم | بعض الأحاديث الواردة في فضائل عثمان بن عفان | الأول فيما ورد في فضائله مع غيره | القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده | ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته | شيء من خطبه | فصل من مناقبه رضي الله عنه | فصل ومن مناقبه أيضا | ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم | فصل ذكر حديث تدور رحا الإسلام | في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين | خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه | ذكر بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة | ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة | ابتداء وقعة الجمل | مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام | فصل فراغ علي رضي الله عنه من أمر الجمل | فصل في ذكر أعيان من قتل يوم الجمل | وفي هذه السنة أعني سنة ست وثلاثين | فصل في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام | ثم دخلت سنة سبع وثلاثين | رفع أهل الشام المصاحف | قصة التحكيم | خروج الخوارج | فصل قد تقدم أن عليا رضي الله عنه لما رجع من الشام بعد وقعة صفين | اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل | خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم عليا | مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج | ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة | فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان | فصل ما جرى من أحداث في قصة التحكيم | فصل قتاله للخوارج كان سنة سبع وثلاثين | ذكر من توفي فيها من الأعيان | ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين | فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين | ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان | ثم دخلت سنة تسع وثلاثين | سنة أربعين من الهجرة | ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | صفة مقتله رضي الله عنه | ذكر زوجاته وبنيه وبناته | شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | حديث المؤآخاة | تزويجه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما | حديث غدير خم | حديث الطير | حديث آخر في فضل علي